خُطبةٌ
عنان عنان
1436/03/09 - 2014/12/31 12:29PM
" الخُطبةُ الاولى "
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهديهِ اللهُ فَهُوَ المُهتدِ، ومَنْ يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الَّلهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ..........
عبادَ اللهِ: لقدْ كانتِ الامةُ قبلَ بعثةِ النبيِّ- صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -كمجتمعِ الغابةِ، القويُّ يأكلُ الضعيفَ،
يُصورَ لنا جعفرُ بنُ أبي طالبٍ-رضيَ اللهُ عنه- حالَ الامةِ قبلَ بعثتِه-عليهِ الصلاةُ السَّلامُ- حينما وقفَ خطيباً أمامَ النجاشيِّ ملِكِ الحبشةِ قائلاً: (( أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ؛ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ؛ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ؛ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ؛ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ؛ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ؛ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ . ))
عبادَ اللهِ: البشرُ يُقلِّدونَ البشرَ، ويأخذونَ المثلَ مِنَ البشرِ، والانسانُ بطبعتهِ يُحبُّ أن يرى المثلَ الذي يقتدي بهِ، واللهُ يَعلمُ ذلكَ مِنْ عبادهِ لأنَّه خالقُهم، ولقدْ بعثَ اليهم رسولاً كريماً رحيماً عظيماً جليلاً، قالَ سبحانَهُ: (( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ))
ولقدْ مَنَّ اللهُ على هذهِ الامةِ لأنَّ أرسلَ إليهم هذا النبيَّ الكريمَ، قالَ سبحانَهُ: (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. ))
ولقدْ بيَّنَ اللهُ أنَّ أتباعَهُ في سعادةٍ في الدنيا والأخرةِ، لأنَّ هذا النبيَّ هُوَ الذي اختارهُ اللهُ واصطفَاهُ واحبَّهُ وجعلَهُ أفضلَ الخلقِ، فلا يوجدُ نبيٌّ مُرسلٌ ولا مَلَكٌ مُقربٌ هُوَ أقربُ إلى اللهِ مِنَ النبيِّ مُحمدٍ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
أرسلَهُ اللهُ ليُتمِّمَ أخلاقَ البشرِ، قالَ- صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: (( إنَّما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ مَكارمَ الاخلاقِ. ))
أرسلَهُ اللهُ لِرَّحمةٍ، قالَ تعالى: (( وما أرسلناكَ إلَّا رحمةً للعالمينَ. )) قال ابن عباس: (( مَنْ تَبِعهُ كانَ له رحمةً في الدنيا والاخرةِ، ومَنْ لمْ يتبعهُ عُوفيَ ممَّا كانَ يُبتلى بهِ سائرُ الاممِ مِنَ الخسفِ والمسخِ القذفِ " رواه الطبراني ". ))
وقالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَمَ-: (( إنَّما أنا رحمةٌ مُهداةٌ. ))
همُّهُ كانَ على أمتهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه :
(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ (( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي )) الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : (( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي . وَبَكَى . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ ! اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ - وَرَبُّكَ أَعْلَمُ - فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ . فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ . فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ )) " " رواه مسلم" عَنْ أمِّنا عائشةَ- رضيَ اللهُ عنها أنَّها قالتْ : لما رأيتُ مِنَ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ طِيبَ النَّفْسِ قلتُ: يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ لي قال : اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم من ذنبِها وما تأخَّرَ وما أسرَّتْ وما أعلنَتْ ، فضحكتْ عائشةُ حتى سقط رأسُها في حِجرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من الضَّحِكِ فقال: أَيَسُرُّكِ دُعائي فقالتْ : ومالي لا يَسُرُّني دُعاؤُكَ فقال : واللهِ إنها لَدَعْوتي لأُمَّتي في كلِّ صلاةٍ . " صححهُ الالبانيُّ "
أخبأ دعوتَهُ المستجابةَ مِنْ أجلِ أُمَّتهِ، قالَ- صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا. )) " رواه مُسلمٌ " فأينَ أمَّتُهُ مِنْ نصرتهِ وسيرتِهِ ودعوتهِ.
