خطبة: أيتام بين آبائهم !!

متدرب متدرب
1438/07/10 - 2017/04/07 07:17AM
https://youtu.be/PFVC7kVy20s

رابط الخطبة مسجلة على اليوتيوب:
https://youtu.be/PFVC7kVy20s


الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الْأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ... أَمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللهِ - اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ والنَّجْوَى، ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

تحدثنا في خطبة ماضية عن حق الوالدين ، فتسأل البعض ؟ هل من وصية للآباء في حق أبنائهم؟ فأقول: كيف لا، والله تعالى هو الذي يوصي الآباء بقوله: (يوصيكم الله في أولادكم).
إنّ مهمة تربية الأولاد مهمّة عظيمة، ولاسيما في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن، واشتدت غربة الدين، وكثُرت فيه دواعي الفساد، حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السِباع الضارية، إن غفل عنها أكلتها الذئاب.
ونحن نسمع بأنواع من الجرائم والانحرافات التي يقع فيها الشباب، فإن من أهم أسباب انحراف الناشئة ما يقع في بعض الأسر من ضعفٍ وقصورٍ في تربية النشء . هذا القصور له مظاهرُ شتى في أسرنا منها:
إهمال الوالدين تربيةَ أولادهم، وغفلتُهم عن هذا الواجب العظيم الذي جعله الله أمانة في أعناقهم، سيُسألون عنها يوم القيامة، والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون). كيف نقيهم النار؟ بتعليمِهم ، وتربيتِهم التربيةَ الصالحة، فإذا لم نقم بهذا الواجب فلا نلم إلا أنفسَنا .
شاب عمره تسعة عشر عاماً، سُجن خمسَ مراتٍ في عدةِ قضايا، آخرُها قضيةُ سلب، يقول: كان والدي يتعاطى المخدرات ثم طلق أمي، وبعد زواج أمي برجلٍ آخر بقيتُ لوحدي مع جدي . ثم يقول : كان لعدم وجود الرقيب على تصرفاتي أثرٌ كبيرٌ في انحرافي .
نعم . في بعض البيوت ، تلفت الأبناء حولهم فرأوا أنفسهم كاليتامى ، بل أشد من اليتامى ، فإن اليتيم قد يجد من يعطف عليه ، أما هؤلاء فإنه كثيراً ما يُغفل عنهم . قال أمير الشعراء :
لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ هَمِّ الْحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلا
إِنَّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًا مَشْغُولا
وقال آخر :
لَيْسَ الْيَتِيمُ الَّذِي قَدْ مَاتَ وَالِدُهُ إِنَّ اليَتِيمَ يَتِيمُ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ

- ومن مظاهر قصور التربية: القسوة والكبت، والحرمان الذي ينتهجه بعض الآباءِ والأمهاتِ في تربية أولادهم فكل شيء ممنوع وكل شيء محرم حتى لو كان حلالا بشرع الله ... ومن مظاهر قصور التربية التفرقةِ وعدمِ العدل بين الأولاد .
هذه الأمور لها أثرٌ خطيرٌ على سلوك الولد، إما بالتمرد والعصيان، وإما بالعنف والعدوان على الآخرين .
استمع إلى مشاعر هذا الشاب الذي يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً .. وقد سجن سابقا أربعَ مراتٍ في دار الملاحظة بسبب قضايا سرقة يقول: والدي يكرهني ويطردني من البيتِ لأي سببٍ تافه. وإذا ذهب إلى المناسبات تركني لوحدي في البيت. إنه لا يعدل بيني وبين إخواني . وإذا أخذتُ منهم شيئاً ضربني. وكانت دار الملاحظة أرحمُ لي من أبٍ يطردني إلى الشارع .
شاب آخر عمره ستة عشر عاماً ، يقول: لما علم والدي أني أدخن .. جن جنونه ، فقام بسبي وضربي في الشارع أمام الناس ، فهربت إلى زملائي وجلست عندهم أسبوعين.

- ومن مظاهر قصور التربية أيضاً: الدلالُ والتدليع المفرط . وضعفُ جانب المنع والوقاية في الأسرة .
في بعض الأسر، ما إن يصيحُ الصغير، أو يلحُّ الكبير، حتى تُحقّقَ رغباتُه، وتُلبى كل طلباتُه.
يقول أحد الشباب المقبوض عليهم في جريمة سرقة: كان أهلي يوفرون لي كلَّ ما أريد. ولايمنعوني من شيء بل كان أب يعطيني ويقول: (خلوه ، اللي عقله في رأسه يعرف خلاصه) .

