(خطبة)الحجرة النبوية وأحكامها

خالد الشايع
1440/03/22 - 2018/11/30 00:27AM
(الحجرة النبوية وأحكامها )         22/3/1440
أما بعد فيا أيها الناس : إن الله جل وعلا جعل أمتنا آخر الأمم ، وأنزل عليها أفضل الكتب وأرسل لهم أفضل الرسل ، وجعل دين الإسلام ناسخا لكل دين ، وجعل هذه الدين صالحا لكل زمان ، فهذا دين الإسلام لا يزال غضا طريا مقيما لأحوال الناس ، وإن من حفظ الله لهذه الأمة ، أن حفظ لهم قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، من أن تعبث به أيد المبتدعة و القبوريين ، وقد عبدت الأمم قبلنا قبور أنبيائهم ، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من اتخاذ القبور مساجد ، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم دفن في بيته في حجرة عائشة لأن الأنبياء يدفنون حيث قبضوا ، وهذا من صيانة الله لحرمة النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ أمته قبره عيدا أو مسجدا .
عباد الله : وبعد  ما دفن صلى الله عليه وسلم في بيته مكث سنوات عدة على هذه الحال ، حتى جاء زمن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي ، وقام بتوسعة المسجد النبوي ، فأدخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ، في جهته الشرقية ، وتوالت الدول وهو في مكانه لم يتغير وحفظ بحفظ المسجد النبوي ، فلم يتطرق له يد عابث ولا مبتدع ، حتى قيض الله هذه الدولة المباركة التي قامت على نبذ الشرك والبدع ، ولعلنا في هذه الخطبة نتطرق للحجرة النبوية وهل لها فضل على سائر البقاع أم لا ؟
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان أول شيء بدأ به بناية المسجد ، ثم بنا حوله حجرات لنسائه ، وكان بابها مفتوحا على المسجد ، لما توفي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرة عائشة ، ثم دفن معه صاحبه أبوبكر ثم دفن معهما صاحبُهما عمر رضي الله عنهم ، وقسمت عائشة غرفتها إلى قسمين قسم فيه القبور وقسم تنام فيه ، وجعلت بينها وبين القبور ساترا ، وكان الصحابة إذا قدموا من سفر جاءوا وسلموا على النبي وصاحبيه ، ولم يكونوا يداومون على الزيارة ، استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم من قوله ( لا تتخذوا قبري عيدا ) تحذيرا من الغلو في القبر ، لأن الغلو يوصل إلى العبادة من دون الله ، أخرج أبو داود في سننه بسند جيد عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا ، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا ، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ ) ؛ فنهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيدا ، ويدخل في ذلك سائر القبور بطريق الأولى ؛ واتخاذ القبر عيدا يشمل عدة صور ؛ منها:
 اعتياد زيارته على وجه مخصوص ؛ ككل جمعة أو شهر ، أو كلما دخل المسجد ، أو كلما صلى الفجر مثلا ؛ لأن العيد اسم لما يعتاد مجيئه وقصده من زمان أو مكان . وكذلك تحري الدعاء عند القبر ؛ لما رواه ضياء الدين المقدسي في المختارة بسند جيد عن علي بن الحسين رضي الله عنه، أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها ، فيدعو ، فنهاه ، وقال : ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تتخذوا قبري عيداً ، ولا بيوتكم قبوراً ، وصلوا علي ، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم ) ؛ قال الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله : ( هذا يدل على النهي عن قصد القبور والمشاهد لأجل الدعاء والصلاة عندها . قال شيخ الإسلام رحمه الله : ما علمت أحدا رخص فيه ؛ لأن ذلك نوع من اتخاذها عيدا ) . فتح المجيد ( 270 ) .
فهذه الأحاديث كلها تدل على عدم تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن التبرك  به ، أو غيرها من الاعتقادات الضالة ، فما بالك بمن يعتقد البركة في الحجرة النبوية كلها ، ويتمسح بها وبأعتابها ، وجدرانها ويتمنى لو دخلها وتمرغ فيها ، وهذه كلها لوثات صوفية وانحرافات عقدية ، يجلبها الناس الزائرون للمسجد ويتلقفها الناس منهم للأسف . حتى إن بعضهم والعياذ بالله فضل الحجرة على الكعبة ، أولا يعلمون أن جدران الحجرة قد تهدمت وهذه الجدران التي يرونها حادثة ، والعجب ممن يستقبل الحجرة ويدعو ،والبعض يستقبل القبر ، وتجده في آخر المسجد وإذا أراد الدعاء توجه للحجرة ، والبعض يكون خارج المسجد فيستقبل الحجرة ويستدبر القبلة والعياذ بالله ، كل هذا من باب التعلق بالقبور التي عافانا الله منها في هذه البلدة المباركة بفضل الله ثم بفضل دعوة شيخ الإسلام ومجدد  الدين محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه
عباد الله : لقد حبى الله نبيه بمنحة ربانية لم تعطى غيره من البشر ، وهي أن الله وكل ملكا بتبليغ النبي صلى الله عليه وسلم سلام كل من سلم عليه أيا كان موضعه ، ولا يلزم الذهاب للقبر ، كل هذا سدا لذريعة الشرك والغلو في القبور .
