خطبة أسباب إنشراح الصدور

سعيد الشهراني
1446/02/24 - 2024/08/28 13:48PM

الخطبة الأولى :

الْحَمْدُ للهِ الذِي شَرَحَ صَدْرَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْهِدَايَةِ بِرَحْمَتِه، وَأَضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ مَنْ شَاءَ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِه، وأَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورسُولُهُ،صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمَاً كثَيراً .

أَمَّا بَعْدُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ .

عباد الله: يشتكي كثير من الناس في هذه الأيام من ضِيقَ الصَّدْرِ وَالْقَلَقِ وَالأَرَقِ، وَتَنَغَّصَتْ حَيَاةُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِسَبَبِها , فَصَارَ الإِنْسَانُ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ حَبِيسَ الْهَوَاجِسِ وَالْوَسَاوِسِ ، أَسِيرَاً لِكَيْدِ الشَّيْطَانِ ، مُرْتَهِنَاً بِقُوَّةِ تَلْبِيسِهِ عَلَيْهِ ! حَتَّى كَثُرَتِ العَيَادَاتِ النَّفْسِيَّةِ , وَتَنَوْعَتِ العَقَاقِيرُ الطِبِّيَةُ لِعَلَاجِ هَذِهِ الحَالَةِ الْمُسْتَعْصِيَةَ، وَالنَّتِيجَةُ أَنَّ هَذِهَ الْحُلُولُ مُؤَقَّتَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ، وَيَبْقَى طَولَ حَيَاتِهِ تَحْتَ تَأْثِيرِ الْمُهَدِّئَاتِ الطِبِّيَةِ وَالعِلَاجَاتِ الوَقْتِيَة !

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نَتَطَرَّقُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى لِبَعْضِ الأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى انْشِرَاحِ الصَّدرِ وَهَنَاءِ العَيْشِ وَسَعَادَةِ القَلْبِ ومنها :

السبب الأول: فَأَعْظَمُ سَبَبٍ لِطِيْبِ الحَيَاةِ تَوْحِيدُ اللهِ تَعَالَى : وُذَلِكَ بِحُسْنِ الاعْتِقَادِ وَصِحْةِ العَمَل ، فَالتَّوْحِيْدُ أَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الخَالِقُ لِهَذَا الكَوْنِ والْمُدَبِّرُ لَهُ وَالْمَالِكُ لِكُلَّ شَيء ، وتُقِرُّ بَأَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ العُلْيَا ، وأَنْ تَصْرِفَ جَمِيعَ عِبَادَاتِكَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ مَنْ سِوَاه ، َقَالَ الله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) فَعَلَى حَسَبِ كَمَالِ تَوْحِيدِك وَقُوَّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِك وَرَاحَتِه .

السَّبَبُ الثَّانِي: الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ : فَالْعِلْمُ يُوَسِّعُ الصَّدْرَ وَيَشْرَحُهُ، وَالْجَهْلُ يُورِّثُهُ الضِّيقَ وَالْحَصْرَ وَالْحَبْسَ ، فَالْعِلْمُ النَّافِعُ يجعل المسلم من أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرَاً، وَأَوْسَعُهُمْ قُلُوبَاً، وَأَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقاً، وَأَطْيَبُهُمْ عَيْشَاً .

السَّبَبُ الثَّالِثُ: ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى وَكَثْرَةُ الدُّعَاءِ : فَيَا مَنْ ضَاقَ صَدْرُهُ وَتَكَدَّرَ أَمْرُهُ ، ارْفَعْ أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ إِلَى مَوْلاكَ ، وَبُثَّ إِلَيْهِ حُزْنُكَ وَشَكْوَاكَ ، وَاذْرِفِ الدَّمْعَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ أَرْحَمُ بِكَ مِنْ أُمِّكَ وَأَبِيكَ , فَأَكْثِرْ دُعَاءَهُ لا سِيَّمَا فِي السُّجُودِ , فَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَأَخُصُّ بِذَلِكَ الأَدْعِيَةَ الوَارِدَةَ فِي هَذَا الشَّأْنِ , مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ الصَّحَيحَةِ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَمِنْهَا أَنْ تَقُولَ :(لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيم ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

السَّبَبُ الرَّابِعُ: الْمُبَادَرَةُ إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ :إِنَّ الْمَعْصِيَةَ ذُلٌّ وَطَرْدٌ ، وَإِبْعَادٌ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى، وَهَمٌّ وَغَمٌّ وَضِيقُ صَدْرٍ. فَبَادِرْ أخي المسلم إِلَى إِصْلَاحِ أَمْرِكَ , وَاصْدُقِ التَّوْبَةَ مَعَ رَبِّكَ ، وَاغْتَنِمْ حَيَاتَكَ قَبْلَ الْمَوْتُ ، فَجَاهِدْ نَفْسَكَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّكَ ، وَسَتَرَى بِإِذْنِ اللهِ مَا يَشْرَحُ صَدْرَكَ وَيُنِيرُ قَلْبَكَ قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) .

بارك الله لي ولكم في القران العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الأيات والذكر الحكيم

 أَقُولُ قَوْلِي هذا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ, وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ واعلموا أن من الأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى انْشِرَاحِ الصَّدرِ وَهَنَاءِ العَيْشِ وَسَعَادَةِ القَلْبِ :

السَّبَبُ الْخَامِسُ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ وَالتَّزَوُّدُ مِنَ النَّوَافِلِ فَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى فَرَائِضِ اللهِ وَالإِكْثَارُ مِنَ السُّنَنِ مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ لَكَ , فَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ أَسْعَدَكَ ، ومن النوافل قِيَامُ اللَّيْلِ وَالوِتْرِ , وَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلاةُ الضُّحَى وَكَثْرَةُ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وغيرها من العبادات .

السَّبَبَ السَّادِسُ: لانْشِرَاحِ الصَّدْرِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ : وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ فِي جَلاءِ الأَحْزَانِ وَذَهَابِ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ ، فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ تُورِثُ الْعَبْدَ طُمَأْنِينَةَ الْقُلُوبِ، وَانْشِرَاحَاً فِي الصُّدُورِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) فَاجْعَلْ لَكَ وِرْدَاً تَقْرَأُهُ كُلَّ يَوْمٍ لا تُخِلُّ بِهِ وستجد أثر ذلك في حياتك وسعادتك .

السَّبَبُ السابع: الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ : وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَشْرَحُ اللهُ بِهِ صَدْرَكَ أَنْ تَرْضَى بِالْمَصَائِبِ التِي تَحِلُّ بِكَ ،وَتَصْبِرَ عَلَى أَلَمِهَا ، فَإِنْ تَسَخَّطْتَ حَلَّ بِكَ الْهَمُّ وَنَزَلَ بِكَ الْغَمُّ ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنَ الْمُصِيبَةِ شَيْء، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عَجَباً لأَمْرِ المُؤمنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ للمُؤْمِن : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، فَارْضَ أخي المسلم  بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ طَيِّبَ النَّفْسِ هَادِئَ الْبَالِ ، وَإِيَّاكَ وَالتَّطَلُّعُ لِمَا فِي أَيْدِي الآخَرِينَ فَتَشْقَى وَلا تُحَصِّلْ شَيْئَاً , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) ، فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ , وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ , وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ , وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ برحمتك ياأرحم الرحمين .

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد ...

المشاهدات 245 | التعليقات 1

هذه الخطبة مختصرة من خطبة الشيخ محمد مبارك الشرافي جزاه الله خيرا