خطبة : إنما الجزاء من جنس العمل

عبد الرحيم المثيلي
1439/06/20 - 2018/03/08 16:57PM

الخطبة الأولى

الحمْدُ للهِ الذي شَرحَ صُدورَ الموفقين بألْطَافِ برهِ وَآلائِه، ونوَّرَ بصائرَهم بمشاهدةِ حِكَمِ شَرعِهِ وبَديعِ صُنعِهِ ومُحكَمِ آياتِهِ، وألهمَهُم كلِمَةَ التَّقوى، وَكانوا أحقَّ بها وَأهلَهَا وَأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، في أسْمائِه، وَصفاتِه، وأفعالِه، وخيراتِه، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه، أشرف رسلِهِ وخير برياته، اللهم صلِّ وسلّم وباركْ على محمَّدٍ وَعلى آلهِ وأصحَابِهِ في غَدَواتِ الدَّهرِ وروْحَاتِه.

أمَّا بعْدُ: فاتقوا الله – عبادَ الله- واعلموا أنَّ سَعادةَ الدنيا وَالآخرةِ بصلاحِ القلوبِ وانشراحِها، وزوالِ همومِها وغمومِها وأتراحِها، فالزموا طاعةَ الله، وطاعةَ رسولِه، تدركوا هذا المطلوب، واذكروا الله كثيرا، ألا بذكر الله تطمئنُ القلوب.

 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إن للهِ – تبارك وتَعَالى- في خَلقِهِ وَفي الكَونِ سُنَناً ثَابِتَة، لا تَتَغَيَّرُ وَلا تَتَبَدَّلُ، وَلا تَزُولُ وَلا تَحُولُ، وَمِن تِلكَ السُّنَنِ العَظِيمَةِ المُحكَمَةِ أنَّ الجزاءَ مِنْ جِنسِ العَمَل ولهذا أخبرنا ربُنا تباركَ وَتعالى في كثيرٍ مِن الآياتِ القرآنيَّةِ أنَّهُ يُعاملُ خلقَه بجنسِ عَملِهم، إنْ خَيراً فخير، وإنْ شَراً فشر، وَقدْ نصَّ اللهُ على ذلكَ في أكثرَ مِنْ مائةِ مَوضعٍ مِنْ كِتابِهِ، فقالَ سُبْحَانَه وَتعَالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 123].

وَقالَ تعالى وَتقدسَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7،8]

وَقالَ تعَالى: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [الفتح: 10]، وَقالَ جَلَّ ذكرُه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23], وَقالَ جَلَّ ثناؤه: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43], وَقالَ عَزَّ سُلطانُهُ: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الصافات: 39], وَقالَ جَلَ شَأنُهُ: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس: 27] وغيرها مِنْ الآياتِ القُرآنيَّةِ الدَّالةِ عَلى هذهِ السُّنَّةِ الربَّانيَّة             

عباد الله : وَالجزاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ مِنْهُ مَا يَكونُ في الدنيا، وَمِنْهُ مَا يَكونُ في الآخرةِ

فمنها : تَسليطُ الظالمينَ بَعْضِهم عَلى بَعض: قَالَ جَلَّ وَعَلا: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129].

ومنها : مُعَاملةُ المنافقِينَ وَالكَافِرينَ بِجنْسِ مَا يُعامِلونَ بِهِ اللهَ وَالمؤمِنين: قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79] فالسخْريةُ مِن المنافقِينَ وَالكَافِرينَ تَكونُ بالطَّبعِ عَلى قُلوبِهم، وَبإمْهَالِهم في غَيَّهِم وَطُغْيَانِهم يَعْمَهُون. وَقالَ اللهُ تَعَالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67] وَمَنْ نَسيَهُ اللهُ فَلا تَسَلْ عَنْ حَالِه فَلا يَعبأُ اللهُ بهم شيئاً , وَلا يُباليهم اللهُ بَالة عِياذاً باللهِ مِنْ هَذا الحال, وَمِنْ سُوءِ المآل .

ومنها : أنَّ نَصْرَ اللهِ للمُؤمنينَ في الدنيا مَنوطٌ بنصْرِهم لدينِ اللهِ تعالى وَسَعْيهِم لإعِلاءِ كَلمتِه وَنُصرتِهِم لبعَضِهم بَعْضا: قَالَ اللهُ سُبْحَانَه وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7], وَقَالَ جَلّتْ عَظمتُهُ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج:40].

وَعَنْ جَابر t أنَّ النَّبيَّ r قالَ: " مَا مِنْ امرئ يخذُلُ امْرءاً مُسْلماً في مَوطنٍ يُنْتَقَصُ فيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إلا خَذَلَه اللهُ تعالى في مَوْطِنٍ يُحِبُ فيهِ نُصْرتَه, وَمَا مِنْ أحَدٍ ينصرُ مُسلماً في مَوطنٍ يُنتقصُ فيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنتهَكُ فيهِ مِنْ حُرْمتِهِ إلا نصرَهُ اللهُ في موطنٍ يُحبُ فيهِ نصرتَه".[ أبو داود ].

ومنها : مُعامَلةُ أهْلِ الإحْسانِ بالإحْسان: يَقولُ اللهُ تَعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60], وَيقولُ جَلَّ ثناؤه: {للَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس: 26]

ومنها : مُعامَلةُ المنافقِينَ وَالكَافرينَ بجنْسِ مَا كانوا يُعامِلونَ بهِ الحَقَّ وَأهْلَه: يقولُ اللهُ تباركَ وَتعَالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ *هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ*} [المطففين 29: 36]

ومنها : مُعامَلةُ المتكبرينَ في الدنيا بالإذلالِ وَالتحقيرِ مِنْ شَأنهِم يَومَ القِيامَةِ جَزاءَ تَكبرِهِم . عَنْ عَبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أنَّ النَّبيَّ r قالَ:" يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ" [  الترمذي  ].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: وَمِن تَمَامِ هَذِهِ السُّنَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ المُحكَمَةِ في أَنَّ الجَزَاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ، أَنَّهَا تَتَحَقَّقُ حَتَّى فِيمَا يَفعَلُهُ النَّاسُ بِبَعضِهِم وَمَا يَتَصَرَّفُ بِهِ كُلٌّ مِنهُم حِيَالَ الآخَرِ، رَوَى الإمام مُسلِمٌ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ أبي هريرة t أَنَّ النَّبيَّ r قَالَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ »، وَرَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ في مُسنَدِهِ مِن حَدِيثِ أَبي الدَّردَاءِ t أَنَّ النَّبيَّ r قَالَ: "مَن رَدَّ عَن عِرضِ أَخِيهِ، رَدَّ اللهُ عَن وَجهِهِ النَّارَ يَومَ القِيَامَةِ".

وصحَّ أنَّ النبي r قال: "من ضَارَّ أضرَ الله به ومن شاقَّ شَاقَّ اللهَ عَليه" [ أبو داود  والترمذي وَابن مَاجَه ].

مَنْ ضَارَّ: أيْ مَنْ أدْخلَ عَلى مُسْلمٍ مَضرةً في مَالِه أو نفسِه أو عِرضِهِ بغير حَق.

أضَرَّ اللهُ بِه، وَمَنْ شَاقَّ: أيْ نَازعَ مُسْلماً وَشَقَّ عَليه، شَاقَّ اللهُ عَليه: أيْ أنزلَ اللهُ عَليهِ المشقة .

وَمَنْ يَعفُ عَنْ الخلقِ ويتجَاوز عَنْ زلّاتهِم يَعْفُ اللهُ عَنْه وَيتجاوز عَنْه . قالَ تعالى: {وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ } [النور:22].

وَهكذا – عباد الله - : من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر عليه أو على الخلق وضعه، ومن عفى وسامح سامحه الله وعفى عنه، ومن استقصى استقصى الله عليه، ومن تتبع عوراتِ المسلمين تتبع الله عورته وفضحه، ومن تورع عن عيوب الخلق كف الله عن عرضه، ومن تقرب إلى الله، تقرب الله منه، ومن أعرض عن الله، أعرض الله عنه، ومن وصل رحمه وصله الله، ومن قطعها قطعه الله،  ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغنِ يغنه الله، ومن أقالَ مسلماً بيعته أقالَ الله عثرته يوم القيامة، ومن أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، ومن فرق بين والدةٍ وولدها فرّق اللهُ بينه وبين أحبته يوم القيامة, ومن أحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه, ومن ضار مسلماً ضار الله به, ومن شاق شاق الله عليه, ومن خذل مسلماً في موضع يحب نصرته فيه خذله الله في موضع يحب نصرته فيه, ومن أَنفق أُنفق عليه, ومن أَوعى أُوعي عليه, ومن تجاوز عن غيره تجاوز الله عنه, ومن رحم خلق الله رحمه الله، ومن ظلمهم سلط الله عليه من يظلمه. فإنما الجزاء من جنس العمل !

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8].

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة..

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي من حكمته جعل الجزاء من جنس الأعمال، وأرى العباد من ذلك نموذجا ليحدوهم به إلى أكمل الخصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الكرم والجلال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فاق الخلق في كل كمال، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل.

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ ولا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } [الطلاق: 2].

عباد الله : لو أننا وَضَعْنا هذه السُّنَّةَ الربَّانيةَ نُصْبَ أعينِنا لزجرتْنا عَنْ كثيرٍ مِنْ شُرورِ أنفسِنا وَسيّئاتِ أعْمالِنا وَتأمَّلْ في هذه الآياتِ وَالأحاديثِ التي مرَّت بعينِ البَصيرةِ وأمْعِنِ النَّظرَ فيها وَاجعلْ لها مِنْ سَمعكَ مَسْمَعاً وَفي قلبكَ مَوْقِعاً عسى اللهُ أنْ يَنفعَكَ بما فيها .

وإنَّ العِلمَ بهذه السُّنَّةِ الربَّانيةِ هُوَ في المقامِ الأوَّلِ دَافعٌ للأعمالِ الصَّالحة، رادعٌ عِنْ الظلم، زاجرٌ للظالمينَ ومُواسٍ للمظلومِين.

فلو استحضرَ الظالمُ الباغي عاقبةَ ظلمِهِ وأنَّ اللهَ عز وجلَّ سيسقيهِ مِنْ نفسِ الكَأْسِ عَاجلاً أوْ آجلاً لكفَّ عَنْ ظلمِهِ وَتابَ إلى اللهِ وَأناب، ولعلَّ هذا المعنى هُوَ مَا أشَارَ إليه سَعيدُ بنُ جُبيرٍ - رحمه الله - حينَ قالَ له الحَجاَّجُ بنُ يُوسف: ( اختر لنفسكَ أيَّ قِتلةٍ تريدُ أنْ أقتلَكَ، فقالَ: بلْ اخترْ أنتَ لنفسِكَ يا حَجَّاجُ؛ فواللهِ لا تقتلني قِتلة إلا قتلكَ اللهُ مثلها يوم القيامة).

ولو أنَّ هذا الفاجرَ المستهترَ الذي يعبثُ بحرماتِ النَّاسِ وينتهكُ أعراضَهم عَلِمَ أنَّ عَدْلَ اللهِ قدْ يَقضِي أنَّ يُسلطَ على عِرْضِ أمّهِ أو أخْتِه أو زوْجتِهِ أو ابنتِهِ مَنْ لا يتقي اللهَ فيهِ، فينالُ منْهُ كما نَالَ هوَ مِنْ عِرضِ أخيهِ لانتهى وَانزجر.

وللهِ درُ القائل:

يا هاتكاً حُرَمَ الرجالِ وقاطعاً ... سُبُلَ المودةِ عشتَ غير مُكرّمِ

لو كنتَ حراً من سُلالة مَاجدٍ ... ما كنتَ هتّاكاً لحرمة مسلمِ

من يَزن يُزن به ولو بجدارهِ ... إنْ كنتَ يا هذا لبيباً فافهمِ

مَنْ يزنِ في بيتٍ بألفي درهمِ ... ففي بيته يُزنى بغير الدرهمِ

ولو أنَّ الوصيَّ على مالِ اليتيمِ سَوَّلَ له الشيطانُ أكلَه بالباطلِ فاستحضرَ قولَ اللهِ تعالى: { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً } [النساء:9]. لاتقى اللهَ في مالِ اليتامى وَلحَافظَ عليهم وَعلى أموالِهم حتى يحفظَ اللهُ ذريَّتَه مِنْ بعدِهِ {جَزَاءً وِفَاقاً }.

عباد الله : إنَّ اليقينَ بهذهِ السنةِ الربانيةِ مِن سُننِ اللهِ لَيَمْنَحَ وقوداً إيمانياً عجيباً لمن سَلكَ سَبيلَ اللهَ تعالى فوجَدَ عقباتٍ أو منغصاتٍ أو اضطهاداتٍ أو ظلماً واستضعافاً؛ فيؤزه هذا اليقينُ بتلكُم السنَّة الربَّانيَّة على الصَّبر والثباتِ وثوقاً بموعودِ الله الذي يُمهل وَلا يهمِل، ويُملي للظَّالم حتى إذا أخذهُ لم يفلتْه.

المرفقات

من-جنس-العمل-2-2

من-جنس-العمل-2-2

المشاهدات 1683 | التعليقات 0