خطبة آخر جمعة من رمضان مناسبة للجوال

د. ماجد بلال
1443/09/27 - 2022/04/28 12:55PM

خطبة آخر جمعة من رمضان 28/9/1443هـ

د. ماجد بلال شربه جامع الرحمن بتبوك

أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذا بالله.

شرع الله لنا في ختام هذا الشهر الكريم زكاة الفطر:

 والحكمة من وجوب زكاة الفطر، ما ذَكره ابن عباس رضي الله عنها قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِين) قال الألباني:(صحيح) في مشكاة المصابيح (1/ 570)

فهي شكرٌ لله عز وجل على إتمام الشهر، وطُعمةٌ للمساكين في هذا اليوم، الذي هو يوم عيد وفرح وسرور، فكان من الحكمة أن يُعطَوا هذه الزكاة؛ من أجل أن يشاركوا غيرهم في الفرح والسرور.
فيجب على كل مسلم، أن يُخرج يوم العيد وليلتَه صاعاً من طعام، بشرط أن يكون هذا الصاع، زائداً عن حاجته وحاجة عياله وحوائجه الأصلية.

والأفضل إخراجها من الطعام تأسيا بسنة النبي e، لأن النقود كانت موجودةً على عهد النبي e ولم يخرجها نقداً وهو e أعلم بحاجة الفقراء إلى النقد، ومع ذلك أخرجها من الطعام.
والفقير بعد ذلك حرٌ في ماله، يفعل فيه ما يشاء، إن شاء أخرجها مرة أخرى زكاة عن نفسه، أو باعها أو أكلها، كل ذلك جائز.

ويكون الطعام من طعام البلد المعتاد، فقد ثبت عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : (فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ). صحيح البخاري (2/ 130)، صحيح مسلم (2/ 677)

وزكاة الفطر واجبة على الإنسان، وعلى كل من يمون -أي كل من أنت مسؤول عن طعامه وشرابه- فأنت مسؤول عن زكاته حتى الخادمة اذا كانت مسلمة.
وهي صاع من طعام فقط، وسعة الصاع النبوي 2600 مللتر.

 وكلما كان الطعام أطيب كان أفضل وأعظم أجراً لقوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}
ويستحب إخراج زكاة الفطر عن الجنين، لفعل عثمان t .
ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين فقط، لما ثبت في صحيح البخاري أن الصحابة رضي الله عنهم، كَانُوا يُعْطُونَها قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. صحيح البخاري (2/ 132)
-وأفضل وقتٍ لإخراجها: يوم العيد قبل صلاة العيد، لقول ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ. صحيح البخاري (2/ 130)، صحيح مسلم (2/ 679)

ويحرم ولا يُجزئ تعمد تأخيرها بعد صلاة العيد.
وإذا أخرها لعذر، كما لو وكَّل أحداً في إخراجها عنه ولم يفعل، أو نسي ، فهذا يقضيها غيرَ آثم، ولو بعد فوات أيام العيد، وذلك قياسا على قضاء الصلاة.
-و الأصل أن تخرج الزكاة في نفس البلد، لكن لا بأس أن يوكل من يخرج زكاة الفطر في بلده صاعا من طعام لفقراء بلده وأقاربه، خاصة إذا كانوا أشد حاجة من فقراء البلد الذي صام فيه، فالأقربون أولى بالمعروف، لكن يرسلها مالا، وتخرج طعاما.
احتسب الأجر عند الله وستشعر هذه الشعيرة خذ أولادك واجعلهم يستشعرون هذه الشعيرة التي فيها مواساة للفقراء، افرح واستمتع بها، ولا تجعلها وكأنها عبئ ثقيل على كاهلك، ترميه على الجمعات الخيرية أو الجيران، ابحث عن البيوت الشعبية والأحياء الفقيرة، لا تتكبر ولا تترفع، اذهب بنفسك وقابل الفقير وامسح على راس اليتيم، واعطه وزده وأحسنوا (إن الله يحب المحسنين)،

 

أيها المسلمون: ومما شُرع لنا في ختام الشهر صلاةُ العيد، فقد أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته رجالاً ونساءً، وأمر النساء أن يخرجن إلى صلاة العيد حتى الحُيَّض، (ويعتزلن المصلى) صحيح البخاري (2/ 21)، صحيح مسلم (2/ 605)

وهي من الصلوات التي تؤمر ويرغب النساء للخروج لها، مما يدل على تأكد هذه الصلاة، بل لقد قال كثيرٌ من العلماء: إن صلاة العيد فرض عين يجب الخروج إليها، بدليل أمر النساء للخروج لها.
ويسن أن يأكل الإنسان قبل الخروج إليها تمرات وتراً، ثلاثاً أو خمساً أو أكثر، يقطعها على وتر، لقول أنس بن مالك - رضي الله عنه -: كان النبي e لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، يأكلهن وتراً. صحيح البخاري (2/ 17)

ويخرج إلى المصلى ماشياً لا راكباً إن تيسر، لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً، وليلبس المسلم أحسن ثيابه، وليكثر من ذكر الله ودعائه،

 

أعوذ بالله من الشيطان: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}.


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد...

 

صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر يوماً فقال: «آمين» ثم قال: «أتاني جبريل فقال: رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له، قل آمين، فقلت: آمين». 
فيا من فرَّطتَ في هذا الشهر العظيم المبارك، وتكاسلت عن القيام وقراءة القرآن، أحسن فيما بقي من الشهر، فالعبرة بكمال النهايات، لا بنقص البدايات، فاجتهد فيما بقي من رمضان، فلا تدري متى تُدْرِكُكَ رحمةُ الله.

أورد الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/ 1160) حديثاً أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط عن أبي ذر t أن النبي e قال : (مَن أحسن فيما بقِيَ؛ غُفرَ له ما مضَى، ومن أَساءَ فيما بقيَ؛ أُخِذَ بما مضَى وما بقيَ) .

استدرك ساعاته الباقيه وانطرح بين يدي الغفور الكريم، وابك على خطيئتك،

واغتنِم آخرَ ساعاتِه بالدّعاء، يقول الله تعالى ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ وقد وردت هذه الآية في معرض آيات الصيام.

ففي رمضانَ كنوزٌ غالية، وسلِ الكريمَ فخزائِنه ملأى ويداه سحَّاء الليل والنّهار،

واعلم أن الله يقول: { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70] فالأعمال بالخواتيم،

 

وبقيت مظان ليلة القدر، وهي في العشر الأواخر، بل في الوتر من العشر الأواخر، كما صح عنه -صلى الله عليه وسلم-: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"،

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ ...) صحيح البخاري (3/ 47)

قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ، (صحيح البخاري (3/ 47)

 عن عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذُكِرَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِنْدَ أَبِي بَكْرَةَ فَقَالَ: مَا أَنَا بِطَالِبِهَا إِلَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ بَعْدَ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي سَبْعٍ يبقين أو خمس يبقين أوثلاث يَبْقَيْنَ أَوْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ) قال الألباني: (صحيح) - ((المشكاة)) (1092/التحقيق الثاني). التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (5/ 444)

قال الله عز وجل:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}

ركعة في ليلة القدر خير من 30 الف ركعة في غيرها.

قال e : " من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه صحيح البخاري (3/ 26) صحيح مسلم (1/ 523)

 

وإذا ثبت هلال ليلة العيد:

فأول ما شَرع لنا: التكبيرَ من غروب الشمس ليلةَ العيد إلى الصلاة، يجهر بها الرجال في المساجد والبيوت والأسواق، وتُسر بها النساء، نُكبر الله على ما هدانا ووفقنا له من الصيام والقيام، وغيرها من الطاعات.
والتكبير في عيد الفطر آكد من التكبير في عيد الأضحى؛ لأن الله نص عليه في القرآن فقال: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
فيسن التكبير المطلق، من غروب الشمس آخرِ يوم من رمضان، وينقطع إذا خرج الإمام لصلاة العيد.

وصفته: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

نسأل الله تعالى أن يتقبل صيامنا وقيامنا، وأن يتجاوز عن تقصيرنا، إنه سميع مجيب.

صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ...

المرفقات

1651150532_خطبة آخر جمعة من رمضان ماجد بلال 1443.pdf

1651150537_خطبة آخر جمعة من رمضان ماجد بلال 1443.docx

المشاهدات 9481 | التعليقات 0