خطبة : ( أغيثوا إخوانكم في السودان )

عبدالله البصري
1444/10/21 - 2023/05/11 15:04PM
أغيثوا إخوانكم في السودان   22/ 10/ 1444  
 
 
الخطبة الأولى :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجعَل لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ . وَإِذْ يَمكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثبِتُوكَ أَو يَقتُلُوكَ أَو يُخرِجُوكَ وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ المَاكِرِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن أَعظَمِ مَا امتَنَّ اللهُ تَعَالى بِهِ عَلَى النَّاسِ أَن جَعَلَ في الأَرضِ حَرَمًا آمِنًا ، يَعِيشُ مَن فِيهِ مِن أَهلِهِ وَمَن أَتَاهُ وَمَن قَامَ عَلَيهِ في أَمنٍ وَسَعَةٍ وَرِزقٍ ، وَالنَّاسُ مِن حَولِهِم يُتَخَطَّفُونَ وَيُخَافُونَ وَيُرَوَّعُونَ ، لا تَكَادُ تَستَقِرُّ لَهُم حَالٌ وَلا يَطمَئِنُّ لَهُم بَالٌ ، إِلاَّ وَتُبعَثُ لَهُم فِتَنٌ وَقَلاقِلُ وَيُزَعزَعُونَ ، قَالَ تَعَالى : " أَوَلم يَرَوا أَنَّا جَعَلنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِن حَولِهِم أَفَبِالبَاطِلِ يُؤمِنُونَ وَبِنِعمَةِ اللهِ يَكفُرُونَ " نَعَم أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَعِيشُ المُسلِمُونَ في بِلادِ الحَرَمَينِ في أَمنٍ وَأَمَانٍ وَعَافِيَةٍ وَاطمِئنَانٍ ، وَتُجبَى إِلَيهِم ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ رِزقًا مِن عِندِ اللهِ ، وَهَا هِيَ البُلدَانُ مِن حَولِهِم تَعِيشُ في حُرُوبٍ وَفِتَنٍ وَقَلاقِلَ ، وَمُوَاجَهَاتٍ عَسكَرِيَّةٍ وَتَطَاحُنٍ وَتَقَاتُلٍ ، في أَوضَاعٍ مُؤسِفَةٍ وَأَحوَالٍ مُحزِنَةٍ ، يَقتُلُ فِيهَا المُسلِمُ أَخَاهُ المُسلِمَ ، وَيُرَوِّعُ فِيهَا القَوِيُّ الضَّعِيفَ ، وَيَقهَرُ المُتَمَكِّنُ مِنهُم مَن غُلِبَ عَلَى أَمرِهِ ، وَيَسعَى المَدعُومُ مِنَ الأَعدَاءِ إِلى الإِفسَادِ وَيَعِيثُ في بَلَدِهِ فَسَادًا وَيَزدَادُ عِنَادًا ، وَيَستَغِلُّ الأَعدَاءُ مَا يَجرِي بَينَ المُسلِمِينَ مِن خِلافٍ ، لِيُوقِعُوا بَينَهُم العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ ، فَيُفسِدُوا عَلَيهِم دِينَهُم وَدُنيَاهُم ، وَيَنهَبُوا خَيرَاتِ بُلدَانِهِم وَيَسرِقُوا مُقَدَّرَاتِهَا ، وَلِيَستَولُوا عَلَى مَا فِيهَا مِن ثَرَوَاتٍ وَيُفقِرُوا شُعُوبَهَا . كَانَت فِلِسطِينُ عَلَى مَدَى عَشَرَاتِ السِّنِينَ وَمَا زَالَت مَسرَحًا لِعَبَثِ اليَهُودِ وَاعتِدَاءَاتِهِم وَظُلمِهِم ، ثم دَخَلَ النَّصَارَى في كَثِيرٍ مِنَ البُلدَانِ بِتَدبِيرٍ بَعَيدِ المَدَى وَتَخطِيطٍ مَاكِرٍ ، وَدَسَائِسَ نَاعِمَةٍ وَخِدَاعٍ خَفِيٍّ وَظَاهِرٍ ، فَدَمَّرُوا العِرَاقَ وَنَهَبُوهَا ، وَعَاثُوا في الشَّامِ وَأَفسَدُوهَا ، وَأَوقَعُوا بَينَ الإِخوَةِ في شَمَالِ أَفرِيقِيَّةَ ، وَهَا هُم هَذَا العَامَ يَنقُلُونَ الصِّرَاعَ إِلى السُّودَانِ ، بَعدَ أَن عَمِلُوا عَلَى مَدَى سَنَوَاتٍ فَفَصَلُوا جَنُوبَهَا وَسَلَّمُوهُ لِلنَّصَارَى ، وَقَسَّمُوا بَقِيَّةَ أَقَالِيمِهَا بَينَ قُوًى مُتَنَافِرَةٍ وَأَحزَابٍ مُتَنَاحِرَةٍ ، وَمَا زَالُوا بِهِم حَتَّى تَنَاوَشَ بَعضُهُم بَعضًا ، وَامتَلأَت صُدُورُهُم حِقدًا وَبُغضًا ، فَتَقَاتَلُوا وَسَفَكُوا الدَّمَ الحَرَامَ في شَهرِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ ، وَمَا زَالَتِ السُّودَانُ تُعَاني مِنَ التَّخرِيبِ وَالإِجرَامِ ، فَرُحمَاكَ اللَّهُمَّ بِهِم رُحمَاكَ ، وَمُنَّ اللَّهُمَّ عَلَيهِم بِالاجتِمَاعِ وَالائتِلافِ  . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد عَمِلَ وُلاةُ أَمرِنَا حَفِظَهُمُ اللهُ في مُحَاوَلاتٍ جَادَّةٍ لإِصلاحِ أَوضَاعِ إِخوَانِنَا في السُّودَانِ ، وَمَا زَالُوا يَعمَلُونَ وَيَجتَهِدُونَ لإِخمَادِ نَارِ الفِتنَةِ ، وَيَسعَونَ لِتَقرِيبِ وُجهَاتِ النَّظرِ ، وَيَبذُلُونَ الكَثِيرَ في حِمَايَةِ النَّاسِ وَتَخلِيصِ رَعَايَا الدُّوَلِ الأُخرَى مُسلِمَةً وَعَرَبِيَّةً وَغَيرَهَا ، وَيُسَاعِدُونَ في نَقلِهِم إِلى بَرِّ الأَمَانِ وَانتِشَالِهِم مِن بُؤَرِ القِتَالِ وَالعُدوَانِ ، وَهَا هِيَ ذِي آخِرُ مُبَادَرَاتِهِمُ الكَرِيمَةِ ، تَظهَرُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ خَادِمُ الحَرَمَينِ وَوَليُّ عَهدِهِ حَفِظَهُمَا اللهُ ، مِن تَنظِيمِ حَملَةٍ شَعبِيَّةٍ لإِغَاثَةِ إِخوَانِنَا في السُّودَانِ ، وَاستِقبَالِ تَبَرُّعَاتِ إِخوَتِهِم في هَذِهِ البِلادِ عَن طَرِيقِ مِنَصَّةِ (سَاهِم) ، فَجَزَاهُمُ اللهُ خَيرًا ، وَكَتَبَ لَهُم مَا يَبذُلُونَهُ ثَوَابًا وَأَجرًا ، وَجَعَلَهُ حِفظًا لِلبِلادِ وَبَرَكَةً في العِبَادِ ، وَالحَمدُ للهِ الَّذِي أَعَانَهُم وَوَفَّقَهُم وَدَلَّهُم عَلَى فِعلِ الخَيرِ ؛ فَإِنَّ الخَيرَ لا يَأتي إِلاَّ بِخَيرٍ ، وَلَيسَ لإِحسَانِ المُؤمِنِ لأَخِيهِ جَزَاءٌ إِلاَّ إِحسَانُ اللهِ إِلَيهِ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلْنَعلَمْ أَنَّ الصِّرَاعَ بَينَ إِخوَانِنَا في السُّودَانِ ، إِنَّمَا هُوَ حَربٌ لِتَقسِيمِ المُقَسَّمِ وَإِضعَافِ الضَّعِيفِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِنَ الوَاجِبِ عَلَينَا أَن نَحزَنَ لِحُزنِهِم وَنَتَأَلَّمَ لآلامِهِم ، وَأَن تَلهَجَ الأَلسِنَةُ بِالدُّعَاءِ بِأَن يُفَرِّجَ اللهُ هَمَّهُم ويُنَفِّسَ كُربَتَهُم ، وَأَن يُؤَلِّفَ بَينَهُم وَيَبسُطَ الأَمنَ في دِيَارِهِم وَيَجمَعَ عَلَى الحَقِّ كَلِمَتَهُم ، وَأَن تَمتَدَّ أَيدِينَا بِالعَطَاءِ استِجَابَةً لأَمرِ اللهِ وَأَمرِ رَسُولِهِ ، وَتَنفِيذًا لِدَعوَةِ وَليِّ الأَمرِ لِنُصرَةِ إِخوَانِنَا وَإِغَاثَتِهِم وَتَفرِيجِ كُربَتِهِم " وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ فَلأَنفُسِكُم  "" وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هُوَ خَيرًا وَأَعظَمَ أَجرًا " " قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَيَقدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ"  
 
 
 
 
الخطبة الثانية :  
 
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المُسلِمِينَ وَقَدِ انطَوَت قُلُوبُهُم عَلَى أُخُوَّةِ الإِسلامِ ، وَانعَقَدَت فِيمَا بَينَهُم رَابِطَةُ الإِيمَانِ ، قَد أَصبَحُوا جَسَدًا وَاحِدًا مُتَمَاسِكًا ، يَشعُرُ مَن في المَشرِقِ مِنهُ أَوِ الشِّمَالِ بِأَخِيهِ في المَغرِبِ أَوِ الجَنُوبِ ، وَيَأنَسُ إِلَيهِ وَيَفرَحُ لِفَرَحِهِ وَيَسعَدُ لِسَعَادَتِهِ وَيُشَارِكُهُ فِيمَا يَسُرُّهُ ، وَيَخَافُ عَلَيهِ وَيَحزَنُ لِحُزنِهِ وَيَتَأَلَّمُ لآلامِهِ وَيُوجِعُهُ مَا يَضُرُّهُ ، إِنَّهَا قُوَّةٌ مَعنَوِيَّةٌ وَشُعُورٌ نَفسِيٌّ عَمِيقٌ ، وَعَاطِفَةٌ جَيَّاشَةٌ وَمَحَبَّةٌ صَادِقَةٌ ، يَنتُجُ عَنهَا إِيثَارٌ وَرَحمَةٌ ، وَتَكَافُلٌ وَإِعَانَةٌ وَنُصرَةٌ ، وَمَدٌ لِيَدِ العَونِ إِلى المُحتَاجِ وَتَعَاوُنٌ لِرَفعِ الظُّلمِ عَنِ المُستَضعَفِ ، ذَلِكُم هُوَ المِيزَانُ وَالمِقيَاسُ لِمَدَى اهتِمَامِ المُسلِمِ بِأَخِيهِ وَشُعُورِهِ بِمَا يُصِيبُهُ ، وَأَمَّا أَن يَخبُوَ هَذَا الاهتِمَامُ أَو يَزُولَ ، أَو يَبرُدَ ذَلِكَ الشُّعُورُ وَيَخمُدَ ، وَيَكُونَ المَرءُ في صَفِّ غَيرِ المُسلِمِينَ أَو يَفرَحَ بِمُصَابِهِم ، فَأَينَ مِنهُ الإِسلامُ وَأَينَ هُوَ مِنَ الإِسلامِ ؟! قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ ، وَمَن كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا " وَشَبَّكَ بَينَ أَصَابِعِهِ . وَفي الصَّحِيحَينِ أَيضًا قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " تَرَى المُؤمِنِينَ في تراحُمِهِم وَتَوَادِّهِم وَتَعَاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ إِذَا اشتَكَى عُضوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى " وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . فَبَادِرُوا إِخوَةَ الإِسلامِ إِلى المُسَاهَمَةِ بِمَا تَجِدُونَهُ وَتَجُودُونَ بِهِ ، وَأَخلِصُوا فِيهِ النِّيَّةَ للهِ ، وَابتَغُوا بِهِ وَجهَهُ وَاطلُبُوا الأَجرَ مِن عِندِهِ ، وَأَبشِرُوا بِالخَلَفِ مِن رَبِّكُم " وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ فَلِأَنفُسِكُم وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابتِغَاءَ وَجهِ اللهِ وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمُونَ "
المرفقات

1683806610_أغيثوا إخوانكم في السودان.docx

1683806621_أغيثوا إخوانكم في السودان.pdf

المشاهدات 1955 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا