خطبة (أَشَدُّ حَرًّا)

تركي بن عبدالله الميمان
1445/01/08 - 2023/07/26 22:08PM

أشَدُّ حَرًّا

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَالَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُون، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِرَاجِعُوْن! ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِثُمَّ تَوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.

عِبَادَ الله: مِنْ حِكْمَةِ اللهِﷻ؛ تَقَلُّبُ الفُصُولِ، مَابَيْنَ بَرْدٍ وحَرٍّ، وَجَدْبٍوَمَطَرٍ، وَطُوْلٍ وَقِصَرٍ! ﴿يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ﴾.

وَهَا هُوَ الصَّيْفُ: قَدْأَقْبَلَ بِحَرِّهِ وحَرُوْرِهِ؛لِيُذَكِّرَنَا بَآيَةٍ مِنْآيَاتِ اللهِ السَّاطِعَةِ، وحِكَمِهِ البَاهِرَةِ!  

وَفِي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ

تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ!

وَفِي الصَّيْفِ: مَصَالِحُلِلْعِبَادِ؛ وَحِكْمَةٌ مِنْ رَبِّ العِبَادِ!

يَقُوْلُ ابْنُ القَيِّم: (وَفِي الصَّيفِ: يَحْتَدُّالهَوَاءُ ويَسْخُنُ؛ فَتَنْضُجُ الثِّمَارُ،وتَنْحَلُّ فَضَلَاتُالأَبْدَانِ).

وَفِي الصَّيْفِ تَذْكِيْرٌ بِنِعْمَةِ اللهِ: مِنَ الظِّلَالِالوَارِفَةِ، والثِّيَابِالوَاقِيَة، والمُكَيّفَاتِالبَارِدَةِ! قال تعالى:﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَتَقِيكُمُ الحَرَّ﴾. قالَ ابْنُكَثِير: (السَّرَابِيْلُ: هِيَ الثِّيَابُ مِنَ القُطْنِ وَالكَتَّانِ وَالصُّوفِ).

وَحَرَارَةُ الصَّيْفِ؛ بَلاءٌومَشَقَّةٌ، وَالبَلاءُ يُقَابَلُ بالصَّبْرِ والاِحْتِسَابِ، مَعَ دَفْعِهِ بِالأَسْبَابِ.

وَحِيْنَ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺإلى غَزْوَةِ تَبُوْك، وَكَانَتْفي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَسَفَرٍ بَعِيْدٍ؛ تَوَاصَى المُنَافِقُونَ بَيْنَهُم،﴿وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الحَرِّ﴾؛ فَجَاءَ الرَّدُّالمُزَلْزِلُ مِنَ اللهِ عز وجل:﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا﴾.

والمُؤْمِنُوْنُ يَخْرُجُونَ إلى المَسْجِدِ، والشَّمْسُ تَلْفَحُ وُجُوْهَهُم؛ لِأَنَّهُم﴿يَخَافُوْنَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيْهِ الأَبْصَارُ﴾، وَيَخَافُوْنَأَنْ تَلْفَحَ وُجُوْهَهُمُ النَّارُ!

وَمِنْ حَسَنَاتِ الصَّيْفِ:صِيَامُ الهَوَاجِر!يَقُوْلُ أَبُوْ الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: (صُوْمُوا يَوْمًا شَدِيدًا حَرُّهُ؛ لِحَرِّيَوْمِ النُّشُورِ.وَصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ؛ لِظُلْمَةِالقُبُوْرِ!).

وَبَكَى بَعْضُ السَّلَفِحِيْنَ مَوْتَهِ؛ فَقِيلَ: (مَا يُبْكِيكَ؟) فقال: (مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ المَوْتِ، وَلَا حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى ظَمَأِ الهَوَاجِرِ، وَقِيَامِ لَيَالِيالشِّتَاءِ!).

وَمِنْ حَسَنَاتِ الصَّيْفِ: سَقْيُ المَاءِ؛ سُئِلَ النبيُّ ﷺ: (أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟) فقال:(سَقْيُ المَاءِ). يقول بَعْضُالتَّابِعِيْنَ: (مَنْ كَثُرَتْذنُوبُه؛ فَعَلَيهِ بِسَقْيِ المَاءِ، فَإِذا غُفِرَتْ ذنُوبُ الَّذِي سَقَى كَلْبًا؛ فَمَا ظَنُّكُمْ بِمَنْ سَقَى مُؤْمِنًا مُوَحِّدًا!).

وَجَاءَ الصَّيْفُ؛ لِيُذَكِّرَنَا بِـ(حَرِّ جَهَنَّمَ!)؛ قالﷺ: (اِشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فقالت: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا؛ فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ!).

وَالصَّدَقَةُ: تَقِيْ مِنْ حَرِّ يَوْمِ القِيَامَةِ؛ فَـ(كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ؛حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ). وقال ﷺ: (مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ حَرَّ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ؛ فَلْيَفْعَلْ).

وَعِنْدَمَا يَتَقَاطَرُ مِنْكَ العَرَقُ؛ بِسَبَبِ الشَّمْسِ،-وَبَينْكَ وَبَيْنَهَا أَمَدًا بَعِيْدًا-؛ فَتَذَكَّرْ أَنَّه (تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ! فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ!).قال ابنُ عَبْدِ البَر: (مَنْ كَانَ فِي ظِلِّ اللهِ -يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ-؛ نَجَا مَنْ هَوْلِ ذَلِكَ المَوْقِفِ!).

وَعِنْدَمَا تَغْتَسِلُ بِالمَاءِ؛لِتَنْظِيْفِ جِسْمِكَ مِنْ أَثَرِالحَرِّ؛ فَلَا تَنْسَ أَنْ تَغْتَسِلَ بِمَاءِ التَّوْبَةِ؛لِتَنْظِيْفِ قَلْبِكَ مِنْ حَرَارَةِ الذُّنُوْبِ وَأَوْسَاخِهَا! فَاللهُ ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾. وَمِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ: (اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَالمَاءِ الْبَارِدِ).   

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

الخُطْبَةُ الثانية

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًاعَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِذَا كُنَّا نَهْرُبُمِنْ حَرِّ الدُّنْيَا؛ فَهَلْهَرَبْنَا مِنْ حَرِّ الآخِرَةِ؟فَهِيَ أَوْلَى بِالهُرُوْبِ!

تَفِرُّ مِنَ الهَجِيرِ وَتَتَّقِيهِ

فَهَلَّا مِنْ جَهَنَّمَ قَدْ فَرَرْتَا

وَلَسْتَ تُطِيقُ أَهْوَنَهَا عَذَابًا

 وَلَوْ كُنْتَ الحَدِيْدَ بِهَا لَذُبْتَا!

وَحِيْنَمَا تَشْرَبُ الماءَ البَارِدَ؛ تَذَكَّرْ أُمْنِيَةَ أَهْلِ النَّارِ، وَتَوَسُّلَهُمْ لِأَهْلِالجَنَّةِ -حِينَ يَقُوْلُوْنَ-:﴿أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله﴾. فَيُجِيْبُهُمْ (أَهْلُ الجَنِّةِ) قَائِلِيْنَ: ﴿إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.

وَتَذَكَّرَوا بِهَذَا الحَرِّ؛نَعِيْمَ أَهْلِ الجَنَّةِ! قال عز وجل: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾. قال ابْنُكَثِيْر: (أَيْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ حَرٌّ مُزْعِجٌ، وَلَا بَرْدٌ مُؤْلِمٌ، بَلْ هِيَ مِزَاجٌ وَاحِدٌ، دَائِمٌ سَرْمَدِيٌّ، لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا).

*******

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

1690437280_أَشَدُّ حَرًّا (للهاتف).pdf

1690437326_أَشَدُّ حَرًّا (للطباعة).pdf

المشاهدات 851 | التعليقات 0