خطبة أسباب عذاب القبر وموانعه

عبدالله بن رجا الروقي
1440/11/22 - 2019/07/25 19:09PM

خطبة أسباب عذاب القبر وموانعه.


...أما بعد فإن مما يعتقده ويؤمن به المسلمون مادلت عليه الآيات والأحاديث مما يكون بعد الموت من عذاب القبر، ولِشدة هول هذا العذاب فإننا نستعيذ منه في كل صلاة كما جاء عن النبي ﷺ.
ولهذا العذاب أسباب فمنها:
الشرك بالله والكفر به:
قال الله تعالى عن آل فرعون : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )
فآل فرعون ومنهم فرعون نفسه يعذبون في قبورهم صباحاً ومساءً ولهذا كان ابوهريرة رضي الله إذا أصبح قال: لاإله إلا الله عُرض آل فرعون على النار وإذا أمسى قال مثل ذلك.

وقد خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذات يوم بعدما غربتِ الشمسُ . فسمع صوتًا . فقال " يهودٌ تُعذَّبُ في قبورها " . متفق عليه

وكذلك يعذب المنافقون :
قال الله تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ )
قال بعض المفسرين في قوله تعالى (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) : إحداهما في الدنيا ، والأخرى هي عذاب القبر .

ومن أسباب عذاب القبر عدم الاستبراء من البول، وكذلك المشي بين الناس بالنميمة.
فقد مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ : إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. متفق عليه.
وعدم الاستبراء من البول هو تركُ التحرزِ والتطهرِ منه؛ فلا يبالي بما أصابه من رشاش البول وكذا لا يتطهر منه بعد فراغه فهذا من كبائر الذنوب
وكذلك النميمة من الكبائر وهي نقل كلام الناس في بعضهم على جهة الإفساد بينهم ، وقد قال النبي ﷺ : لايدخل الجنة قتات. رواه مسلم .
والقتات هو النمام.

ومن أسباب عذاب القبر الكـذب الذي ينتشر بين الناس :
ففي صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رأى رؤيا وفيها قوله : ( فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ ، قَالَ : ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . قَالَ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا هَذَانِ ؟
ثم قال عن هذا المُعذَّب في آخر الحديث : إنه الرجل يغدو من بيته ، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. رواه البخاري.
قوله ﷺ فيُشرشِر : أي يُقطِّعُ شدقَه.
والشدق : جانب الفم.
فليحذر الذين يختلقون الشائعات ثم ينشرونها بين الناس عبر هذه التقنيات الحديثة التي تبلغ الكذبة بسببها الآفاق ليحذر هؤلاء من هذا الوعيد الشديد،وليتقوا الله في أنفسهم وفي المسلمين.

ومن أسباب عذاب القبر تركُ العمل بالقرآن بعد تعلُّمه ، والنومُ عن الصلاة المكتوبة:
ففي حديث الرؤيا السابق قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ ، فَيَتَدَهْدَه الْحَجَرُ هَا هُنَا فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا هَذَانِ ؟
وفيه : ( والذي رأيته يُشْدَخ رأسُه فرجل علمه الله القُرْآن ، فنام عنه بالليل ، ولم يعمل به بالنهار ) .
(يثلغ رأسه) : أي يشدخه ويشقه .
(يتدهده) : أي يتدحرج .

وفي رواية : ( أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ ) رواه البخاري.


ومن أسباب عذاب القبر أكلُ الربا:
ففي الحديث السابق قَالَ رسول الله ﷺ : "فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً ، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا " إلى أن قال : " وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا "

ومن أسباب عذاب القبر الزنا :
ففي الحديث السابق أن رسول الله ﷺ قال : "فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ، قَالَ : فَاطَّلَعْنَا فِيهِ ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا [ أي : صاحوا] قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَؤُلَاءِ ؟" وفي آخره : "وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي " .


ومن أسباب عذاب القبر الكِبْرُ والعُجبُ بالنفس، ومن ذلك جرُّ الثوب خيلاء:
قال صلى الله عليه وسلم: ينما رجل يجرُّ إزارَه من الخيلاء خُسف به ، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة. رواه البخاري.

ومن أسباب عذاب القبر حبسُ الحيوانِ وتعذيبُه: قال صلى الله عليه وسلم :
"رَأَيْتُ فِيهَا [أي النار] صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا" رواه مسلم.
وإذا كان ظلم الحيوان سبباً للعذاب فكيف بظلم المسلمين ففي ذلك التحذير من الظلم وإن قل .
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

...أما بعد فقد تقدم ذكر شيء من أسباب عذاب القبر فكان لِزاما على كل إنسان أن يسعى في نجاته من هذا العذاب بالعمل بالأسباب المُنجية من عذاب القبر فمن ذلك تركُ المحرمات والإكثارُ من الأعمال الصالحات، قال تعالى: {ومن عمل صالحًا فلأنفسهم يَمْهَدُون}
قال بعض السلف: في القبر، يعني: أن العمل الصالح يكون مهادا لأصحابه في القبر، حيث لا يكون للعبد من متاع الدنيا فراشٌ ولا وسادٌ ولامهادٌ، بل كل عامل يفترش عملَه ويتوسده من خير أو شر.

ومن أسباب النجاة من عذاب القبر الإحسانُ إلى الخلق قال رسول الله ﷺ بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئرًا فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ فقالَ الرَّجُلُ لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي فنزلَ البئرَ فملا خفَّهُ ثم أمسَكهُ بفيهِ فسقى الكلبَ فشكرَ اللَّهُ لهُ فغفرَ لهُ قالوا يا رسولَ اللَّهِ وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ. رواه البخاري.
فإذا كان هذا الرجل غفر الله بسبب إحسانه إلى كلب فكيف بمن أحسن إلى مسلم.

ومما يُنجي من عذاب القبر قراءة سورة المُلك كل ليلة قال صلى الله عليه وسلم:
"إن سورة من القرآن، ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: {تبارك الذي بيده الملك} "
رواه ابوداود والترمذي.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : من قرأ {تبارك الذي بيده الملك} كل ليلة منعه الله بها من عذاب القبر، وكنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسميها المانعة.

وفي فتاوى اللجنة الدائمة قولهم عن هذه السورة: "وعلى هذا يُرجى لمن آمن بهذه السورة وحافظ على قراءتها ، ابتغاءَ وجه الله ، معتبراً بما فيها من العبر والمواعظ ، عاملاً بما فيها من أحكام أن تشفع له "ا.هـ

ومن أسباب النجاة من عذاب القبر كثرةُ الاستعاذةِ منه في الصلاة وفي غيرها فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ : لولا أن لا تدافنوا ، لدعوتُ اللهَ أن يُسمعكم من عذابِ القبرِ الذي أسمعُ منهُ " ثم أقبل علينا بوجهِه ، فقال " تعوَّذوا باللهِ من عذابِ النارِ " قالوا : نعوذُ باللهِ من عذابِ النارِ . فقال " تعوَّذوا باللهِ من عذابِ القبرِ " قالوا : نعوذُ باللهِ من عذابِ القبرِ . رواه مسلم.

اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر ، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر.....

المشاهدات 3049 | التعليقات 0