(خطبة)الخوف والقلق وأثرهما على حياة المسلم

خالد الشايع
1442/10/29 - 2021/06/10 15:32PM

الخطبة الأولى ( القلق وأثره على حياة المسلم )  1/11/1442

أما بعد فيا أيها الناس : إن المسلم في هذه الحياة معرض للآفات ، وهذا من البلاء الذي كتبه الله على ابن آدم ، والناس في هذه الحياة تطغى عليهم خصلتان إلا من رحم الله ، الجمع والمنع ، فالإنسان جموع منوع ، إلا من هداه الله ، ومن كانت هذه صفته ازعجه كل مايكدر صفو ما يجمع ، وإذا تأملت الناس في هذه الأزمنة ، بل وفي كل زمان ، وجدت أن الكثير يشكو من القلق ، يقلق من حصول ما ينغص حياته ، ويقلق من ذهاب ما في يده ، ويخاف من المرض والموت ، ويخاف من الفقر ، فهذا القلق ينغص حياته ، ويكدر صفوها ، وتجده يعيش في ضنك من العيش بسبب هذا القلق ، وهذا ما سنتحدث عنه في هذه الخطبة بإذن الله تعالى .

لقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ) فكلما تعلق المرء بالدنيا ، كلما زاد قلقه وخوفه ، ولهذا تجد الكافر أشد الناس قلقا ، وحرصا على الحياة ، قال تعالى ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة )

والمسلم إذا زاد تعلقه بالدنيا ، زاد قلقه ، ألم تر أن الفقير المعدم ، لا يقلق إلا قليلا ، فلا شيء يخشى فواته ، بعكس الجموع المنوع .

إن الناظر فيمن حوله من الناس يجد أن قلقهم غالبا خوفا من الأمراض ، سواء فيه أو في أولاده ، وكذلك يقلقون من الفقر وقلة المال والخسارة ونحو ذلك ، وهؤلاء إنما يخافون ويقلقون من شيء قد حكم فيه الله سبحانه ، فقال ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) فلن يصيب المرء إلا ما كتب الله له ، فهذا قدر قد فرغ منه في الأزل قبل خلق الإنسان .

أخرج الترمذي من حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم ( واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء ، لم يكتبه الله لك ، لم ينفعوك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يكتبه الله عليك ، لم يضروك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف )

وكذلك بالنسبة للرزق ، فقد كتب رزقك وأنت في بطن أمك كما جاء في الصحيح ، أن الملك يرسل للجنين وهو ابن مائة وعشرين يوما ، فيقال له : (اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ) فهذه أمور أربعة لا تشغل بها نفسك فقد فرغ منها قبل أن تولد ، فلم القلق .

عباد الله : إن القلق مرض ينشأ بسبب أ وساوس الشيطان  ، كما قال تعالى ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) ، فمن أصيب بمرض ولو كان خطيرا ، فليعلم أن الآجال بيد الله ، وأن وقت موت ابن آدم محسوم لا يؤخر ، ( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) فلا يشغل نفسه بالموت ، فالآجال مضروبة ، فيموت المريض والصحيح ، والصغير والكبير ، ولنعمل بوصية الله لنا ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) فاستعد للموت بالثبات على الإسلام ، ولربما أصاب الإنسان القلق على أولاده وهم صغار ، فيأتيه الشيطان يوسوس له من يعولهم ، ومن يرعاهم ،  فهذا نبي الأمة وقائدها ولد يتيما وعاش يتيم الأبوين ، فالله خير حافظا ، قال تعالى ( ولا تقتلوا أولادكم خشية أملاق نحن نرزقهم وإياكم ) فالله هو الرزاق ، وهو المدبر ، ولا يفسد عليك الشيطان لحظات حياتك الحالية ، بالخوف من المستقبل ، فالمستقبل أمره بيد الله الحكيم المدبر

وليعلم المؤمن أن قضاء الله للمؤمن كله خير ، اخرج مسلم في صحيحه من حديث صهيب الرومي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له) فمهما اصبت به من مرض وهم وغم وفتن ، فقل إن الله أراد بي خيرا ، فالله لطيف بعباده ، وقد يدق لطفه فلا تبلغه عقولنا ، فلنحمد الله على كل حال .

اللهم تولنا فيمن توليت  ، واصرف عن القلق يارب العالمين ، أقول قولي هذا ....

 

 

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : إن الخوف من المستقبل هو في حقيقا وهم يخلقه الشيطان في عقل الإنسان ، فكل هذا ليس حقيقيًا. إنما هو مجرد وهم ووسواس .

فإذا أراد العبد أن يتخلص منه ، فلابد له من معرفة حقيقة ما يعيش فيه ، ثم يقنع نفسه بأنه قادر على التغيير بإذن الله ، فتغيير التصورات يمكن أن يفك سلاسل الخوف التي تسيطر علينا ، ويحل بدلا منها مشاعر الفرح .

فلو نظر العبد إلى ما آتاه الله من النعم لعلم أن الشيطان ينسيه ماهو فيه من الخير ، ويحصر عقله في الشر الواقع عليه ، بالنسبة له . فلا تنظر إلى الجانب المظلم في حياتك .

إن القلق من المستقبل من التشاؤم المنهي عنه ، فالعبد إذا خاف من المستقبل وأصابه قلق ، هو طائع للشيطان ، شاك في قدرة ربه ورحمته وعدله .

إن المستقبل الذي يجب أن يقلقك حقا ،  وتعمل من أجله ، هو مصيرك في الآخرة ، كما قال تعالى ( فريق في الجنة وفريق في السعير)

 عباد الله : إن المؤمن المتوكل على ربه لا يقلق ولا يخاف ، لأنه يعلم أن الأمور بيد الله ، وأن الله يفعل ما يشاء ، إن القلق والخوف مصير الكافرين الذين لا يؤمنون بإله يقدر الأمور ، ولهذا يكثر فيهم الانتحار ، وفقدان العقل ، والاستسلام للشيطان ، وإن قصصهم كثيرة جدا في ذلك ، تجد البعض منهم بلغ منزلة عظيمة من العلم النظري ، ثم فجأة ينتحر ويهرب من القلق ، قال الله عنهم ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم معرضون )  و مشاهير الفن وغير الفن يكثر فيهم الانتحار ، لأن فيهم مدمنو مخدرات ، يغلب عليهم القلق والاكتئاب ، يسلط الله عليهم الهم والغم لبعدهم عن الله ، أما المؤمن فهو قريب من الله ، متوكل عليه ، راض بقدره ، يحتسب الأجر في كل ما يصيبه ، ويشكر كل نعمة ، حتى يلاقي ربه فينعم بأجر صبره واحتسابه .

اللهم أبعد عنا القلق والوهم ، ..

المرفقات

1623339110_الخوف والقلق وأثرها على حياة المسلم.docx

المشاهدات 4046 | التعليقات 0