خطبة : ( ألم يحيي الأمل وعزة في رحم الابتلاء )
عبدالله البصري
1432/03/21 - 2011/02/24 20:59PM
ألم يحيي الأمل وعزة في رحم الابتلاء 22 / 3 / 1432
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمُنذُ اندِلاعِ التَّظَاهُرَاتِ العَارِمَةِ في تُونُسَ ثُمَّ في مِصرَ ، فَإِنَّ بَرَاكِينَ الغَضَبِ الشَّعبيِّ في عَالَمِنَا العَرَبيِّ ، مَا فَتِئَت تَندَفِعُ يَومًا بَعدَ آخَرَ ، تَثُورُ يَومًا في أَدنى الشَّرقِ ، وَتَنطَلِقُ مَرَّةً مِن أَقصَى الغَربِ ، وَتُرَى حِينًا في أَعلَى الشِّمَالِ وَحِينًا تَحُلُّ في أَعمَاقِ الجَنُوبِ ، غَيرَ أَنَّ أَشَدَّهَا إِيلامًا مَا حَدَثَ في الأَيَّامِ القَلِيلَةِ المَاضِيَةِ ، حَيثُ الاعتِدَاءَاتُ الآثِمَةُ وَالضَّرَبَاتُ المُوجِعَةُ وَالمَصَائِبُ المُفجِعَةُ ، الَّتي مُنِيَ بها إِخوَانُنَا اللِّيبِيُّونَ في عُقرِ دَارِهِم ، وَحَلَّت بهم بَينَ إِخوَانِهِم وَأَبنَائِهِم ، وَنَزَلَت بهم عَلَى مَرأًى مِن آبَائِهِم وَأُمَّهَاتِهِم ، لِتَشهَدَ بِوُضُوحٍ وَجَلاءٍ عَلَى مَا تَمتَلِئُ بِهِ صُدُورُ بَعضِ الحُكَّامِ مِن مَحَبَّةٍ لِلبَقَاءِ في سُدَّةِ الحُكمِ وَلَو عَلَى جُثَثِ شُعُوبِهِم وَهَامَاتِ المُستَضعَفِينَ مِن رَعِيَّتِهِم .
إِنَّ هَذِهِ الأَحدَاثَ وَمَا قَبلَهَا ، مَعَ مَا حَصَلَ فِيهَا مِن قَتلٍ لأَنفُسٍ بَرِيئَةٍ وَإِزهَاقٍ لأَروَاحٍ كَرِيمَةٍ ، وَزَعزَعَةِ صُفُوفٍ وَإِخلالٍ بِأَمنٍ ، إِلاَّ أَنَّنَا نَرَى مِنَ خِلالِهَا شُعَاعًا يَبُثُّ في النُّفُوسِ رُوحًا مِنَ الأَمَلِ الصَّادِقِ بِنَصرِ اللهِ لِلدِّينِ الحَقِّ ، وَظُهُورِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ ، إِنَّهُ أَمَلٌ يَشحَذُ هِمَمَ المُؤمِنِينَ لِلعَمَلِ عَلَى نُصرَةِ دِينِهِم ، وَيَدعُو الصَّادِقِينَ إِلى التَّمَسُّكِ بِهِ مَهمَا احلَولَكَتِ الفِتَنُ وَادلَهَمَّت الخُطُوبُ ، وَيَدفَعُهُمُ لِلذَّبِّ عَن حِيَاضِهِ مَهمَا عَمِلَ الطُّغَاةُ عَلَى حَربِهِ وَاستَمَاتُوا في إِطفَاءِ نُورِهِ ، مَعَ إِدرَاكٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ تَامٍّ بِأَنَّ نَصرَ اللهِ لأَولِيَائِهِ لَن يَحدُثَ عَلَى شَكلِ طَفرَةٍ مُفَاجِئَةٍ ، وَلَكِنَّهُ يَأتي عَبرَ سُنَنٍ جَارِيَةٍ وَنَوَامِيسَ مُحكَمَةٍ ، يَمتَحِنُ اللهُ فِيهَا عِبَادَهُ وَيَبتَلِيهِم ، وَتُسقَى فِيهَا جُذُورُ المَجدِ وَأَغصَانُ الشَّرَفِ بِدِمَاءِ الأَحرَارِ الطَّاهِرَةِ ، وَتُعَطَّرُ فِيهَا أَرجَاءُ البِلادِ بِأَروَاحِ الشُّهَدَاءِ الزَّكِيَّةِ ، وَيَصدُقُ فِيهَا قَولُ مَن قَالَ :
لا يَسلَمُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ مِنَ الأَذَى *** حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
لا يَسلَمُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ مِنَ الأَذَى *** حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
لَقَد أَثبَتَتِ الأَحدَاثُ أَنَّ الأُمَّةَ مَا زَالَت حَيَّةَ القُلُوبِ مُتَيَقِّظَةَ الضَّمَائِرِ ، وَأَظهَرت أَنَّهَا مَا زَالَت مَرفُوعَةَ الرُّؤُوسِ عَالِيَةَ الهَامَاتِ ، لا تَقبَلُ الظُلمَ وَلا تَرضَى الضَّيمَ ، وَلا تَهُونُ عَلَيهَا عِزَّتُهَا وَلا تَرخُصُ كَرَامَتُهَا ، وَأَنَّ شِدَّةَ الضَّغطِ عَلَيهَا وَمُحَاوَلَةَ إِخفَاءِ تُدَيُّنِهَا ، لا يَزِيدُهَا إِلاَّ يَقظَةً وَحَيَوِيَّةً وَحَمَاسَةً ، لَقَد ثَبَتَ أَنَّ أُمَّتَنَا الإِسلامِيَّةَ أُمَّةٌ كَرِيمَةٌ ، قَد تَضعُفُ في مَرحَلَةٍ مَا ، فَتُؤَجِّلُ مُوَاجَهَةَ الطُّغَاةِ وَتُؤَخِّرُ مُنَاجَزَتَهُم ؛ لأَنَّهَا لم تَجِدِ الفُرصَةَ مُوَاتِيَةً ، إِلاَّ أَنَّهَا مَعَ هَذَا لا تَرضَى بِالدَّنِيَّةِ وَلا تَخلَعُ ثَوبَ العِزَّةِ ، وَلا تَتَخَلَّى عَنِ المَبَادِئِ وَلا تَنسَى الثَّوَابِتَ .
