خطبة : ( أنرجع للحق أم نتمادى في الباطل ؟ ! )

عبدالله البصري
1431/03/18 - 2010/03/04 21:16PM
خطبة : (أنرجع للحق أم نتمادى في الباطل ؟!) الجمعة 19 / 3 / 1431
(( مستفادة من موضوع للشيخ / حسن عامر ... منشور في هذا الملتقى في فن التعامل ))


الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الخَطأُ في حَيَاةِ النَّاسِ أَمرٌ وَارِدٌ وَطَبِيعَةٌ غَيرُ مُستَنكَرَةٍ ، فَلَيسُوا بِمَلائِكَةٍ مُقَرَّبِينَ لا يَعصُونَ وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ ، وَمَا هُم بِأَنبِيَاءَ مُنَزَّهِينَ وَلا مُرسَلِينَ مَعصُومِينَ ، وَلا يَستَطِيعُ أَيُّ إِنسَانٍ مَهمَا عَلا شَأنُهُ أَن يَدَّعِيَ العِصمَةَ لِنَفسِهِ ، وَلا يَقدِرُ امرُؤٌ مَهمَا بَلَغَ مِنَ العِلمِ وَالتَّقوَى وَحُسنِ الخُلُقِ أَن يُزَكِّيَ نَفسَهُ وَيَتَبَرَّأَ مِن خَطَئِهِ ، وَصَدَقَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حِينَ قَالَ : " كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ "

فَالخَطَأُ ـ إِذًا ـ وَاقِعٌ لا مَحَالَةَ ، وَالزَّلَلُ حَاصِلٌ وَلا بُدَّ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ الخَطَأَ الحَقِيقِيَّ إِنَّمَا هُوَ التَّمَادِي في الخَطَأِ وَالإِصرَارِ عَلَى الزَّلَلِ وَعَدَمُ الاعتِرَافِ بِالتَّقصِيرِ ، وَالجِدَالُ عَنِ النَّفسِ بِالبَاطِلِ وَتَمَحُّلُ المَعَاذِيرِ وَلَو بِالزُّورِ ، وَاعتِبَارُ الرُّجُوعِ إِلى الصَّوَابِ نَقِيصَةً لِلذَّاتِ أَو حَطًّا مِنَ القَدرِ ، تِلكُم هِيَ قَاصِمَةُ الظُّهُورِ وَبَلِيَّةُ البَلايَا ، وَالَّتي رُفِعَت بِسَبَبِهَا خَيرَاتٌ وَنُزِعَت بَرَكَاتٌ ، وَنَزَلَت جَرَّاءَهَا ابتِلاءَاتٌ وَحَلَّت نَكَبَاتٌ ، وَفَسَدَت بِشُؤمِهَا وَشَائِجُ وَقُطِعَت عَلائِقُ .

وَلِنَعلَمَ خَطَرَ هَذَا الأَمرِ وَسَيِّئَ أَثَرِهِ عَلَى صَاحِبِهِ ، فَيَكفِينَا أَن نَسمَعَ مَا صَحَّ عَنهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ : " إِنَّ اللهَ حَجَبَ التَّوبَةَ عَن كُلِّ صَاحِبِ بِدعَةٍ حَتى يَدَعَ بِدعَتَهُ " فَرَبُّنَا ـ جَلَّ وَعَلا ـ وَهُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ الغَفُورُ الوَدُودُ ، الَّذِي يَبسُطُ يَدَهُ بِاللَّيلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ ، قَد حَجَبَ التَّوبَةَ عَن صَاحِبِ البِدعَةِ وَلم يَقبَلْهَا مِنهُ ، لِمَاذَا ؟! لأَنَّهُ مَفتُونٌ بها مُصِرٌّ عَلَيهَا مُعجَبٌ بها ، لا يُقِرُّ بِخَطَئِهِ وَلا يَعتَرِفُ بِزَلَلِهِ ، بَلْ يَرَى نَفسَهُ عَلَى صَوَابٍ وَيَعتَقِدُ أَنَّهُ عَلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ .
فَلِمَاذَا لا نَعتَرِفُ بِأَخطَائِنَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ مِن حِينِ أَن نَقَعَ فِيهَا لِنَعُودَ ؟
لِمَاذَا لا نُفَكِّرُ في التَّرَاجُعِ عَنهَا مُبَاشَرَةً لِنَغسِلَ دَرَنَهَا وَنَمحُوَ أَثَرَهَا ؟
لِمَاذَا تَذهَبُ عُقُولُنَا بَعدَ الخَطَأِ إِلى تَلَمُّسِ المَعَاذِيرِ وَتَمَحُّلِهَا ؟
لِمَاذَا يَنصَبُّ تَفكِيرُنَا عَلَى البَحثِ عَنِ الحِجَجِ وَإِن كَانَت وَاهِيَةً لِنُسَوِّغَ لأَنفُسِنَا الاستِمرَارَ وَالتَّمَادِي ؟
أَكُلَّ هَذَا تَكَبُّرًا وَغَرُورًا وَعُلوًّا وَإِصرَارًا ؟!
أَلَمْ نَعلَمْ أَنَّ الأَبوَينِ ـ عَلَيهِمَا السَّلامُ ـ أَخطَآ فَأَقَرَّا بِالزَّلَّةِ وَاعتَرَفَا بِالتَّقصِيرِ فَغَفَرَ اللهُ لهُمَا وَتَابَ عَلَيهِمَا ؟
وَأَنَّ إِبلِيسَ عَصَى وَاستَكبَرَ وَأَبى فَأَحَلَّ اللهُ عَلَيهِ لَعنَتَهُ إِلى يَومِ الدِّينِ وَجَعَلَهُ إِمَامًا لأَهلِ النَّارِ وَقَائِدًا لِحَصَبِ جَهَنَّمَ ؟!
إِنَّهُ لَمِن أَخطَرِ الأَمرَاضِ الَّتي ابتُلِيَ بها المُجتَمَعُ في السَّنَوَاتِ المُتَأَخِّرَةِ بِصُورَةٍ عَامَّةٍ وَخَاصَّةٍ ، أَن يُخطِئَ المَرءُ إِمَّا عَن غَفلَةٍ وَنِسيَانٍ أَو عَن ضَعفٍ وَجِبِلَّةٍ ، أَو حَتى عَن تَعَمُّدٍ وَإِصرَارٍ ، ثُمَّ لا يُفكِرَ في الرُّجُوعِ وَالأَوبَةِ ، بَل يُسَارِعُ إِلى تَسوِيغِ خَطَئِهِ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ ، وَلا يَهتَمُّ بِأَنَّهُ قَدِ انحَرَفَ عَنِ الطَّرِيقِ المُستَقِيمِ وَجَانَبَهُ ، وَأَنَّ وَاجِبَهُ الَّذِي لا خِيَارَ لَهُ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ إِلى جَادَّةِ الصَّوَابِ وَالعَودَةُ لِلحَقِّ الَّذِي هُوَ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ .

وَلَو ذَهَبنَا نَبحَثُ عَن أَسبَابِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ السَّيِّئَةِ وَنَضَعُ العِلاجَ لِهَذَا المَرَضِ الخَطِيرِ ، لَوَجَدنَا أَسبَابًا مُتَعَدِّدَةً ، وَلأَلفَينَا في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الحَلَّ الأَمثَلَ لِمَن وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ . فَمِن تِلكَ الأَسبَابِ ضَعفُ الإِيمَانِ وَخَلَلُ التَّصَوُّرِ ، وَالزُّهدُ في الأَجرِ وَقِلَّةُ التَّفكِيرِ في العَوَاقِبِ ، أَمَّا المُؤمِنُ الَّذِي عَرَفَ نَفسَهُ حَقَّ مَعرِفَتِهَا وَأَقَرَّ بِضَعفِهَا وَاعتَرَفَ بِعَجزِهَا ، فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ إِمَّا أَن يَتُوبَ وَيَنزِعَ عَن خَطَئِهِ وَيَعتَذِرَ عَمَّا بَدَرَ مِنهُ ، فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيهِ وَيَعذُرَهُ الآخَرُونَ وَتَطهُرَ قُلُوبُهُم عَلَيهِ ، وَيَمحُوَ اعتِذَارُهُ مَا قَد يَكُونُ حَاكَ في الصُّدُورِ ضِدَّهُ ، وَإِمَّا أَن يَتَمَادَى في غَيِّهِ وَيُصِرَّ عَلَى إِسَاءَتِهِ ، فَتَتَكَاثَرَ بِذَلِكَ سَيِّئَاتُهُ وَتَعظُمَ ، وَيُظلِمَ فُؤَادُهُ وَيَقسُوَ قَلبُهُ ، وَمِن ثَمَّ تَتَّسِعُ الفَجوَةُ بَينَهُ وَبَينَ الآخَرِينَ ، فَلا يَنتُجُ عَن ذَلِكَ إِلاَّ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءُ وَالنُّفرَةُ وَالشَّحنَاءُ ، مَعَ مَا يَتبَعُهَا مِن تَكَدُّر وَهَمٍّ وَغَمٍّ ، وَأَمرَاضٍ نَفسِيَّةٍ وَقَلَقٍ دَائِمٍ ، وَضِيقٍ في الحَيَاةِ وَضَنكٍ في المَعِيشَةِ . وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ إِيمَانَ العَبدِ بِأَنَّهُ إِذَا تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيهِ ، وَأَنَّ اللهَ يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِ المُسِيءِ إِذَا تَابَ حَسَنَاتٍ وَيَرفَعُهُ بِذَلِكَ دَرَجَاتٍ ، وَأَنَّهُ إِذَا تَرَاجَعَ صُقِلَ قَلبُهُ ، وَأَنَّهُ مَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا ، وَلا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلا رَفَعَهُ ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَمِمَّا يَحدُو نُفُوسَ العَارِفِينَ إِلى المُسَارَعَةِ بِالتَّوبَةِ وَالبِدَارِ بِالاعتِذَارِ ، وَالحَذَرِ مِنَ التَّمَادِي وَالإِصرَارِ .


وَمِن أَسبَابِ التَّمَادِي في الخَطَأِ مَا أُوتِيَهُ بَعضُ النَّاسِ مِن قُوَّةٍ في الجَدَلِ وَشِدَّةٍ في الخُصُومَةِ ، وَطُولِ عِنَادٍ وَدَوَامِ لَجَاجَةِ ، وَلَحنٍ في القَولِ وَقُدرَةٍ عَلَى الإِقنَاعِ وَلَو بِالبَاطِلِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَكَانَ الإِنسَانُ أَكثَرَ شَيءٍ جَدَلاً " وَإِنَّ لِلمُجتَمَعِ دَورًا كَبِيرًا في تَشجِيعِ مِثلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ ، حَيثُ يُعجَبُونَ بِكُلِّ ذِي حُجَّةٍ وَيَمدَحُونَ الشَّدِيدَ في الخُصُومَةِ ، وَمَا عَلِمُوا أَنَّ مِثلَ هَذَا قَد أَسَاءَ إِلى نَفسِهِ قَبلَ أَن يُسِيءَ إِلى غَيرِهِ ، وَأَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ قَد مَقَتَهُ وَالنَّبيَّ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ قَد ذَمَّهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيُشهِدُ اللهَ عَلَى مَا في قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا ضَلَّ قَومٌ بَعدَ هُدًى كَانُوا عَلَيهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ " ثُمَّ قَرَأَ " مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ أَبغَضَ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ "
كَم مِن مُشكِلاتٍ تَحدُثُ بَينَ اثنَينِ فَتَتَضَاعَفُ نَتَائِجُهَا وَتَسُوءُ الأَحوَالُ فِيهَا وَتَتَعَقَّدُ الأُمُورُ ، وَقَد كَانَ أَيسَرُ عِلاجٍ لها وَأَقرَبُ طَرِيقٍ لِحَلِّهَا هُوَ الاعتِرَافَ بِالخَطَأِ وَالمُبَادَرَةَ بِالاعتِذَارِ ، وَالشَّهَادَةَ بِالحَقِّ وَلَو عَلَى النَّفسِ بَدَلاً مِنَ الخِصَامِ وَاللَّجَاجَةِ وَالمِرَاءِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الََّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسطِ شُهَدَاءَ لهُِ وَلَو عَلَى أَنفُسِكُم أَوِ الوَالِدَينِ وَالأَقرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَو فَقِيرًا فَاللهُ أَولى بهمَا فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعدِلُوا وَإِن تَلوُوا أَو تُعرِضُوا فَإِنََّ اللهَ كَانَ بما تَعمَلُونَ خَبِيرًا " وَمِن أَسبَابِ التَّمَادِي في الخَطَأِ وَرَدِّ الحَقِّ الكِبرُ وَالتَّعَالِي ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كَانَ في قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ " فَقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَن يَكُونَ ثَوبُهُ حَسَنًا وَنَعلُهُ حَسَنًا . قَالَ : " إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ ، الكِبرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمطُ النَّاسِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَمَعنى بَطَرُ الحَقِّ : دَفعُهُ وَرَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ وَعَدَمُ الاعتِرَافِ بِهِ ، وَمَعنى غَمطُ النَّاسِ : احتِقَارُهُم . وَلا تَرَى المُتَكَبِّرَ إِلاَّ مُعتَدًّا بِرَأيِهِ مُتَعَصِّبًا لَهُ ، لا يَقبَلُ بِغَيرِهِ وَإِن كَانَ أَصَحَّ وَأَصوَبَ ، أَمَّا المُتَواضِعُ فَإِنَّ تَوَاضُعَهُ يَحمِلُهُ عَلَى قَبُولِ الرَّأيِ الآخَرِ وَتَقدِيرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ مَتى كَانَ صَوَابًا ، ذَلِكَ أَنَّهُ لا يُقَدِّسُ نَفسَهُ فَيَدَّعِي لها العِصمَةَ مِنَ الخَطَأِ ، وَلا يَستَخِفُّ بِآرَاءِ الآخَرِينَ أَو يُسَفِّهُهَا لِيُخفِيَ أَخطَاءَهُ وَيُعمِيَ الأَعيُنَ عَن مُشَاهَدَتِهَا ، بَلْ إِنَّ لَهُ في حَيَاتِهِ مَحَطَّاتٍ يُرَاجِعُ فِيهَا نَفسَهُ ، وَوَقَفَاتٍ يُصَحِّحُ فِيهَا مَسَارَهُ ، حَتى لا يَستَرسِلَ في خَطَأٍ وَقَعَ فِيهِ أَو يَستَمِرَّ في هَوًى انسَاقَ إِلَيهِ .

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاحذَرُوا التَّمَادِيَ في الخَطَأِ وَالبَاطِلِ ، وَكُونُوا رَجَّاعِينَ لِلحَقِّ مُؤثِرِينَ لَهُ وَلَو عَلَى أَنفُسِكُم ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسطِ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلَى أَلاَّ تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ "



الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ مِن أَسبَابِ استِفحَالِ الخَطَأِ وَالتَّمَادِي فِيهِ ، التَّصَرُّفَ في حَالِ الغَضَبِ دُونَ تَعَقُّلٍ وَتَفَكُّرٍ ، وَالاستِرسَالَ مَعَ شَيَاطِينِ الجِنِّ وَالإِنسِ فِيمَا يُملُونَهُ ، وَتَركَ المَجَالِ لِلِّسَانِ لِيَنطَلِقَ في تِلكَ الحَالِ بِالسَّبِّ أَو يَنفَلِتَ بِالتَّعيِيرِ ، أَو يَكِيلَ مِنَ الكَلامِ أَسوَأَهُ وَأَفحَشَهُ ، وَقَد تَبلُغُ قُوَّةُ الغَضَبِ بِبَعضِ النَّاسِ إِلى أَن يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَاتٍ يَندَمُ عَلَيهَا بَعدَ هُدُوئِهِ ، لَكِنَّهُ لا يَقدِرُ أَن يُعَالِجَ نَتَائِجَهَا بِتِلكَ السُّهُولَةِ ، لأَنَّهَا تَكُونُ قَد طَعَنَت قُلُوبًا كَثِيرَةً فَغَضِبَت هِيَ الأُخرَى ، فَيُكَابِرُ كُلٌّ مِن جَانِبِهِ ، وَتَتَعَقَّدُ الأُمُورُ وَيَتَمَادَى السَّفَهُ بِأَهلِهِ ، ثم لَعَلَّهَا لا تَعُودُ الأُمُورُ بَعدَ ذَلِكَ إِلى مَجَارِيهَا إِلاَّ بَعدَ وَقتٍ طَوِيلٍ ، أَو بَعدَمَا يُرِيقُ الطَّرَفَانِ مَاءَ الوُجُوهِ وَيُبذَلُ مِنَ المَالِ وَالجَاهِ مَا يُبذَلُ ، وَهُنَا تَأتي بَعضُ الأَعرَافِ الاجتِمَاعِيَّةِ أَوِ العَادَاتِ القَبَلِيَّةِ الجَاهِلِيَّةِ ، فَتَزِيدُ الأُمُورُ سُوءًا وَتَعقِيدًا ، وَتُدخِلُ في المُشكِلاتِ مَعَ أَصحَابِهَا أَقَارِبَهُم وَجِيرَانَهُم وَمَن حَولَهُم ، وَيَطُولُ بها مَا كَانَ قَصِيرًا وَيَكبُرُ مَا كَانَ صَغِيرًا ، وَلَو أَنَّ المُخطِئَ استَعَاذَ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ حِينَ أَخطَأَ وَبَادَرَ إِلى الاعتِذَارِ ، لَذَهَبَ الشَّيطَانُ بَعِيدًا وَلَزَالَ مَا في النُّفُوسِ ، فَعَن سُلَيمَانَ بنِ صُرَدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : استَبَّ رَجُلانِ عِندَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَغضَبُ وَيَحمَرُّ وَجهُهُ وَتَنتَفِخُ أَودَاجُهُ ، فَنَظَرَ إِلَيهِ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : " إِنِّي لأَعلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنهُ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " الحَدِيثَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَاحذَرُوا الغَضَبَ وَالكِبرَ ، وَتَوَاضَعُوا وَلِينُوا لِلحَقِّ ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ لِلصَّوَابِ وَالحَقِّ خَيرٌ مِنَ التَّمَادِي في الخَطَأِ وَالبَاطِلِ .
المشاهدات 4367 | التعليقات 6

وها هنا الأصل ( الاعتراف بالخطأ )


ما أجمل التعاون بين الخطباء !


في الحقيقة شيخنا عبد الله مثال للخطيب المعترف بالحق لأهله، وهذا خلق يفتقده الكثيرون - لا اقول عوام الناس- بل حتى علمائهم وطلاب العلم.

فعزو المنقول الى صاحبه هو نسبة للفضل الى أهله.
وما أكثر ما نرى اليوم او نسمع من (تلطيشات) واسمحوا لي بهذه العامية، اقول نرى من يلطش خطبة شبه كاملة ثم يقول أنا اقتبست-هذا اذا اعترف!!

ومن عجيب القصص في هذا الباب: أن استاذا جامعيّا أخد بحثًا لأحد تلاميذه في الكلية، ثم بعد برهة من الزمن قدّمها الى مجلس الكلية؛ لنيل درجة الاستاذية, فكُشف أمرُه!!
هذه خاطرة على عجالة



الذي جرب أن يكتب خطبة أو ينشئ قصيدة أو يُدَبِّجَ مَقَالاً أو يصنع كتابًا أو بحثًا ، يُحِسُّ أن كل ما أنشأه إنما هو بَضعةٌ منه أو كابنه أو ابنته ، ومن ثم فهو لا يحب أن يعتدي أحد من الناس على عضو منه .

والمؤمن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه ، ومن هنا فإن من أقل حقوق إخواننا من الخطباء والمؤلفين علينا أن نعترف لهم بسابقة الفضل ونحفظ لهم حقوقهم وتعبهم ، ولا يضيرنا أن نعترف بما نقلناه منهم أو ما استفدناه مما كتبوه سواء كان النقل نصًّا أو بالمعنى ، فما زال العلماء وطلاب العلم والمؤلفون الذين هم أقدر منا على الكتابة وأبرع في الإنشاء ، ما زال بعضهم يستفيد من بعض ، إذ القصد هو نشر الخير وتوعية الأمة .

والحق أن بعض الكتابات تَشُدُّكَ سواء في معناها أو في مبناها ، فتجد نفسك مطالبًا بمزيد من النشر لها ليستفاد منها أكثر وأكثر ، وليستمتع الناس بسماعها أو قراءتها كما استمتعت أنت بذلك .

وقد رأيت في موضوع أخينا الشيخ حسن فوائد ، ولمست فيه الواقعية ، لكني رأيت أن أصوغه بأسلوب يناسبني ولمن يروق لهم الأسلوب نفسه ؛ لأني أحسست ـ وقد أكون مخطئًا ـ أن موضوع الشيخ بأسلوبه الذي نشره به يناسب لمحاضرة أو برنامج تدريبي أكثر من أن يكون خطبة .

على كل حال جزى الله الشيخ خيرًا على ما كتب ، ونسأله ألا يحرمنا أجر المشاركة في الخير ، وقد ورد في بعض الآثار ـ وأشار الألباني إلى ضعفٍ في سنده ـ أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة : صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله .


وفقك الله يا شيخ عبدالله.... ولي طلب لو عذرتني,, الخطبة الاولى فيها شيء من الطول, مقارنة مع خطبك السابقة فلو تعيد الصياغة لقليل من الاختصار..


Quote:
ولي طلب لو عذرتني,, الخطبة الاولى فيها شيء من الطول, مقارنة مع خطبك السابقة فلو تعيد الصياغة لقليل من الاختصار..



لا أوافقك ـ أخي الحبيب ـ على ما رأيته من أن في الخطبة طولاً ، لأن هذا هو متوسط خطبي منذ فترة ليست باليسيرة ، حيث جعلت لها مقياسًا استشرت فيه عددًا من الخطباء فكأنهم ارتاحوا له ، وهو أن تتراوح الخطبة بين صفحتين وصفحتين ونصف بمقياس خط ثابت وهوامش ثابتة اعتمدتها ، ثم أقسمها بطريقة معينة حتى تصير كل صفحة كبيرة أربع صفحات صغيرة ، فتكون الخطبة بذلك ثامني صفحات أو تسعًا أو عشرًا أو إحدى عشرة ، وإن زادت فاثنتي عشرة صفحة صغيرة ، ويستغرق إلقاء الخطبتين من خمس عشرة إلى سبع عشرة دقيقة ، وقد سجلت عددًا من الخطب فكانت على هذا المتوسط .

وثمة من لم يزل يشير علي ألا تتجاوز الخطبة ثلاث صفحات صغيرة أو أربعًا ، ولكني لا أرى هذا أبدًا ، إذ هو نوع من التقصير المخل في رأيي ، خاصة ونحن في زمن تبث فيه الشبهات وتزين ، ويدفع الناس إلى الشهوات ويُدَعُّونَ إليها دعًّا ، فصار لا بد من أن تشتمل الخطبة على الوعظ والترغيب والترهيب وطرح الأدلة النقلية والعقلية ، ونقاش بعض الشبهات لدحضها ، وإنارة العقول لئلا تسقط فيما يورد عليها من شبهات ، وحماية القلوب من الانزلاق في الشهوات ، وهذا ما لا تكفيه خطبة بهذا القصر .

ولا يخفى أن للخطيب أن يختصر من الخطبة ما يراه غير ضروري أو لا حاجة لجماعته إليه ، فالمسألة لا تتعدى أن تحدد ما تشاء وبضغطة زر يزول ويمحى .

وفقك الله ـ أخي الكريم ـ وسددك ، ولا حرمنا من غالي نصحك وكريم رأيك .