خطبة(تعدد الزوجات وحكمه) للدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي - الجمعة 8/5/1436هــ
د صالح بن مقبل العصيمي
1436/05/05 - 2015/02/24 17:55PM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ،ونستعينُهُ،ونستغفِرُهُ،ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبادَ اللهِ،إِنَّ مِمَّا يُثِيرُهُ أَعْدَاءُ اللهِ،الَّذِينَ مَا زَالُوا يَعْتَرِضُونَ عَلَى أَحْكَامِهِ، وَيُشَاقُّونَهُ؛ كَأَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنهُ بِخَلْقِهِ،وَأَرْأَفُ مِنْهُ بِعِبَادِهِ،اِدِعَاؤُهُمْ حِمَايَةَ الْمَرْأَةِ مِنَ الظُّلْمِ،وَمِنْ ذَلِكَ الْاِعْتِرَاضُ عَلَى تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ،وَهَذَا الْاِعْتِرَاضُ فِيهِ تَطَاوُلٌ عَلَى أَحْكَامِ الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ؛:(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)؟ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ،اِبْنُ تَيْمِيَّةَ،رَحِمَهُ اللهُ:"مَنْ تَعَوَّدَ مُعَارَضَةَ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ؛لَا يَسْتِقِرُّ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ"( ).
عِبَادَ اللهِ،التَّعَدُّدُ شَرَعَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ،وَفَعَلَهُ النَّبِيُّ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،حَيْثُ وَصَفَهُ اللهُ بَقَوْلِهِ:" لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)( ) فَجَمَعَ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ تِسْعٍ مِنَ النِّسْوَةِ،فَلَمْ يُنَاقِضْ تَعَدُّدُ زَوْجَاتِهِ رَحْمَتَهُ وَرَأْفَتَهُ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَعْتَذِرَ لِفِعْلِ النَّبِيِّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِقُوَّةِ الْحَمْلَةِ عَلَيْهِ؛بَأَنَّ النَّبِيَّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَزَوَّجَ لِمَصْلَحَةِ الدَّعْوَةِ،لَا لِرَغْبَةٍ،وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ جَسِيمٌ،وَبِلَا بُرْهَانٍ مُبِينٍ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ جَلِيًّا بِمَا يَلِي :
أَوَّلَا : إِنَّهُ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،قَالَ: "حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ،وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
ثَانِيًا : إِنَّهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَزَوَّجَ بِكْرًا،وَهِيَ عَائِشَةُ،رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،وَكَانَتْ أَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا،بَلْ مَاتَ عَنْهَا،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَلَمْ تَبْلُغِ الْعِشْرِينَ رَبِيعًا،رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.
ثَالِثًا :إِنَّهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَزَوَّجَ مِنْ جَمِيلَاتٍ،صَالِحَاتٍ،تَقِيَّاتٍ، كَعَائِشَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ،الَّتِي قَالَ عَنْهَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : " كَانَتْ أَجْمَلَ نِسَاءِ الْعَرَبِ" .
رَابِعًا : لَمَّا ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،حُسْنُ صَفِيَّةَ؛جَعَلَهَا مِنْ نَصِيبِهِ،وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا .
خَامِسًا : لَمَّا عَرَضَتِ اِمْرَأَةٌ نَفْسَهَا عَلَيْهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَلَمْ يَمِلْ لَهَا قَلْبُهُ؛ اِعْتَذَرَ مِنْهَا وَزَوَّجَهَا لِغَيْرِهِ. فَلَسْنَا -وَاللهِ- بِحَاجَةٍ لِصُنْعِ الْمُبَرِّرَاتِ،وَاِخْتِلَاقِ الْأَعْذَارِ لِنُرْضِيَ فُلَانًا وَعِلَّانًا،وَنَتَكَلَّفَ الرُّدُودَ؛ وَكَأَنَّهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،أَتَى بِعَيْبٍ فَنُدَارِيهِ عَنْهُ،أَوْ اِقْتَرَفَ إِثْمًا وَخَطَأً؛فَنَسْتُرُ عَلَيْهِ،بَلْ فِعْلُهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،هُوَ الْحَقُّ،وَمَا كَانَ بِدْعًا مِنَ النَّاسِ؛فَقَدْ عَدَّدَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ؛ فَوَالِدُهُ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ،عَلَيْهِ السَّلَامُ، جَمَعَ بَيْنَ سَارَةَ وَهَاجَرَ،وَسُلَيْمَانُ ابْنُ دَاودَ،عَلَيْهِمَا السَّلَامُ،كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً؛"فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ،عَلَيْهِ السَّلاَمُ،كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً، فَقَالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِي»،رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . فَإِنْ كَانَ هَدَفُ الْمُدَافِعِينَ وَالْمُنَافِحِينَ إِرْضَاءَ أَعْدَاءِ اللهِ؛فَأَزُفُّ لّهُمْ بَشْرَى بِأَنَّهُمْ لَنْ يَرْضُوا أَبَدًا،قَالَ تَعَالَى:) وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ(( ( فَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَنْ يُرْضِيَهُمْ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ اللهِ مَهْمَا فَعَلْنَا، وَمَهْمَا صَنَعْنَا.
عِبَادَ اللهِ،إِنَّ بَعْضَ مَنْ لَجَأَ لِصُنْعِ الْمُبَرِّرَاتِ لِتَعَدُّدِ زَوْجَاتِ الرَّسُولِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،مَا لَجَأَ لِذَلِكَ ؛ إِلَّا لِيُضَيِّقَ الْخِنَاقَ أَمَامَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ ظَنًّا مِنْهُ بِأَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا .
إِنَّ شَرَائِعَ اللهِ وَأَحْكَامَهُ لَا مَجَالَ فِيهَا لِلْعَبَثِ،وَلَا مَكَانَ فِيهَا لِلْمُدَارَاةِ وَالْمُدَاهَنَاتِ؛فَهُنَاكَ مَنْ يُدَاهِنُ الْغَرْبَ،وَهُنَاكَ مَنْ يُدَاهِنُ النِّسَاءَ؛فَيَقْرعُ بِالسِّيَاطِ كُلَّ مُعَدِّدٍ، وَيَذُمُّهُ فِي الْمَجَالِسِ،وَكَأَنَّ الْمُعَدِّدَ قَارَفَ ذَنْبًا عَظِيمًا،وْاِرْتَكَبَ إِثْمًا مُبِينًا . مَا ذَنْبُ الْمُعَدِّدِ إِلَّا أَنَّهُ أَتَى مَا رَخَّصَ اللهُ لَهُ بِهِ،وَعَفَّ نَفْسَهُ،إِنَّنَا وَاللهِ لَسْنَا بِحَاجَةٍ لِالْتِمَاسِ الْمُبَرِّرَاتِ لِجَوَازِ التَّعَدُّدِ،وَلَكِنْ لِتَطْمَئِنَ قُلُوبُ أَهْلِ الْإِيمَانِ،وَتَرْتَاحَ أَنْفُسُهُمْ،وَنُزِيلَ مَا عَلَقَ مِنَ الشُّبُهَاتِ بِعُقُولِ بَعْضِهِمْ،فَنَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ التَّعَدُّدَ وَاقِعٌ فِي حَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا،لَاسَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِهِ،بَلْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا حَدَّ لَهُ،فَأَتَى الْإِسْلَامُ فَقَيَّدَهُ بِأَرْبَعٍ؛لِعِلْمِهِ أَنَّ هَذِهِ مُنْتَهَى قُدْرَةِ الرِّجَالِ؛لِتَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ مَا أَمْكَنَ .
وَلِنَلْتَمِسْ بَعْضَ حِكَمِ التَّعَدُّدِ ، فِمِنَ الْحِكَمِ :
إِنَّ الْإِسْلَامَ يُعَالِجُ مَشَاكِلَ تُوجَدُ فِي الْمُجْتَمَعِ،فَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّسَاءَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنَ الرِّجَالِ، وَالْإِحْصَائِيَّاتُ تُثْبِتُ ذَلِكَ،فَعُرْضَةُ الرِّجَالِ لِلْفَنَاءِ أَكْثَرُ مِنْ عُرْضَةِ النِّسَاءِ،وَشَيْخُوخَةُ الْمَرْأةُ أَسْرَعُ مِنْ شَيْخُوخَةِ الرَّجُلِ،قَوَانِينُ ثَابِتةٌ لَا مَجَالَ لِنَفْيِهَا،فَمَا الْحَلُّ يَا تُرَى أَمَامَ كَثْرَةِ النِّسَاءِ مُقَابَلَ قِلَّةِ الرِّجَالِ ؟ أَمَامَنَا اِحْتِمَالٌ وَاحِدٌ مِنْ اِحْتِمَالَيْنِ :
الْاِحْتِمَالُ الْأَوَّلُ : أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ إِلَّا اِمْرَأَةً وَاحِدَةً؛فَتَبْقَى مِئَاتُ الْآلَافِ -إِنْ لَمْ تَكُنْ مَلَايِينَ - مِنَ الْعَوَانِسِ بِلَا زَوْجٍ؛ فَتَظَلُّ أَبَدَ دَهْرِهَا لَا تَعْرِفُ الرِّجَالَ ، فَلَا هِيَ أُمٌّ،وَلَا زَوْجَةٌ،وَهَذَا لَا يُمْكِنُ قُبُولُهُ؛فَالْغَرِيزَةُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَوْجُودَةٌ،فَلَا يُمْكِنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَقْضِيَ حَيَاتَهَا لَا تَعْرِفُ الرِّجَالَ، وَإِنْ صَبَرَ بَعْضُهُنَّ، فَلَا يَصْبِرْنَ بَمَجْمُوعِهِنَّ،فَهَذَا ضَدُّ الْفِطْرَةِ وَالطَّاقَةِ، فَكَيْفَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعِيشَ بِلَا رَجُلٍ حَيَاةَ الْعَذَابِ وَالْبُؤْسِ ؟ ٍوَقَدْ تَدْفَعُهُنَّ الْحَاجَةُ وَالْغَرِيزَةُ،وَتَدْفَعُ الرِّجَالَ،الَّذِينَ لَمْ تُشْبِعُهُمْ زَوْجَاتُهُمْ؛لِمُقَارَفَةِ الرَّذِيلَةِ،وَإِتْيَانِ الْفَاحِشَةِ،وَذَلِكَ مَا يَحْدُثُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبُلْدَانِ،لَا يُنْكِرُهُ إلّا مُعَانِدٌ مُكَابِرٌ، يُنْكِرُ الْوَاقِعَ بِطْريقَةٍ سَفَسْطَائِيَّةٍ مَقِيتَةٍ . وَهَذَا الْاِحْتِمَالُ يَرْفُضُهُ الإِسْلَامُ؛لأَنَّهُ ضِدٌّ نَقَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْعَفِيفِ،وَضِدُّ كَرَامَةِ الْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ، وَلَا يَرْضَاهُ إِنْسَانٌ،وَلَا يَتَفَوَّهُ بِهِ مُسْلِمٌ بِلِسَانِ الْحَالِ أَوْ الْمَقَالِ، وَلَا يَرْضَاهُ إِلَّا مَنْ يَرْغَبُونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ، وَيَفْشُو الزِّنَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ!
الْاِحْتِمَالُ الثَّانِي : إِنَّ مَنْ قَدِرَ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَرغِبَ فِيهِ ؛ عَدَّدَ،فَبَدَلًا مِنْ مُقَارَفَةِ الرَّذِيلَةِ؛يَتَزَوَّجُ بِزَوْجَاتٍ شَرِيفَاتٍ فِي وَضَحِ النَّهَارِ،لَا خَدِينَةً،وَلَا خَلِيلَةً،بَلْ حَلِيلَةٌ شَرِيفَةٌ،وَهَذَا الَّذِي اِخْتَارَهُ الإِسْلامُ وَجَعَلَهُ سُنَّةً لِلأَنَامِ؛لِمُوَاجَهَةِ الْوَاقِعُ الَّذِي لَا يَنْفَعُ مَعَهُ الْحَذْلَقَةُ وَالْاِدِّعَاءُ،فَالْمَرْأَةُ تَبْلُغُ أَقْصَى دَرَجَاتِ سَعَادَتِهَا،وَاِسْتِقْرَارِهَا حِينَمَا تَكُونُ زَوْجَةً، وَلَوْ كَانَتْ ثَانِيَةً،أَوْ ثَالِثَةً،أَوْ رَابِعَةً، خَيْرٌ لَهَا مِنْ وَحْدَةٍ مُوحِشَةٍ،فَكَوْنُهَا زَوْجَةً لِرَجُلٍ أَمِينٍ غَيُورٍ عَلَيهَا،حَامِيًا – بَعْدَ اللهِ – لَهَا ، مُوفِيًا بِالْحُقوقِ الَّتِي أَوَجَبَهَا اللهِ لَهَا عَلَيه،خَيْرٌ لَهَا مِنَ التَّرَمُّلِ وَالْعُنُوسَةِ وَالطَّلاَقِ . فِيَا تُرَى مَا هُوَ أَفُضُلُ الْحُلُولِ ؟ أَحُكْمُ اللهِ أَمْ حُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ؟ إِنَّنَا أَمَامَ وَاقِعٍ يَحْتَاجُ لِلْحُلُولِ، فَلَمْ يُحْوَجْنَا الْإِسْلَامُ لِحُلُولٍ مُسْتَوْرَدَةٍ، بَلْ شَرَعَهُ لَنَا رَبُّنَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاواتٍ . وَحِينَمَا نُنْظِرُ إِلَى هَذَا الْوَاقِعِ نَجَدُ أَنَّ التَّعَدُّدَ لاَبُدَّ مِنْهُ ، لَمِنْ رَغِبَ بِهِ،وَرَغِبْنَ بِهِ،نَاهِيكَ عَنِ الْمَلَايِينَ مِنَ الْعَوَانِسِ؛فَهُنَاكَ الْمَلَايِينُ مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْأَرَامِلِ ؛ رَزَقَنَا اللهُ التَّقْوَى وَالْعَفَافَ .
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ،وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى،وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى،وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ،إِنَّ رَغْبَةَ الرَّجُلِ فِي إِشْبَاعِ غَرِيزَتِهِ،مَعَ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى إِشْبَاعِهَا؛ لِعَائِقِ سِنِّهَا،أَوْ عَوَارِضَ تُصِيبُهَا،مَعَ رَغْبَةِ الزَّوْجَيْنِ -كِلَيْهِمَا- فِي اِسْتِدَامَةِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَكَرَاهَةِ الْاِنْفِصَالِ،فَكَيْفَ نُوَاجِهُ مِثْلَ هَذِهِ الْحَالَاتِ؟ هَلْ بِالْحَذْلَقَةِ وَالسَّفْسَطَةِ ؟! أَمْ بِاللُّجُوءِ إِلَى مَا شَرَعُهُ اللهُ وَأَحَلَّهُ؛ أَوْ أَنْ يُمْنَعَ الرَّجُلُ مِنَ التَّعَدُّدِ،وَتُكْبَتُ غَرِيزَتُهُ بِتَشْرِيعَاتٍ وَضْعِيَّةٍ،وَأَحْكَامٍ بَشَرِيَّةٍ، بِحُجَّةِ أَنَّ هَذَا لَا يَتَّفِقُ مَعَ كَرَامَتِهِ،وَلَا كَرَامَةِ الْمَرْأَةِ؛فَيَكُونُ أَمَامَ أَمْرِيْنِ أَحَلَاهُمَا مَرٌّ :
الأَوَّلُ: أَنْ يُكْبِتَ، وَيَمْتَنِعَ عَنْ الْحَلاَلِ، بِأَمْرِ الْقَوَانِينِ، كَمَا فِي بَعْضِ الدُّوَلِ،وَيَمْتَنِعَ عَنِ الْحَرامِ اِسْتِجَابَةً لِأَمْرِ الرَّحْمَنِ ؛ فَيُصَابُ بِأَمْرَاضٍ عَدِيدَةٍ مِنْ جَرَّاءِ الْكَبْتِ . فَلَا حَلَّ إِلَّا بِالتَّعَدُّدِ لَمَنْ هَذِهِ قُدْرَتُهُ،وَتِلْكَ غَرِيزَتُهُ؛ فَيَحْتَفِظُ لِلزَّوْجَةِ الْأُولَى الَّتِي لَا يَقْدَرُ عَلَى مُعَاشَرَتِهَا بِرِعَايَةٍ كَرِيمَةٍ، وَيُعِفُّ نَفْسَهُ بِشَرِيفَةٍ عَفِيفَةٍ؛ فَيُحَقِّقُ التَّوَازُنَ .
الثاني: أَنْ يَنْطَلِقَ هَذَا الرَّجُلُ بَعْدَ أَنْ مُنِعَ مِنَ الْحَلَالِ بِسَبَبِ قَوَانِينِ الْبَشَرِ،وَيَتَمَرَّدُ عَلَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ؛ بِالْوُقُوعِ فِي الْفَاحِشَةِ ؛ يُخَادِنُ مَنْ شَاءَ ، وَيُسَافِحُ مَنْ شَاءَ ، فَيَقَعُ فِي الضَّلَالِ الْمُبِينِ ، فَهَذَا ضِدُّ الْفِطْرَةِ ، وَضِدُّ الدِّينِ وَالشَّرَائِعِ،وَهَذَا مَا نُلَاحِظُهُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ،حَيْثُ يَمْنَعُونَ الْحَلَالَ وَيُعَاقِبُون عَلَيْهِ،وَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ وَيُقِرُّونَهُ،بَلْ وَفِي قَوَانِينِهِمْ لَكَ أَنْ تَعِيشَ مَعَ عَشِيقَاتٍ بِلَا عَدَدٍ، وَلَو اُكْتُشِفَ أَنَّ لَكَ أَكْثَرَ مِنْ زَوْجَةٍ؛لَزُّجَّ بِكَ فِي السُّجُونِ،وَلَفُرِضَتْ عَلَيْكَ الْعُقُوبَاتُ وَالْغَرَامَاتُ.
عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ التَّعَدُّدّ مَا شُرِعَ إِلَّا لِحِكَمٍ جَلِيلَةٍ،مِنْ هَذِهِ الْحِكَمِ :
1- إِنَّ الْمَرْأَةَ تُصِيبُهَا الْعَادَةُ بِنُزُولِ دَمِ الْحَيْضِ، أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ فِي السَّنَةِ، وَالشَّرْعُ وَالْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ لِصِحَّةِ الطَّرَفَيْنِ؛ يَمْنَعَانِ إِتْيَانَهَا فِي حَيْضَتِهَا .
2- إِنَّ الْمَرْأَةَ تَحْمِلُ،وَفِي مَرَاحِلَ مِنْ حَمْلِهَا قَدْ لَا تَسْتَسِيغُ الرَّجُلَ،أَوْ لَا يَسْتَسِيغُهَا فَمِنْ أَيْنَ يُشْبِعُ الرَّجُلُ غَرِيزَتَهُ ؟
3-إِنَّ الْمُجْتَمَعَ بِحَاجَةٍ إِلَى كَثْرَةِ النَّسْلِ،وَالرَّجُلُ يَمْلِكُ الْقُدْرَةَ،إِذَا شَاءَ اللهُ، أَنْ تُنْجِبَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فِي السَّنَةِ،فِي حِينِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُنْجِبَ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ .
4-إِنَّ الرَّغَبَاتِ فِي الرِّجَالِ أَكْثَرُ مِنَ النِّسَاءِ، وَلِمَ لَا وَفَاعِلَيَّةُ الرَّجُلِ مُسْتَمِرَّةٌ،فِي الْغَالِبِ، بَيْنَمَا الْمَرْأَةُ مُتَقَطِّعَةٌ لِأَسْبَابِ الْحَيْضِ،وَالْحَمْلِ،وَالْوِلَادَةِ،وَالنِّفَاسِ؛ فَلَابُدَّ مِنْ سَبِيلٍ يَحْمِي الرَّجُلَ مِنَ الزَّلَلِ؛إِذَا مَلَكَ الْقُدْرَةَ وَالرَّغْبَةَ .
عِبَادَ اللَّهِ،إِنَّ الإِسلَامَ لَمْ يُجْبِرْ الرِّجَالَ عَلَى التَّعَدُّدِ،فَهَذِهِ رُخْصَةٌ مِنَ الرُّخَصِ،فَمَنْ أَتَاهَا رَاضِيًا قَانِعًا فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ تَرَكَهَا فَمِنْ حَقِّهِ،وَمَا أَجْبَرَ اِمْرَأَةً عَلَى قُبُولِ التَّعَدُّدِ،فَمَا قَبِلَتِ اِمْرَأَةٌ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً ثَانِيَةً، أَوْ ثَالِثَةً،أَوْ رَابِعَةً؛إِلَّا بِرِضَاهَا،فَلَا أَحَدَ أَكْرَهَهَا . أَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الرَّاضِيَةُ بِالتَّعَدُّدِ مِنْ كَرِيمَاتِ النِّسَاءِ ؟ فَمَا رَأَتْهُ مَانِعًا مِنْ كَرَامَتِهَا، بَلْ وَمَا أَجْبَرَ الإِسْلَامُ اِمْرَأَةً عَلَى أَنْ تَبْقَى فِي ذِمَّةِ مُعَدِّدٍ (فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً)( ( . مَعَ التَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ إِنْسَانٍ قَادِرٌ عَلَى التَّعَدُّدِ؛فَتَبِعَاتُ التَّعَدُّدِ وَمَسْؤُولِيَّاتُهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْوَفَاءَ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ،فَمَنْ مَلَكَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَدْلِ،وَالنَّفَقَةِ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الرَّغْبَةُ فَلَهُ أَنْ يُقْدِمَ،وَلَهُ أَنْ يُحْجِمَ .وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ حَقِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى أَحْكَامِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ .
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ,وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن،الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا,لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى،وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى،الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ،الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ،وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ،الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ،«اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ». اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ،وَأَوْلَادَهُمْ،وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ،وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ،وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ،ونستعينُهُ،ونستغفِرُهُ،ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبادَ اللهِ،إِنَّ مِمَّا يُثِيرُهُ أَعْدَاءُ اللهِ،الَّذِينَ مَا زَالُوا يَعْتَرِضُونَ عَلَى أَحْكَامِهِ، وَيُشَاقُّونَهُ؛ كَأَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنهُ بِخَلْقِهِ،وَأَرْأَفُ مِنْهُ بِعِبَادِهِ،اِدِعَاؤُهُمْ حِمَايَةَ الْمَرْأَةِ مِنَ الظُّلْمِ،وَمِنْ ذَلِكَ الْاِعْتِرَاضُ عَلَى تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ،وَهَذَا الْاِعْتِرَاضُ فِيهِ تَطَاوُلٌ عَلَى أَحْكَامِ الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ؛:(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)؟ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ،اِبْنُ تَيْمِيَّةَ،رَحِمَهُ اللهُ:"مَنْ تَعَوَّدَ مُعَارَضَةَ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ؛لَا يَسْتِقِرُّ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ"( ).
عِبَادَ اللهِ،التَّعَدُّدُ شَرَعَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ،وَفَعَلَهُ النَّبِيُّ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،حَيْثُ وَصَفَهُ اللهُ بَقَوْلِهِ:" لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)( ) فَجَمَعَ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ تِسْعٍ مِنَ النِّسْوَةِ،فَلَمْ يُنَاقِضْ تَعَدُّدُ زَوْجَاتِهِ رَحْمَتَهُ وَرَأْفَتَهُ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَعْتَذِرَ لِفِعْلِ النَّبِيِّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِقُوَّةِ الْحَمْلَةِ عَلَيْهِ؛بَأَنَّ النَّبِيَّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَزَوَّجَ لِمَصْلَحَةِ الدَّعْوَةِ،لَا لِرَغْبَةٍ،وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ جَسِيمٌ،وَبِلَا بُرْهَانٍ مُبِينٍ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ جَلِيًّا بِمَا يَلِي :
أَوَّلَا : إِنَّهُ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،قَالَ: "حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ،وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
ثَانِيًا : إِنَّهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَزَوَّجَ بِكْرًا،وَهِيَ عَائِشَةُ،رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،وَكَانَتْ أَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا،بَلْ مَاتَ عَنْهَا،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَلَمْ تَبْلُغِ الْعِشْرِينَ رَبِيعًا،رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.
ثَالِثًا :إِنَّهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَزَوَّجَ مِنْ جَمِيلَاتٍ،صَالِحَاتٍ،تَقِيَّاتٍ، كَعَائِشَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ،الَّتِي قَالَ عَنْهَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : " كَانَتْ أَجْمَلَ نِسَاءِ الْعَرَبِ" .
رَابِعًا : لَمَّا ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،حُسْنُ صَفِيَّةَ؛جَعَلَهَا مِنْ نَصِيبِهِ،وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا .
خَامِسًا : لَمَّا عَرَضَتِ اِمْرَأَةٌ نَفْسَهَا عَلَيْهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَلَمْ يَمِلْ لَهَا قَلْبُهُ؛ اِعْتَذَرَ مِنْهَا وَزَوَّجَهَا لِغَيْرِهِ. فَلَسْنَا -وَاللهِ- بِحَاجَةٍ لِصُنْعِ الْمُبَرِّرَاتِ،وَاِخْتِلَاقِ الْأَعْذَارِ لِنُرْضِيَ فُلَانًا وَعِلَّانًا،وَنَتَكَلَّفَ الرُّدُودَ؛ وَكَأَنَّهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،أَتَى بِعَيْبٍ فَنُدَارِيهِ عَنْهُ،أَوْ اِقْتَرَفَ إِثْمًا وَخَطَأً؛فَنَسْتُرُ عَلَيْهِ،بَلْ فِعْلُهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،هُوَ الْحَقُّ،وَمَا كَانَ بِدْعًا مِنَ النَّاسِ؛فَقَدْ عَدَّدَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ؛ فَوَالِدُهُ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ،عَلَيْهِ السَّلَامُ، جَمَعَ بَيْنَ سَارَةَ وَهَاجَرَ،وَسُلَيْمَانُ ابْنُ دَاودَ،عَلَيْهِمَا السَّلَامُ،كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً؛"فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ،عَلَيْهِ السَّلاَمُ،كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً، فَقَالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِي»،رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . فَإِنْ كَانَ هَدَفُ الْمُدَافِعِينَ وَالْمُنَافِحِينَ إِرْضَاءَ أَعْدَاءِ اللهِ؛فَأَزُفُّ لّهُمْ بَشْرَى بِأَنَّهُمْ لَنْ يَرْضُوا أَبَدًا،قَالَ تَعَالَى:) وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ(( ( فَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَنْ يُرْضِيَهُمْ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ اللهِ مَهْمَا فَعَلْنَا، وَمَهْمَا صَنَعْنَا.
عِبَادَ اللهِ،إِنَّ بَعْضَ مَنْ لَجَأَ لِصُنْعِ الْمُبَرِّرَاتِ لِتَعَدُّدِ زَوْجَاتِ الرَّسُولِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،مَا لَجَأَ لِذَلِكَ ؛ إِلَّا لِيُضَيِّقَ الْخِنَاقَ أَمَامَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ ظَنًّا مِنْهُ بِأَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا .
إِنَّ شَرَائِعَ اللهِ وَأَحْكَامَهُ لَا مَجَالَ فِيهَا لِلْعَبَثِ،وَلَا مَكَانَ فِيهَا لِلْمُدَارَاةِ وَالْمُدَاهَنَاتِ؛فَهُنَاكَ مَنْ يُدَاهِنُ الْغَرْبَ،وَهُنَاكَ مَنْ يُدَاهِنُ النِّسَاءَ؛فَيَقْرعُ بِالسِّيَاطِ كُلَّ مُعَدِّدٍ، وَيَذُمُّهُ فِي الْمَجَالِسِ،وَكَأَنَّ الْمُعَدِّدَ قَارَفَ ذَنْبًا عَظِيمًا،وْاِرْتَكَبَ إِثْمًا مُبِينًا . مَا ذَنْبُ الْمُعَدِّدِ إِلَّا أَنَّهُ أَتَى مَا رَخَّصَ اللهُ لَهُ بِهِ،وَعَفَّ نَفْسَهُ،إِنَّنَا وَاللهِ لَسْنَا بِحَاجَةٍ لِالْتِمَاسِ الْمُبَرِّرَاتِ لِجَوَازِ التَّعَدُّدِ،وَلَكِنْ لِتَطْمَئِنَ قُلُوبُ أَهْلِ الْإِيمَانِ،وَتَرْتَاحَ أَنْفُسُهُمْ،وَنُزِيلَ مَا عَلَقَ مِنَ الشُّبُهَاتِ بِعُقُولِ بَعْضِهِمْ،فَنَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ التَّعَدُّدَ وَاقِعٌ فِي حَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا،لَاسَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِهِ،بَلْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا حَدَّ لَهُ،فَأَتَى الْإِسْلَامُ فَقَيَّدَهُ بِأَرْبَعٍ؛لِعِلْمِهِ أَنَّ هَذِهِ مُنْتَهَى قُدْرَةِ الرِّجَالِ؛لِتَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ مَا أَمْكَنَ .
وَلِنَلْتَمِسْ بَعْضَ حِكَمِ التَّعَدُّدِ ، فِمِنَ الْحِكَمِ :
إِنَّ الْإِسْلَامَ يُعَالِجُ مَشَاكِلَ تُوجَدُ فِي الْمُجْتَمَعِ،فَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّسَاءَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنَ الرِّجَالِ، وَالْإِحْصَائِيَّاتُ تُثْبِتُ ذَلِكَ،فَعُرْضَةُ الرِّجَالِ لِلْفَنَاءِ أَكْثَرُ مِنْ عُرْضَةِ النِّسَاءِ،وَشَيْخُوخَةُ الْمَرْأةُ أَسْرَعُ مِنْ شَيْخُوخَةِ الرَّجُلِ،قَوَانِينُ ثَابِتةٌ لَا مَجَالَ لِنَفْيِهَا،فَمَا الْحَلُّ يَا تُرَى أَمَامَ كَثْرَةِ النِّسَاءِ مُقَابَلَ قِلَّةِ الرِّجَالِ ؟ أَمَامَنَا اِحْتِمَالٌ وَاحِدٌ مِنْ اِحْتِمَالَيْنِ :
الْاِحْتِمَالُ الْأَوَّلُ : أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ إِلَّا اِمْرَأَةً وَاحِدَةً؛فَتَبْقَى مِئَاتُ الْآلَافِ -إِنْ لَمْ تَكُنْ مَلَايِينَ - مِنَ الْعَوَانِسِ بِلَا زَوْجٍ؛ فَتَظَلُّ أَبَدَ دَهْرِهَا لَا تَعْرِفُ الرِّجَالَ ، فَلَا هِيَ أُمٌّ،وَلَا زَوْجَةٌ،وَهَذَا لَا يُمْكِنُ قُبُولُهُ؛فَالْغَرِيزَةُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَوْجُودَةٌ،فَلَا يُمْكِنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَقْضِيَ حَيَاتَهَا لَا تَعْرِفُ الرِّجَالَ، وَإِنْ صَبَرَ بَعْضُهُنَّ، فَلَا يَصْبِرْنَ بَمَجْمُوعِهِنَّ،فَهَذَا ضَدُّ الْفِطْرَةِ وَالطَّاقَةِ، فَكَيْفَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعِيشَ بِلَا رَجُلٍ حَيَاةَ الْعَذَابِ وَالْبُؤْسِ ؟ ٍوَقَدْ تَدْفَعُهُنَّ الْحَاجَةُ وَالْغَرِيزَةُ،وَتَدْفَعُ الرِّجَالَ،الَّذِينَ لَمْ تُشْبِعُهُمْ زَوْجَاتُهُمْ؛لِمُقَارَفَةِ الرَّذِيلَةِ،وَإِتْيَانِ الْفَاحِشَةِ،وَذَلِكَ مَا يَحْدُثُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبُلْدَانِ،لَا يُنْكِرُهُ إلّا مُعَانِدٌ مُكَابِرٌ، يُنْكِرُ الْوَاقِعَ بِطْريقَةٍ سَفَسْطَائِيَّةٍ مَقِيتَةٍ . وَهَذَا الْاِحْتِمَالُ يَرْفُضُهُ الإِسْلَامُ؛لأَنَّهُ ضِدٌّ نَقَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْعَفِيفِ،وَضِدُّ كَرَامَةِ الْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ، وَلَا يَرْضَاهُ إِنْسَانٌ،وَلَا يَتَفَوَّهُ بِهِ مُسْلِمٌ بِلِسَانِ الْحَالِ أَوْ الْمَقَالِ، وَلَا يَرْضَاهُ إِلَّا مَنْ يَرْغَبُونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ، وَيَفْشُو الزِّنَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ!
الْاِحْتِمَالُ الثَّانِي : إِنَّ مَنْ قَدِرَ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَرغِبَ فِيهِ ؛ عَدَّدَ،فَبَدَلًا مِنْ مُقَارَفَةِ الرَّذِيلَةِ؛يَتَزَوَّجُ بِزَوْجَاتٍ شَرِيفَاتٍ فِي وَضَحِ النَّهَارِ،لَا خَدِينَةً،وَلَا خَلِيلَةً،بَلْ حَلِيلَةٌ شَرِيفَةٌ،وَهَذَا الَّذِي اِخْتَارَهُ الإِسْلامُ وَجَعَلَهُ سُنَّةً لِلأَنَامِ؛لِمُوَاجَهَةِ الْوَاقِعُ الَّذِي لَا يَنْفَعُ مَعَهُ الْحَذْلَقَةُ وَالْاِدِّعَاءُ،فَالْمَرْأَةُ تَبْلُغُ أَقْصَى دَرَجَاتِ سَعَادَتِهَا،وَاِسْتِقْرَارِهَا حِينَمَا تَكُونُ زَوْجَةً، وَلَوْ كَانَتْ ثَانِيَةً،أَوْ ثَالِثَةً،أَوْ رَابِعَةً، خَيْرٌ لَهَا مِنْ وَحْدَةٍ مُوحِشَةٍ،فَكَوْنُهَا زَوْجَةً لِرَجُلٍ أَمِينٍ غَيُورٍ عَلَيهَا،حَامِيًا – بَعْدَ اللهِ – لَهَا ، مُوفِيًا بِالْحُقوقِ الَّتِي أَوَجَبَهَا اللهِ لَهَا عَلَيه،خَيْرٌ لَهَا مِنَ التَّرَمُّلِ وَالْعُنُوسَةِ وَالطَّلاَقِ . فِيَا تُرَى مَا هُوَ أَفُضُلُ الْحُلُولِ ؟ أَحُكْمُ اللهِ أَمْ حُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ؟ إِنَّنَا أَمَامَ وَاقِعٍ يَحْتَاجُ لِلْحُلُولِ، فَلَمْ يُحْوَجْنَا الْإِسْلَامُ لِحُلُولٍ مُسْتَوْرَدَةٍ، بَلْ شَرَعَهُ لَنَا رَبُّنَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاواتٍ . وَحِينَمَا نُنْظِرُ إِلَى هَذَا الْوَاقِعِ نَجَدُ أَنَّ التَّعَدُّدَ لاَبُدَّ مِنْهُ ، لَمِنْ رَغِبَ بِهِ،وَرَغِبْنَ بِهِ،نَاهِيكَ عَنِ الْمَلَايِينَ مِنَ الْعَوَانِسِ؛فَهُنَاكَ الْمَلَايِينُ مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْأَرَامِلِ ؛ رَزَقَنَا اللهُ التَّقْوَى وَالْعَفَافَ .
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ،وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى،وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى،وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ،إِنَّ رَغْبَةَ الرَّجُلِ فِي إِشْبَاعِ غَرِيزَتِهِ،مَعَ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى إِشْبَاعِهَا؛ لِعَائِقِ سِنِّهَا،أَوْ عَوَارِضَ تُصِيبُهَا،مَعَ رَغْبَةِ الزَّوْجَيْنِ -كِلَيْهِمَا- فِي اِسْتِدَامَةِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَكَرَاهَةِ الْاِنْفِصَالِ،فَكَيْفَ نُوَاجِهُ مِثْلَ هَذِهِ الْحَالَاتِ؟ هَلْ بِالْحَذْلَقَةِ وَالسَّفْسَطَةِ ؟! أَمْ بِاللُّجُوءِ إِلَى مَا شَرَعُهُ اللهُ وَأَحَلَّهُ؛ أَوْ أَنْ يُمْنَعَ الرَّجُلُ مِنَ التَّعَدُّدِ،وَتُكْبَتُ غَرِيزَتُهُ بِتَشْرِيعَاتٍ وَضْعِيَّةٍ،وَأَحْكَامٍ بَشَرِيَّةٍ، بِحُجَّةِ أَنَّ هَذَا لَا يَتَّفِقُ مَعَ كَرَامَتِهِ،وَلَا كَرَامَةِ الْمَرْأَةِ؛فَيَكُونُ أَمَامَ أَمْرِيْنِ أَحَلَاهُمَا مَرٌّ :
الأَوَّلُ: أَنْ يُكْبِتَ، وَيَمْتَنِعَ عَنْ الْحَلاَلِ، بِأَمْرِ الْقَوَانِينِ، كَمَا فِي بَعْضِ الدُّوَلِ،وَيَمْتَنِعَ عَنِ الْحَرامِ اِسْتِجَابَةً لِأَمْرِ الرَّحْمَنِ ؛ فَيُصَابُ بِأَمْرَاضٍ عَدِيدَةٍ مِنْ جَرَّاءِ الْكَبْتِ . فَلَا حَلَّ إِلَّا بِالتَّعَدُّدِ لَمَنْ هَذِهِ قُدْرَتُهُ،وَتِلْكَ غَرِيزَتُهُ؛ فَيَحْتَفِظُ لِلزَّوْجَةِ الْأُولَى الَّتِي لَا يَقْدَرُ عَلَى مُعَاشَرَتِهَا بِرِعَايَةٍ كَرِيمَةٍ، وَيُعِفُّ نَفْسَهُ بِشَرِيفَةٍ عَفِيفَةٍ؛ فَيُحَقِّقُ التَّوَازُنَ .
الثاني: أَنْ يَنْطَلِقَ هَذَا الرَّجُلُ بَعْدَ أَنْ مُنِعَ مِنَ الْحَلَالِ بِسَبَبِ قَوَانِينِ الْبَشَرِ،وَيَتَمَرَّدُ عَلَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ؛ بِالْوُقُوعِ فِي الْفَاحِشَةِ ؛ يُخَادِنُ مَنْ شَاءَ ، وَيُسَافِحُ مَنْ شَاءَ ، فَيَقَعُ فِي الضَّلَالِ الْمُبِينِ ، فَهَذَا ضِدُّ الْفِطْرَةِ ، وَضِدُّ الدِّينِ وَالشَّرَائِعِ،وَهَذَا مَا نُلَاحِظُهُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ،حَيْثُ يَمْنَعُونَ الْحَلَالَ وَيُعَاقِبُون عَلَيْهِ،وَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ وَيُقِرُّونَهُ،بَلْ وَفِي قَوَانِينِهِمْ لَكَ أَنْ تَعِيشَ مَعَ عَشِيقَاتٍ بِلَا عَدَدٍ، وَلَو اُكْتُشِفَ أَنَّ لَكَ أَكْثَرَ مِنْ زَوْجَةٍ؛لَزُّجَّ بِكَ فِي السُّجُونِ،وَلَفُرِضَتْ عَلَيْكَ الْعُقُوبَاتُ وَالْغَرَامَاتُ.
عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ التَّعَدُّدّ مَا شُرِعَ إِلَّا لِحِكَمٍ جَلِيلَةٍ،مِنْ هَذِهِ الْحِكَمِ :
1- إِنَّ الْمَرْأَةَ تُصِيبُهَا الْعَادَةُ بِنُزُولِ دَمِ الْحَيْضِ، أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ فِي السَّنَةِ، وَالشَّرْعُ وَالْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ لِصِحَّةِ الطَّرَفَيْنِ؛ يَمْنَعَانِ إِتْيَانَهَا فِي حَيْضَتِهَا .
2- إِنَّ الْمَرْأَةَ تَحْمِلُ،وَفِي مَرَاحِلَ مِنْ حَمْلِهَا قَدْ لَا تَسْتَسِيغُ الرَّجُلَ،أَوْ لَا يَسْتَسِيغُهَا فَمِنْ أَيْنَ يُشْبِعُ الرَّجُلُ غَرِيزَتَهُ ؟
3-إِنَّ الْمُجْتَمَعَ بِحَاجَةٍ إِلَى كَثْرَةِ النَّسْلِ،وَالرَّجُلُ يَمْلِكُ الْقُدْرَةَ،إِذَا شَاءَ اللهُ، أَنْ تُنْجِبَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فِي السَّنَةِ،فِي حِينِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُنْجِبَ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ .
4-إِنَّ الرَّغَبَاتِ فِي الرِّجَالِ أَكْثَرُ مِنَ النِّسَاءِ، وَلِمَ لَا وَفَاعِلَيَّةُ الرَّجُلِ مُسْتَمِرَّةٌ،فِي الْغَالِبِ، بَيْنَمَا الْمَرْأَةُ مُتَقَطِّعَةٌ لِأَسْبَابِ الْحَيْضِ،وَالْحَمْلِ،وَالْوِلَادَةِ،وَالنِّفَاسِ؛ فَلَابُدَّ مِنْ سَبِيلٍ يَحْمِي الرَّجُلَ مِنَ الزَّلَلِ؛إِذَا مَلَكَ الْقُدْرَةَ وَالرَّغْبَةَ .
عِبَادَ اللَّهِ،إِنَّ الإِسلَامَ لَمْ يُجْبِرْ الرِّجَالَ عَلَى التَّعَدُّدِ،فَهَذِهِ رُخْصَةٌ مِنَ الرُّخَصِ،فَمَنْ أَتَاهَا رَاضِيًا قَانِعًا فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ تَرَكَهَا فَمِنْ حَقِّهِ،وَمَا أَجْبَرَ اِمْرَأَةً عَلَى قُبُولِ التَّعَدُّدِ،فَمَا قَبِلَتِ اِمْرَأَةٌ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً ثَانِيَةً، أَوْ ثَالِثَةً،أَوْ رَابِعَةً؛إِلَّا بِرِضَاهَا،فَلَا أَحَدَ أَكْرَهَهَا . أَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الرَّاضِيَةُ بِالتَّعَدُّدِ مِنْ كَرِيمَاتِ النِّسَاءِ ؟ فَمَا رَأَتْهُ مَانِعًا مِنْ كَرَامَتِهَا، بَلْ وَمَا أَجْبَرَ الإِسْلَامُ اِمْرَأَةً عَلَى أَنْ تَبْقَى فِي ذِمَّةِ مُعَدِّدٍ (فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً)( ( . مَعَ التَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ إِنْسَانٍ قَادِرٌ عَلَى التَّعَدُّدِ؛فَتَبِعَاتُ التَّعَدُّدِ وَمَسْؤُولِيَّاتُهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْوَفَاءَ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ،فَمَنْ مَلَكَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَدْلِ،وَالنَّفَقَةِ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الرَّغْبَةُ فَلَهُ أَنْ يُقْدِمَ،وَلَهُ أَنْ يُحْجِمَ .وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ حَقِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى أَحْكَامِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ .
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ,وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن،الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا,لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى،وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى،الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ،الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ،وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ،الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ،«اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ». اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ،وَأَوْلَادَهُمْ،وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ،وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ،وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
مَشْكُولَةٌ.docx
مَشْكُولَةٌ.docx
مَشْكُولَةٌ.pdf
مَشْكُولَةٌ.pdf
غير مشكولة.docx
غير مشكولة.docx
المشاهدات 2970 | التعليقات 3
أخاف أخطب بها وتدخل علي زوجتي وتنزلني من المنبر :d
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
أحمد بن ناصر الطيار
شكر الله لك شيخ صالح على هذه الخطبة الموفقة المسددة, أتيت بما في البال وزيادة, نفع الله بجهودكم.
تعديل التعليق