اللهم ألزمنا طريق السنة وجنبنا طريق البدعة يا رب العالمين أقول قولي هذا ....
                       
                                الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس :
لا يزال الحديث موصولا عن الحجرة النبوية وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
فمن المسائل التي تدخل في ذلك مسألة شد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من القبور والمشاهد ؛ لأن ذلك من اتخاذها أعيادا ، قال عبد الرحمن بن حسن : (وهذه هي المسألة التي أفتى بها شيخ الإسلام رحمه الله- أعني من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين - ونقل فيها اختلاف العلماء ، فمن مبيح لذلك كالغزالي وأبي محمد المقدسي . ومن مانع لذلك كابن بطة وابن عقيل ، وأبي محمد الجويني ، والقاضي عياض . وهو قول الجمهور ، نص عليه مالك ولم يخالفه أحد من الأئمة ، وهو الصواب ؛ لما في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى . فدخل في النهي شدها لزيارة القبور والمشاهد ... ؛ ولهذا فهم منه الصحابة - - المنع ؛ كما في الموطأ والمسند والسنن عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري أنه قال لأبي هريرة - وقد أقبل من الطور - : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه لما خرجت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد ؛ المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ". وروى الإمام أحمد وعمر بن شبّة في أخبار المدينة بإسناد جيد عن قزعة قال: " أتيت ابن عمر فقلت : إني أريد الطور. فقال : إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد ؛ المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، والمسجد الأقصى . فدع عنك الطور ولا تأته . فابن عمر وبصرة بن أبي بصرة جعلا الطور مما نهي عن شد الرحال إليه ؛ لأن اللفظ الذي ذكراه فيه النهي عن شدها إلى غير الثلاثة مما يقصد به القربة ، فعلم أن المستثنى منه عام في المساجد وغيرها ، وأن النهي ليس خاصا بالمساجد ، ولهذا نهيا عن شدها إلى الطور مستدلين بهذا الحديث . والطور إنما يسافر من يسافر إليه لفضيلة البقعة. فإن الله سماه الوادي المقدس والبقعة المباركة . وكلّم كليمه موسى هناك ، وهذا هو الذي عليه الأئمة الأربعة وجمهور العلماء  ) . فتح المجيد ( 271 ، 272 ) .
والخلاصة في مسألة شد الرحل ، أنه لا تجوز لأي بقعة يتعبد فيها لا قبر ولا مسجد إلا لهذه المساجد الثلاثة مسجد الكعبة ومسجد النبي والمسجد الأقصى .
فشد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المنكرة ، ويخطىء البعض ويقول سأسافر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم .
والواجب أن يكون شد الرحل للصلاة في مسجد النبي لأن الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ثم إذا دخل المسجد بدأ بتحية المسجد ثم يشرع له زيارة القبر للسلام على النبي وصاحبيه ، والسنة في ذلك أن يتوجه إلى الحجرة النبوية فإذا وصل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال : السلام عليكم يا رسول الله ، أشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة ، ثم يمر بقبر أبي بكر فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله ، ثم عمر ويقول السلام عليك يا عمر ثم ينصرف ولا يقف للدعاء ولو كان للقبلة فهذه من البدع.
معاشر المسلمين : إياكم والغلو ، والبعض يصف أهل النجد بالجفاء في حق النبي صلى الله عليه وسلم ونقول ليست المحبة بالغلو والبدع والشركيات ، ومخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، بل المحبة هي بالمتابعة لهديه واقتفاء آثاره وطاعته فيما أمر ، وأكثر الغالين في محبة النبي صلى الله عليه وسلم تجدهم يخالفونه في سنته وهديه ، فتجده حليقا مسبلا ، ومضيعا لكثير من أمور الدين ، وليست هذه بعلامة المحب :
تعص الإله وأنت تزعم حبه      هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته    إن المحب لمن يحب مطيع
أيها المؤمنون : وتلخيصا لما مضى ، الحجرة النبوية ليس لها أي فضل أو مزية على سائر البقاع ، فتفضيل البقاع لا يكون إلا بدليل ، وقبر النبي صلى الله عليه وسلم كسائر القبور يزار للسلام ولا يجوز الدعاء عنده ولا شد الرحل إليه ، ولا التمسح به ، ولا مخاطبة النبي كمخاطبة الحي ، ودعائه وسؤاله فهذا من الشرك بالله ، ولو كان حيا في قبره ، فحياته برزخية لا حياة دنيوية ، ومحبة النبي هي باتباع سنته وطاعته فيما أمر والانتهاء عما عنه نهى وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .
اللهم اجعلنا من أحباب نبيك وأنصار سنته واحشرنا في زمرته صلى الله عليه وسلم .
المشاهدات 1396 | التعليقات 0