لَقَد صَبَرَتِ الأُمَّةُ عَلَى الفَقرِ وَقِلَّةِ ذَاتِ اليَدِ ، وَطَوَى أَبنَاؤُهَا بُطُونَهُم عَلَى الجُوعِ وَتَحَمَّلُوا المَسكَنَةَ ، وَتَغَرَّبُوا سِنِينَ عَدَدًا وَسَافَرُوا عُقُودًا وَمُدَدًا ، هَجَرُوا الأَهلَ وَفَارَقُوا الأَوطَانَ ، وَتَجَرَّعُوا أَلَمَ التَّغَرُّبِ طَلَبًا لِلرِّزقِ وَسَدًّا لِحَاجَتِهِم وَحَاجَةِ أَبنَائِهِم وَمَن يَعُولُونَ ، وَهَاجَرُوا إِلى بِلادٍ لَيسَت لَهُم بِبِلادٍ ، وَتَرَكُوا بِلادًا وُلِدُوا فِيهَا وَتَرَعرَعُوا عَلَى أَرضِهَا ؛ لِئَلاَّ يَظَلُّوا يَنظُرُونَ لِلآخَرِينَ بِاستِجدَاءٍ وَتَوَسُّلٍ وَاستِعطَافٍ ، لَكِنَّهُم وَقَد ضُيِّقَ عَلَيهِم في دِينِهِم ، وَبَالَغَ الطُّغَاةُ في تَجوِيعِهِم وَتَركِيعِهِم ، لم يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الانطِلاقِ نَحوَ المَجدِ وَصُعُودِ قِمَمِ الشَّرَفِ ، مُرخِصِينَ في ذَلِكَ دِمَاءَهُم ، بَاذِلِينَ مُهَجَهُم وَأَروَاحَهُم ، مُستَقبِلِينَ بِصُدُورٍ عَارِيَّةٍ وَأَيدٍ خَالِيَةٍ جُنُودَ الطُّغَاةِ وَفُلُولَ المُرتَزِقَةِ ، مِمَّن يَحمِلُونَ المَدَافِعَ وَالرَّشَّاشَاتِ وَمُضَادَّاتِ الطَّائِرَاتِ ، لِيَثبُتَ لِلعَالَمِ أَنَّ هَذِهِ الدُّوَلَ وَإِنْ هِيَ استَقَلَّت ظَاهِرًا مِنِ استِعمَارِ الغَربِ الكَافِرِ ، إِلاَّ أَنَّهَا مَا زَالَت تَعِيشُ استِعَمَارًا آخَرَ مُبَطَّنًا ، يَقُودُهُ حُكَّامٌ فَجَرَةٌ ، قُلُوبُهُم وَعُقُولُهُم غَربِيَّةٌ ، وَمَنَاهِجُهُم وَاتِّجَهَاتُهُم غَربِيَّةٌ ، يَأكُلُونَ دُنيَا النَّاسِ وَيُضَيِّقُونَ عَلَيهِم في دِينِهِم ، وَلا يَرقُبُونَ فِيهِم إِلاًّ وَلا ذِمَّةً ، يُرضُونَهُم بِأَفوَاهِهِم وَتَأبى قُلُوبُهُم وَأَكثَرُهُم فَاسِقُونَ .
لم تَكَدِ الشُّعُوبُ تُفِيقُ مِن ظُلمَةِ الاستِعمَارِ الأَجنَبيِّ البَغِيضِ ، الَّذِي عَاشَتهُ عُقُودًا وَعَانَت مِنهُ حِقَبًا ، وَبَذَلَت في التَّخَلُّصِ مِنهُ آلافَ الشُّهَدَاءِ ، حَتى دَخَلَت مَرحَلَةً أُخرَى مِن ظَلامِ استِعمَارِ الحُكَّامِ الظَّلَمَةِ ، فَكَانَ هَذَا هُوَ الظَّلامَ الَّذِي سَبَقَ بُزُوغَ الفَجرِ الصَّادِقِ ، فَجرِ النَّصرِ المُبِينِ ، وَالَّذِي نَرَى تَبَاشِيرَهُ اليَومَ ، فَالحَمدُ للهِ عَلَى مَا قَدَّرَ وَقَضَى .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد وَعَدَ اللهُ ـ تَعَالى ـ أَولِيَاءَهُ بِالنَصرِ وَالتَّمكِينِ فَقَالَ : " وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " كَتَبَ اللهُ لأَغلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ "
وَإِنَّهُ مَهمَا تَمَالأَت قُوَى الغَربِ وَالشَّرقِ عَلَى حَربِ الإِسلامِ ، وَمَهمَا خَطَّطَ الطُّغَاةُ في الخَارِجِ بِمَكرٍ وَكَيدٍ وَدَهَاءٍ ، وَنَفَّذَ أَذنَابُهُم في الدَّاخِلِ مُخَطَّطَاتِهِم بِاحتِرَافٍ وَدِقَّةٍ وَتَبَعِيَّةٍ ، إِلاَّ أَنَّ أَمَلَ المُؤمِنِينَ بِرَبِّهِم وَثِقَتَهُم بِنَصرِهِ إِيَّاهُم ، مَا زَالَت وَلَن تَزَالَ قَوِيَّةً مُتَّصِلَةً ، يُقَوِّيهَا حِرصُهُم عَلَى مَا يَنفَعُهُم وَاستِعَانَتُهُم بِاللهِ وَحُسنُ ظَنِّهِم بِهِ ، وَيُقَرِّبُهَا الفَألُ الحَسَنُ الَّذِي هُوَ جُزءٌ مِن عَقِيدَتِهِم ، بَل خُلُقٌ مِن أَخلاقِ قَائِدِهِم وَإِمَامِهِم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الَّذِي كَانَ يُعجِبُهُ الفَألُ الحَسَنُ ، وَيَعظُمُ أَمَلُهُ في رَبِّهِ حِينَ يَسمَعُ مَا يَسُرُّهُ ، وَمِن ثَمَّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّهُ وَمَعَ مَا نَرَاهُ اليَومَ مِن أَحدَاثٍ مُخِيفَةٍ وَزَعزَعَةٍ لِلأَمنِ ، وَاضطِرَابَاتٍ وَمُظَاهَرَاتٍ لا نَدرِي مَا نِهَايَتُهَا ، إِلاَّ أَنَّنَا يَجِبُ أَن نَتَفَاءَلَ وَنَستَبشِرَ خَيرًا ، وَمَالَنَا لا نَفعَلُ وَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في الحَدِيثِ الَّذِي أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : " بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالدِّينِ وَالرِّفعَةِ وَالنَّصرِ وَالتَّمكِينِ في الأَرضِ "
وَإِنَّ الدَّهرَ قُلَّبٌ والأَيَّامَ دُوَلٌ ، وَرُبَّمَا صَحَّتِ الأَبدَانُ بِالعِلَلِ ، وَإِنَّ دِمَاءَ القَتلَى وَآهَاتِ الثَّكلَى ، سَتَكُونُ الطُّوفَانَ الَّذِي يُغرِقُ الطُّغيَانِ ، وَالشُّعلَةَ الَّتي تُحرِقُ الظُّلمَ وَالاستِبدَادَ ، وَإِنَّ دَوِيَّ المَدَافِعِ وَضَجِيجَ الطَّائِرَاتِ بِالقَصفِ ، وَبُرُوزَ أَلوَانِ الحِقدِ وَأَشكَالِ العُنفِ ، سَتُوقِظُ الأُمَّةَ مِن سُبَاتِهَا ، وَسَتُعَالِجُ الوَهنَ الَّذِي سَرَى في عُرُوقِهَا ، وَسَيَجُرُّ الظَّالِمُ البَاغِي أَذيَالَ الخَيبَةِ وَالهَزِيمَةِ كَمَا حَصَلَ لِمَن سَبَقَهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، أَلا فَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِنَصرِ اللهِ لِهَذَا الدِّينِ ، وَلنَحذَرْ مِنِ استِعجَالِ النَّتَائِجِ وَاستِبطَاءِ النَّصرِ ، فَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللهِ قَرِيبٌ " وَلا يَستَنكِرَنَّ أَحَدٌ مَا يَحصُلُ مِن فَرَاعِنَةِ اليَومِ ، فَإِنَّمَا هُوَ سَبِيلُ مَن سَبَقَهُم مِن فَرَاعِنَةِ الأَمسِ ، وَإِنَّهُ لا سِلاحَ لِذَلِكَ بَعدَ الاستِعَانَةِ بِاللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ مِثلُ الصَّبرِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ فِرعَونُ مِن قَبلُ : " سَنُقَتِّلُ أَبنَاءَهُم وَنَستَحيِي نِسَاءَهُم وَإِنَّا فَوقَهُم قَاهِرُونَ . قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " كَتَبَ اللهُ لأَغلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ "
وَإِنَّهُ مَهمَا تَمَالأَت قُوَى الغَربِ وَالشَّرقِ عَلَى حَربِ الإِسلامِ ، وَمَهمَا خَطَّطَ الطُّغَاةُ في الخَارِجِ بِمَكرٍ وَكَيدٍ وَدَهَاءٍ ، وَنَفَّذَ أَذنَابُهُم في الدَّاخِلِ مُخَطَّطَاتِهِم بِاحتِرَافٍ وَدِقَّةٍ وَتَبَعِيَّةٍ ، إِلاَّ أَنَّ أَمَلَ المُؤمِنِينَ بِرَبِّهِم وَثِقَتَهُم بِنَصرِهِ إِيَّاهُم ، مَا زَالَت وَلَن تَزَالَ قَوِيَّةً مُتَّصِلَةً ، يُقَوِّيهَا حِرصُهُم عَلَى مَا يَنفَعُهُم وَاستِعَانَتُهُم بِاللهِ وَحُسنُ ظَنِّهِم بِهِ ، وَيُقَرِّبُهَا الفَألُ الحَسَنُ الَّذِي هُوَ جُزءٌ مِن عَقِيدَتِهِم ، بَل خُلُقٌ مِن أَخلاقِ قَائِدِهِم وَإِمَامِهِم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الَّذِي كَانَ يُعجِبُهُ الفَألُ الحَسَنُ ، وَيَعظُمُ أَمَلُهُ في رَبِّهِ حِينَ يَسمَعُ مَا يَسُرُّهُ ، وَمِن ثَمَّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّهُ وَمَعَ مَا نَرَاهُ اليَومَ مِن أَحدَاثٍ مُخِيفَةٍ وَزَعزَعَةٍ لِلأَمنِ ، وَاضطِرَابَاتٍ وَمُظَاهَرَاتٍ لا نَدرِي مَا نِهَايَتُهَا ، إِلاَّ أَنَّنَا يَجِبُ أَن نَتَفَاءَلَ وَنَستَبشِرَ خَيرًا ، وَمَالَنَا لا نَفعَلُ وَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في الحَدِيثِ الَّذِي أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : " بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالدِّينِ وَالرِّفعَةِ وَالنَّصرِ وَالتَّمكِينِ في الأَرضِ "
وَإِنَّ الدَّهرَ قُلَّبٌ والأَيَّامَ دُوَلٌ ، وَرُبَّمَا صَحَّتِ الأَبدَانُ بِالعِلَلِ ، وَإِنَّ دِمَاءَ القَتلَى وَآهَاتِ الثَّكلَى ، سَتَكُونُ الطُّوفَانَ الَّذِي يُغرِقُ الطُّغيَانِ ، وَالشُّعلَةَ الَّتي تُحرِقُ الظُّلمَ وَالاستِبدَادَ ، وَإِنَّ دَوِيَّ المَدَافِعِ وَضَجِيجَ الطَّائِرَاتِ بِالقَصفِ ، وَبُرُوزَ أَلوَانِ الحِقدِ وَأَشكَالِ العُنفِ ، سَتُوقِظُ الأُمَّةَ مِن سُبَاتِهَا ، وَسَتُعَالِجُ الوَهنَ الَّذِي سَرَى في عُرُوقِهَا ، وَسَيَجُرُّ الظَّالِمُ البَاغِي أَذيَالَ الخَيبَةِ وَالهَزِيمَةِ كَمَا حَصَلَ لِمَن سَبَقَهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، أَلا فَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِنَصرِ اللهِ لِهَذَا الدِّينِ ، وَلنَحذَرْ مِنِ استِعجَالِ النَّتَائِجِ وَاستِبطَاءِ النَّصرِ ، فَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللهِ قَرِيبٌ " وَلا يَستَنكِرَنَّ أَحَدٌ مَا يَحصُلُ مِن فَرَاعِنَةِ اليَومِ ، فَإِنَّمَا هُوَ سَبِيلُ مَن سَبَقَهُم مِن فَرَاعِنَةِ الأَمسِ ، وَإِنَّهُ لا سِلاحَ لِذَلِكَ بَعدَ الاستِعَانَةِ بِاللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ مِثلُ الصَّبرِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ فِرعَونُ مِن قَبلُ : " سَنُقَتِّلُ أَبنَاءَهُم وَنَستَحيِي نِسَاءَهُم وَإِنَّا فَوقَهُم قَاهِرُونَ . قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، المُسلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالحُمَّى وَالسَّهَرِ ، وَهُم بُنيَانٌ مَرصُوصٌ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا ، وَإِنَّهُ وَإِنْ كُنَّا في هَذِهِ البِلادِ نَنعَمُ بِالخَيرَاتِ وَالأَمنِ في ظِلِّ الحُكمِ بِشَرِيعَةِ اللهِ ، فَإِنَّ لَنَا إِخوَانًا كَمَا رَأَيتُم وَنَقَلَتهُ وَسَائِلُ الإِعلامِ ، يُسَامُونَ خَسفًا وَظُلمًا وَهَضمًا ، قُتِلُوا وَشُرِّدُوا ، وَأُبِيحَت نِسَاؤُهُم لِلمُرتَزِقَةِ لِيَهتِكُوا أَعرَاضَهُنَّ ، وَفُعِلَت بهمُ الأفَاعِيلُ ممَّن كَانُوا أَحَقَّ بِنصرِهم وَحِمَايَتِهِم ، فَهَل نُبَرِّدُ قُلُوبَنَا وَنُغمِضُ أَعيُنَنَا وَنَمضِي وَكَأَنَّ الأَمرَ لا يَعنِينَا ؟! مَا هَذِهِ ـ وَرَبِّي ـ بِحَالِ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ ، رَوَى الشَّيخَانِ وَغَيرُهُمَا أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " وَعِندَ ابنِ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : " لا يَبلُغُ العَبدُ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ "
وَلا يَقُولَنَّ قَائِلٌ : وَمَاذَا نَفعَلُ ؟! فَإِنَّ في أَيدِينَا جَمِيعًا أَقوَى عُدَّةٍ وَأَمضَى سِلاحٍ وَأَصوَبَ سِهَامٍ ، بِأَيدِينَا الدُّعَاءُ وَأَنعِمْ بِهِ وَأَكرِمْ ! بِأَيدِينَا الدُّعَاءُ الَّذِي لا أَعجَزَ ممَّن عَجَزَ عَنهُ ، وَكَيفَ يَعجَزُ عَنهُ مُؤمِنٌ أَو يَتَهَاوَنُ بِهِ وَيَترُكُهُ وَرَبُّنَا القَوِيُّ القَادِرُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَوَعَدَ بِإِجَابَتِهِ " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم "
فَلْنَرْفَعِ الأَكُفَّ وَلْنُخلِصِ الدُّعَاءَ للهِ ـ تَعَالى ـ وَلْنَسأَلْهُ نَصرَ إِخوَانِنَا المُستَضعَفِينَ عَلَى أَعدَائِهِم مِنَ الكَفَرَةِ وَالمُنَافِقِينَ وَالطُّغَاةِ وَالظَّالمِينَ .
