خطبة : ( أيام معلومات وليال عشر )
عبدالله البصري
1431/11/27 - 2010/11/04 20:06PM
أيام معلومات وليال عشر 28 / 11 / 1431
الخطبة الأولى :
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بَعدَ يَومٍ أَو يَومَينِ ، تَمُرُّ بِالمُسلِمِينَ أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ ، إِنَّهَا عَشرٌ اختَارَهَا الخَالِقُ ـ سُبحَانَهُ ـ فَجَعَلَهَا أَكثَرَ أَيَّامِ العَامِ بَرَكَةً وَأَعظَمَهَا فَضلاً ، وَقَدَّرَ أَن تَكُونَ الحَسَنَاتُ فِيهَا مُضَاعَفَةً وَالقُرُبَاتُ فَاضِلَةً ، أَقسَمَ بها العَظِيمُ تَعظِيمًا لَهَا فَقَالَ : " وَالفَجرِ . وَلَيَالٍ عَشرٍ "
وَفِيهَا أَكمَلَ ـ تَعَالى ـ الدِّينَ وَأَتَمَّ عَلَى عِبَادِهِ النِّعمَةَ ، عَن طَارِقِ بنِ شِهَابٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ : يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ، لَو عَلَينَا أُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ " اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا " لاتَّخَذنَا ذَلِكَ اليَومَ عِيدًا ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ : إِني أَعلَمُ أَيَّ يَومٍ أُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ ، أُنزِلَت يَومَ عَرَفَةَ في يَومِ الجُمُعَةِ . رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
في هَذِهِ العَشرِ المُبَارَكَةِ عِبَادَاتٌ عَظِيمَةٌ وَقُرُبَاتٌ جَلِيلَةٌ ، لا تَجتَمِعُ في غَيرِهَا مِن أَيَّامِ العَامِ ، فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ ، وَفِيهَا الصَّومُ لِمَن أَرَادَ التَّطَوُّعَ أَو لم يَجِدِ الهَدْيَ ، وَفِيهَا الذِّكرُ وَالتَّكبِيرُ وَالتَّلبِيَةُ وَالدُّعَاءُ ، وَفِيهَا حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ ، وَمُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ وَالآثَامِ ، وَسَبَبٌ لِلغِنَى في الدُّنيَا وَدُخُولِ الجَنَّةِ في الآخِرَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " بُنِيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ : شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَحَجُّ البَيتِ وَصَومُ رَمَضَانَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : أَيُّ العَمَلِ أَفضَلُ ؟ قَالَ : " إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : "حَجٌّ مَبرُورٌ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن حَجَّ فَلَم يَرفُثْ وَلم يَفسُقْ رَجَعَ مِن ذُنُوبِهِ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " العُمرَةُ إِلى العُمرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُمَا ، وَالحَجُّ المَبرُورُ لَيسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " تَابِعُوا بَينَ الحَجِّ وَالعُمرَةِ ، فَإِنَّهُمَا يَنفِيَانِ الفَقرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ ، وَلَيسَ لِلحَجَّةِ المَبرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ عَشرَ ذِي الحِجَّةِ سُوقٌ لِلمُتَاجَرَةِ مَعَ اللهِ وَمَوسِمٌ لِلرِّبحِ الأُخرَوِيِّ ، إِنَّهَا مَيدَانٌ لِلمُسَابَقَةِ إِلى الخَيرَاتِ وَالإِكثَارِ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، لَحَظَاتُهَا أَنفَسُ اللَّحَظَاتِ ، وَسَاعَاتُهَا أَغلَى السَّاعَاتِ ، وَأَيَّامُهَا هِيَ أَفضَلُ الأَيَّامِ وَأَحَبُّهَا إِلى اللهِ ـ تَعَالى ـ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا مِن أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مِن هَذِهِ الأَيَّامِ " يَعني أَيَّامَ العَشرِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَلا الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ ؟ قَالَ : " وَلا الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ فَلَم يَرجِعْ مِن ذَلِكَ بِشَيءٍ " رَوَاهُ أَحمدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَكَيفَ لا تَكُونُ أَيَّامُ العَشرِ كَذَلِكَ وَفِيهَا يَومُ عَرَفَةَ ، يَومُ العِتقِ مِنَ النَّارِ وَيَومُ خَيرِ الدُّعَاءِ ، اليَومُ الَّذِي يُبَاهِي فِيهِ اللهُ مَلائِكَةَ السَّمَاءِ بِعِبَادِهِ في الأَرضِ ، رَوَى مُسلِمٌ وَغَيرُهُ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " مَا مِن يَومٍ أَكثَرَ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ فِيهِ عَبدًا أَو أَمَةً مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ ، وَإِنَّهُ لَيَدنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلائِكَةَ فَيَقُولُ : مَاذَا أَرَادَ هَؤُلاءِ ؟ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ ، وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي : لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
ورَوَى أَحمَدُ وَأَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " الحَجُّ عَرَفَةُ "
في هَذَا اليَومِ يَقِفُ الحُجَّاجُ بِصِعَيدِ عَرَفَاتٍ ضَاحِينَ مُلَبِّينَ عَلَى رَبِّهِم مُقبِلِينَ ، وَيَصُومُهُ مَن لم يَحُجَّ مِن المُسلِمِينَ تَطَوُّعًا وَالتِمَاسًا لِعَظِيمِ الأَجرِ ، في صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتي بَعدَهُ "
وَكَيفَ لا تَكُونُ العَشرُ فَاضِلَةً وَخِتَامُها يَومُ النَّحرِ ، أَفضَلُ الأَيَّامِ وَأَعظَمُهَا عِندَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ صَحَّ عِندَ الإِمَامِ أَحمَدَ وَغَيرِهِ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ "
إِنَّهُ يَومُ الحَجِّ الأَكبَرِ ، وَفِيهِ يَقَعُ مُعظَمُ أَعمَالِ الحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ ، مِن رَميِ جَمرَةِ العَقَبَةِ وَالحَلقِ وَذَبحِ الهَديِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعيِ ، وَفِيهِ يَجتَمِعُ المُسلِمُونَ لِصَلاةِ العِيدِ ثم يَذبَحُونَ ضَحَايَاهُم .
