خطبة: أثقلُ شيءٍ في الميزان

وليد بن محمد العباد
1444/02/12 - 2022/09/08 15:04PM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: أثقلُ شيءٍ في الميزان

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله

لقد بعثَ اللهُ نبيَّه محمّدًا صلى اللهُ عليه وسلمَ لدعوةِ النّاسِ إلى عبادةِ اللهِ وحدَه، ولحثِّهم على حُسنِ المعاملةِ والأخلاقِ الحسنة، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: إنّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ. وكانَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ أحسنَ النّاسِ خُلُقًا، حتى وصفَه ربُّه جلَّ وعلا بقولِه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) إنّ حُسْنَ الخُلُقِ توفيقٌ من الرّحمن، وهِبَةٌ من المنّان، به تأتلفُ القلوبُ وتَسعَدُ النّفوسُ وتَنشرحُ الصّدورُ وتَطيبُ الحياة (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وقالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: إِنَّكُم لن تَسَعوا النَّاسَ بأموالِكم، وَلَكِنْ يَسَعُهم مِنْكُم بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسنُ الْخُلُق. فما أحرانا أنْ نتحلّى بالأخلاقِ الحسنة، فإنّ حُسنَ الخُلُقِ من أجلِّ الطّاعاتِ وأعظمِ القربات، وبه يَرْتقي العبدُ إلى أعلى المقاماتِ وأرفعِ الدّرجات، يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْلِ وصائمِ النَّهَار. وحُسنُ الخُلُقِ علامةُ فضيلةٍ وكمالُ إيمان، يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: خيارُكم أحاسنُكم أخلاقًا. وقالَ صلى اللهُ عليه وسلم: أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خلقًا. وحُسنُ الخُلُقِ أثقلُ شيءٍ في ميزانِ العبدِ يومَ القيامة، قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ في الميزَانِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ. وحُسْن الْخُلُقِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: أَحَبُّ عِبَادِ اللهِ إِلَى اللهِ أَحْسَنُهُمْ خلقَاً. وحُسْنُ الْخُلُقِ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقُربِ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ مِنْ أحبِّكم إليَّ وأقرَبِكُم منِّي مَجْلِسًا يومَ القيامَةِ أحاسِنَكم أخْلاقاً. وحُسنُ الخُلُقِ سببٌ للفوزِ بأعلى درجاتِ الجِنانِ، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ. فاتقوا الله رحمَكم اللهُ، وتَحَلَّوا بأخلاقِ الإسلامِ وآدابِ القرآنِ وبهديِ سيّدِ المرسلين، وتعاملوا بينكم باللطفِ والعفوِ والصّفحِ والرّفقِ واللين، ففي ذلك صلاحُ الدّنيا والدِّين ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ وحدَه والصّلاةُ والسّلامُ على من لا نبيَّ بعدَه وعلى آلِه وصحبِه أمّا بعدُ عبادَ الله

إنَّ لحُسنِ الخُلُقِ منزلةً عاليةً في الدِّين، قالَ ابنُ القيّمِ رحمَه الله: الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ، فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ زَادَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ. فعلى المسلمِ أنْ يكونَ حَسَنَ الخُلُقِ مع النّاسِ أجمعين، قالَ تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) وقالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: وخالقِ النّاسَ بخُلُقٍ حَسَن، فاللهَ اللهَ يا عبادَ اللهِ في حُسْنِ الخُلُقِ وطِيبِ المعاملةِ وخفضِ الجناحِ للمؤمنين، فبه تُغفرُ السّيئاتُ وتُرفعُ الدّرجاتُ وتَثقلُ الموازين، وفي ذلك فليتنافسِ المتنافسون، قَالَ الْحَسَنُ رحمَه الله: حَقِيقَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ بَذْلُ الْمَعْرُوفِ وَكَفُّ الْأَذَى وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ. وذَكَرَ السّفّارينيُّ رحمَه اللهُ جملةً من الخصالِ الحسنةِ التي ينبغي للمسلمِ أنْ يُجاهدَ نفسَه على التّخلّقِ بها صادقًا صابرًا محتسبًا فقال: حُسنُ الخُلُقِ القيامُ بحقوقِ المسلمين، وهي كثيرةٌ منها: أنْ يُحِبَّ لهم ما يُحِبُّ لنفسِه، وأنْ يتواضعَ لهم ولا يَفخرَ عليهم ولا يختال، فإنّ اللهَ لا يُحِبُّ كلَّ مختالٍ فخور، ولا يَتكبّرُ ولا يُعجبُ فإنّ ذلك من عظائمِ الأمور، وأنْ يُوقِّرَ الشّيخَ الكبير، ويَرحمَ الطّفلَ الصّغير، ويَعرفَ لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه، مع طلاقةِ الوجهِ وحُسنِ التّلقِّي ودوامِ البِشْر، ولينِ الجانبِ وحُسنِ المصاحبةِ وسهولةِ الكلمة، مع إصلاحِ ذاتِ بينِ إخوانِه وتَفقّدِ أقرانِه وإخوانِه، وأنْ لا يَسمعَ كلامَ النّاسِ بعضِهم في بعض، وأنْ يَبذُلَ معروفَه لهم لوجهِ الله، لا لأجلِ غَرَضٍ، مع سَتْرِ عوراتِهم وإقالةِ عثراتِهم وإجابةِ دعْواتِهم، وأنْ يَحلُمَ عمّنْ جَهِلَ عليه ويعفوَ عمّنْ ظلمَه، ويَصلَ من قطعَه، ويُعطيَ من حرمَه. عبادَ اللهِ كم نحنُ بحاجةٍ إلى تلك الأخلاقِ العاليةِ والصّفاتِ السّاميةِ كي نُسْعِدَ بها أنفسَنا وأهلينا ومجتمعَنا وذلك هو الفوزُ العظيم، فاتَقوا اللهَ رحمَكم اللهُ وجاهدوا أنفسَكم على التّحلي بحُسنِ الخُلُقِ مع البعيدِ والقريب، وليكنْ لأهلِ بيوتِكم من حُسْنِ أخلاقِكم أوفرُ الحظِّ والنّصيب. اللهمَ اهْدنا لأحسنِ الأخلاقِ لا يَهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرفْ عنّا سيّئَها لا يَصرفُ عنّا سيّئَها إلا أنت، اللَّهُمَّ إِنّا نعُوذُ بِكَ مِنْ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ، اللهمّ جمّلْنا بزينةِ الإيمانِ واجعلْنا هداةً مهتدين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين، سبحانَ ربِّك ربِّ العزّةِ عمّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض الجمعة 13/ 2/ 1444هـ

المشاهدات 1653 | التعليقات 0