خطبة : (أولو بقية ينهون عن الفساد)

عبدالله البصري
1437/05/09 - 2016/02/18 11:09AM
أولو بقية ينهون عن الفساد 10 / 5 / 1437
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ثَمَّةَ قَضِيَّةٌ تُعَدُّ مِن كُبرَيَاتِ القَضَايَا ، وَمُهِمَّةٌ مِن مُهِمَّاتِ المَسَائِلِ في الشَّرِيعَةِ ، بَل هِيَ جُزءٌ مِنَ النِّظَامِ الإِدَارِيِّ الإِسلامِيِّ الأَصِيلِ ، المَبنِيِّ عَلَى مَا أَنزَلَهُ اللهُ وَأَمَرَ بِالحُكمِ بِهِ وَالاحتِكَامِ إِلَيهِ ، إِنَّهَا وِلايَةٌ مِن الوِلايَاتِ الَّتي تُكَلَّفُ بها الدَّولَةُ المُسلِمَةُ ، يَتَوَلاَّهَا إِمَامُ المُسلِمِينَ وَسُلطَانُهُم بِنَفسِهِ إِنِ استَطَاعَ ، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيهِ أَن يُنِيبَ عَنهُ مَن يَتَوَلاَّهَا مِمَّن فِيهِمُ الكِفَايَةُ ، مِثلُهَا مِثلُ إِمَامَةِ الصَّلاةِ وَالقَضَاءِ وَالجِهَادِ وَغَيرِهَا مِنَ الوِلايَاتِ .
أَتَدرُونَ مَا هَذِهِ الوِلايَةُ العَظِيمَةُ – يَا عِبَادَ اللهِ - ؟!
إِنَّهَا الحِسبَةُ ، الأَمرُ بِالمَعرُوفِ إِذَا ظَهَرَ تَركُهُ ، وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ إِذَا ظَهَرَ فِعلُهُ .
لَيسَتِ الحِسبَةُ اختِيَارًا لِلمُجتَمَعَاتِ أَوِ الحُكُومَاتِ ، وَكَيفَ تَكُونُ خِيَارًا وَشَارِعُهَا مَن لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَلتَكُنْ مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَـئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن رَأَى مِنكُم مُنكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِن لم يَستَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِن لم يَستَطِعْ فَبِقَلبِهِ ، وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيمَانِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَإِنَّهُ لَو تَأَمَّلَ مُتَأَمِّلٌ في سَائِرِ الوِلايَاتِ الشَّرعِيَّةِ في الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ ، لَوَجَدَ حَقِيقَتَهَا كُلِّهَا الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ بِقُوَّةِ السُّلطَانِ ، وَلَولا استِعمَالُ السُّلطَةِ وَأَمرُ النَّاسِ وَنَهيُهُم ، وَأَطرُهُم عَلَى الحَقِّ وَرَدعُهُم عَنِ البَاطِلِ ، وَأَخذُ الحُقُوقِ مِن بَعضِهِم لِبَعضٍ ، لما بَقِيَت فِيهِم فَضِيلَةٌ ، وَلانتَشَرَتِ بَينَهُمُ كُلُّ رَّذِيلَةٍ ، وَلاكتَسَحَتِ المُجتَمَعَاتِ الشُّرُورُ وَالآفَاتُ ، وَلَدَنَّسَتهَا الآثَامُ وَالسَّيِّئَاتُ وَالمُنكَرَاتُ ، فَلَيسَ كُلُّ النَّاسِ يَرتَدِعُ بِرَادِعِ القُرآنِ أَو تُصلِحُهُ العِظَاتُ ، وَالإِسلامُ لم يَكُنْ يَومًا مَا مُجَرَّدَ آيَاتٍ تُكتَبُ في السُّطُورِ أَو تُحفَظُ في الصُّدُورِ ، دُونَ قُوَّةٍ مَادِّيَّةٍ يَحمِي بها مَبَادِئَهُ وَأُصُولَهُ ، وَيَحفَظُ بها مُجتَمَعَاتِهِ وَأَفرَادَهُ ، بَل لَقَد كَانَ وَمَا زَالَ قُوَّةً رُوحِيَّةً ، تَدعَمُهَا قُوَّةٌ مَادِّيَّةٌ عَادِلَةٌ ، مِثلُهُ في ذَلِكَ مِثلُ سَائِرِ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ ، حَيثُ لم يُنزِلِ اللهُ عَلَى خَلقِهِ كِتَابًا إِلاَّ وَبِجَانِبِهِ سَيفٌ يَحمِيهِ ، وَقُوَّةٌ تَصُونُ المُجتَمَعَاتِ مِن كَيدِ الشَّيَاطِينِ وَفَوضَى العَابِثِينَ وَمُجُونِ المَارِقِينَ ، وَتَحُولُ بَينَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ وَبَينَ المَيلِ بِالنَّاسِ عَن صِرَاطِ رَبِّهِم مَيلاً عَظِيمًا ، قَالَ – تَعَالى - : " لَقَد أَرسَلنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسطِ وَأَنزَلنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ "
وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : " الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ "
وَرُوِيَ عَن عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اللهَ لَيَزَعُ بِالسُّلطَانِ مَا لا يَزَعُ بِالقُرآنِ "
وَالحِسبَةُ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – تُعَزِّزُ القِيَمَ الفَاضِلَةَ لِلمُجتَمَعِ ، وَتَدفَعُ عَنهُ القِيمَ الشِّرِّيرَةَ ؛ وَمِن ثَمَّ فَهِيَ خَطُّ الدِّفَاعِ الأَوَّلِ عَنهُ وَصِمَامُ الأَمَانِ لَهُ ، وَمَن نَظَرَ في مُدَوَّنَاتِ السِّيَاسَةِ الشَّرعِيَّةِ وَمُؤَلَّفَاتِ العُلَمَاءِ في الحِسبَةِ وَالاحتِسَابِ وَجَدَ أَنَّ لِلمُحتَسِبِ في دُولَةِ الإِسلامِ مَهَامَّ كَثِيرَةً ، تَشمَلُ جَوَانِبَ مُتَعَدِّدَةً دِينِيَّةً وَدُنيَوِيَّةً ، وَتَشمَلُ حُقُوقَ اللهِ وَحُقُوقَ خَلقِهِ ، مِن الأَمرِ بِالتَّوحِيدِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ ، وَالنَّهيِ عَنِ الشِّركِ وَمُحَارَبَةِ البِدَعِ ، وَمُلاحَقَةِ السَّحَرَةِ وَإِبطَالِ السِّحرِ ، إِلى مُرَاقَبَةِ النَّاسِ في أَسوَاقِهِم ، وَتَأَمُّلِ أَحوَالِهِم في بَيعِهِم وَشِرَائِهِم ، وَمُتَابَعَتِهِم في كُلِّ مَا يَنفَعُهُم ، وَحِفظِهِم مِن جَمِيعِ مَا يَضُرُّهُم ، وَمِن ثَمَّ كَانَ لِلمُحتَسِبِ إِذَا كَانَ وَلِيَّ الأَمرِ أَوِ مُعَيَّنًا مِن قَبِلِه التَّدَخُّلُ المُبَاشِرُ بِأَمرِ تَارِكِ المَعرُوفِ بِفِعلِهِ وَنَهيِ مُرتَكِبِ المُنكَرِ عَنِ اقتِرَافِهِ ، وَالإِلزَامُ بِذَلِكَ حَسبَ الأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ وَالأَنظِمَةِ المَرعِيَّةِ ، وَهَذَا مَا يَجعَلُ الحِسبَةَ دُونَ غَيرِهَا هِيَ العِلاجَ الحَاسِمَ لأَمرَاضٍ تُصِيبُ المُجتَمَعَ كُلَّ يَومٍ ، وَلَو أُخِّرَ عِلاجُهَا قَلِيلاً وَغُفِلَ عَن حَسمِهَا في وَقتِهَا ، لَتَفَاقَمَت وَتَضَاعَفَت ، وَلَصَارَت دَاءً مُزمِنًا يَفتِكُ بِالمُجتَمَعِ وَيُهلِكُ أَفرَادَهُ ، خَاصَّةً في هَذَا العَصرِ الَّذِي صَارَ مِن أَوضَحِ سِمَاتِهِ السُّرعَةُ في كُلِّ شَيءٍ حَتى في المَعَاصِي .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَضَت سُنَّةُ اللهِ أَنَّ بَني آدَمَ خَطَّاؤُونَ ، وَأَنَّ الخَطَأَ مَتى كَانَ فَردِيًّا خَافِيًّا لم يَضُرَّ إِلاَّ صَاحِبَهُ ، وَأَمَّا إِذَا ظَهَرَ وَعَلِمَ بِهِ النَّاسُ وَرَأَوهُ ، فَإِنَّهُم مُتَحَمِّلُونَ لَهُ جَمِيعًا ، وَعَلَيهِم أَن يُعَالِجُوهُ وَيُصَحِّحُوهُ ، وَإِلاَّ عَرَّضُوا أَنفُسَهُم جَمِيعًا لِغَضبِ اللهِ – سُبحَانَهُ - ؛ فَهُوَ – تَعَالى - لا يُحِبُّ الفَسَادَ وَلا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ ، بَل وَيَغَارُ أَن تُنتَهَكَ مَحَارِمُهُ أَو تُتَعَدَّى حُدُودُهُ ، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : " وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لم تَظهَرِ الفَاحِشَةُ في قَومٍ قَطُّ حَتى يُعلِنُوا بها إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوجَاعُ الَّتي لم تَكُنْ مَضَت في أَسلافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوا " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ . وَلَمَّا سَأَلَت زَينَبُ بِنتُ جَحشٍ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – بِقَولِهَا فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ : أَنهلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟! قَالَ : " نَعَم ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ " وَالفَاحِشَةُ لا تَظهَرُ وَتُعلَنُ ، وَالخَبَثُ لا يَكثُرُ وَلا يَنتَشِرُ ، إِلاَّ إِذَا تُرِكَ الأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ وَضَعُفَ جَانِبُهُ وَخُذِلَ أَهلُهُ ، وَتَصَوَّرُوا – حَمَاكُمُ اللهُ – مُجتَمَعًا لا يَحتَسِبُ فِيهِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، وَلا يُؤمَرُ فِيهِ بِمَعرُوفٍ وَلا يُنهَى عَن مُنكَرٍ ، مَن سَيَقودُهُ ؟! وَبِمَن سَيَقتَدِي صِغَارُهُ ؟! إِنَّ المُنكَرَ سَيَتَزَيَّنُ حِينَئِذٍ ، وَسَيَكثُرُ الإِغرَاءُ وَالإِغوَاءُ ، وَسَيَأتي المُنكَرَ اقتِدَاءً مَن لم يَفعَلْهُ ابتِدَاءً ، وَالنَّفسُ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي " وَمَا أَكثَرُ النَّاسِ وَلَو حَرَصتَ بِمُؤمِنِينَ "
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَأمُرْ بِالمَعرُوفِ وَلْنَنهَ عَنِ المُنكَرِ ، وَلْنَكُنْ عَونًا لِرِجَالِ الحِسبَةِ في بِلادِنَا عَلَى أَدَاءِ هَذِهِ المُهِمَّةِ الجَلِيلَةِ وَالقِيَامِ بِهَذَا الفَرضِ الكِفَائِيِّ ، فَإِنَّمَا نَحنُ في سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَمِنَ الدِّينِ وَالعَقلِ وَالمَرُوءَةِ ، أَن نَحفَظَهَا مِن كُلِّ خَرقٍ ، وَنَنتَبِهَ لها مِن كُلِّ مُفسِدٍ يُرِيدُ إِغرَاقَهَا ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ استَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ بَعضُهُم أَعلَاهَا وَبَعضُهُم أَسفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسفَلِهَا إِذَا استَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَن فَوقَهُم ، فَقَالُوا لَو أَنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرقًا وَلم نُؤذِ مَن فَوقَنَا ، فَإِنْ يَترُكُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهِم نَجَوا وَنَجَوا جَمِيعًا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . وَعَدَ اللهُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدنٍ وَرِضوَانٌ مِنَ اللهِ أَكبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مُجَرَّدَ تَركِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ وَالتَّخَلِّي عَنِ الحِسبَةِ ، مُؤذِنٌ بِهَلاكٍ وَلَعنَةٍ وَعَذَابٍ ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ "
وَعَن أَبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُم تَقرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُم " وَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالمَ فَلَم يَأخُذُوا عَلَى يَدَيهِ أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِن عِندِهِ " رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَفي رِوَايَةٍ لأَبي دَاوُدَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ : " مَا مِن قَومٍ يُعمَلُ فِيهِم بِالمَعَاصِي ثم يَقدِرُونَ أَن يُغَيِّرُوا ولا يُغَيِّرُونَ إِلاَّ يُوشِكُ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ "
وَأَمَّا الطَّامَّةُ الكُبرَى وَقَاصِمَةُ الظَّهرِ الَّتي لا قِيَامَ بَعدَهَا ، فَهِيَ أَن تَجِدَ مَن يَجمَعُ قُبحًا إِلى قُبحٍ وَيَضُمُّ إِلى سُوءٍ سُوءًا ؛ فَلا يَكتفِيَ بِتَركِهِ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ حَتى يُحَارِبَ هَذِهِ الخَيرِيَّةَ الَّتي شَرَّفَ اللهُ بها هَذِهِ الأُمَّةَ وَامتَدَحَ أَهلَهَا فَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللَّهِ "
فَإِذَا رَأَيتُم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – مَن هَذَا دَيدَنُهُ في مَجَالِسِهِ ، أَو فِيمَا يَكتُبُ أَو يَنشُرُ ، لا يُرَى إِلاَّ كَارِهًا لِلمُحتَسِبِينَ ، ذَامًّا لهم لامِزًا ، مُتَتَبِّعًا سَقَطَاتِهِم ، مُبتَغِيًا لَهُمُ العَيبَ ، غَافِلاً عَن حَسَنَاتِهِم ، جَاحِدًا مَا يَردُّهُ اللهُ بِسَبَبِهِم عَنِ البِلادِ وَأَهلِهَا مِنَ الشُّرُورِ وَالآفَاتِ ، قَد سَلِمَ مِنهُ أَعدَاءُ اللهِ وَكُلُّ المُخطِئِينَ ، وَلم يَسلَمْ مِنهُ أَهلُ الحِسبَةِ وَإِن كَانُوا مُصِيبِينَ ، فَاقرَؤُوا قَولَ اللهِ – تَعَالى - : " المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ "
نَعَم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ التَّعَرُّضَ لِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ وَالتَّمَالُؤَ عَلَى حَربِهَا وَإِسقَاطِهَا مِن قُلُوبِ النَّاسِ أَو مِن أَنظِمَةِ الدَّولَةِ وَسِيَاسَاتِهَا ، إِنَّهُ لَنِفَاقٌ وَفُسُوقٌ ، وَإِرَادَةُ شَرٍّ بِالبِلادِ وَالعِبَادِ ، فَإِيَّاكُم إِيَّاكُم أَن يَقَعَ في أَنفُسِكُم حَرَجٌ مِمَّا أَنعَمَ اللهُ بِهِ عَلَينَا في هَذِهِ البِلادِ مِن وُجُودِ جِهَازٍ رَسمِيٍّ لِلحِسبَةِ وَنُوَّابٍ مُحتَسِبينَ ، فَتَقَعُوا في النِّفَاقِ وَتَكُونُوا مِنَ الفَاسِقِينَ .
المرفقات

أولو بقية ينهون عن الفساد.doc

أولو بقية ينهون عن الفساد.doc

أولو بقية ينهون عن الفساد.pdf

أولو بقية ينهون عن الفساد.pdf

المشاهدات 2101 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا