خطبة (آخر أهل الجنة دخولًا) للدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي - الجمعة 7/6/1436هــ

د صالح بن مقبل العصيمي
1436/06/05 - 2015/03/25 02:31AM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ،ونستعينُهُ،ونستغفِرُهُ،ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ،حَدِيثُنَا الْيَوْمِ عَنْ مَشْهَدٍ مِنْ مَشَاهِدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،مَشْهَدِ النُّورِ الَّذِي يَكُونُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) فَأَهْلُ الْإِيمَانِ فِي نُورٍ عَظِيمٍ،نُورٍ تَامٍّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛يَشِعُّ مِنْهُمْ،وَيَفِيضُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ،نُورٌ رَحِمَهُمُ اللهُ بِهِ. مِنْ ثِمَارِ نُورِ الإِيمَانِ الَّذِي مَلَأَ قُلُوبَهُمْ؛فَكَانَ جَزَاءًا وِفَاقًا، وَهُنَاكَ مَشْهَدٌ عَجِيبٌ آخَرُ،فِي هَذَا الْمَوْقِفِ؛إِنَّهُ مَشْهَدُ الْمُنَافقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ،حَيْثُ أَصَابَهُمُ النُّورُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،فِي أَوْلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ أُطْفِأَ عَنْهُمْ فَيَعِيشُونَ فِي حَيْرَةٍ وَضَلَالٍ، وَفِي ذُلٍّ وَإِذْلَالٍ؛فَيَلْتَمِسُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ نُورًا لَعَلَّهُمْ أَنْ يَقْتَبِسُوا مِنْهُ؛وَلَكِنْ أَنَّى لَهُمْ ذَلَكَ؛فَلَقَدْ عَاشُوا فِي الدُّنْيَا،فِي ظَلَامٍ وَضَلَالٍ ؛ فَحَيَاتُهُمْ فِي ظَلَامٍ،وَمُؤَامَرَاتُهُمُ الَّتِي يُحِيكُونَهَا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، تُحَاكُ فِي الظَّلَامٍ،فَأَنَّى لَهُمْ أَنْ يَنَالُوا النُّورَ ؟ يَأْتِي إِلَيْهِمُ الْخِطَابُ : ( قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً ) اِرْجِعُوا إِلَى الدُّنْيَا،وَتَذَكَّرُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ،وَتَذَكَّرُوا مَا كُنْتُمْ مِنْ مُؤَامَرَاتٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ تُحِيكُونَ،فَيُفْصَلُ بَيْنَهُمْ،وَبَيْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ،فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ ؛فَيَتَعَجَّبُونَ؛لَقَدْ كُنَّا مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا،نَعِيشُ سَوِيًّا، وَبُعِثْنَا مَعَكُمْ؛لَكِنْ حُجَّتُهُمْ هَذِهِ دَاحِضَةٌ؛ فَأَنْتُمْ كُنْتُمْ مَعَنَا؛وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ فِي الْفِتَنِ، وَعِشْتُمْ فِي الْفِتَنِ وَإِثَارَةِ الْفِتَنِ،لَقَدْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ؛فَحَرَمْتُمُوهَا مِنَ الْهُدَى،وَصَرَفْتُمُوهَا عَنْهُ،وَعِشْتُمْ فِي رِيبَةٍ ؛ فتربصتم بأهل الإيمان؛فَكَانَتْ حَيَاتُكُمْ فِي الدُّنْيَا ضَيَاعًا فِي ضَيَاعٍ ، فَقَدْ غَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ، وَسَلَكْتُمْ طَرَائِقَ الشَّيطَانِ،فَقَدْ كَانَ يَغُرُّكُمْ وَيُمَنِّيكُمْ،فَالْيَوْمَ تَنَالُونَ الْحُكْمَ الْعَادِلَ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّورَ- فِي بِدَايَةِ الْأَمْرِ- يُعْطَى لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ؛مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا،حِينَمَا سُئِلَ عَنِ الْوُرُودِ قَالَ: (وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ : مُنَافِقًا،أَوْ مُؤْمِنًا نُورًا،ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ،ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ، فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ،سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَأِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ،ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مِنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ، وَيَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّيْءِ فِي السَّيْلِ، وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ، ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.فَانْظُرُوا يَا رَعَاكُمُ اللهُ : كَيْفَ نَجَا أَهْلُ الْإِيمَانِ مِنَ الظُّلْمَةِ والنَّارِ وَلَمْ يَبْقَى مِنْهُمْ فِي النَّارِ إلَّا رَجُلًا واحِدًا،وَقِصًّةُ نَجَاتِهِ مِنَ النَّارِ عَجِيبَةٌ،قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اِعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ،كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ،كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا،قَالَ رَاوِي الْحَدِيثِ: " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ". وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهْوَ يَمْشِي مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً(أَيْ: يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ) ، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً،(أَيْ: تَضْرِبُ وَجْهَهُ وَتُسَوِّدُهُ،وَتُؤَثِّرُ فِيهِ أَثَرًا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ)، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، لَعَلِّي إِنَّ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا، فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا، قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِيهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ؟ (أَيْ:مَا يَقْطَعُ مَسْئَلَتَكَ مِنِّي ؟)أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ، أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ "، فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ، قَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ " .
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا: " وَيُذَكِّرُهُ اللهُ، سَلْ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ، قَالَ اللهُ: هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ "، قَالَ: " ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ، فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَتَقُولَانِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا،وَأَحْيَانَا لَكَ"،قَالَ:" فَيَقُولُ:مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ". اللهُ أَكْبَرُ ! مَا أَحْلَمَ رَبِّي ! وَمَا أَكْرَمَهُ !
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوه.


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ،وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى،وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى،وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ أَقَلَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؛ لَفِي نَعِيمٍ، لَا يُقَارَنُ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا؛ فَهُوَ نَعِيمٌ مُقِيمٌ ، فِي ظِلٍّ ظَلِيلٍ ، حَيْثُ رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: أَنَّ مُوسَى،عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، سَأَلَ رَبَّهُ : مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ،وَمِثْلُهُ،وَمِثْلُهُ،وَمِثْلُهُ،فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قَالَ مُوسَى،عَلَيْهِ السَّلَامُ:يَارَبُّ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ (أَيْ: اِخْتَرْتُ وَاِصْطَفَيْتُ) ،غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "، قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: " {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] .
عِبَادَ اللهِ،فَالْبَدَارَ الْبَدَارَ لِلْفَوْزِ بِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ .
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا ... مَنازِلُنَا الأُوْلَى وَفِيهَا المُخَيَّمُ
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ,وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا,لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى،وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى،الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ،الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ،وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ،الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ،«اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ». اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ،وَأَوْلَادَهُمْ،وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ،وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ،وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

المرفقات

مَشْكُولَةٌ.docx

مَشْكُولَةٌ.docx

مَشْكُولَةٌ.pdf

مَشْكُولَةٌ.pdf

غير مشكولة.docx

غير مشكولة.docx

المشاهدات 4133 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا