خطبة : ( إلى المتنزهين في البوادي )

عبدالله البصري
1440/03/08 - 2018/11/16 00:24AM
إلى المتنزهين في البوادي  8 / 3 / 1440
 
الخطبة الأولى :
 أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – يَرحَمْكُم ، فَقَد قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن آثَارِ رَحمَةِ اللهِ الوَلِيِّ الحَمِيدِ ، أَن تُرَى الوُجُوهُ في هَذِهِ الأَيَّامِ مُسفِرَةً مُستَبشِرَةً ، وَقَد كَانَت مِن قَبلُ عَابِسَةً بَاسِرَةً ، بِسَبَبِ جَدبِ الأَرضِ وَكَونِ البِلادِ مُقفِرَةً ، نَعَم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – لَقَدِ استَبشَرنَا جَمِيعًا وَكَانَ بَعضُنَا مِن قَبلُ مُبلِسِينَ ، فَللهِ الحَمدُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ وَأَنزَلَهُ مِن هَذَا الغَيثِ العَمِيمِ ، وَنَسأَلُهُ البَرَكَةَ فِيهِ وَالزِّيَادَةَ مِن فَضلِهِ " اللهُ الَّذِي يُرسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبسُطُهُ في السَّمَاءِ كَيفَ يَشَاءُ وَيَجعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ إِذَا هُم يَستَبشِرُونَ . وَإِن كَانُوا مِن قَبلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيهِم مِن قَبلِهِ لَمُبلِسِينَ . فَانظُرْ إِلى آثَارِ رَحمَةِ اللهِ كَيفَ يُحيي الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحيِي المَوتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " وَفي مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ الجَمِيلَةِ ، وَلِمَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى النَّاسِ مِن نِعمَةِ الفَرَاغِ وَقِلَّةِ الشَّوَاغِلِ ، فَقَدِ اعتَادُوا الخُرُوجَ إِلى البَوَادِي في أَثنَاءِ نُزُولِ المَطَرِ أَو بَعدَ نزولِهِ ، لِلتَّنَزُّهِ وَالتَّمَتُّعِ بِحُسنِ الرَّبِيعِ ، وَتَكحِيلِ أَعيُنِهِم بِجَمَالِ الخُضرَةِ ، وَهُوَ أَمرٌ مُرَخَّصٌ فِيهِ شَرعًا ، وَلا لَومَ عَلَى مَن فَعلَهُ ، وَخَاصَّةً مَن جَعَلَهُ فُرصَةً لِتَأَمُّلِ بَدِيعِ صُنعِ اللهِ ، وَالتَّفَكُّرِ في عَظِيمِ خَلقِهِ ، وَشُكرِهِ عَلَى آلائِهِ وَنِعَمِهِ . وَالمُؤمِنُ وَإِن كَانَ الأَصلُ في حَيَاتِهِ الجِدَّ وَالنَّشَاطَ وَالاشتِغَالَ بِمَا يَنفَعُهُ في دُنيَاهُ وَأُخرَاهُ ، إِلاَّ أَنَّهُ لا يَمنَعُ نَفسَهُ مِن فُسحَةٍ وَرَاحَةٍ وَإِجمَامٍ ؛ لِتَعُودَ إِلى سَابِقِ نَشَاطِهَا وَمَاضِي جِدِّهَا ، فَعَن شُرَيحٍ الحَارِثِيِّ قَالَ : قُلتُ لِعَائِشَةَ : هَل كَانَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَبدُو ؟ قَالَت : نَعَم ، كَانَ يَبدُو إِلى هَذِهِ التِّلَاعِ . رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَالتِّلاعُ جَمعُ تَلعَةٍ ، وَهِيَ مَا ارتَفَعَ مِنَ الأَرضِ وَغَلُظَ ، وَمِنهَا يَجرِي السَّيلُ إِلى بُطُونِ الأَودِيَةِ . وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ أَنَّ حَنظَلَةَ الأُسَيدِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : نَافَقَ حَنظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " وَمَا ذَاكَ ؟ " قالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، نَكُونُ عِندَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَينٍ ، فَإِذَا خَرَجنَا مِن عِندِكَ عَافَسْنَا الأَزوَاجَ وَالأَولادَ وَالضَّيعَاتِ ، نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنْ لَو تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِندِي وَفي الذِّكرِ ، لَصَافَحَتكُمُ المَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم وَفي طُرُقِكُم ، وَلَكِنْ يَا حَنظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً " ثَلاثَ مَرَّاتٍ . أَجَل – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّ المُسلِمَ يُجِمُّ نَفسَهُ في ثَنَايَا الجِدِّ ، وَيُمَتِّعُهَا في بَعضِ الأَوقَاتِ بِبَعضِ اللَّهوِ ، لَكِنَّهُ لا يَتَجَاوَزُ المُبَاحَ وَالمَشرُوعَ إِلى المُحَرَّمِ أَوِ المَمنُوعِ ؛ لِعِلمِهِ أَنَّهُ مَهمَا تَفَسَّحَ وَوَسَّعَ عَلَى نَفسِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لا يَزَالُ عَبدًا لِرَبِّهِ وَفي قَبضَةِ مَولاهُ ، وَلا يَخرُجُ عَن مِلكِهِ طَرفَةَ عَينٍ وَلا قِيدَ أَنمُلَةٍ ، وَكَمَا أَنَّ عَلَيهِ في أَوقَاتِ الحَضَرِ وَالجِدِّ وَاجِبَاتٍ ، وَمَطلُوبٌ مِنهُ الإِتيَانُ بِفُرُوضٍ مُحتَمَّاتٍ ، فَإِنَّ عَلَيهِ في السَّفَرِ وَأَوقَاتِ المُتعَةِ مِثلَهَا ، وَاللهُ – تَعَالى – مَعَهُ يَرَاهُ وَيَسمَعُهُ ، وَيَعلَمُ مَا يَأتِي مِن أَمرِهِ وَمَا يَذَرُ " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرضِ مَا يَكُونُ مِن نَجوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُم وَلا خَمسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُم وَلا أَدنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُم أَينَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ " وَمِن هُنَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – فَإِنَّ عَلَى المُسلِمِ أَن يَلتَزِمَ بِدِينِهِ وَيَستَقِيمَ عَلَى أَمرِ رَبِّهِ في كُلِّ حَالٍ ، وَيَتَعَلَّمَ مِنَ الأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ مَا يُشرَعُ لَهُ في الحِلِّ وَالتَّرحَالِ ، لِئَلاَّ يَقَعَ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ كَثِيرُونَ مِن تَركِ الأَوَامِرِ وَالوُقُوعِ في النَّواهِي ، وَمُخَالَفَةِ السُّنَنِ وَالوُقُوعِ في المَكرُوهَاتِ ، فَيَكتَسِبُونَ بِذَلِكَ آثَامًا وَسَيِّئَاتٍ ، وَيُضِيعُونَ أُجُورًا وَحَسَنَاتٍ . أَلا وَإِنَّ مِن أَهَمِّ مَا يَلزَمُ المُسلِمَ في حَضَرِهِ وَسَفَرِهِ مِن أَعمَالِ دِينِهِ صَلاتَهُ ، الَّتي هِيَ صِلَتُهُ بِرَبِّهِ ، وَلَيسَ سَفَرُهُ أَو كَونُهُ في البَادِيَةِ بِعُذرٍ لَهُ لِيُقصِّرَ فِيهَا ، أَو يَترُكَ الأَذَانَ لَهَا وَإِقَامَتَهَا في جَمَاعَةٍ ، في صَحِيحِ البُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ لأَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - : " إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ ، فَإِذَا كُنتَ في غَنَمِكَ وَبَادِيَتِكَ ، فَأَذَّنتَ بِالصَّلاةِ ، فَارفَع صَوتَكَ بِالنِّدَاءِ ، فَإِنَّهُ لا يَسمَعُ مَدَى صَوتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلا إِنسٌ وَلا شَيءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ ... وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيهِ في هَذَا الشَّأنِ صَلاةُ الجُمُعَةِ ، حَيثُ وُجِدَ في هَذِهِ الأَزمَانِ مَن يَكثُرُ خُرُوجُهُم إِلى البَرَارِي في هَذَا اليَومِ المُبَارَكِ ، بِحُكمِ كَونِهِ يَومَ إِجَازَةٍ ، وَقَد تَتَوَالى عَلَى بَعضِهِم عِدَّةُ جُمَعٍ وَهُوَ لم يَشهَدْهَا مَعَ المُسلِمِينَ ، بِحُجَّةِ كَونِهِ مُسَافِرًا وَالجُمُعَةُ لا تَلزَمُهُ ، وَهَذَا في الحَقِيقَةِ تَقصِيرٌ وَحِرمَانٌ لِلنَّفسِ مِن فَضلٍ كَبِيرٍ ، وَقَد يَدخُلُ مُتَعَمِّدُهُ في الوَعِيدِ الوَارِدِ في المُتَهَاوِنِينَ بِالجُمُعَةِ ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – : " مَن تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلبِهِ " رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَمِن أَعظَمِ مَا يَجِبُ عَلَى قَاصِدِ البَوَادِي وَالبَرَارِيِّ أَن تَكُونَ رِحلَتُهُ وَسِيَاحَتُهُ في الأَرضِ شُكرًا للهِ عَلَى نِعَمِهِ وَآلائِهِ ، وَتَفَكُّرًا في خَلقِهِ ، وَاعتِبَارًا بِمَا جَرَى وَيَجرِي عَلَى هَذِهِ الأَرضِ مِمَّن وُجِدُوا عَلَيهَا يَومًا مَا ثُمَّ دَرَجُوا وَمَضَوا ، فَبِالشُّكرِ تَدُومُ النِّعَمُ وَتُقَيَّدُ وَتُحفَظُ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَإِنَّ مِمَّا يُعَابُ عَلَى بَعضِ النَّاسِ وَخَاصَّةً الشَّبَابَ ، وَهُوَ دَاخِلٌ في عَدَمِ شُكرِ النِّعَمِ ، رَفعَ أَصوَاتِ الغِنَاءِ وَالمَزَامِيرِ ، وَهُوَ مَعَ تَحرِيمِهِ في كُلِّ وَقتٍ ، إِلاَّ أَنَّهُ عِندَ النِّعَمِ أَشَدُّ تَحرِيمًا وَأَعظَمُ إِثمًا ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " صَوتَانِ مَلعُونَانِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ : مِزمَارٌ عِندَ نِعمَةٍ ، وَرَنَّةٌ عِندَ مُصِيبَةٍ " رَوَاهُ البَزَّارُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَمِمَّا يَدخُلُ في عَدَمِ شُكرِ النِّعَمِ أَيضًا ، اعتِدَاءُ بَعضِ المُتَنَزِّهِينَ عَلَى الأَمكِنَةِ الَّتي يَرتَادُونَهَا ، إِمَّا بَعَدَمِ المُحَافَظَةِ عَلَى نَظَافَتِهَا ، وَإِمَّا بِقَطعِ الأَشجَارِ الَّتي يُستَظَلُّ بِهَا بِلا حَاجَةٍ ، وَإِمَّا بِقَضَاءِ الحَاجَةِ تَحتَهَا أَو في الأَمَاكِنِ الَّتي يَجلِسُ النَّاسُ عَادَةً فِيهَا ، وَإِمَّا بِإِثَارَةِ الغُبَارِ عَلَى النَّاسِ في الطُّرُقِ ، وَإِمَّا بِإِفسَادِهَا بِالاعتِدَاءِ عَلَى العَلامَاتِ المَوضُوعَةِ فِيهَا لِهِدَايَةِ النَّاسِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن قَطَعَ سِدرَةً صَوَّبَ اللهُ رَأسَهُ في النَّارِ " رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَهُوَ وَعِيدٌ لِمَن قَطَعَ سِدرَةً في فَلاةٍ يَستَظِلُّ بِهَا ابنُ السَّبِيلِ أَوِ البَهَائِمُ ، عَبَثًا وَظُلمًا بِغَيرِ حَقٍّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن آذَى المُسلِمِينَ في طُرُقِهِم وَجَبَت عَلَيهِ لَعنَتُهُم " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَعَنَ اللهُ مَن غَيَّرَ مَنَارَ الأَرضِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمِمَّا يَدخُلُ في تَغيِيرِ مَنَارِ الأَرضِ – أَيُّهَا الإِخوَةُ – العَبَثُ في الأَعلامِ وَاللَّوحَاتِ الَّتِي يَهتَدِي بِهَا المُسَافِرُونَ في الطُّرُقِ ، مِمَّا يُضِلُّهُم عَن طَرِيقِهِم وَمَقَاصِدِهِم ، وَكَفَى بِذَلِكَ إِيذَاءً وَاعتِدَاءً . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " اِتَّقُوا اللَّعَّانَينِ " قَالُوا : وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " الَّذِي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ أَو في ظِلِّهِم " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " اِتَّقُوا المَلاعِنَ الثَّلاثَةَ : البَرازَ في المَوَارِدِ ، وقارِعَةِ الطَريقِ ، والظِّلِّ " رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَحذَرِ الإِفسَادَ في الأَرضِ وَقَد أَصلَحَهَا اللهُ لَنَا وَلِدَوَّابِنَا وَزُرُوعِنَا وَمَعَاشِنَا " اُدعُوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدِينَ . وَلا تُفسِدُوا في الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِهَا وَادعُوهُ خَوفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ "
 
 الخطبة الثانية :
 
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَتُوبُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ لِلسَّفَرِ وَالتَّنَزُّهِ آدَابًا كَثِيرَةً ، يَحسُنُ بِالمُسلِمِ تَعَلُّمُهَا وَالعَمَلُ بِهَا ، لِيَنالَ بِذَلِكَ أَجرًا وَيَأتيَ بِهِ خَيرًا ، وَيَكُفَّ عَن نَفسِهِ وَعَنِ المُسلِمِينَ شَرًّا ، فَمِن تِلكَ الآدَابِ أَن يَختَارَ المُسَافِرُ مَكَانَ نُزُولِهِ ، وَيَحذَرَ مِمَّا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ أَو يَمنَعُهُم مِن حَقِّهِم في الطَّرِيقِ ، أَو يُسَبِّبُ لَهُ أَذًى في نَفسِهِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِيَّاكُم وَالتَّعرِيسَ عَلَى جَوَادِّ الطَّرِيقِ وَالصَّلاةَ عَلَيهَا ، فَإِنَّهَا مَأوَى الحَيَّاتِ وَالسِّبَاعِ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ لِغَيرِهِ .
وَمِنَ الآدَابِ أَن يَحرِصَ المُسَافِرُ عَلَى دُعَاءِ النُّزُولِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن نَزَلَ مَنزِلاً ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ، لم يَضُرَّهُ شَيءٌ حَتَّى يَرتَحِلَ مِن مَنزِلِهِ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمِنَ الآدَابِ اجتِمَاعُ الرُّفقَةِ وَتَقَارُبُهُم ، قَالَ أَبُو ثعلَبَةَ الخُشَنِيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - : كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مَنزِلاً تَفَرَّقُوا في الشِّعَابِ وَالأَودِيَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إنَّ تَفَرُّقَكُم في هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَودِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمُ مِنَ الشَّيطَانِ " فَلَم يَنزِلْ بَعدَ ذَلِكَ مَنزِلاً إِلاَّ انضَمَّ بَعضُهُم إِلى بَعضٍ ، حَتى يُقَال : لَو بُسِطَ عَلَيهِم ثَوبٌ لَعَمَّهُم . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَحرِصْ عَلَى امتِثَالِ الأَوَامِرِ وَاجتِنَابِ النَّوَاهِي ، وَالتَّقَيُّدِ بِالسُّنَنِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَيهَا ، لِتَكُونَ رِحلاتُنَا وَنُزهَاتُنَا سَعِيدَةً ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن أَن تَنتَهِيَ بِمَآسٍ وَمَصَائِبَ ، كَحَالِ مَن يَخُوضُونَ في الأَودِيَةِ وَالشِّعَابِ في أَثنَاءِ جَرَيَانِهَا ، فَتَتلَفُ سَيَّارَاتُهُم ، وَقَد يَفقِدُونَ أَروَاحَهُم ، قَالَ – تَعَالى - : " وَلا تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلى التَّهلُكَةِ وَأَحسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَلا تَقتُلُوا أَنفُسَكُم إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُم رَحِيمًا "
المرفقات

المتنزهين-في-البوادي

المتنزهين-في-البوادي

المتنزهين-في-البوادي-2

المتنزهين-في-البوادي-2

المشاهدات 1995 | التعليقات 3

أحسنت يا شيخ عبدالله خطبة موفقة مختصرة واستدلالات مسددة نفع الله بك خطباء البلاد وعموم العباد. 


جزاك الله خيرا


أحسن الله إليك شيخ عبدالله الطريف ، وجزاك خيرًا على حسن ظنك ، وما أنا إلا ناقل عن أهل العلم ، الذين عرفوا الحق بدليله فأظهروه لنا ، وبينوا ونصحوا ، فنسأل الله ألا يحرمنا أجر نشر علمهم ، وإفادة أخواننا به ...

والشكر والدعاء موصول لأخي الشيخ شبيب القحطاني على متابعته الدائمة ودعائه اللطيف ، عسى الله أن يشملنا جميعًا برحمته ، ويبارك لنا فيما نقول ونكتب ... وهو المستعان وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .