خطبة : أبواب الهلاك

عبد الرحيم المثيلي
1437/02/21 - 2015/12/03 18:21PM
الخطبة الأولى
أما بعد : فاتقوا الله – عباد الله – { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين }.
عباد الله : إن الله عز وجل خلق الخلق وحد الحدود وأنزل الكتاب وأرسل الرسل فالحلال ما أحله الله , والحرام ما حرمه الله ,
وإن من فضل الله تعالى على هذه الأمة أن جعل الأصل في الأشياء الحل والإباحة , ولو تأملنا ما حرم الله في كتابه وعلى لسان رسوله لوجدناه لا يمثل شيئا كثيرا بجانب ما أحله لنا , ولو جدنا أن الضرر كل الضرر فيما حرمه علينا والنفع كل النفع فيما أحل لنا { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } .
عباد الله : ومع كثرة الحلال إلا أن من المسلمين من لا يرضيه إلا أن يستحل الحرام أفراداً في بادئ الأمر فإذا غابت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تمادت الأمة فوقعت في استحلال الحرام هنالك حينئذ فلتنتظر ما يحل بها كما أخبر به الصادق المصدوق فيما أخرجه الطبراني عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَحَلَّتْ أُمَّتِي سِتًّا فَعَلَيْهِمُ الدَّمَارُ: إِذَا ظَهَرَ فِيهِمُ التَّلَاعُنُ، وَشَرِبُوا الْخُمُورَ، وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ، وَاتَّخَذُوا الْقِيَانَ، وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ» .
إذا استحلت أمة الإسلام هذه المحرمات الست فقد حق عليها الهلاك التام وفتحت على نفسها أبواب الشر جميعا , وأبواب الشر والهلاك كثيرة فلله جنود لا يحصيها إلا هو سبحانه يرسلها على من يشاء من عباده كالزلازل والبراكين والأمراض والأوبئة والرياح العاتية ...{ وما يعلم جنود ربك إلا هو }
ألم تر ما أرسل الله على فرعون وقومه حين عصوا رسول ربهم قال الله : {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف: 133] تلك يا عباد الله بعض من جنود الله !
أيها المؤمنون : لنتأمل في هذا الحديث وما ذكر فيه من المحرمات
قال  : « إذا ظهر فيهم التلاعن » هذه أولها
والتلاعن هو الدعاء بلعنة الله وهي الطرد والإبعاد من رحمة الله ولعن المسلم حرام بل من كبائر الذنوب التي لا تكفر إلا بالتوبة منها بشروط التوبة المعلومة بل إن من لعن مؤمنا كأنما قتله ففي صحيح البخاري عن النبي : « ولعن المؤمن كقتله » لأنه إذا لعنه فكأنه دعا عليه بالهلاك وأي هلاك أعظم من الطرد والإبعاد من رحمة الله .
ولفظ التلاعن يدل على التفاعل بين اثنين فهذا يلعن هذا والآخر يلعنه
فإذا وقع هذا التلاعن في الأمة من بعضها وسكت الباقون عن إنكاره فذلك مؤذن بحلول العقوبة ... اللهم الطف بنا وارحمنا ولا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا .
الثانية : شرب الخمور ويكفي في الخمر ذماً وقبحا وتنفيراً منها أن الله لعن فيها تسعة : عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «لعن الله الخمر، ولعن شاربها ، وساقيها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وبائعها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها.» أخرجه أبو داود والترمذي .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91]
ولقد أخبرنا النبي أنه سيأتي أقوام من أمته يسمون الخمر بغير اسمها عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليشربن ناس من أمتي الخمر . يسمونها بغير اسمها . يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض . ويجعل منهم القردة والخنازير ) أخرجه ابن ماجه وغيره .
الثالثة : اتخاذ القيان .. والقيان المغنيات
وتأملوا علاقة هاتين الخصلتين المحرمتين شرب الخمور واتخاذ المغنيات كثير من الأحاديث جمعت بينهما والواقع يشهد بعلاقتهما عند الفساق وأهل الفجور .
وهذا الخبر من دلائل نبوته  .
عن عمران بن حصين:أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «في هذه الأمة خسف ومسخ ، وقذف ، فقال له رجل من المسلمين : يا رسول الله ، ومتى ذلك ؟ قال : إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور» أخرجه الترمذي
الرابعة : ولبسوا الحرير
الحرير لباس أهل الجنة وهو محرم على الرجال في الدنيا في صحيح البخاري ان عمر أخذ جبة من إستبرق ( والاستبرق الحرير ) تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ) .
ومن يلبس الحرير في الدنيا فهو متوعد بالحرمان من لبسه في الآخرة
عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة ) أخرجه البخاري ومسلم .
الخامسة : واكتفى الرجال بالرجال ..
إذا أتى الرجل الرجل شهوة من دون النساء , وانتشر في الأمة فاحشة قوم لوط ذاك موعد نزول العذاب ووقوع الهلاك
يقع هذا حين تنتكس الفطرة , وتموت الغيرة حينما يذهب الخوف من عذاب الله ويغيب عن القلوب تعظيم الله إنا لله وإنا إليه راجعون
إن الله جل في علاه قد عذب قوما من الأمم بعذاب لم يعرف مثله قط إنهم قوم لوط عليه السلام أرسل الله عليهم جبريل فحمل قريتهم على طرف جناحه حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب ثم قلبها فجعل عاليها سافلها وأمطرهم بحجارة من السماء
{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود: 82، 83]
ما ذا فعل هؤلاء ما هو الذنب الذي اقترفوه وما الحنث الذي فعلوه ؟
اسمع قول الله : {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ } [الأعراف: 82 - 84]
من يتتبع قصة قوم لوط في القرآن يجد أن هذا هو الذنب الذي أخذوا به وعذبوا بهذا العذاب الشنيع قلبت قريتهم لما انقلبت فطرتهم !!
الخصلة السادسة : إذا اكتفى النساء بالنساء ..
نوع آخر من انتكاس الفطر .. وصنف ثان من نوازل الدهر .. إذا نكحت المرأة المرأة ..يالله أيمكن أن يقع هذا ؟ أيعقل أن يحدث هذا ؟ نعم
قد وقع .. واسألوا عن حال البنات .. في المدارس الثانوية والكليات
اسألوا عن النساء المسترجلات أو ما يسمى بالبويات وما يحدث منهم من زيجات وحفلات زواج ومدعوات ... يالأمتي ماذا أصابها ؟ ماذا جرى لها ؟
تلك ثمار الأفلام الماجنة والمسلسلات .. بل تلك ثمار التربية على الانفتاح والحريات
الحريات المطلقة التي بلا ضبط ولا رقابة .
أيها المؤمنون : إنكم يوم القيامة موقوفون ومسؤولون كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته مسؤول عن أهلك وأولادك ماذا علمتهم ؟ كيف ربيتهم ؟ ماذا هيئت لهم في بيتك ؟ فهل أعددتم للسؤال جوابا ؟!
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ...
الخطبة الثانية
الحمد لله ...
أما بعد : فيا عباد الله أُعيد الحديث على أسماعكم .. «إِذَا اسْتَحَلَّتْ أُمَّتِي سِتًّا فَعَلَيْهِمُ الدَّمَارُ: إِذَا ظَهَرَ فِيهِمُ التَّلَاعُنُ، وَشَرِبُوا الْخُمُورَ، وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ، وَاتَّخَذُوا الْقِيَانَ، وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ»
عباد الله : إن خصلة واحدة من هذه المحرمات الست تستوجب العقاب من رب العباد ؛ فكيف بهن إذا اجتمعن كلهن ؟!
عباد الله : إن استحلال المحرمات لا يحدث إلا حينما يفشو المحرم بين الناس فلا يجد من ينكره حتى يظنه من لا يعلم حلالا هنا تنزل العقوبة ويحل العذاب
عن أبي بكر الصديق قال : سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه » أخرجه أحمد وغيره .
أيها المؤمنون : وإذا أردنا النجاة من عذاب الله فلنقوم بما أمر الله به إنكار المنكر ليدفع الله عنا العذاب في الدنيا والآخرة ..
في قصة أصحاب السبت قال الله عنهم : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف ]
وقال الله :{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 116، 117]
والإصلاح لا يتحقق إلا بإنكار المنكر والأخذ على أيدي السفهاء .
وقال الله : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المائدة: 78، 79]
روي أنه لمَّا وقعتْ بنو إسرَائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم، فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم , وأسواقهم، وواكلوهم وشارَبوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ، ولَعنهم علىَ لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصَوا وكانوا يعتدون .

عباد الله : إن الله وملائكته يصلون على النبي ..
المرفقات

900.doc

أبواب الهلاك.docx

أبواب الهلاك.docx

المشاهدات 3402 | التعليقات 1

جزاك الله خير على هذا الطرح الرائع والترتيب والتنسيق فب الملف المرفق جعله الله في موازين حسناتك