قَالَ ابنُ كَثِيرٍ في تَفسِيرِهِ : وَبِالجُملَةِ ، فَهَذَا العَشرُ قَد قِيلَ : إِنَّهُ أَفضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الحَدِيثُ ، فَفَضلُهُ كَثِيرٌ عَلَى عَشرِ رَمَضَانَ الأَخِيرِ ؛ لأَنَّ هَذَا يُشرَعُ فِيهِ مَا يُشرَعُ في ذَلِكَ ، مِن صِيَامٍ وَصَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيرِهِ ، وَيَمتَازُ هَذَا بِاختِصَاصِهِ بِأَدَاءِ فَرضِ الحَجِّ فِيهِ . وَقِيلَ : ذَاكَ أَفضَلُ لاشتِمَالِهِ عَلَى لَيلَةِ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ . وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ فَقَالُوا : أَيَّامُ هَذَا أَفضَلُ ، وَلَيَالي ذَاكَ أَفضَلُ . وَبِهَذَا يَجتَمِعُ شَملُ الأَدِلَّةِ ، وَاللهُ أَعلَمُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ فَضَائِلَ العَشرِ كَثِيرَةٌ وَقَدرَهَا جَلِيلٌ ، وَيَكفِيهَا أَنَّهَا أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا عِندَ اللهِ ، فَهَل نَحنُ عَلَى استِعدَادٍ لاستِقبَالِ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ ؟
هَل قُلُوبُنَا مُتَهَيِّئَةٌ لِدُخُولِ أَفضَلِ أَيَّامِ حَيَاتِنَا ؟
أَينَ الَّذِينَ يَسعَونَ إِلى مَا يُحِبُّهُ اللهُ فَلْيَجِدُّوا ؟
أَينَ العَامِلُونَ المُخلِصُونَ فَلْيُعِدُّوا ؟
أَينَ الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا فَلْيُشَمِّرُوا ؟
أَينَ المُنفِقُونَ والمُتَصَدِّقُونَ فَلْيُكثِرُوا ؟
أَينَ مَن يَقضُونَ الحَاجَاتِ وَيُفَرِّجُونَ الكُرُبَاتِ فَلْيَبذُلُوا ؟
أَينَ السَّاعُونَ لِلدَّعوَةِ وَنَشرِ الخَيرِ فَلْيَنشَطُوا ؟
كَانَ ابنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ يَخرُجَانِ إِلى السُّوقِ في أَيَّامِ العَشرِ يُكَبِّرَانِ ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكبِيرِهِمَا ، وَكَانَ سَعِيدُ بنُ جُبَيرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ العَشرِ اجتَهَدَ اجتِهَادًا شَدِيدًا حَتى مَا يَكَادُ يَقدِرُ عَلَيهِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاعمَلُوا صَالِحًا يُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ ، أَكثِرُوا مِنَ التَّكبِيرِ وَالتَّسبِيحِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، وَاقرَؤُوا القُرآنَ فَإِنَّهُ أَفضَلُ الذِّكرِ ، وَتَزَوَّدُوا مِن نَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ بَعدَ الفَرَائِضِ وَوَاظِبُوا عَلَيهَا ، وَخُذُوا حَظَّكُم مِن قِيَامِ اللَّيلِ وَصَلاةِ الضُّحَى وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَاتِ ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ الإِكثَارَ مِنَ النَّوَافِلِ بَعدَ استِكمَالِ الفَرَائِضِ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ ، في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ ، قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افتَرَضتُهُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها ، وَإِن سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ ، وَإِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ "
إِنَّهَا لَخَسَارَةٌ مَا بَعدَهَا خَسَارَةٌ ، أَن تَمُرَّ هَذِهِ العَشرُ وَالعَبدُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ مِن سَابِقِ حَالٍ قَد لا تُرضِي اللهَ ، وَأَيُّ إِعرَاضٍ أَشَدُّ مِن أَن يُحِبَّ اللهُ مِنكَ العَمَلَ الصَّالِحَ ثُمَّ لا تَعمَلَهُ ، بَل تَترُكُهُ تَهَاوُنًا وَتَكَاسُلاً ، أَو تَظَلُّ عَلَى مَا أَنتَ عَلَيهِ مِن أَخطَاءٍ وَمُنكَرَاتٍ ، وَتُصِرُّ عَلَى مَا أَوقَعَكَ فِيهِ عَدُوُّكَ مِن كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ ؟
أَينَ أَنتُم يَا مَن تَمُرُّ عَلَيكُم الأَيَّامُ لا تُؤَدُّونَ صَلاةَ الفَجرِ مَعَ الجَمَاعَةِ ؟ هَل أَنتُم عَازِمُونَ عَلَى التَّوبَةِ مِن هَذَا المُنكَرِ في هَذِهِ العَشرِ ؟!
