خطبة أول رجب

الجهاد الجهاد
1435/06/17 - 2014/04/17 17:43PM
الحمد لله ربِّ العالمين، وليُّ المؤمنين، ومجيبُ السائلين. سبحانه .. سبحانه، هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي تنزَّه عن الوالدة والولد، وعن الشريك والنظير، والوزير والمشير. ألقى الكلمات بقدرته، وأوجدها بعظمته، وسخرها بباهر حكمته، وهو بعد ذلك لا يطلب من المرء إلا الشكر على نعمته سبحانه وتعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (7إبراهيم).

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق السموات والأرض بقدرته، وخلق الإنسان وسواه ونفخ فيه من روحه، وأظهر فيه جماله العليَّ وبهاءَه السرمديَّ ليتعرف به سبحانه وتعالى عليه، وليهتدي بمصنوعاته في الأكوان إليه. هذا الإله العليُّ القدير، الذي خلق الخلائق، والذي أبدع الكائنات، والذي بيده الملك وبيده الملكوت، هو الذي أسرى بحبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم من الملك إلى الملكوت: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (1الإسراء).
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، اختاره الله لحضرته، وخصَّه بنبوَّته، ورفع قدره ومنزلته عنده حتى كان قاب قوسين أو أدنى: (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (10، 11النجم).

صلوات الله وسلامه على هذا النبي الكريم، الذي وصفه مولاه سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، بأنه: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (128التوبة). وبعد..
فيا أيها الأخوة المؤمنون:

ونحن في أول هذا الشهر الكريم شهر رجب نريد أن نتعرف على بعض المعاني التي أكرمنا الله سبحانه وتعالى بها في هذه الأوقات!! فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي وقَّت المواقيت، وحدَّد الأمكنة وبين الأزمنة، فضل بعض الأوقات على بعض، وخصَّ بعض الأمكنة بالفضل الذي لا يوجد في البعض. ففضل على الشهور شهر رمضان، وبعده في الفضل رجب وشعبان، وفضل على الأيام يوم عرفة، وفضل على الليالي ليلة القدر، وفضل على الأمم أمة الإسلام، وفضل على الرسل رسولكم الكريم، وكل ذلك يقول المولى فيه: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (4الجمعة).
لم اختص الله هذا الشهر بمزية دون ما سبقه من الشهور؟

إن هذا الشهر كانت العرب حتى قبل الإسلام تخصه بالاحترام والتجلة والإكرام، وكانوا يسمونه الشهر الحرام!! أي تحرم فيه المعاصي والذنوب والسيئات والآثام، حتى كان الرجل العادي والجاهلي إذا قابل قاتل أخيه في شهر رجب يلفت وجهه إلى الجهة الأخرى ولا ينظر إليه بسوء، احتراماً لحرمة هذا الشهر الكريم، وإذا قابل مَنْ أساء إليه بقولٍ أو فعلٍ أو عملٍ تغاضى عنه أو تركه، توقيراً واحتراماً لهذا الشهر الكريم.
وجاء الأسلام وزادها توقيراً وتعظيماً وذلك في قول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) (36التوبة). فنهانا الله عن أن نظلم أنفسنا في هذه الأشهر الكريمة، وهي الأشهر الحرم، ومن ضمنها شهر رجب الأغر.

وهنا سؤال ملحّ: وكيف يظلم الإنسان نفسه؟

إن ظلم الإنسان لنفسه - عند الله وعند رسول الله وعند كتاب الله وعند العلماء بالله - هو أن يتجاوز الإنسان حدود الله: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (1الطلاق). أي: أن الإنسان الذي يتعدى، أي: يتجاوز الحدود التي أعدَّها الملك المعبود للمعاملات وللأخلاق وللعبادات وللكمالات الإلهية، فقد عرض نفسه للظلم الكبير الذي لا ينفع فيه وزير ولا شفيع ولا نظير، لأن الأمر يتعلق بالملك الكبير سبحانه وتعالى.

فإن كان الإنسان يرخي لنفسه العنان لترتكب بعض الهفوات أو بعض الزلات، فإنه في هذا الشهر الكريم يجب أن يقبض بلجام نفسه بقوة الشريعة الإلهية، ويجعلها مسخرة لأحكام ربِّ البرية، فلا تنظر العين منها إلا لما أحلَّه الله، وإذا أرادت أن تلتفت إلى الحرام تقول لها: (النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ، أَبْدَلَهَا اللَّهُ إِيمَانَاً يَجِدُ حَلاَوَتَهُ فِي قَلْبِهِ) (روى في الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد عن عبد الله بن مسعود).
يا أيتها العين: أما سمعتي خالقك وهو يقول: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) (30النور).

وإذا أرادت الأذن أن تستمع إلى ما حرَّم الله من غيبة ونميمة وسبَّ وشتم وقول باطل، قال لها: يا أيتها الأذن: كوني كما قال الله: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (12الحاقة)، والأذن الواعية هي التي لا تقع في معصية، وفى الأثر: (المُغْتَابُ وَالمُسْتَمِعُ شَرِيكَانِ فِي الإِثْمِ) . فأنت إذا استمعت إلى المغتاب فأنت على إحدى ثلاث خصال:

الأولى: إذا وافقته كنت شريكه على هذا الإثم وعلى هذا العمل وهذه الجريمة الشنعاء التي جعلها ربُّ الأرض والسماء أقبح من إسالة الدماء!!! استمعوا إليه سبحانه إذ يقول: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (12الحجرات). والثانية: أنت إذا نهرته عن الغيبة وقمت عنه؛ عرضت نفسك للسوء وللوقوع في عرضك ولارتكاب الإثم بسببك. والحل الثالث ولا غنى له هو قول الله تعالى: (فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (68الأنعام).

إنك توطن نفسك ألا تجلس في مجالس الغيبة ولا مجالس النميمة ولا في مجالس اللهو في هذه الأيام المباركة، لأن الله حرَّم فيها هذه المعاصي، وهذه المعاصي وإن كانت بالطبع محرَّمة طول العام، ولكنها هذه الأيام أشد حرمة وأشد تجريماً وأشد وزراً عند الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) (36التوبة). أي إن الإنسان يمسك بزمام نفسه، وتجعلها تسير كما يريد الله وتمشي خلف رسول الله. فالمكان الذي كان يحبُّه أجلسها فيه، والعمل الذي كان يحبه يجعلها تعمله، ومن أخبرني بحبهم أجالسهم وأتقرب منهم، ومن عرَّفني أنه يبغضهم أسارع إلى النفور عنهم.
ومن هنا نفهم معنى الآية!!! فمن أرخى العنان لنفسه فقد ظلم نفسه لأنها بوقوعها في الذنوب تستوجب غضب علام الغيوب، ونحن الضعفاء والمساكين أحوج ما نكون إلى نظرة رضا من رب العالمين، فإنه لو غضب على أحد طرفة عين كانت حياته كلها نكد، وكان قبره شعْلة من اللهب، وكانت قيامته حسرة وندامة، يوم لا تنفع الندامة ولا الملامة، وكان مصيره كما تعلمون وكما تعرفون

والدنيا كما قال الإمام علي رضى الله عنه وكرم الله وجهه: (الدنيا ساعة فأجعلها طاعة). كلنا مسافرون وكلنا جاهزون للقاء الله ولا نعلم الميعاد ولا نعلم وقت السفر، فعلينا أن نجهز الزاد والزاد الذي ينفع للميعاد، وليس الأرصدة التي في البنوك ولا العمارات ولا الأراضون، ولا الأولاد ولا البنين إلا إذا كانوا صالحين موفقين، لا ينفع إلا ما قال الله: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (179البقرة).

عليك أن تجعل لنفسك رصيداً عند ربك ينفعك (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ. إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (88، 89الشعراء). هذا الرصيد أيها الإخوة المؤمنون، ما أسهله وما أيسره، فإن التسبيحة الواحدة تعدل الدنيا من أولها إلى آخرها عند الله. ولذلك عندما مرَّ سليمان ابن داود ومعه جنوده وقد حملته الريح، ونظر إليه رجل فقير في الأرض وتعجب!! الريح تحمل البساط وعليه نصف مليون جندي من الإنس والجن غير الحيوانات والطيور، لأنها كلها كانت مسخرة لسليمان، فنظر إلى هذا الملك العظيم وقال: ما أعظم ما أوتي سليمان بن داود. فحملت الريح تلك الكلمة إلى سليمان فأمرها أن تهبط بالبساط ودعا الرجل وقال له: ماذا قلت يا عبد الله؟ فأخذته رهبة فخفف عنه وقال: لقد قلت: ما أعظم ما أوتي سليمان بن داود!! فقال سليمان عليه السلام: (والله يا أخي لتسبيحة واحدة في صحيفة مؤمن خير وأعظم عند الله مما أوتي سليمان بن داود).

كلمة (سبحان الله) خير لك عند الله تجدها يوم القيامة في رصيدك خير لك من أن تضع في هذا الرصيد الدنيا كلها من أولها إلى آخرها. ولذلك ينبئ الرسول الكريم عن الصفحة التي تثقل الميزان فيقول: (والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ جِيءَ بالسَّمَاواتِ والأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، ومَا بَيْنَهُنَّ، ومَا تَحْتَهُنَّ، فَوُضِعْنَ في كَفَّةِ المِيزَانِ، وَوُضِعَتْ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ الله في الكَفَّةِ أُلاخْرى لَرَجَحَتْ بِهِنَّ) (رواه أحمد والطبراني والبزار من حديث ابن عمر).

ولذلك عندما كان سيدنا موسى في حالة المناجاة في حضرة الله فقال كما ورد بالحديث الشريف (يَا رَب عَلمْنِي شَيْئَاً أَذْكُرُكَ بِهِ وَأَدْعُوكَ بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَىٰ قُلْ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ: يَا رَب، كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هذَا، قَالَ: قُلْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، يَا رَب إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئَاً تَخُصُّنِي بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَىٰ لَوْ أَنَّ السَّموَاتَ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي، وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ، وَلاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ فِي كِفَّةٍ، مَالَتْ بِهِمْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ) (أبو يعلى فى مسنده وأبو نعيم فى الحلية والبيهقى فى السنن وغيرها عن أَبي سعيدٍ رضيَ اللَّهُ عنه). كلمة هينة لينة، ما أسهلها على اللسان، وما أحبها إلى الرحمن، وما أثقلها في الميزان، يوم لا ينفع الإنسان إلا ما قدمت يداه.

فاتقوا الله عباد الله وامتنعوا عن المعاصي في هذه الأيام المباركة، واستكثروا فيها من الطاعات، وحركوا ألسنتكم بذكر خالق الأرض والسموات. ماذا عليك لو قلت وأنت في الطريق تمشي: (لا إله إلا الله)؟ ماذا عليك لو كررتها وأنت جالس في بيتك؟!! وأنت جالس في عملك؟!! وأنت راكب في مواصلتك؟!! ماذا تكلفك وبماذا تتعبك؟

إنها دليل على توفيق الله للمؤمنين ففي الأثر المشهور قيل: ( إذا أكرم الله عبدا ألهمه ذكره، وألزمه بابه وآنسه به). حتى قال: (لو علم المغترون بالدنيا ما فاتهم من حظ المقربين، وتلذذ الذاكرين، وسرور المحبين لماتوا كمداً) (الزهد الكبير للبيهقي رواية عن ذى النون رضى الله عنه).
ألهم لسانه ذكره ليكون كلامه أرباح، وليكون كلامه فلاح ونجاح، وليكون كلامه رضا لحضرة الكريم الفتاح، وليكون كلامه تكريماً له يوم القيامة. وإذا أبغض الله عبداً جعل لسانه بذيئاً ينطق بالألفاظ البذيئة، ولا يتحرك إلا كالسوط يجلد هذا بكلامه، ويؤلم هذا بصراخه وسبابه، ويؤذي هذا بغيبته، ويفرق بين هذا وذاك بنميمته، إن هذا يكون على شاكلة إبليس لأنها أعمال إبليس.

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الجوارح تخاطب اللسان كل صباح فتقول: (إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ الِّلسَانَ فَتَقُولُ: اتَقِ الله فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا) (الترمذي وغيره عن أبر سعيد الخدري).

كل صباح تجتمع أعضاءك وأنت لا تشعر وتحدث اللسان!! لأن الإنسان لا يؤاخذ إلا بكلمات هذا اللسان، وبأفعال هذه الجوارح وبنيّة القلب والجنان، قال صلى الله عليه وسلم: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هذِهِ الدُّنْيَا دَارُ الْتِوَاءٍ لاَ دَارُ اسْتِوَاءٍ، وَمَنْزِلُ تَرَحٍ لاَ مَنْزِلُ فَرَحٍ، فَمَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْرَحْ لِرَخَاءٍ، وَلَمْ يَحْزَنْ لِشِدَّةٍ، أَلاَ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ خَلَقَ الدُّنْيَا دَارَ بَلْوَىٰ، وَالآخِرَةَ دَارَ عُقْبَىٰ، فَجَعَلَ بَلْوَىٰ الدُّنْيَا لِثَوَابِ الآخِرَةِ، وَثَوَابَ الآخِرَةِ مِنْ بَلْوَىٰ الدُّنْيَا عِوَضاً، فَيَأْخُذُ لِيُعْطِى، وَيَبْتَلِي لِيُجْزِى، فَاحْذَرُوا حَلاَوَةَ رَضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِهَا لِكَرِيهِ آجِلِهَا، وَلاَ تَسْعَوْا فِي عُمْرَانِ دَارٍ قَدْ قَضَىٰ اللَّهُ خَرَابَهَا، وَلاَ تُوَاصِلُوهَا وَقَدْ أَرَادَ مِنْكُمْ اجْتِنَابَهَا، فَتَكُونُوا لِسَخَطِهِ مُتَعَرضِينَ، وَلِعُقُوبَتِهِ مُسْتَحِقينَ) (الديلمي عن ابن عمر رضى الله عنهما). أو كما قال ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُه ورسوله. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين. أما بعد..
فيا أيها الأخوة المؤمنون:

أكرم الله المؤمنون في هذا الشهر فأخذ حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم في رحلته المباركة، وأغدق عليه من نوره العام ومن صنوف الإكرام ما لم يعلمه إلا الملك العلام سبحانه وتعالى. في هذه الليلة ليعلمنا أن هذا الشهر هو شهر إكرام الله لعباده المؤمنين، والذي قال في حقه سيد المرسلين: (رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ وَشَعْبَانُ شَهْرِي وَرَمَضَانُ شَهْرُ أُمَّتِي) (أبو الفتح بن أبي الفوارس من أماليه عن الحسن مرسلاً في كتاب جامع الأحاديث والفتح الكبير).
ومعنى شهر الله: أي شهر العفو الإلهي، ومغفرة الله، وإحسان الله، وإكرام الله لعباد الله، لأن الله موصوف بهذه الصفات الكريمة، وهو في كل ليلة من ليالينا يتنزل في الثلث الأخير وينادي علينا ويتعجب من لجوئنا لغيره، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد فيقول: (ألا مُسْتَغْفِرٌ فأغْفِرَ لَهُ، ألا مُسْتَرْزِقٌ فأرْزُقَهُ، ألا مُبْتَلًـى فـأُعافِـيَهُ، ألا سائِلٌ فأعْطِيَهُ، ألا كَذا ألا كذا، حَتَّـى يَطْلُعَ الفَجْرُ) (عن جبير بن مطعم عن أبيه وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة).

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، ما قدمنا منها وما أخرَّنا، ما أسررنا منها وما أعلنَّا، ما أظهرنا منها وما أبطنَّا، ما علمنا منها وما لم نعلم، يا حنَّان يا منَّان يا عظيم.
اللهم اغفر لعبادك المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات.

كما نسألك اللهم أن توفق ولاة أمورنا للعمل بكتابك ولتنفيذ سنة خير أحبابك، يا ربَّ العالمين.
عباد الله: اتقوا الله، (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).
اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.


منقول من كتاب {الخطب الإلهامية فى الإسراء والمعراج}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً
المشاهدات 2250 | التعليقات 0