إِنَّ الأُمَّةَ لَن تَخلُوَ بِإِذنِ اللهِ مِن مُخلِصِينَ لَو أَقسَمُوا عَلَى رَبِّهِم لأَبَرَّهُم ، فَاجتَهِدُوا بِالدُّعَاءِ في السُّجُودِ وَأَدبَارِ الصَّلَوَاتِ ، وَكَرِّرُوهُ في الأَسحَارِ وَالخَلَوَاتِ ، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ لا يَرُدُّ دَاعِيًا وَلا يُخَيِّبُ رَاجِيًا ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ ، اِهزِمِ الأَحزَابَ ، اللَّهُمَّ اهزِمْهُم وَزَلْزِلْهُم ، اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِمَن ظَلَمُوا إِخوَانَنَا وَاعتَدَوا عَلَيهِم ، اللَّهُمَّ اهزِمْهُم وَانْصرْ إِخوَانَنَا عَلَيهِم . اللَّهُمَّ أَنتَ عَضُدُهُم وَنَصِيرُهُم ، بِكَ يَحُولُونَ وَبِكَ يَصُولُونَ وَبِكَ يُقَاتِلُونَ . اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَعِنْهُم وَلا تُعِنْ عَلَيهِم ، وَانْصُرْهُم وَلا تَنصُرْ عَلَيهِم وَامكُرْ لَهُم وَلا تَمكُرْ عَلَيهِم ، وَاهدِهِم وَيَسِّرِ الهُدَى لهم ، وَانْصُرْهُم عَلَى مَن بَغَى عَلَيهِم .
وَلا يَقُولَنَّ قَائِلٌ : وَمَاذَا نَفعَلُ ؟! فَإِنَّ في أَيدِينَا جَمِيعًا أَقوَى عُدَّةٍ وَأَمضَى سِلاحٍ وَأَصوَبَ سِهَامٍ ، بِأَيدِينَا الدُّعَاءُ وَأَنعِمْ بِهِ وَأَكرِمْ ! بِأَيدِينَا الدُّعَاءُ الَّذِي لا أَعجَزَ ممَّن عَجَزَ عَنهُ ، وَكَيفَ يَعجَزُ عَنهُ مُؤمِنٌ أَو يَتَهَاوَنُ بِهِ وَيَترُكُهُ وَرَبُّنَا القَوِيُّ القَادِرُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَوَعَدَ بِإِجَابَتِهِ " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم "
فَلْنَرْفَعِ الأَكُفَّ وَلْنُخلِصِ الدُّعَاءَ للهِ ـ تَعَالى ـ وَلْنَسأَلْهُ نَصرَ إِخوَانِنَا المُستَضعَفِينَ عَلَى أَعدَائِهِم مِنَ الكَفَرَةِ وَالمُنَافِقِينَ وَالطُّغَاةِ وَالظَّالمِينَ .
إِنَّ الأُمَّةَ لَن تَخلُوَ بِإِذنِ اللهِ مِن مُخلِصِينَ لَو أَقسَمُوا عَلَى رَبِّهِم لأَبَرَّهُم ، فَاجتَهِدُوا بِالدُّعَاءِ في السُّجُودِ وَأَدبَارِ الصَّلَوَاتِ ، وَكَرِّرُوهُ في الأَسحَارِ وَالخَلَوَاتِ ، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ لا يَرُدُّ دَاعِيًا وَلا يُخَيِّبُ رَاجِيًا ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكُ العَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ ، اِهزِمِ الأَحزَابَ ، اللَّهُمَّ اهزِمْهُم وَزَلْزِلْهُم ، اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِمَن ظَلَمُوا إِخوَانَنَا وَاعتَدَوا عَلَيهِم ، اللَّهُمَّ اهزِمْهُم وَانْصرْ إِخوَانَنَا عَلَيهِم . اللَّهُمَّ أَنتَ عَضُدُهُم وَنَصِيرُهُم ، بِكَ يَحُولُونَ وَبِكَ يَصُولُونَ وَبِكَ يُقَاتِلُونَ . اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَعِنْهُم وَلا تُعِنْ عَلَيهِم ، وَانْصُرْهُم وَلا تَنصُرْ عَلَيهِم وَامكُرْ لَهُم وَلا تَمكُرْ عَلَيهِم ، وَاهدِهِم وَيَسِّرِ الهُدَى لهم ، وَانْصُرْهُم عَلَى مَن بَغَى عَلَيهِم .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاحفَظُوا نِعَمَهُ عَلَيكُم وَاشكُرُوهُ " وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن نِعمَةِ اللهُ عَلَينَا في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ ، أَنْ هَيَّأَ لَنَا وُلاةَ أَمرٍ نُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَنَا ، وَنَدعُو لَهُم وَيَدعُونَ لَنَا ، يَحكُمُونَ بِالشَّرِيعَةِ وَالسَّوِيَّةِ ، وَيَعدِلُونَ في القَضِيَّةِ وَيُحسِنُونَ إِلى الرَّعِيَّةِ .
أَلا وَإِنَّ مِن مُضَاعَفِ نِعَمِ اللهِ الَّتي تُذكَرُ لِتُشكَرَ ، مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى وَليِّ أَمرِنَا مِنَ العَودَةِ إِلى البِلادِ سَالِمًا مُعَافى ، ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ ـ حَفِظَهُ اللهُ ـ مِن أَوَامِرَ تَصُبُّ في مَصلَحَةِ البِلادِ وَالعِبَادِ ، فَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا خَيرًا ، وَأَتَمَّ عَلَيهِ الصِّحَّةَ وَأَلبَسَهُ ثَوبَ العَافِيَةِ ، أَلا وَإِنَّ مِمَّا يَجدُرُ بِنَا تَذكُّرُهُ وَالتَّذكِيرُ بِهِ بهذِهِ المُنَاسَبَةِ ، أَنَّ أَولى مَا شُكِرَت بِهِ النِّعَمُ وَحُفِظَت ، طَاعَةُ اللهِ ـ تَعَالى ـ وَحِفظُ حُدُودِهِ ، وَالإِكثَارُ مِن حَمدِهِ وَذِكرِهِ وَشُكرِهِ ، وَالإِحسَانُ إِلى خَلقِهِ وَرَحمَةُ عِبَادِهِ ، وَأَمَّا التَّبذِيرُ وَتَبدِيدُ النِّعَمِ ، وَالمُبَالَغَةُ في الحَفَلاتِ وَالدَّعَوَاتِ ، وَإِعلانُ الفَرَحِ بِالرَّقصِ وَالغِنَاءِ والمَزَامِيرِ ، أَو بِرَفعِ الأَعلامِ وَتَعلِيقِ الصُّوَرِ وَاللاَّفِتَاتِ ، وَالغَفلَةِ مَعَ هَذَا عَن ذِكرِ اللهِ وَتَعَدِّي حُدُودِهِ ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لا يُحمَدُ وَإِنْ كَثُرَ مُرَوِّجُوهُ وَالدَّاعُونَ إِلَيهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ . وَلَقَد جَاءَهُم رَسُولٌ مِنهُم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ وَهُم ظَالمُونَ . فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشكُرُوا نِعمَةَ اللهِ إِنْ كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ "
أَلا وَإِنَّ مِن مُضَاعَفِ نِعَمِ اللهِ الَّتي تُذكَرُ لِتُشكَرَ ، مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى وَليِّ أَمرِنَا مِنَ العَودَةِ إِلى البِلادِ سَالِمًا مُعَافى ، ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ ـ حَفِظَهُ اللهُ ـ مِن أَوَامِرَ تَصُبُّ في مَصلَحَةِ البِلادِ وَالعِبَادِ ، فَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا خَيرًا ، وَأَتَمَّ عَلَيهِ الصِّحَّةَ وَأَلبَسَهُ ثَوبَ العَافِيَةِ ، أَلا وَإِنَّ مِمَّا يَجدُرُ بِنَا تَذكُّرُهُ وَالتَّذكِيرُ بِهِ بهذِهِ المُنَاسَبَةِ ، أَنَّ أَولى مَا شُكِرَت بِهِ النِّعَمُ وَحُفِظَت ، طَاعَةُ اللهِ ـ تَعَالى ـ وَحِفظُ حُدُودِهِ ، وَالإِكثَارُ مِن حَمدِهِ وَذِكرِهِ وَشُكرِهِ ، وَالإِحسَانُ إِلى خَلقِهِ وَرَحمَةُ عِبَادِهِ ، وَأَمَّا التَّبذِيرُ وَتَبدِيدُ النِّعَمِ ، وَالمُبَالَغَةُ في الحَفَلاتِ وَالدَّعَوَاتِ ، وَإِعلانُ الفَرَحِ بِالرَّقصِ وَالغِنَاءِ والمَزَامِيرِ ، أَو بِرَفعِ الأَعلامِ وَتَعلِيقِ الصُّوَرِ وَاللاَّفِتَاتِ ، وَالغَفلَةِ مَعَ هَذَا عَن ذِكرِ اللهِ وَتَعَدِّي حُدُودِهِ ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لا يُحمَدُ وَإِنْ كَثُرَ مُرَوِّجُوهُ وَالدَّاعُونَ إِلَيهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ . وَلَقَد جَاءَهُم رَسُولٌ مِنهُم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ وَهُم ظَالمُونَ . فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشكُرُوا نِعمَةَ اللهِ إِنْ كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ "
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّ مَحَبَّتَنَا لِوُلاةِ أَمرِنَا عَقِيدَةٌ رَاسِخَةٌ وَلَيسَت شِعَارَاتٍ زَائِفَةً ، إِنَّهَا دِينٌ نَدِينُ اللهَ بِهِ ، دِثَارُهُ الإِخلاصُ لَهُم وَمَحَبَّتُهُم وَالدُّعَاءُ لَهُم ، وَشِعَارُهُ طَاعَتُهُم وَالنُّصحُ لَهُم وَعَدَمُ مُنَازَعَتِهِمُ الأَمرَ ، عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : بَايَعنَا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى السَّمعِ وَالطَّاعَةِ في العُسرِ وَاليُسرِ وَالمَنشَطِ وَالمَكرَهِ ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَينَا ، وَأَلاَّ نُنَازِعَ الأَمرَ أَهلَهُ إِلاَّ أَن تَرَوا كُفرًا بَوَاحًا عِندَكُم مِنَ اللهِ فِيهِ بُرهَانٌ ، وَعَلَى أَن نَقُولَ بِالحَقِّ أَينَمَا كُنَّا لا نَخَافُ في اللهِ لَومَةَ لائِمٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . اللَّهُمَّ احفَظْ وُلاةَ أَمرِنَا وَاحفَظْ بِهِمُ الإِسلامَ ، اللَّهُمَّ وَاجمَعْ بِهِمُ الكَلِمَةَ عَلَى الحَقِّ ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِم لِمَا تُحِبُّهَ وَتَرضَاهُ ، اللَّهُمَّ وَأَصلِحْ بِطَانَتَهُم ، اللَّهُمَّ قَرِّبْ إِلَيهِم مَن عَلِمتَ فِيهِ خَيرًا ، وَأَبعِدْ عَنهُم بِطَانَةَ السُّوءِ وَالفِتنَةِ وَالفَسَادِ يَا رَبَّ العَالمِينَ .
المشاهدات 4602 | التعليقات 5
أسأل الله العلي العظيم أن يكتب أجرك ويرفع قدرك ويعلي درجتك في الفردوس الأعلى من الجنان
إنه على ذلك قدير وبالإجابه جدير .
وصلى الله وسلم على النبي الهادي البشير
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على نبيه وعبده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد
فأشكر لك ـ أخي المبارك أبا مجاهد ـ غيرتك على التوحيد والعقيدة ، وإن كان المفهوم من كلامي أني أوجب ما لم يوجبه الله ولا رسوله ، فعفا الله عني ، وأنا تائب إلى الله ـ عز وجل ـ من كل ما يغضبه ولا كرامة ، وأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة ، وإذا كان هذا فهمًا فهمتَه وحدَك ـ أخي المبارك ـ فعفا الله عنك إذ حمَّلت كلامي ما لا أظنه يحتمله .
