خطبة ( أهجر بعد حجر ؟ )

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1441/11/04 - 2020/06/25 19:55PM

أهجر بعد حجر ؟ 5/11/1441

الحمد لله ذي المن والعطاء، المتفرد بالألوهية والبقاء، وأشهد أنلا إله إلا الله وحده لا شريك له يسمع النداء ويجيب الدعاء،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صلى وصام ولبىالنداء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة النجباءوسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين واحمدوا الله على دوامالنعم واستمرار العطاء.

حينما أقبل الوباء واكتسح بلاد العالم أقبل يحمل تغيراتوتحولات في حياة الناس في دينهم واقتصادهم وسياساتهموعلاقاتهم ونظام حياتهم ولجأت دولتنا إلى أقوى الوسائلوأشدها احترازا للحفاظ على حياة الناس وصحتهم  

جاء الوباء ولم يسلم من آثاره حتى بيت الله الحرام فقلالطائفون فيه والعاكفون وتخوف الناس من تعليق الحج هذاالعام لكن دولتنا اتخذت قرارا متعقلا ومؤيدا شرعا يكفل قيامالشعيرة مع تلافي آثار الوباء الخطيرة بمايكفل مصلحة الأمةفي صحتها وسلامتها فكان القرار بقصر الحج على أعدادمحدودة لتبقى شعيرة الحج قائمة ويرتفع صوت التلبيةويأمن الناس من انتشار الوباء وزيادة الكرب والبلاء وبهذاتتحقق مقاصد الشريعة بارتكاب أدنى المفسدتين وأخفالضررين فالحمد لله الذي وفق دولتنا لما فيه مصلحة البلادوالعباد

جاء الوباء وانتشر فاضطرت الجهات إلى إغلاق المساجد فترةمن الزمن وعاد الناس إلى بيوتهم يصلون فيها جماعاتوفرادى وترى فريقا منهم أعينهم تفيض من الدمع حزنا ألايجدوا مسجدا فيه يصلون

وجاء الفرج من الله وعادت المساجد لتفتح أمام عمارهاوالمشتاقين إليها فطائفة عادوا من أول فريضة عودة الغريبإلى وطنه والحبيب إلى حبيبه يركعون مع الراكعين ويذكرونالله مع الذاكرين مستشعرين أن المساجد أحب البقاع إلى اللهوقد أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه يعمرها رجال لاتهيهم تجارةولابيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يحبون أنيتطهروا والله يحب المطهرين

وطائفة أخرى قد ألفت الصلاة في البيوت يصلون بلا وقتمحدد ولا التزام بنافلة قبلية ولابعدية وحينما فتحت المساجدثقلت عليهم العودة إليها ومسهم طائف من الشيطان لكنهمتذكروا فإذا هم مبصرون وعادوا إليها يستنشقون عبير الطاعةونسيم الراحة وجنة السعادة

وطائفة أخرى مازالت كما كانت رضوا بأن يكونوا مع الخوالفوارتضوا أن يتشبهوا بمن لايأتون الصلاة إلا وهم كسالى وهمعن روضات المساجد معرضون

فإلى هؤلاء وهؤلاء نقول : إنها الصلاة ياعباد الله هي الخطالفاصل بين الإيمان والنفاق .. هي طريقنا إلى الجنة وسبيلناإلى الأجر .. هي مفزع نبينا إذا حزبه أمر .. هي صلتنا باللهالقدير .. الخطا إليها ترفع الدرجات وتحط الخطايا .. هيسبب الرزق ومحبة الخلق فاستعينوا بالصبر والصلاة وإنهالكبيرة إلا على الخاشعين

إننا جميعا بحاجة إلى أن نتذكر هدي نبينا صلى الله عليهوسلم وهو يرسم في لحظات حياته الأخيرة مشهدا من حبالصلاة والتعلق بها قولا وفعلا ، فأما القول ففي نداءه الأخير: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ، وأما الفعل فحينما كانيغمى عليه وإذا أفاق سأل أصلى الناس يفعل ذلك مرات حتىعجز عن القيام وحينما وجد خفة قام يهادى بين رجلين ورجلاهتخط في الأرض حتى أقيم في الصف وهو الذي تقول عنهعائشة رضي الله عنه: كان رسول الله يحدثنا ونحدثه فإذاحضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه.

أين هؤلاء عن هدي أسلافهم المقتدين بنبيهم

هذا فاروق الأمة عمر رضي الله عنه وقد طُعن وهو في حالةالإغماء ، فقيل إنكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة إن كانت بهحياة، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فانتبه فقال: الصلاةوالله، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وإن جرحهليثعب دماً.

أما الربيع بن خثيم رحمه الله، فقد سطر موقفاً عظيماً فيحياته، فها هو بعدما سقط شقه يهادى بين رجلين إلى مسجدقومه، وكان أصحابه يقولون، يا أبا يزيد، لقد رُخص لك، لوصليت في بيتك فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعتهينادي، حي على الفلاح فمن سمعه منكم ينادي حي علىالفلاح فليجبه ولو زحفاً ولو حبواً أما سعيد بن المسيب فيقولمولاه: ما نودي للصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد فيالمسجد.

وعندما سمع عامر بن عبد الله المؤذن وهو يجود بنفسه ومنزلهقريب من المسجد، قال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك عليل فقال:أسمع داعي الله فلا أجيبه، فأخذوا بيده فدخل في صلاةالمغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات.

فيا أيها القاعدون المخلفون: ما الذي خلفكم وأنتم تسمعوننداء الله يجلجل في وسط بيوتكم وقد علمتم أن من سمع النداءفلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر.

أفلا تحمدون الله أن صوت الحق يرفع بينكم، فكم من مسلم فيبلاد كافرة يحرم من سماع هذا النداء، وكم من ميت لم يعديجيب نداء التوحيد، وكم من مريض يحن إلى تلبية ذاك النداءولكن حال السقم دونه. وإن لنداء التوحيد رنة في الأذن وفرحةفي القلب كيف لا وهي دعوة من الله جل وعلا للسير في ركبالصالحين الراكعين الساجدين.

فياحسرة على العباد لو يدركون ماهذه الصلوات ، وياحسرةثم حسرة على نابتة من ابناء الإسلام تعددت بهم السبل منهنا وهناك وتفرقت بهم الأهواء وانغمسوا في التيه من كلصوب وأضاعوا هذه الصلوات خشوعها ومواقيتها وجمالها (أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات فسوف .. )

أقول هذا القول ..

الخطبة الثانية : أما بعد :

فحينما أغلقت المساجد أبوابها احترازا عن الوباء لم يعد لأداءالصلاة وقتا محددا ولاجماعة يرتبط بها المسلم فصار كليصلى متى شاء وكيفماشاء وصارت المحلات التجارية مشرعةابوابها لاتغلق لصلاة ولاتأبه لنداء .. وإذا كان لذلك مبرراتهوقت إغلاق المساجد فما مبرره اليوم وقد فتحت في وجوهعمارها

كم هو مؤسف أن يألف المتسوقون والبائعون الاستمرار فيالبيع والشراء ومنادي الله ينادي ( حي على الصلاة حي علىالفلاح )

اين تعظيم شعائر الله وأين الاستجابة لمنادي الله وهو يدعوكملما يحييكم ..

يامعشر المتسوقين وياأصحاب المحلات : ألاتحبون أن يغفرالله لكم ؟ ألا تودون أن تكونوا من قوم لاتلهيهم تجارة ولا بيععن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلبفيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ماعملوا ويزيدهم منفضلهم ؟ ألا تبتغون البركة والنماء في بيعكم وشرائكم فكيفتلتمس البركة في أجواء بعيدة عن ذكر الله وإقام الصلاة ؟

ياأيها الناس : عظموا شعائر الله واستجيبوا لندائه وأبقواعلى سمة متميزة من سمات بلادكم وحافظوا على خلة كريمةمن خلال أسلافكم وإذا نودي للصلاة فاسعوا إلى ذكر اللهوذروا البيع وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة ، وإن كنتمتبتغون الرزق فقد قال ربكم ( فابتغوا عن الله الرزق واعبدوهواشكروا له إليه ترجعون ) وهو القائل ( وأمر أهلك بالصلاةواصطبر عليها .. )

لايصنع الأبطال الا في مساجدنا الفساح

من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك

الله صل وسلم ..

 

 

المشاهدات 1027 | التعليقات 0