أَينَ أَنتُم أَيُّهَا القَاطِعُونَ لأَرحَامِكُم ؟! هَل سَتُرَاجِعُونَ أَنفُسَكُم فَتُسَامِحُوا مَن هَجَرتُم طَاعَةً لِرَبِّكُم ؟!
يَا مَنِ امتَلأت بُيُوتُكُم بِأَجهِزَةِ اللَّهوِ وَسَيِّئِ القَنَوَاتِ ، هَل سَتُخرِجُونَ هَذِهِ المُفسِدَاتِ مِن بُيُوتِكُم وَتُطَهِّرُوا مِنهَا مَنَازِلَكُم ؟!
يَا أَكَلَةَ الرِّبَا ، يَا مَن بَخَستُمُ العُمَّالَ وَجَحَدتُم حُقُوقَ الأُجَرَاءِ ، وَتَعَدَّيتُم عَلَى النَّاسِ في أَموَالِهِم أَو أَعرَاضِهِم ، هَل لَكُم في الرُّجُوعِ إِلى رُشدِكُم وَالانتِهَاءِ عَن غَيِّكُم ؟!
هَل لَكُم في إِصلاحِ قُلُوبِكُم لَتُرفَعَ أَعمَالُكُم وَتُقبَلَ قُرُبَاتُكُم ؟
في الصَّحِيحَينِ وَغَيرِهِمَا أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ القَلبُ "
أَلا فَأَصلِحُوا القُلُوبَ تُقبَلِ الأَعمَالُ ، وَعَمِّرُوا البَوَاطِنَ بِالتَّقوَى تَصلُحِ الظَّوَاهِرُ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " لَيسَ بِأَمَانِيِّكُم وَلا أَمَانِيِّ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا . وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمُونَ نَقِيرًا . وَمَن أَحسَنُ دِينًا مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى . وَاعلَمُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَن دَخَلَت عَلَيهِ العَشرُ وَهُوَ يُرِيدُ أَن يُضَحِّيَ أَلاَّ يَأخُذَ مِن شَعرِهِ وَلا بَشَرَتِهِ شَيئًا ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِذَا رَأَيتُم هِلالَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُم أَن يُضَحِّيَ فَلْيُمسِكْ عَن شَعرِهِ وَأَظفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ " وَفي رِوَايَةٍ : " فَلا يَمَسَّ مِن شَعَرِهِ وَبَشَّرتِهِ شَيئًا "
وَهَذَا الحُكمُ خَاصٌّ بِمَن يُضَحِّي ، أَمَّا مَن يُضَحَّى عَنهُ مِن أَهلِ البَيتِ فَلا يَلزَمُهُم ذَلِكَ .
وَمَن لم يَعزِمْ عَلَى الأُضحِيَةِ إِلاَّ في أَثنَاءِ العَشرِ وَقَد أَخَذَ شَيئًا مِن ذَلِكَ مِن قَبلُ فَلا بَأسَ أَن يُضَحِّيَ وَأُضحِيَتُهُ تَامَّةٌ إِن شَاءَ اللهُ ؛ لأَنَّ الأَخذَ مِن ذَلِكَ لا يَنقُصُ الأُضحِيَةَ وَلا يَمنَعُ مِنهَا بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الأَحوَالِ .
الخطبة الأولى :
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بَعدَ يَومٍ أَو يَومَينِ ، تَمُرُّ بِالمُسلِمِينَ أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ ، إِنَّهَا عَشرٌ اختَارَهَا الخَالِقُ ـ سُبحَانَهُ ـ فَجَعَلَهَا أَكثَرَ أَيَّامِ العَامِ بَرَكَةً وَأَعظَمَهَا فَضلاً ، وَقَدَّرَ أَن تَكُونَ الحَسَنَاتُ فِيهَا مُضَاعَفَةً وَالقُرُبَاتُ فَاضِلَةً ، أَقسَمَ بها العَظِيمُ تَعظِيمًا لَهَا فَقَالَ : " وَالفَجرِ . وَلَيَالٍ عَشرٍ "
وَفِيهَا أَكمَلَ ـ تَعَالى ـ الدِّينَ وَأَتَمَّ عَلَى عِبَادِهِ النِّعمَةَ ، عَن طَارِقِ بنِ شِهَابٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ : يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ، لَو عَلَينَا أُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ " اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا " لاتَّخَذنَا ذَلِكَ اليَومَ عِيدًا ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ : إِني أَعلَمُ أَيَّ يَومٍ أُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ ، أُنزِلَت يَومَ عَرَفَةَ في يَومِ الجُمُعَةِ . رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
في هَذِهِ العَشرِ المُبَارَكَةِ عِبَادَاتٌ عَظِيمَةٌ وَقُرُبَاتٌ جَلِيلَةٌ ، لا تَجتَمِعُ في غَيرِهَا مِن أَيَّامِ العَامِ ، فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ ، وَفِيهَا الصَّومُ لِمَن أَرَادَ التَّطَوُّعَ أَو لم يَجِدِ الهَدْيَ ، وَفِيهَا الذِّكرُ وَالتَّكبِيرُ وَالتَّلبِيَةُ وَالدُّعَاءُ ، وَفِيهَا حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ ، وَمُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ وَالآثَامِ ، وَسَبَبٌ لِلغِنَى في الدُّنيَا وَدُخُولِ الجَنَّةِ في الآخِرَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " بُنِيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ : شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَحَجُّ البَيتِ وَصَومُ رَمَضَانَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : أَيُّ العَمَلِ أَفضَلُ ؟ قَالَ : " إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : "حَجٌّ مَبرُورٌ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن حَجَّ فَلَم يَرفُثْ وَلم يَفسُقْ رَجَعَ مِن ذُنُوبِهِ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " العُمرَةُ إِلى العُمرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُمَا ، وَالحَجُّ المَبرُورُ لَيسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " تَابِعُوا بَينَ الحَجِّ وَالعُمرَةِ ، فَإِنَّهُمَا يَنفِيَانِ الفَقرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ ، وَلَيسَ لِلحَجَّةِ المَبرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ عَشرَ ذِي الحِجَّةِ سُوقٌ لِلمُتَاجَرَةِ مَعَ اللهِ وَمَوسِمٌ لِلرِّبحِ الأُخرَوِيِّ ، إِنَّهَا مَيدَانٌ لِلمُسَابَقَةِ إِلى الخَيرَاتِ وَالإِكثَارِ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، لَحَظَاتُهَا أَنفَسُ اللَّحَظَاتِ ، وَسَاعَاتُهَا أَغلَى السَّاعَاتِ ، وَأَيَّامُهَا هِيَ أَفضَلُ الأَيَّامِ وَأَحَبُّهَا إِلى اللهِ ـ تَعَالى ـ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا مِن أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مِن هَذِهِ الأَيَّامِ " يَعني أَيَّامَ العَشرِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَلا الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ ؟ قَالَ : " وَلا الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ فَلَم يَرجِعْ مِن ذَلِكَ بِشَيءٍ " رَوَاهُ أَحمدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَكَيفَ لا تَكُونُ أَيَّامُ العَشرِ كَذَلِكَ وَفِيهَا يَومُ عَرَفَةَ ، يَومُ العِتقِ مِنَ النَّارِ وَيَومُ خَيرِ الدُّعَاءِ ، اليَومُ الَّذِي يُبَاهِي فِيهِ اللهُ مَلائِكَةَ السَّمَاءِ بِعِبَادِهِ في الأَرضِ ، رَوَى مُسلِمٌ وَغَيرُهُ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " مَا مِن يَومٍ أَكثَرَ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ فِيهِ عَبدًا أَو أَمَةً مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ ، وَإِنَّهُ لَيَدنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلائِكَةَ فَيَقُولُ : مَاذَا أَرَادَ هَؤُلاءِ ؟ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ ، وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي : لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
ورَوَى أَحمَدُ وَأَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " الحَجُّ عَرَفَةُ "
في هَذَا اليَومِ يَقِفُ الحُجَّاجُ بِصِعَيدِ عَرَفَاتٍ ضَاحِينَ مُلَبِّينَ عَلَى رَبِّهِم مُقبِلِينَ ، وَيَصُومُهُ مَن لم يَحُجَّ مِن المُسلِمِينَ تَطَوُّعًا وَالتِمَاسًا لِعَظِيمِ الأَجرِ ، في صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتي بَعدَهُ "
وَكَيفَ لا تَكُونُ العَشرُ فَاضِلَةً وَخِتَامُها يَومُ النَّحرِ ، أَفضَلُ الأَيَّامِ وَأَعظَمُهَا عِندَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ صَحَّ عِندَ الإِمَامِ أَحمَدَ وَغَيرِهِ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ "
إِنَّهُ يَومُ الحَجِّ الأَكبَرِ ، وَفِيهِ يَقَعُ مُعظَمُ أَعمَالِ الحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ ، مِن رَميِ جَمرَةِ العَقَبَةِ وَالحَلقِ وَذَبحِ الهَديِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعيِ ، وَفِيهِ يَجتَمِعُ المُسلِمُونَ لِصَلاةِ العِيدِ ثم يَذبَحُونَ ضَحَايَاهُم .
قَالَ ابنُ كَثِيرٍ في تَفسِيرِهِ : وَبِالجُملَةِ ، فَهَذَا العَشرُ قَد قِيلَ : إِنَّهُ أَفضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الحَدِيثُ ، فَفَضلُهُ كَثِيرٌ عَلَى عَشرِ رَمَضَانَ الأَخِيرِ ؛ لأَنَّ هَذَا يُشرَعُ فِيهِ مَا يُشرَعُ في ذَلِكَ ، مِن صِيَامٍ وَصَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيرِهِ ، وَيَمتَازُ هَذَا بِاختِصَاصِهِ بِأَدَاءِ فَرضِ الحَجِّ فِيهِ . وَقِيلَ : ذَاكَ أَفضَلُ لاشتِمَالِهِ عَلَى لَيلَةِ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ . وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ فَقَالُوا : أَيَّامُ هَذَا أَفضَلُ ، وَلَيَالي ذَاكَ أَفضَلُ . وَبِهَذَا يَجتَمِعُ شَملُ الأَدِلَّةِ ، وَاللهُ أَعلَمُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ فَضَائِلَ العَشرِ كَثِيرَةٌ وَقَدرَهَا جَلِيلٌ ، وَيَكفِيهَا أَنَّهَا أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا عِندَ اللهِ ، فَهَل نَحنُ عَلَى استِعدَادٍ لاستِقبَالِ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ ؟
هَل قُلُوبُنَا مُتَهَيِّئَةٌ لِدُخُولِ أَفضَلِ أَيَّامِ حَيَاتِنَا ؟
أَينَ الَّذِينَ يَسعَونَ إِلى مَا يُحِبُّهُ اللهُ فَلْيَجِدُّوا ؟
أَينَ العَامِلُونَ المُخلِصُونَ فَلْيُعِدُّوا ؟
أَينَ الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا فَلْيُشَمِّرُوا ؟
أَينَ المُنفِقُونَ والمُتَصَدِّقُونَ فَلْيُكثِرُوا ؟
أَينَ مَن يَقضُونَ الحَاجَاتِ وَيُفَرِّجُونَ الكُرُبَاتِ فَلْيَبذُلُوا ؟
أَينَ السَّاعُونَ لِلدَّعوَةِ وَنَشرِ الخَيرِ فَلْيَنشَطُوا ؟
كَانَ ابنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ يَخرُجَانِ إِلى السُّوقِ في أَيَّامِ العَشرِ يُكَبِّرَانِ ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكبِيرِهِمَا ، وَكَانَ سَعِيدُ بنُ جُبَيرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ العَشرِ اجتَهَدَ اجتِهَادًا شَدِيدًا حَتى مَا يَكَادُ يَقدِرُ عَلَيهِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاعمَلُوا صَالِحًا يُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ ، أَكثِرُوا مِنَ التَّكبِيرِ وَالتَّسبِيحِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، وَاقرَؤُوا القُرآنَ فَإِنَّهُ أَفضَلُ الذِّكرِ ، وَتَزَوَّدُوا مِن نَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ بَعدَ الفَرَائِضِ وَوَاظِبُوا عَلَيهَا ، وَخُذُوا حَظَّكُم مِن قِيَامِ اللَّيلِ وَصَلاةِ الضُّحَى وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَاتِ ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ الإِكثَارَ مِنَ النَّوَافِلِ بَعدَ استِكمَالِ الفَرَائِضِ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ ، في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ ، قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افتَرَضتُهُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها ، وَإِن سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ ، وَإِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ "
إِنَّهَا لَخَسَارَةٌ مَا بَعدَهَا خَسَارَةٌ ، أَن تَمُرَّ هَذِهِ العَشرُ وَالعَبدُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ مِن سَابِقِ حَالٍ قَد لا تُرضِي اللهَ ، وَأَيُّ إِعرَاضٍ أَشَدُّ مِن أَن يُحِبَّ اللهُ مِنكَ العَمَلَ الصَّالِحَ ثُمَّ لا تَعمَلَهُ ، بَل تَترُكُهُ تَهَاوُنًا وَتَكَاسُلاً ، أَو تَظَلُّ عَلَى مَا أَنتَ عَلَيهِ مِن أَخطَاءٍ وَمُنكَرَاتٍ ، وَتُصِرُّ عَلَى مَا أَوقَعَكَ فِيهِ عَدُوُّكَ مِن كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ ؟
أَينَ أَنتُم يَا مَن تَمُرُّ عَلَيكُم الأَيَّامُ لا تُؤَدُّونَ صَلاةَ الفَجرِ مَعَ الجَمَاعَةِ ؟ هَل أَنتُم عَازِمُونَ عَلَى التَّوبَةِ مِن هَذَا المُنكَرِ في هَذِهِ العَشرِ ؟!
أَينَ أَنتُم أَيُّهَا القَاطِعُونَ لأَرحَامِكُم ؟! هَل سَتُرَاجِعُونَ أَنفُسَكُم فَتُسَامِحُوا مَن هَجَرتُم طَاعَةً لِرَبِّكُم ؟!
يَا مَنِ امتَلأت بُيُوتُكُم بِأَجهِزَةِ اللَّهوِ وَسَيِّئِ القَنَوَاتِ ، هَل سَتُخرِجُونَ هَذِهِ المُفسِدَاتِ مِن بُيُوتِكُم وَتُطَهِّرُوا مِنهَا مَنَازِلَكُم ؟!
يَا أَكَلَةَ الرِّبَا ، يَا مَن بَخَستُمُ العُمَّالَ وَجَحَدتُم حُقُوقَ الأُجَرَاءِ ، وَتَعَدَّيتُم عَلَى النَّاسِ في أَموَالِهِم أَو أَعرَاضِهِم ، هَل لَكُم في الرُّجُوعِ إِلى رُشدِكُم وَالانتِهَاءِ عَن غَيِّكُم ؟!
هَل لَكُم في إِصلاحِ قُلُوبِكُم لَتُرفَعَ أَعمَالُكُم وَتُقبَلَ قُرُبَاتُكُم ؟
في الصَّحِيحَينِ وَغَيرِهِمَا أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ القَلبُ "
أَلا فَأَصلِحُوا القُلُوبَ تُقبَلِ الأَعمَالُ ، وَعَمِّرُوا البَوَاطِنَ بِالتَّقوَى تَصلُحِ الظَّوَاهِرُ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " لَيسَ بِأَمَانِيِّكُم وَلا أَمَانِيِّ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا . وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمُونَ نَقِيرًا . وَمَن أَحسَنُ دِينًا مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى . وَاعلَمُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَن دَخَلَت عَلَيهِ العَشرُ وَهُوَ يُرِيدُ أَن يُضَحِّيَ أَلاَّ يَأخُذَ مِن شَعرِهِ وَلا بَشَرَتِهِ شَيئًا ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِذَا رَأَيتُم هِلالَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُم أَن يُضَحِّيَ فَلْيُمسِكْ عَن شَعرِهِ وَأَظفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ " وَفي رِوَايَةٍ : " فَلا يَمَسَّ مِن شَعَرِهِ وَبَشَّرتِهِ شَيئًا "
وَهَذَا الحُكمُ خَاصٌّ بِمَن يُضَحِّي ، أَمَّا مَن يُضَحَّى عَنهُ مِن أَهلِ البَيتِ فَلا يَلزَمُهُم ذَلِكَ .
وَمَن لم يَعزِمْ عَلَى الأُضحِيَةِ إِلاَّ في أَثنَاءِ العَشرِ وَقَد أَخَذَ شَيئًا مِن ذَلِكَ مِن قَبلُ فَلا بَأسَ أَن يُضَحِّيَ وَأُضحِيَتُهُ تَامَّةٌ إِن شَاءَ اللهُ ؛ لأَنَّ الأَخذَ مِن ذَلِكَ لا يَنقُصُ الأُضحِيَةَ وَلا يَمنَعُ مِنهَا بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الأَحوَالِ .
المشاهدات 3608 | التعليقات 5
@أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بَعدَ يَومٍ أَو يَومَينِ ، تَمُرُّ بِالمُسلِمِينَ أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ ،......
استهلال مقترح !
أيُّها المسلمون , لقد أقبلت أيامٌ مباركة مُفضّلة, يُعظمُ فيها ربنا ويُكبّرُ ويُذكرُ فيها اسمه ويُبجّل....
@( وَقَدَّرَ أَن تَكُونَ الحَسَنَاتُ فِيهَا مُضَاعَفَةً )
ما الدّليل على مضاعفة الحسنات في عشر ذي الحجة خاصّة؟
@وقولك ( فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ ، وَفِيهَا الصَّومُ لِمَن أَرَادَ التَّطَوُّعَ أَو لم يَجِدِ الهَدْيَ ، وَفِيهَا الذِّكرُ وَالتَّكبِيرُ وَالتَّلبِيَةُ وَالدُّعَاءُ ، وَفِيهَا حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ ).
أقترح : فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ والزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ والصومِ وَالذِّكرِ وَالتَّكبِيرِ وَالدُّعَاءِ، حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ ........
جزاك الله خير الجزاء وكم أتمنّى نزول خطبك قبل يوم الجمعة والمناسب يوم الثلاثاء ولو مسودة, أثابك الله ونفع بك وثبّتك على الحقّ وأحبّك.
استهلال مقترح !
أيُّها المسلمون , لقد أقبلت أيامٌ مباركة مُفضّلة, يُعظمُ فيها ربنا ويُكبّرُ ويُذكرُ فيها اسمه ويُبجّل....
@( وَقَدَّرَ أَن تَكُونَ الحَسَنَاتُ فِيهَا مُضَاعَفَةً )
ما الدّليل على مضاعفة الحسنات في عشر ذي الحجة خاصّة؟
@وقولك ( فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ ، وَفِيهَا الصَّومُ لِمَن أَرَادَ التَّطَوُّعَ أَو لم يَجِدِ الهَدْيَ ، وَفِيهَا الذِّكرُ وَالتَّكبِيرُ وَالتَّلبِيَةُ وَالدُّعَاءُ ، وَفِيهَا حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ ).
أقترح : فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ والزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ والصومِ وَالذِّكرِ وَالتَّكبِيرِ وَالدُّعَاءِ، حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ ........
أبو البراء;4836 wrote:
@أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بَعدَ يَومٍ أَو يَومَينِ ، تَمُرُّ بِالمُسلِمِينَ أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ ،......
استهلال مقترح !
أيُّها المسلمون , لقد أقبلت أيامٌ مباركة مُفضّلة, يُعظمُ فيها ربنا ويُكبّرُ ويُذكرُ فيها اسمه ويُبجّل....
@( وَقَدَّرَ أَن تَكُونَ الحَسَنَاتُ فِيهَا مُضَاعَفَةً )
ما الدّليل على مضاعفة الحسنات في عشر ذي الحجة خاصّة؟
@وقولك ( فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ ، وَفِيهَا الصَّومُ لِمَن أَرَادَ التَّطَوُّعَ أَو لم يَجِدِ الهَدْيَ ، وَفِيهَا الذِّكرُ وَالتَّكبِيرُ وَالتَّلبِيَةُ وَالدُّعَاءُ ، وَفِيهَا حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ ).