والذي أعلمه من عقيدة أهل السنة والجماعة مما يتعلق بموضوعنا :
· وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر ما لم يأمروا بمعصية ، فإن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
· عدم منازعتهم الأمر وتحريم الخروج عليهم حتى نرى منهم كفرًا بواحًا عندنا من الله فيه برهان .
· وجوب مناصحتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، وأن تقال كلمة الحق أمامهم لا يخشى قائلها لومة لائم .
· وجوب محبة المؤمنين وموالاتهم ، ويدخل فيهم ولي الأمر المسلم ، على التفصيل الذي أشرت إليه ـ وفقك الله ـ من أن المسلم يحب بقدر طاعته ، ويكره ما فيه من معصية ، قال شارح الطحاوية : وَالحُبُّ وَالبُغضُ بِحَسَبِ مَا فِيهِم مِن خِصَالِ الخَيرِ وَالشَّرِّ ، فَإِنَّ العَبدَ يَجتَمِعُ فيه سَبَبُ الوَلايَةِ وَسَبَبُ العَدَاوَةِ ، وَالحُبُّ وَالبُغضُ ، فَيَكُونُ مَحبُوبًا مِن وَجهٍ مَبغُوضًا مِن وَجهٍ ، وَالحُكمُ لِلغَالِبِ . انتهى كلامه .
والأدلة على هذه النقاط الأربع أشهر من أن تذكر ، ولكن لا مانع من نقل بعضها هنا :
· قال ـ سبحانه ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم "
· عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال : بايعنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بَوَاحًا عندكم من الله فيه برهان ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم . رواه البخاري ومسلم .
· وعنه ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثره عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك " قال الألباني : صحيح .
· عن عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ قال : قلنا : يا رسول الله ، لا نسألك عن طاعة من اتَّقى ، ولكنْ مَن فعل وفعل ـ فذكر الشَّرَّ ـ فقال : " اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا " قال الألباني : صحيح .
· عن معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ قال : لما خرج أبو ذر إلى الربذة لقيه ركب من أهل العراق ، فقالوا : يا أبا ذر ، قد بلغنا الذي صُنِعَ بك فاعقِدْ لواءً يأتيك رجالٌ ما شئتَ . قال : مهلاً يا أهل الإسلام ؛ فإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " سيكون بعدي سلطان فأعِزُّوهُ ، من التمس ذُلَّهُ ثَغَرَ ثغرةً في الإسلام ولم يُقبَلْ منه توبة حتى يعيدَها كما كانت " قال الألباني : صحيح .
· عن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ثلاثة لا يغل عليهن قلب المؤمن : إخلاص العمل لله ، والنصيحة لولاة الأمر ، ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم " قال الألباني : إسناده جيد .
· عن تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " الدين النصيحة " ثلاثًا . قلنا : لمن ؟ قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم .
· عن عوف بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلون عليهم ويصلون عليكم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم " قلنا : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم ؟ قال : " لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة " قال الألباني : صحيح .
· عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : لا تسبوا أمراءكم ، ولا تغشوهم ، ولا تبغضوهم ، واتقوا الله واصبروا ؛ فإن الأمر قريب . قال الألباني : إسناده جيد .
· عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " من أهان سلطان الله أهانه الله " قال الألباني : حسن .
· عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنًا على الله ـ عز وجل ـ : من عاد مريضًا ، أو خرج مع جنازة ، أو خرج غازيًا ، أو دخل على إمامة يريد تعزيزه وتوقيره ، أو قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس " قال الألباني : صحيح .
(ملحوظة : جملة هذه الأحاديث والحكم عليها من كتاب " ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم " للألباني )
ولا أظن ثمة علاقة ـ أخي المبارك ـ بين أن أعتقد أن محبة ولي الأمر دين أدين الله به وبين ما توهمته ـ أخي المبارك ـ من استلزام ذلك مطلق مدحه ، فضلاً عن المبالغة في مدحه والتي لم أسلكها يومًا ما ، ولم أدع إليها ولا يحتملها كلامي من قريب ولا من بعيد .
فإعلاني محبتي لولي الأمر المسلم لا تستلزم أني أمدحه بما ليس فيه كما أن محبتي لأي مسلم لا تستلزم مدحه بما ليس فيه ، وفي المقابل فإن مدح أي مسلم ـ ويدخل في ذلك ولي الأمر ـ بما فيه ليس عيبًا ولا ذنبًا ؛ ولا سيما إذا كان القصد تشجيعه وحثه على مواصلة الخير ، وإنما العيب فعلاً أن تمدح أحدًا بما ليس فيه ، أو تبالغ في مدحه ، جاعلاً ذلك سلمًا لتحصيل لعاعة من الدنيا . جاء في فتح الباري (10/477) : قال ابن بطال : حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنزلة ، فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالاً على ما وصف به ، ولذلك تأول العلماء في الحديث الآخر " احثوا في وجوه المداحين التراب " أن المراد من يمدح الناس في وجوههم بالباطل . وقال عمر : المدح هو الذبح . قال : وأما من مدح بما فيه فلا يدخل في النهي ، فقد مُدِحَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الشعر والخطب والمخاطبة ولم يحثُ في وجه مادحه ترابًا . انتهى ملخصًا .
وقال العيني في عمدة القاري (32/242) : ومن ذلك تأول العلماء في قوله : " احثوا التراب في وجوه المداحين " أن المراد بهم المداحون الناسَ في وجوههم بالباطل وبما ليس فيهم ، ولم يرد بهم مَن مَدَحَ رجلاً بما فيه ، فقد مُدِحَ رسول الله في الأشعار والخطب والمخاطبة ولم يحثُ في وجوه المداحين التراب ولا أمر بذلك ، وقد قال أبو طالبٍ فيه :
وأبيضَ يُستَسقَى الغَمَامُ بَوَجهِهِ *** ثِمَالُ اليَتَامى عِصمَةٌ لِلأَرَامِلِ
ومدحه حسان في كثير من شعره وكعب بن زهير وغير ذلك . انتهى .
وأنا يا أخي الكريم ـ وأعتذر إذ أتكلم عن نفسي ـ من أكره الناس لمدح الولاة أو التكلم عنهم على المنابر إلا لضرورة ماسة أو حاجة قائمة أو مصلحة راجحة ؛ لأنه قَلَّ من يتقبل ذلك على وجهه ويأخذه على المحمل الحسن ، بل تجد الكثيرين ما إن يتكلم الخطيب عن ولي الأمر حتى تشرئب أعناقهم ويُحِدُّون أبصارهم ويرعونه السمع ، فإن هو مدحه بما فيه وعدل وأنصف جعلوه مداهنًا منافقًا ، وإن هو أنكر شيئًا من المنكرات الظاهرة لم يعدم من يرميه بأنه تكفيري أو خارجي ، والإنصاف في هذا الجانب عزيز جد عزيز ، والناس فيه طرفان متناقضان ، وقل من يسلك مسلك الحق الوسط ، الذي هو مسلك أهل السنة والجماعة . " اعدلوا هو أقرب للتقوى "
وقد دُعيت ليلة الجمعة إلى حفلين من هذه الحفلات التي أقيمت بمناسبة عودة خادم الحرمين ، وطلب مني إلقاء شيء من الشعر فيهما ، فامتنعت عن إجابة الدعوة ، نعم ، وأقولها بملء فمي ، امتنعت لأني أعلم أنه قد تحصل في هذه الحفلات منكرات كالغناء ، أو مبالغات في المدائح والثناء ، أو تبذير ومبالغة في الولائم وتبديد للنعم ، فتركتها ديانة لربي وصيانة لنفسي ، بل وأنكرت ذلك كما تقرأ ـ وفقك الله وسددك ـ في هذه الخطبة التي ألقيت على رؤوس الملأ .
أرجو أن يكون الأمر قد اتضح ، ومع هذا فلا أدعي الإصابة ، والمجال مفتوح لمن أراد التعليق أو تصحيح ما قد يراه خطأً ولا سيما الإخوة في اللجنة العلمية في هذا الملتقى المبارك .
وأسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه عنا ، وأن يجنبنا ما يسخطه ، اللهم إنا نَسأَلُكَ خَشيَتَكَ في الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَكَلِمَةَ العَدلِ وَالحَقِّ في الغضب والرضا ، ونَسألُك القصد في الفقر والغنى ، وَنَسأَلُكَ نَعِيمًا لا يَبِيدُ وَقُرَّةَ عَينٍ لا تَنقَطِعُ ، وَنَسأَلُكَ الرِّضَا بَعدَ القَضَاءِ ، وَنَسأَلُكَ بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ ، وَنَسأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلى وَجهِكَ ، وَنَسأَلُكَ الشَّوقَ إِلى لِقَائِكَ في غَيرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين .
جزاك الله خيرا يا شيخ عبدالله على هذه الخطبة الطيبة المباركة بإذن الله
من ناحية استفسار أخينا أبي مجاهد فهو في محله وذلك لأنك يا شيخ عبد الله ذكرته مطلقا وكان الأنسب في هذا المكان أن يكون بلفظ الطاعة كما جاء في كثير من الأحاديث.
أما من ناحية ذكر المحبة فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المحبة لولاة الأمر مع ذكره لكراهية ما يأتون من معاصي وذلك في حديث عن عوف بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلون عليهم ويصلون عليكم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم " قلنا : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم ؟ قال : " لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة " قال الألباني : صحيح
فلا بأس أن تذكر المحبة لكن بشرط أن تكون مقيدة بكراهية ما يأتون من خير.
أبومجاهدالقحطاني;6015 wrote:
وأما أن نلزم الناس شرعاً بحب ولاة أمورهم، والمبالغة في الثناء عليهم فهذا يحتاج إلى نظر.
والحب في الله والبغض فيه أوثق عرى الإيمان والناس ملزمون به شرعا .. وولاة الأمر المسلمون فيه مثلهم مثل غيرهم يحبون ويوالون في الله بقدر طاعتهم ... وهذا أمر من العقيدة ولا أظن أحدا يستنكره ...
وأما الإلزام بحبهم لأنهم ولاة أمر حبا غير حب المسلمين فلا أظن في الخطبة ما يدعو إليه لمن أنصف ولم يقل به أحد ...
أبومجاهدالقحطاني أبومجاهدالقحطاني
خطبة رائعة وموفقة كما هي عادتك وفقك الله ونفع بك
وعندي سؤال: الذي أعلم أن المطلوب من المسلم تجاه ولي أمره هو السمع والطاعة في المعروف، وأما حبه فهذا شيئ آخر، فالحب والبغض مبني على الإيمان والصلاح، فعلى قدر إيمانه وصلاحه يحب، وأما أن نلزم الناس شرعاً بحب ولاة أمورهم، والمبالغة في الثناء عليهم فهذا يحتاج إلى نظر.
فما تعليقك وفقك الله؟ وهل من دليل على قولك : ( فَإِنَّ مَحَبَّتَنَا لِوُلاةِ أَمرِنَا عَقِيدَةٌ رَاسِخَةٌ وَلَيسَت شِعَارَاتٍ زَائِفَةً ، إِنَّهَا دِينٌ نَدِينُ اللهَ بِهِ )؟
تعديل التعليق