- ومن مظاهر قصور التربية : القدوة السيئة . وذلك بأن يقع أحدُ الوالدين في الرذيلة أو الجريمة ، فيقتدي به الأولاد .
أحد المدمنين في مستشفى الأمل .سأل عن سبب إدمانه ، فقال : كنت صغيرا فدخلت يوماً على والدي وهو يتعاطى الهيروين . طلبت منه ببراءة أن يعطيَني مما معه فنهاني وطردني. وفي يوم آخر رأيت والدي على تلك الحالة فألححت عليه أن يعطيني. فأعطاني شيئاً من الهيروين ، وقال: اذهب إلى الغرفة الأخرى ولا تتعاطاه أمامي .

- ومن مظاهر قصور التربية: التفكك الأسري وكثرة الخلافات بين الزوجين. وحالات الطلاق التي تحدث في بعض الأسر. والشجار والخلاف بين الزوجين أمام الأبناء . وهذا له أثر كبير على الأولاد .
شاب عمره سبعة عشر عاماً موقوف في قضية سرقة يقول: سبب قيامي بالسرقة هو وجود مشاكلَ عائليةٍ في المنزل. فأضطرُ إلى الخروج من المنزل ولا أعود إلا بعد ثلاثة أيام .

- ومن مظاهر قصور التربية أيضاً: طول غياب الوالدين عن المنزل. وهذا أمر يقع فيه كثير من الآباء والأمهات. فالوالد مشغول بعمله أو تجارته أو جلساته وسهراته بالاستراحة مع الأصدقاء. والوالدة مشغولة بعملها أو زياراتها لصديقاتها، ومجالس القيل والقال.
شاب عمره سبعة عشر عاماً موقوف في قضية اختطاف يقول: كان والدي يوفر لي كل ما أطلب. حتى أجهاز الحاسب اشتراها لي لكي أجلسَ في المنزل. لكنه كان مشغولاً بالمقاولات والأعمال الخاصة. فكنت بمجرد أن يخرج من المنزل أخرج وراءه.
الرسالة العاجلة لكل الآباء والمربين هي ضرورة الاهتمام بالتربية وإصلاح النشء . أيها الأب : اسأل نفسك ..هل أنت تهتم فعلاً بتربية أبنائك وبناتك، وعلى أي منهج تربيهم؟
بعض الآباء يقول: أنا أربي أبنائي أحسن تربية، هم يأكلون أفضل الطعام والشراب، ويلبسون أفخر الثياب، ويتمتعون بأرقى أسباب المعيشة .
سبحان الله !! أهذه هي التربية ؟

أحد الأثرياء قبض على ولده في قضية سرقة سيارة. وما إن خرج الولد حتى عاد في قضية سرقة أخرى. ولما استدعي الأب ، سأله أحد المشرفين بدار الملاحظة عن سبب وقوع ولده في السرقة عدة مرات مع أنه من الأغنياء .. أهو البخل أم ماذا ؟
فقال الأب للمشرف : قل للولد يطلب أي سيارة يريدها وأنا على استعداد لشرائها له الآن .. لكن يكف عن سرقة السيارات .
فرد عليه المشرف قائلا: دعك من هذا ، لكن أجبني بصراحة ما هو برنامجك اليومي ؟ فقال : أعود من العمل فأستريح ، ثم أخرج لأعمالي الخاصة وقد أتأخر إلى الليل .. أما أبنائي فأنا مقصر في جانبهم .
فقال المشرف : هذا هو سبب انحراف ولدك .
إن هذا الولد لم يكن يسرق لحاجة أو قلة مال .. بل كان يسرق لفساد خلقه .. وافتقاده الرعاية الأبوية التي تمنعه من الشر وأهله .

أيها الآباء .. إن أبناءنا لا يريدون أموالنا فقط، بل يريدون منا كذلك حبنا وعطفنا ورعايتنا لهم ، وهذا لا يكون إلا بتربية الروح بالعلم والأدب وغرس الفضيلة . فيا أيها الآباء. ويا أيها المربون. ويا أيها المسؤولون عن التعليم. الله الله في التربية الإيمانية. التربية التي أخرجت للأمة علماء وقادة لم يتجاوزوا العشرين سنة. كأسامة الذي قاد جيشاً فيه أبو بكر وعمر. وكان عمره قرابة الثامنة عشر .
عبّاد ليل إذا جنَّ الظلام بهم * كم عابد دمعه في الخدِّ أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم * هبُّوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفرا * يشيدون لنا مجداً أضعناه
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم . 



الخطبة الثانية



الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه سبحانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه. أما بعد :
أيها الوالد المبارك .. وأنت تعلم أن الصلاة هي رأس المال وعمود الدين، أين دورك في تربية أولادك على المحافظة على الصلاة.
أيها الأب : وأنت تعلم أن الفراغ قاتل وخطير، أين دورك في ملء فراغ أولادك، واحتواء أوقاتهم بالنشاطات المفيدة والنافعة.

إن الشباب والفراغ والجدة مفسدةٌ للمرء أيُّ مفسدة
وبلادنا المباركة تنعم بحمد الله بالعديد من الجهات التي تقدم البرامج والأنشطة للشباب كحلقات تحفيظ القرآن، والتوعيات المدرسية والمراكز الصيفية، والمخيمات الشبابية وغيرها.
وأنت تعلم كثرة الفتن والمغريات المحيطة بالشباب، أين دورك واهتمامك في تزويج ولدك بأسرع وقت ممكن وتحصينه بالعفة، وتكميل نصف دينه، قبل أن يسقط في أوحال الشهوة.
وأنت تعلم خطر الرفقة، أين دورك في متابعة ولدك خارج البيت ورفقته للآخرين؟
قد تقول لي: ماذا أفعل ؟ هل أحبس الولد في البيت ؟
فأقول: هذا السؤال هو أول خطوات العمل .
نحن لا نطالبك أن تغلقَ على ولدك الأبواب . ولا أن تفرضَ عليه العزلة عن الناس . لكن بيدك أمورٌ كثيرةٌ نافعة بإذن الله ، أذكرها بإيجاز :
أولاً : معرفة شروط وصفات الرفقة الصالحة التي تريدها لولدك ، كصفة الاستقامة والخيرية والاتزان .
ثانياً : تذكير الولد وتبصيره من الصغر بأهمية الرفيق الصالح وخطر جليس السوء .
ثالثاً : التهيئة لوجود الرفقة الصالحة ، باختيار السكن المناسب ، وانتقاء المدرسة .
رابعاً : إشراك الولد في الأنشطة المفيدة كحلق تحفيظ القرآن والتوعيات المدرسية والمراكز الصيفية حيث يكتسب منها الولد رفقاء صالحين .. ويسلم بإذن الله من الانحراف .
خامساً : المتابعة غير المباشرة ، وتفقد رفقاء الولد .. مع تجنب الإلزام المباشر برفقاء من اختيار الأب .
سادساً : إكرام الرفقة الصالحة وتقديرهم ، كما كان عليه الصلاة والسلام وصحابته يختلطون بالشباب ويسلمون عليهم ويكرمونهم ويشركونهم في الأنشطة.
سابعا : إشراكم في الدورات العلمية والمهنية المفيدة ، التي تنمي مهاراتهم وتشبع ميولهم ، وادفع الأموال لذلك ، فإن أفضل استثمار ماتدفعه في تعليم أبناءك .
إن هذه الأمور التي ذكرناها ، له دور كبير في قوة واستمرار علاقة الولد بالصالحين .. وله دور آخر في زيادة تقبله واستجابته لوالده.

أيها ألأب . مهما بلغ الخطأ من أبنك ، فإياك ثم إياك ، أن تطرده من البيت ، حتى لو كان لا يصلي أو يشرب الدخان ، أياك أن تلجئه إلى البيات خارج البيت أو الهروب من البيت . فهذه والله هي رأس كل شر وطريق ممهد إلى انحراف أشد وأخطر .
وإلى شبابنا وأبنائنا نقول ..إذا كنا نطالب الأب بأن يكون حريصاً على الخير وقدوة حسنة للولد، فإننا نقول للولد أيضا : إن فساد الأب أو المربي لا يكون مبرراً لفساد المتربي .
كم أحزن وأتألم، عندما يشكو لي بعض الشباب انحراف آباءهم، عندما يأتي وقد اسود وجهه، ونكّس رأسه، ثم يقول: عندنا مدمن في البيت، فأقول له: من هو؟ فيقول: والدي!! .
فإلى هؤلاء الشباب، إلى كل من فقد الوالد ، أو ابتلي بأب فاسد ، أقول: اصبر لربك ، واثبت على دينك ، فقد أكرمك الله بالعقل ، ونهاك عن طاعة غير الله في المعصية ، حتى وإن كان أقرب الناس إليك . قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).
فنقول لكل شاب ، الله الله بالثبات ، ودعوة الوالد بالتي هي أحسن ...
واللهَ نَسْأَلُ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ

عباد الله ، صلو وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبد الله ، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم
اللهم إنا نسألك أن تصلح نياتنا وذرياتنا .. وأن تحفظ شبابنا ونساءنا وأن تنبتهم نباتاً حسناً ، ربنا وتقبل دعاء . ربنا اجعلهم قرة عين في الحال والمآل . واعصمنا وإياهم من الغي والضلال. وجنبنا وإياهم الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن. ربنا ثبت مهتديهم ، ورد ضالهم إليك رداً جميلاً، يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، اللَّهمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا.. وَاحْفَظْ عَلَينَا أَمْنَنَا وَاسْتِقْرَارَنَا.. وَاكْفِنَا شَرَّ الْأَشْرَارِ .. وَكَيدَ الْفُجَّارِ يَا رَبَّ الْعَالَمينَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لآبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا، واجْزِهِمْ عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

أصل الخطبة للشيخ سامي الحمود ، مع تعديلات وحذف وإضافة كثيرة
المشاهدات 1498 | التعليقات 0