أقترح : فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ والزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ والصومِ وَالذِّكرِ وَالتَّكبِيرِ وَالدُّعَاءِ، حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ ........
quote]أيُّها المسلمون , لقد أقبلت أيامٌ مباركة مُفضّلة, يُعظمُ فيها ربنا ويُكبّرُ ويُذكرُ فيها اسمه ويُبجّل....
@( وَقَدَّرَ أَن تَكُونَ الحَسَنَاتُ فِيهَا مُضَاعَفَةً )
ما الدّليل على مضاعفة الحسنات في عشر ذي الحجة خاصّة؟
@وقولك ( فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ ، وَفِيهَا الصَّومُ لِمَن أَرَادَ التَّطَوُّعَ أَو لم يَجِدِ الهَدْيَ ، وَفِيهَا الذِّكرُ وَالتَّكبِيرُ وَالتَّلبِيَةُ وَالدُّعَاءُ ، وَفِيهَا حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ ).
أقترح : فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ والزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ والصومِ وَالذِّكرِ وَالتَّكبِيرِ وَالدُّعَاءِ، حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ ........
جزيت خيرًا ـ أخي الكريم أبا البراء ـ على قراءتك المتأنية ، ونفع الله بما لحظته .
أما ما يتعلق بالاستهلال ، فلا مشاحة فيه ، والخطبة ملك لكل من أخذها ، وليتصرف بما يراه أنسب ، وإنما أردتُ بذكر اليوم واليومين قرب دخولها وشد الانتباه لذلك ، وفوق كل ذي علم عليم .
وأما ما يخص مضاعفة الحسنات ، فقد فهمه العلماء من الأحاديث الواردة في فضل هذه العشر ، والتي وردت بأفعل التفضيل (أفضل) و (أحب) ولا شك أن محبة الله للعمل فيها يقتضي مضاعفة الأجر عليه ، وكذا تعبير أعلم الناس بربه بـ(أفضل) لا شك أنه دال على أن الله يؤتي على العمل فيها أفضل الجزاء والحسنات ، فـ(أفضل) يدل على التكثير والزيادة .
وأنقل هنا مقتطفات من كلام ابن رجب ـ رحمه الله ـ في كتابه (لطائف المعارف) حيث يقول :
المجلس الأول : في فضل عشر ذي الحجة .
خرج البخاري من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " يعني أيام العشر . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله لم رجع من ذلك بشيء " ... و قد دل هذا الحديث على أن العمل في أيامه أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها ، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده ...
وقال عبد الكريم عن مجاهد : العمل في العشر يضاعف .
وفي المضاعفة أحاديث أخر مرفوعة لكنها موضوعة فلذلك أعرضنا عنها وعما أشبهها من الموضوعات في فضائل العشر وهي كثيرة .
وقد دل حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء شيء منها ...
وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " ما من أيام أعظم ولا أحب إليه العمل فيهن عند الله من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد "
فإن قيل : فإذا كان العمل في أيام العشر أفضل من العمل في غيرها ؟ وإن كان ذلك العمل أفضل في نفسه مما عمل في العشر لفضيلة العشر في نفسه ؟ فيصير العمل المفضول فيه فاضلاً حتى يفضل على الجهاد الذي هو أفضل الأعمال كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة ، وهو قول الإمام أحمد وغيره من العلماء ، فينبغي أن يكون الحج أفضل من الجهاد لأن الحج مخصوص بالعشر وهو من أفضل ما عمل في العشر أو أفضل ما عمل فيه ؟ فكيف كان الجهاد أفضل من الحج ؟ فإنه ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً قال : يا رسول الله ، أي الأعمال أفضل ؟ قال : " إيمان بالله ورسوله " قال : ثم ماذا ؟ قال : " جهاد في سبيل الله " قال : ثم ماذا ؟ قال : " حج مبرور " قيل : التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بالحج عند جمهور العلماء ، وقد نص عليه الإمام أحمد وهو مروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وروي فيه أحاديث مرفوعة في أسانيدها مقال ، وحديث أبي هريرة هذا صريح في ذلك ويمكن الجمع بينه وبين حديث ابن عباس بوجهين :
أحدهما : أن حديث ابن عباس قد صرح فيه بأن جهاد من لا يرجع من نفسه وماله بشيء يفضل على العمل في العشر ، فيمكن أن يقال : الحج أفضل من الجهاد إلا جهاد من لم يرجع من نفسه بشيء ، ويكون هو المراد من حديث أبي هريرة ويجتمع حينئذ الحديثان .
والثاني : وهو الأظهر : أن العمل المفضول قد يقترن به ما يصير أفضل من الفاضل في نفسه كما تقدم ، وحينئذ فقد يقترن بالحج ما يصير به أفضل من الجهاد ، وقد يتجرد عن ذلك فيكون الجهاد حينئذ أفضل منه ، فإن كان الحج مفروضًا فهو أفضل من التطوع بالجهاد ؛ فإن فروض الأعيان أفضل من فروض الكفايات عند جمهور العلماء ، وقد روي هذا في الحج والجهاد بخصوصهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص وروي مرفوعًا من وجوه متعددة في أسانيدها لين ، وقد دل على ذلك ما حكاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ربه ـ عز وجل ـ أنه قال : " ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه " وإن كان الحاج ليس من أهل الجهاد فحجه أفضل من جهاده كالمرأة .
وفي صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت : يا رسول الله ، ترى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ فقال : " أفضل الجهاد حج مبرور " وفي رواية له : " جهادكن الحج " وفي رواية له : " نعم الجهاد الحج " وكذلك إذا استغرق العشر كله عمل الحج وأتى به على أكمل وجوه البر من أداء الواجبات واجتناب المحرمات وانضم إلى ذلك الإحسان إلى الناس ببذل السلام وإطعام الطعام ، وضم إليه كثرة ذكر الله ـ عز وجل ـ والعج والثج وهو رفع الصوت بالتلبية وسوق الهدي فإن هذا الحج على هذا الوجه قد يفضل على الجهاد ، وإن وقع عمل الحج في جزء يسير من العشر ولم يؤت به على الوجه المبرور فالجهاد أفضل منه ، وقد روي عن عمر وابن عمر وأبي موسى الأشعري ومجاهد ما يدل على تفضيل الحج على الجهاد وسائر الأعمال ، وينبغي حمله على الحج المبرور الذي كمل بره واستوعب فعله أيام العشر ، والله أعلم . انتهى ما أردت نقله من كلام ابن رجب .
وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " أفضل أيام الدنيا العشر " يعني عشر ذي الحجة . قيل : ولا مثلهن في سبيل الله ؟ قال : ولا مثلهن في سبيل الله ، إلا رجل عفر وجهه بالتراب ... الحديث. صححه الألباني .
وأما قولي : ( فَفِيهَا مَعَ الصَّلَوَاتِ الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ ، وَفِيهَا الصَّومُ لِمَن أَرَادَ التَّطَوُّعَ أَو لم يَجِدِ الهَدْيَ ، وَفِيهَا الذِّكرُ وَالتَّكبِيرُ وَالتَّلبِيَةُ وَالدُّعَاءُ ، وَفِيهَا حَجُّ البَيتِ الحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَركَانِ الإِسلامِ )
فإنما أفردت الصلوات وحدها وجعلت بقية الأعمال معطوفًا بعضها على بعض لملحظ يسير ، وهو أن أداء الصلوات الخمس هو الواجب الوحيد في هذه العشر ، بخلاف غيره ، فقد يكون منه الواجب ، كحج الفريضة ، وزكاة من حال الحول على ماله في هذه الأيام ، وصوم حاج لم يجد الهدي ... وقد يكون منه النفل كحج من سبق له حج الفريضة ، وصيام هذه الأيام تطوعًا ، والصدقات ... إلى آخر ما لا يخفى من الذكر والتسبيح والتحميد والتهليل والدعاء .
ومع هذا فلا مشاحة في تقديم أو تأخير أو تغيير .
وفيما يخص اقتراحك بتقديم نشر الخطبة فلا غبار عليه ، وودت لو أني أستطيع إنزال الخطبة من يوم السبت ، ولكن لا يخفى عليك ما يعترينا من أعمال وارتباطات وتكاسل ، والله المستعان ، وإذا علمتَ ـ أخي الكريم ـ أني لست خطيبًا رسميًّا وإنما أنا كاتب مجتهد ، فقد يخف عليك وقع التأخير .
أثابك الله ونفع بك .
عبدالله البصري;4839 wrote:
وإذا علمتَ ـ أخي الكريم ـ أني لست خطيبًا رسميًّا وإنما أنا كاتب مجتهد ، فقد يخف عليك وقع التأخير .
أثابك الله ونفع بك .
سبحان الله !
ألست بخطيب ؟!
معلومة جديدة ومؤسفة !
لقد كنت أغبط المصلين معك في مسجدك !
ألست بخطيب ؟!
معلومة جديدة ومؤسفة !
لقد كنت أغبط المصلين معك في مسجدك !
ماجد بن محمد العسكر;4863 wrote:
سبحان الله !
ألست بخطيب ؟!
معلومة جديدة ومؤسفة !
لقد كنت أغبط المصلين معك في مسجدك !
نعم ، لست بخطيب رسمي . وأما الخطابة رسالةً دعويةً فأنا أمارسها كتابةً وإلقاءً منذ كنت طالبًا في الثانوية قبل أربعة وعشرين عامًا ، ولا أكاد أتركها لجمعتين متواليتين ، ولله وحده الحمد والمنة ، وما يكن من فضل فهو له دون سواه .
وأما غبطتك للمصلين معي ، فأرجو ألا تكون من باب ( تسمع بالمعيدي خير من أن تراه )
وأسأل الله أن يعاملنا بعفوه ولطفه ، وأن يسترنا في الدنيا والآخرة ، ويجعلنا خيرًا مما يظن بنا .
أبو البراء
اللهم اسلك بنا طريق المتقين الأبرار وأعذنا من خزي الدنيا وعذاب النار وتقبل منا واغفر لنا يا كريم يا غفار، اللهم وفقنا لما تحب وترضى واجعلنا ممن عمل عملا صالحا خالصا لوجهك الكريم ترضى به عنّا , اللهم فرّج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم يسّر على الحجّاج حجَّهم، واحفِظهم من كلِّ مكروه، واجعل حجّهم مبرورًا وسعيَهم مشكورًا، تقبَّل الله منّا ومِنهم.
بارك الله لي ولك, ونفعني وإيّاك, وأستغفر الله تعالى لي ولك ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميّتين.
تعديل التعليق