خطبة ( أفضل أيام الدنيا ) للشيخ جماز عبدالرحمن الجماز

عبد الله العصيمي
1432/11/28 - 2011/10/26 19:56PM

الخطبة الأولى

الحمد لله على ما خصّنا به من الفضل والإكرام ، فما زال يُوالي علينا مواسم الخير والإنعام، ما انتهى شهرُ رمضان حتى أعقبه بأشهر الحج إلى بيته الحرام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، في ربوبيته وإلهيته ، وأسمائه وصفاته العظام ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام ، ووقف بالمشاعر ، وطاف بالبيت الحرام ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام ،

أما بعد :

فإن الأمة الإسلامية أجمع ، تعيش بعد يومٍ أياماً شريفة ، وليالي فاضلة، وأزمنة عامرة بذكر الله تعالى وشكره ، وموسماً عظيماً من مواسم طاعة الله وعبادته ، يستكثرون فيها من العمل الصالح ، ويتنافسون فيها ، والسعيد من اغتنم تلك المواسم ، وأكثر فيها من الطاعات والصالحات ، وعما قريب أيها المسلمون ، نرى حجاج بيت الله الحرام ، يقفون هناك على عرفات ، في مشهد رائع من مشاهد العبودية ، يستمطرون رحمة الله ، ويستجبلون عفوه ومغفرته ، ويسألونه من فضله ، ويتوجهون إليه بالذكر والدعاء ، والاستغفار والمناجاة ، معترفين بالذل والعجز ، والفقر والمسكنة ، وفي يوم العيد ، يوم النحر ، الذي هو أكبر العيدين وأفضلهما ، يشترك المسلمون جميعاً في الفرح والسرور ، في جميع الأمصار ، من شهد الموسم منهم ، ومن لم يشهده ، وذلك لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة ، ولذلك شرع للجميع ، التقرب إلى الله بذبح الأضاحي وإراقة دماء القرابين ، فأهل الموسم ( المُحرمون ) يرمون الجمرة ، ويشرعون التحل من إحرامهم بالحج ، ويقضون تفثَهم ، ويوفون نذورهم ، ويقربّون قرابينهم ، ثم يطوفون بالبيت العتيق ، وأهلُ الأمصار ( المُحلون في بلدانهم ) يجتمعون على ذكر الله ، وتكبيره ، والصلاة له ، ثم يذبحون عقب ذلك نسكهم ، ويقرّبون قرابينهم ، بإراقة دماء ضحاياهم ، فيكون ذلك شكراً منهم لهذه النعم ، والعيد أيها الأحباب موسم الفرح والسرور ، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا ، إنما هو بخالقهم ومولاهم ، إذا فازوا بإكمال طاعته ، وحازوا ثواب أعمالهم بفضله ومغفرته ، كما قال تعالى : {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }يونس58.

معاشر المسلمين : حَريٌّ بنا أن نستقبل مواسم الخير عامة بالتوبة الصادقة النصوح ، وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي ، فإنّ الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربِّه ، وتحجب قلبه عن مولاه ، ومن عزم على شيء أعانه الله ، ومن صدق الله صدقه الله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69وكما في الذين عناهم الله عز وجل بقوله {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }الأنبياء90.

وقد فضل الله تعالى عشر ذي الحجة على غيرها من الأيام ، صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ما العمل في أيام العشر أفضلَ من هذه ، قالوا : ولا الجهاد ، قال : ولا الجهاد ، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ، فلم يرجع بشيء )) وفي رواية (( ما من عمل أزكى عند الله ، ولا أعظمُ أجراً من خير يعمله في عشر ذي الأضحى ، قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ، قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )) قال ابن عباس راوي الحديث (( فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر ، اجتهد اجتهاداً شديداً ، حتى ما يكادُ يُقدرُ عليه ) وُروي عن سعيد بن جبير أنه كان يقول : (( لا تُطفئوا سُرجكم ليالي العشر )) يشير إلى قيام الليل وقال مجاهد : ((العمل في العشر يضاعف )) قال الحافظ ابن رجب (( جميع الأعمال الصالحة مضاعفة في العشر من غير استثناء شيء منها )) وقال أيضاً : (( العمل في هذه الأيام العشر ، أفضل من العمل في أيام عشر غيرها )) وقال أيضاً : (( ويستثنى جهاداً واحداً هو أفضل الجهاد ، وهو أن يعقر جوادُه ويُهراق دمُه ) ونهار عشر ذي الحجة من الفجر إلى المغرب أفضل من نهار العشر الأواخر من رمضان ، وليالي العشر الأواخر من رمضان من المغرب إلى الفجر أفضل من ليالي العشر الأول من ذي الحجة ، واعلم أيها المؤمن أن فضيلة عشر ذي الحجة جاءت من أمور كثيرة ، فالله جلّ جلاله ، أقسم بها والعظيم لا يقسم إلا بعظيم {وَلَيَالٍ عَشْرٍ }الفجر2) قال تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ }الحج28والليالي والأيام في الآيتين هي عشر ذي الحجة ، بل هي أفضل أيام الدنيا ، صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( أفضل أيام الدنيا العشر يعني عشر ذي الحجة )) قيل ولا مثلهن في سبيل الله ، قال : (( ولا مثلهن في سبيل الله ، إلا رجل عُقِّر وجهه بالتراب )) ومن أسباب فضلها أن النبي صلى الله عليه وسلم حث فيها على العمل الصالح ، وذلك لشرف الزمان بالنسبة لأهل الأمصار ، وشرف المكان بالنسبة لحجاج بيت الحرام ، بل وخصَّ منها الإكثار من التسبيح والتحميد والتكبير ، ومن أسباب فضلها : أن فيها يوم عرفة ، ويومُ النحر ، وفيها الأضحية والحج ، فظهر بذلك جلياً أن السبب هو امتيازها باجتماع أمهات العبادة فيها وهي الذكر والدعاء ، والصلاة والصيام ، والحج والصدقة ، ولا يتأتى ذلك في غيرها .

أيها المسلمون : واجبنا جميعاً : استشعار هذه النعمة ، واغتنام هذه الفرصة ، فنخُّص العشر بمزيد عناية ، ولنُعظِّم هذه العشر فنُكثر فيها من العمل الصالح ، فمن لم يُمكنه الحج ، فعليه أن يعمر هذه الأوقات الفاضلة بطاعة الله تعالى وعبادته ، من الصلاة والقراءة ، والذكر والدعاء ، والصدقة والإنفاق في سبيل الله ، والشفقة بالضعفاء ورحمة الفقراء ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ، وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة ، ومما ينتهزه المسلم في هذه الأيام التوبة النصوح فلها في هذه الأيام شأن عظيم ، فأجرها مضاعف ، وإذا اجتمع لك توبة نصوح مع أعمالٍ فاضلة ، في أزمنة فاضلة ، فهذا عنوان الفلاح ، {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ }القصص67 فليحرص كل واحد منها ، على مواسم اخير ، فإنها سريعة الانقضاء ، فالثواب قليل ، والرحيل قريب ، والطريق ؟؟ والاغترار غالب ، والخطرُ عظيمٌ ، والناقدُ بصير ، والله تعالى بالمرصاد ، وإليه المرجع والمآب ، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }الزلزلة8.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ، فاستغفروه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .



الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، أتاح لعباده مواسم الخير ونوّعها ، ليتزودوا منها صالح الأعمال ، ويستدركوا ما يحصلُ فيها من الغفلة ، والإهمال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الكبير المتعال ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ، خير صحبٍ وآل ، وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد .

فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : (( ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )) وفي لفظ (( فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير )) وهكذا كان الصحبُ الكرام يخرجون إلى الأسواق فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم و التكبير في الأضحى سنة بالاتفاق ، في المساجد والأسواق والمنازل والطرقات ، وكل موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى ، يجهر به الرجال ، وتخفيه المرأة ، إظهاراً للعبادة ، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى ، وهو لا يتقيد بمكان ، حتى في الأسواق وعلى الفراش ، وأثناء المشي ، ولا يتقيد بزمان ، فيؤتىَ به في الليل والنهار ، والسفر والحضر ، ولا يتقيد بشخص ، فيأتي به الرجال والنساء ،و المميزين والبالغين ، ولا يتقيد بحال ، فيأتي به قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً ، أو راكباً أو محمولاً ، أو على غير طهارة ،يبدأ به الإنسان من فجر اليوم الأول في ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق ، مغرب اليوم الثالث عشر . ولا نص فيه يقال ،(( فابن مسعود كان يقول : « الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد » وابن عباس كان يقول : (( الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر وأجل ، الله أكبر على ما هدانا )) وكان سلمان الخير يقول : (( الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً )) فينبغي إحياء هذه السنة المهجورة ، تذكيراً للغافلين ، وتعليماً للجاهلين ، ومن الأعمال الفاضلة في هذه الأيام ، صيام يوم عرفة ، صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفِّر السنة التي قبله والتي بعده ) فصيامه كفارة ذنوب سنتين ، وهو سنة لمن لم يحج ، أما من حجِّ ووقف بعرفة فيُكره ذلك له ، والله تعالى ، مُنعم مُتفضّل ، له أن يتفضل بما شاء ، على من يشاء ، فيما شاء من الأعمال ، لا معقب لحكمه ، ولا رادَّ لفضله ، ومما ينبغي التنبيه إليه أنّ من أراد الحج و حجِّ فالسنة له ألا يضحي ولا يُوكل أحداً يضحي عنه في بلده ، ويكتفي الحاجُ بذبح الهدي في مكة ، وإذا لم يحجَّ فالسنة له أن يُضحّي ومن عزم على الأضحية فالسنة له أن يُمسك عن حلق شعره وتقليم ظفره ، تشبهاً بالمحرمين ، )) هذا وصلوا وسلموا على من بلغ .




موقع الشيخ
http://www.aljmaz.net/index.php
المشاهدات 2805 | التعليقات 0