خطبة : ( أنت في رمضان فأقبل ولا تعرض )

عبدالله البصري
1435/09/06 - 2014/07/03 22:29PM
أنت في رمضان فأقبل ولا تعرض 6 / 9 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَنتُم في رَمَضَانَ ، شَهرِ الصِّيَامِ وَمَوسِمِ القُرآنِ ، وَسُوقِ التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ مَعَ الرَّحيمِ المَنَّانِ ، تَصُومُونَ نَهَارَهُ عِدَّةَ سَاعَاتٍ ، وَتَقُومُونَ مِن لَيلِهِ رَكَعَاتٍ خَاشِعَاتٍ ، وَتَقرَؤُونَ مِنَ القُرآنِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ، وَتَرفَعُونَ إِلى رَبِّكُم دَعَوَاتٍ صَادِقَاتٍ ، وَتُفَطِّرُونَ الصَّائِمِينَ ، وَمِنكُم مَن يَتَحَرَّى بِزَكَاتِهِ وَصَدَقَتِهِ هَذِهِ الأَيَّامَ الشَّرِيفَةَ ، وَبَينَ أَيدِيكُم العَشرُ وَلَيلَةُ القَدرِ ، وَقَد تَتَهَيَّأُ لِبَعضِكُم في هَذَا الشَّهرِ عُمرَةٌ هِيَ في الأَجرِ كَحَجَّةٍ ، فَهَل رَأَيتُمُ اجتِمَاعًا لأعمَالٍ صَالِحَةٍ وَعِبَادَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ كَاجتِمَاعِهَا في هَذَا المَوسِمِ ؟!
وَهَل وَجَدتُم لِجَمعِ الحَسَنَاتِ وَاكتِسَابِ الأُجُورِ كَهَذِهِ الفُرَصِ العَظِيمَةِ ؟!
وَهَل آنَستُم مِن نُفُوسِكُم إِقبَالاً عَلَى الخَيرِ كَمِثلِ إِقبَالِهَا في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ ؟!
أَلا فَاحمَدُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ مِن أَجَلِّ نِعَمِهِ عَلَينَا وَمَا أَكثَرَهَا وَأَوفَرَهَا ، أَن أَحيَانَا حَتى بَلَّغَنَا هَذَا الشَّهرَ الكَرِيمَ ، وَأَن هَدَانَا لِلدِّينِ القَوِيمِ وَالصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، وَأَن أَظهَرَ أَمنَنَا وَعَافَانَا ، وَأَطعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا ، فَمَن ذَا الَّذِي مِنَّا يَعرِفُ كُلَّ هَذَا ثم يَعجِزَ وَلا يَحرِصَ عَلَى مَا يَنفَعُهُ ، أَو يَكسَلَ وَيُفَرِّطَ فِيمَا يُنجِيهِ وَيَرفَعُهُ ؟! كَم مِن مَحرُومٍ في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ ، مِمَّا نَتَقَلَّبُ فِيهِ مِنَ الخَيرِ وَالنَّعِيمِ ، إِمَّا لِكَونِهِ مُشرِكًا ضَالاًّ أَو كَافِرًا مُلحِدًا ، أَو غَافِلاً لاهِيًا أَو عَاصِيًا مُعرِضًا ، أَو لابتِلائِهِ بِمَرَضٍ مُفسِدٍ أَو هَرَمٍ مُفْنِدٍ ، أَو بِفَقرٍ مُدقِعٍ أَو جُوعٍ مُوجِعٍ ، أو ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ أَو فِتنَةٍ مُضِلَّةٍ ، وَأَمَّا نَحنُ وَللهِ الحَمدُ وَالمِنَّةُ ، فَأَمنٌ وَإِيمَانٌ ، وَسَلامَةٌ وَإِسلامٌ ، وَمَسَاجِدُ مَعمُورَةٌ بِالذِّكرِ وَالدُّعَاءِ وَالقُرآنِ ، وَعِلمٌ مَنشُورٌ وَعُلَمَاءُ نَاصِحُونَ ، وَبَرَامِجُ نَافِعَةٌ وَوَاعِظُونَ مُذَكِّرُونَ ، فَمَا عُذرُنَا وَقَد صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَكُفِينَا شَرَّهَا ، وَنَادَى مُنَادِي الرَّحمَنِ يَا بَاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ ؟!
أَمَا إِنَّهُ لا عُذرَ وَلا مَانِعَ ، إِلاَّ أَن يَكُونَ الحِرمَانَ وَالخِذلانَ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، وَيَتَسَاءَلُ مُؤمِنٌ ذَاقَ حَلاوَةَ الطَّاعَةِ وَلَذَّةَ العَمَلِ الصَّالِحِ فَيَقُولُ : وَهَل يُحرَمُ أَحَدٌ مِنَ الخَيرِ في شَهرِ الخَيرِ ؟
أَوَ يُخذَلُ مُسلِمٌ وَقَد رُبِّطَتِ الشَّيَاطِينُ وَصُفَّدِت ؟!
فَيُقَالُ : نَعَم ، فَثَمَّةَ مَن لم يَزَلْ عَنِ الخَيرِ مُعرِضًا ، وَعَن مَوَائِدِ الإِيمَانِ مُنصَرِفًا ، وَفي الأَجرِ زَاهِدًا ، يُدعَى لِلإِيمَانِ فَلا يَسمَعُ وَلا يُطِيعُ ، وَيُنَادَى لِلفَلاحِ فَلا يُقبِلُ وَلا يُجِيبُ ، وَيَرَى مَوَاكِبَ التَّائِبِينَ مُقبِلَةً عَلَى رَبِّهَا ، فَلا يُحَرِّكُ ذَلِكَ مِنهُ سَاكِنًا وَلا يُثِيرُ في قَلبِهِ شَوقًا . أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ مَوَاسِمَ الطَّاعَاتِ تَتَهَيَّأُ كُلَّ حِينٍ ، وَأَسوَاقَ الآخِرَةِ تُفتَحُ يَومًا بَعدَ يَومٍ ، وَسِلعَةَ الرَّحمَنِ تُعرَضُ بِأَيسَرِ الأَثمَانِ ، وَلَكِنَّ المُضَارِبَ قَلِيلٌ وَالمُسَاهِمَ يَسِيرٌ ، وَالمُشتَرِي بِالثَّمَنِ بَخِيلٌ ضَنِينٌ ، وَلَقَد قَالَ رَبُّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ في ثَنَايَا آيَاتِ الصِّيَامِ : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ "
نَعَم ـ إِخوَةَ الإِيمَانَ ـ إِنَّ رَبَّكُم قَرِيبٌ مُجِيبٌ ، وَرَحمَتَهُ دَانِيَةٌ قَرِيبَةٌ ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَيسَ لِكُلِّ أَحَدٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلمُستَجِيبِينَ المُؤمِنِينَ المُحسِنِينَ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ المُهتَدُونَ ، وَمَن كَانَ مَعَ اللهِ كَانَ اللهُ مَعَهُ ، وَمَن أَقبَلَ عَلَى رَبِّهِ أَقبَلَ الرَّبُّ عَلَيهِ ، وَعِندَ البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ وَغَيرِهِمَا عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَقُولُ اللهُ : أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني ، فَإِن ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي ، وَإِن ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم ، وَإِن تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبرًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا ، وَإِن تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا ، وَإِن أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً "
هَكَذَا يُوفَّقُ العَبدُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ بِإِقبالِهِ عَلَى رَبِّهِ وَطَلبِهِ مَا عِندَهُ ، وَهَكَذَا يُعَانُ بِقَدرِ إِسرَاعِهِ إِلى مَرضَاتِهِ وَمُسَابَقَتِهِ إلى طَاعَتِهِ ، وَأَمَّا المُعرِضُ المُدبِرُ ، فَمَا أَحرَاهُ أَن يُرَدَّ خَائِبًا خَاسِرًا ، عَن أَبي وَاقِدٍ اللَّيثِي ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بَينَمَا هُوَ جَالِسٌ في المَسجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ ، إِذْ أَقبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ ، فَأَقبَلَ اثنَانِ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَذَهَبَ وَاحِدٌ ، فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرجَةً في الحَلَقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلفَهُم ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَدبَرَ ذَاهِبًا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " أَلا أُخبِرُكُم عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ ؟ أَمَّا أَحَدُهُم فَأَوَى إِلى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ إِلَيهِ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاستَحيَا فَاستَحيَا اللهُ مِنهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعرَضَ فَأَعرَضَ اللهُ عَنهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
إِنَّ حَالَ أُولَئِكَ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ تَتَكَرَّرُ في كُلِّ فُرصَةٍ مِن فُرَصِ الخَيرِ وَكُلِّ سُوقٍ مِن أَسوَاقِ المُتَاجَرَةِ مَعَ اللهِ ، إِذْ هُنَالِكَ مُؤمِنٌ مُحسِنٌ سَرِيعُ الاستِجَابَةِ ، يَغتَنِمُ الفُرَصَ وَيَستَبِقُ الخَيرَاتِ ، وَيَضرِبُ في كُلِّ خَيرٍ بِسَهمٍ وَيُبَادِرُ ، وَآخَرُ يَقتَدِي بِالصَّالِحِينَ وَيَتَشَبَّهُ بِهِم ، حَيَاءً مِن أَن يُرَى مُعرِضًا عَنِ الخَيرِ قَاصِيًا عَنِ الجَمَاعَةِ ، وَهَذَا غَالِبًا مَا يُوَفَّقُ إِلى مَا وُفِّقَ إِلَيهِ السَّابِقُونَ بِرَحمَةِ اللهِ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ ، فَهُوَ المُعرِضُ المُفَرِّطُ ، الَّذِي لا يَغتَنِمُ فُرصَةً وَلا يَهتَمُّ لِضَيَاعِ أُخرَى ، وَلا يُبَادِرُ مَعَ المُبَادِرِينَ وَلا يَتَشَبَّهُ بِالسَّابِقِينَ ، وَهَذَا الصَّنفُ مِنَ النَّاسِ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، يُعَاقَبُونَ في دُنيَاهُم بِأَعظَمِ عُقُوبَةٍ تُصِيبُ أَهلَ الإِعرَاضِ عَنِ اللهِ ـ تَعَالى ـ إِذْ يُطمَسُ عَلَى قُلُوبِهِم وَبَصَائِرِهِم ، وَيُحَالُ بَينَهَا وَبَينَ الخَيرِ بِحِجَابٍ ، فَلا تَعِي الذِّكرَ وَلا تَتَذَكَّرُ ، وَلا تُبصِرُ الحَقَّ وَلا تَتَبَصَّرُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعرَضَ عَنهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَت يَدَاهُ إِنَّا جَعَلنَا عَلَى قُلُوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهُوهُ وَفي آذَانِهِم وَقْرًا وَإِن تَدعُهُم إِلى الهُدَى فَلَن يَهتَدُوا إِذًا أَبَدًا "
نَعَم ـ أَيُّهَا المُوَفَّقُونَ ـ إِنَّهُ لا يُهدَى إِلاَّ المُهتَدُونَ ، وَلا يُخذَلُ إِلاَّ المُعرِضُونَ ، وَلا يُزَاغُ إِلاَّ الزَّائِغُونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهتَدَوا هُدًى "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقوَاهُم "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم وَاللهُ لَا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ "
بَل إِنَّ مِن مُضَاعَفِ عَذَابِ المُعرِضِينَ في الدُّنيَا ، مَا يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِم مِن ضَيقٍ وَضَنكٍ وَهَمٍّ وَغَمٍّ ، يَجعَلُ عَيشَهُم مُرًّا عَلقَمًا ، وَإِن كَانُوا في الظَّاهِرِ مُنَعَّمِينَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعمَى "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللهِ في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ ، وَاهتَبِلُوا فُرصًا تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ، فَرَمَضَانُ أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ سَرِيعَةُ الانقِضَاءِ وَالفَوَاتِ ، وَوَاللهِ لا يَدرِي أَحَدُنَا أَينَ هُوَ مِن رَمَضَانَ القَادِمِ وَأَينَ مِنهُ رَمَضَانُ ؟! بَل وَاللهِ لا يَدرِي أَحَدُنَا هَل يُكمِلُ هَذَا الشَّهرَ وَيُدرِكُهُ ، أَم تَختَرِمُهُ المَنِيَّةُ دُونَ ذَلِكَ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنيُّ الحَمِيدُ . إِن يَشَأْ يُذهِبْكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ على اللهِ بِعَزِيزٍ . وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وَإِن تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلى حِملِهَا لَا يُحمَلْ مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفسِهِ وَإِلى اللهِ المَصِيرُ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاذكُرُوهُ وَلا تَنسَوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لَا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، عَادَةً مَا يَكُونُ تَوَفُّرُ النِّعَمِ عَلَى العِبَادِ سَبَبًا لِلإِعرَاضِ عَنِ العَزَائِمِ وَتَتَبُّعِ الرُّخَصِ ، وَكَثِيرًا مَا يَلجَأُ العِبَادُ إِلى اللهِ في الشَّدَائِدِ وَيَنسَونَهُ في الرَّخَاءِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذَا أَنعَمنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذَا أَنعَمنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ "
تِلكَ حَالُ الإِنسَانِ إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ مِنَ المُؤمِنِينَ المُحتَسِبِينَ المُحسِنِينَ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَجَاهِدُوا أَنفُسَكُم عَلَى طَاعَةِ رَبِّكُم ، وَاصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ، فَإِنَّهَا لَخَسَارَةٌ وَأَيُّ خَسَارَةٍ ، أَن تَسنَحَ لِلعَبدِ فُرَصُ الخَيرِ في شَهرِ الخَيرِ ، فَيُعرِضَ وَيُوَلِّيَ مُدبِرًا ، لا حَظَّ لَهُ مِن ذِكرٍ وَتِلاوَةِ قُرآنٍ ، وَلا نَصِيبَ لَهُ في قِيَامِ لَيلٍ وَلا صَلاةِ تَرَاوِيحَ ، وَلا مُسَاهَمَةَ مِنهُ في تَفطِيرِ صَائِمِينَ وَلا تَفرِيجِ كُرُبَاتِ مَكرُوبِينَ ، وَلا حِرصَ عَلَى إِمَامَةِ مُصَلِّينَ وَلا تَذكِيرَ لِمُؤمِنِينَ ، بَل هَمُّهُ الأَكلُ وَالشُّربُ وَمَلءُ بَطنِهِ وَرَاحَةُ نَفسِهِ ...
يَا خَادِمَ الجِسمِ كَم تَسعَى لِخِدمَتِهِ ** أَتَطلُبُ الرِّبحَ فِيمَا فِيهِ خُسرَانُ
أَقبِلْ عَلَى النَّفسِ وَاستَكمِلْ فَضَائِلَهَا ** فَأَنتَ بِالنَّفسِ لا بِالجِسمِ إِنسَانُ
أَحسِنْ إِذَا كَانَ إِمكَانٌ وَمَقدِرَةٌ ** فَلَن يَدُومَ عَلَى الإِنسَانِ إِمكَانُ
دَعِ التَّكَاسُلَ في الخَيرَاتِ تَطلُبُهَا ** فَلَيسَ يَسعَدُ بِالخَيرَاتِ كَسلانُ
المرفقات

أنت في رمضان فأقبل ولا تعرض.doc

أنت في رمضان فأقبل ولا تعرض.doc

أنت في رمضان فأقبل ولا تعرض.pdf

أنت في رمضان فأقبل ولا تعرض.pdf

المشاهدات 3014 | التعليقات 3

بارك الله فيك ياشيخنا ونفع الله بعلمك الاسلام والمسلمين


جزاك الله خيرا


بارك الله فيك وفي قلبك ولسانك ووقتك وصحتك فضيلة الشيخ عبد الله .