عبادَ اللهِ: في هذا الزمانِ، نسوا المسلمونَ نبيَّهم محمداً- صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- لا يتَّبعونَ سُنتهُ ولا يقتدونَ بأثرهِ إلَّا ما رَحِمَ اللهُ، بلْ حتى وصلَ بهمُ الامرُ أنْ يسمعوا قولَ رسولِ اللهِ ولمْ يُصَلُّوا عليهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- اعفاءُ اللحى التي هيَ مِنْ أخفِّ السُننِ على الانسانِ لا يعفونها، دخلَ أحدُ الصالحينَ إلى المسجدِ برجلِهِ اليُسرى فأُغميَ عليهِ، فقيلَ لهُ ما بكَ؟ قالَ: تذكرتُ قولَهُ تعالى: (( فليحذرِ الذينَ يُخالفونَ عَنْ أمرِهِ أنْ تُصيبَهُم فتنةٌ أوْ يُصيبَهم عذابٌ أليمٌ. )) كانَ ابنُ عمرَ-رضيَ اللهُ عنهما- يَتَّبعُ خُطأ النبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( كُلُّ أُمتي يدخلونَ الجنةَ، إلَّا مَنْ أبى، قيلَ ومَنْ يأبى يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: مَنْ أطاعني دخلَ الجنةَ، ومَنْ عصاني فقدْ أبى. )) " مُتفقٌ عليهِ ".
عِبادَ اللهِ: جاءَ أعرابيٌّ وقالَ لهُ: مَنْ يشهدُ أنَّكَ رسولَ اللهِ؟ فقالَ: (( هذهِ النخلةُ تشهدُ أنَّي رسولَ اللهِ))، فذهبَ الأعرابيُ وقالَ لها: أجيبي رسولَ الله، فمالتِ النخلةُ يميناً وشمالاً حتى انقلعتْ، ثُمَّ جاءتْ تشقُّ الأرضَ حتى قالتْ: السلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ، ثُّمَ عادتْ إلى موضعِها، فأسلمَ الإعرابيُّ وقالَ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ. حتى الحَجَرُ عرفَ قيمتَه، يقولُ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إنِّي لأعرفُ حجراً بمكةَ كانَ يُسلِّمُ عليّ قبلَ أن أبعثَ، إنِّي لأعرفهُ الآنَ
وأعجبُ مِنْ ذلكَ أنَّهُ كانَ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يخطُبُ على جذعِ نخلةٍ، فأهديَ لهُ منبرٌ جديدٌ، فلمَّا كانَ يومُ الجمعةِ قعدَ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- على المنبرِ الذي صُنعَ، فصاحتْ النخلةُ التي كانَ يخطُبُ عندها حتى كادتْ أنْ تنشقَّ، فنزلَ حتى أخذَها فضمّها إليه، فجعلتْ تئنُّ أنينَ الصبيِّ الذي يسكُتُ حتى هدأتْ واستقرتْ، وكان الحسنُ إذا حدّثَ بهذا الحديثِ بكى، ثُمَّ قالَ: يا عباد الله، الخشبةُ تحنُّ إلى رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- شوقاً إلى مكانهِ مِنَ اللهِ، فأنتم أحقُّ أنْ تشتاقوا إلى لقائهِ.
عِبادَ اللهِ: الواجبُ علينا أنْ نقدمَ أمرَ اللهِ وأمرَ رسولِهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- على هوانا، قالَ سبحانه: (( قال تعالى: يايها الذينَ آمنوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. ))
ولنْ نكونَ صادقينَ في إمانينا حتى نُحبَّهُ أكثرَ مِنْ أنفسِنا، قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:(( لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليهِ مِنْ نفسهِ ومالِهِ ووالدهِ والنَّاسِ أجمعينَ.)) وقالَ تعالى: (( النبيُّ أولى بالمؤمنينَ مِنَ أنفسِهم. ))
فواللهِ لأنتَ أحبُّ إلينا مِنْ أنفسِنا وأموالِنا ووالدينا وأزواجِنا وذرياتِنا والنَّاسِ أجمعينَ،
ومما زادني شرفاً وتيهاً**** وكدتُ بأخمصيَ أطأُ الثُريا
دخولي تحتَ قولِك يا عبادي**** وإنْ سيرتَ أحمدَ لي نبياً
لوْ كانَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بيننا الانَ، لأصلحَ الكونَ بنصفِ دقيقةٍ،
أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ، فاستغفروا وتوبوا إليهِ، إنَّهُ هُوَ التَّوابُ الرَّحيمُ.
" الخُطبةُ الثانيةُ "
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الخلقِ سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعينَ.
أمَّا بعدُ: لقدْ رأينا في وسائلِ الاعلامِ، كيفَ يتهافتُ المسلمونَ، على أنْ يتصوَّرا بجانبِ شجرةِ الكرسماسِ، بلْ ويقولُ لهم النَّاسُ دعوا مجالاً للنَّصارى حتى يتصوَّرا ويحتفلوا بعيدِهم، وصدقَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذْ قالَ: (( لتَتَّبِعُنَّ سُننَ مَنْ كانَ قبلَكم، شِبراً بشبرٍ، وذِراعاً بِذراعٍ، ولوْ سلكوا جُحرَ ضبٍ لَسلكتموهُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ اليهودُ والنَّصارى؟ قالَ: فَمَنْ. )) قالَ تعالى: (( والذين لا يشهدونَ الزورَ وإذا مَرُّوا باللغوِ مرُّوا كِراماً. )) قالَ المفسرون: (( أعيادُ الكافرينَ. )) وقالَ عُمرُ بنُ الخطابِ-رضيَ اللهُ عنهُ- (( لا تدخلوا على النَّصارى يومَ عيدِهم، فإنَّ السَّخطَ والغضبَ ينزلُ عليهم. )) وهؤلاء المسلمون الذينَ شاركوا بعيدِ النَّصارى وتشبَّهوا فيهم، إنْ لمْ يتوبوا حُشِروا معَهم،
قال-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( مَنْ تشبَّهَ بقومٍ حُشِرَ معَهُم. ))
إنَّهم النصارى يا مسلمونَ الذينَ كفروا بنبيِّكم وآذوه وأشركوا بالله واتخذوا له ولداً سبحانَهُ
قالَ سبحانَه: (( إنَّ الذينَ يؤذونَ اللهَ ورسولَهُ لعنهمُ اللهُ في الدنيا والاخرةِ وأعدَّ لهم عذاباً مهيناً. ))
حضرَ جماعةٌ مِنْ كبارِ النصارى، حفلَ مغوليٍّ كبيرٍ لتنصيرَ أحدَ امراءِ المغولِ، بدأَ احدُ النصارى كلمتَهُ بشتُمُ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم -وكانَ هناكَ كلبُ صيدٍ مربوطٍ، فلمَّا بدأَ الصليبيُّ الحاقدُ السبابَ على النبيِّ- صلى الله عليه وسلم- زمجرَ الكلبُ وهاجَ فوثبَ على الصليبيِّ وخمشَهُ بشدةٍ فخلصوهُ منهُ بعدَ جُهدِ جهيدٍ، فقالَ بعضُ الحاضرينَ : الكلبُ عملَ هذا لكلامكَ في حقِّ محمدٍ- عليه الصلاة والسلام- فقالَ الصليبيُّ : كلا بلْ هذا الكلبُ عزيزُ النفسِ، لما رآني أشيرَ بيدي، ظنَّ انَّي اريدُ ضربَهُ، ثُّمَ عادَ الصليبيُّ في سبِّ النبي بأقذحِ مِنَ السبِّ الاولِ، عندها قطعَ الكلبُ رباطَهَ، ووثبَ على عُنقِ الصليبيِّ وقلعَ زورَهُ في الحالِ، فماتَ الصليبيُّ مِنْ فورِهِ.
غارتْ غضيبةُ الكلابِ، فأينَ غضبتُكم؟ إنَّ حالَ المسلمينَ اليومَ، يُبكي العينَ ويُدمي القلبَ.
اعلموا أيُّها المسلمونَ، أنَّهُ مَنْ يُشركْ باللهِ فقدْ حَرَّمَ اللهُ عليهِ الجنةَّ، وقالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:(( والذي نفسي بيدهِ، لا يسمعُ بي أحدٌ مِنْ هذهِ الامةِ، يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثُّم يَموتُ ولمْ يؤمنْ بالذي أُرسلِتُ بهِ، إلَّا كانَ مِنْ أصحابِ النَّار. )) " رواهُ مُسلِمٌ " فالحمدُ للهِ الذي هدنا لهذا وما كُنَّا لنهتديَ لولا أنْ هدانا اللهُ، الحمدُ للهِ على نعمةِ الاسلامِ، عَنْ أنسِِ بنِ مالكٍ -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: (( طُوبَى لِمَن آمَنَ بِي وَرَآنِي مَرَّةً ، وُطُوبَى لِمَن آمَنَ بِي وَلَم يَرَنِي سَبعَ مِرَارٍ )) " رواه أحمدٌ وصححه الالبانيُّ "
وأتعجبُ مِنْ كُلِّ ملةٍ تُشرِكُ باللهِ، أو تُنكرُ وجودَ اللهِ، سُئلَ اعرابيٌ كيفَ عَرَفتْ ربَّك؟ قالَ: (( البعرةُ تدُلُ على البعيرِ، والسيلُ يدُلُ على المسيرِ، سماءٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فِجاجٍ، وبحرٌ ذاتُ أمواجٍ، الا يدلُ على اللطيفِ الخبيرِ. ))
إنَّ حالَ المسلمينَ اليومَ يبكي العينَ، ويُدمي القلبَ، ويقطعُ العروقَ، قال أبو الدرداء-رضي الله عنه-:لو خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إليكم اليوم،
ما عرفَ شيئاً مما كانَ عليهِ هوَ وأصحابُه إلا الصلاةُ !
قالَ الأوزاعيُّ: فكيفَ لوْ كانَ اليومُ..؟!
قالَ عيسى: فكيفَ لو أدركَ الأوزاعيُّ هذا الزمانَ..؟!
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنِا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابِهِ أجمعينَ.
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهديهِ اللهُ فَهُوَ المُهتدِ، ومَنْ يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الَّلهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ..........
عبادَ اللهِ: لقدْ كانتِ الامةُ قبلَ بعثةِ النبيِّ- صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -كمجتمعِ الغابةِ، القويُّ يأكلُ الضعيفَ،
يُصورَ لنا جعفرُ بنُ أبي طالبٍ-رضيَ اللهُ عنه- حالَ الامةِ قبلَ بعثتِه-عليهِ الصلاةُ السَّلامُ- حينما وقفَ خطيباً أمامَ النجاشيِّ ملِكِ الحبشةِ قائلاً: (( أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ؛ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ؛ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ؛ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ؛ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ؛ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ؛ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ . ))
عبادَ اللهِ: البشرُ يُقلِّدونَ البشرَ، ويأخذونَ المثلَ مِنَ البشرِ، والانسانُ بطبعتهِ يُحبُّ أن يرى المثلَ الذي يقتدي بهِ، واللهُ يَعلمُ ذلكَ مِنْ عبادهِ لأنَّه خالقُهم، ولقدْ بعثَ اليهم رسولاً كريماً رحيماً عظيماً جليلاً، قالَ سبحانَهُ: (( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ))
ولقدْ مَنَّ اللهُ على هذهِ الامةِ لأنَّ أرسلَ إليهم هذا النبيَّ الكريمَ، قالَ سبحانَهُ: (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. ))
ولقدْ بيَّنَ اللهُ أنَّ أتباعَهُ في سعادةٍ في الدنيا والأخرةِ، لأنَّ هذا النبيَّ هُوَ الذي اختارهُ اللهُ واصطفَاهُ واحبَّهُ وجعلَهُ أفضلَ الخلقِ، فلا يوجدُ نبيٌّ مُرسلٌ ولا مَلَكٌ مُقربٌ هُوَ أقربُ إلى اللهِ مِنَ النبيِّ مُحمدٍ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
أرسلَهُ اللهُ ليُتمِّمَ أخلاقَ البشرِ، قالَ- صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: (( إنَّما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ مَكارمَ الاخلاقِ. ))
أرسلَهُ اللهُ لِرَّحمةٍ، قالَ تعالى: (( وما أرسلناكَ إلَّا رحمةً للعالمينَ. )) قال ابن عباس: (( مَنْ تَبِعهُ كانَ له رحمةً في الدنيا والاخرةِ، ومَنْ لمْ يتبعهُ عُوفيَ ممَّا كانَ يُبتلى بهِ سائرُ الاممِ مِنَ الخسفِ والمسخِ القذفِ " رواه الطبراني ". ))
وقالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَمَ-: (( إنَّما أنا رحمةٌ مُهداةٌ. ))
همُّهُ كانَ على أمتهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه :
(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ (( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي )) الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : (( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي . وَبَكَى . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ ! اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ - وَرَبُّكَ أَعْلَمُ - فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ . فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ . فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ )) " " رواه مسلم" عَنْ أمِّنا عائشةَ- رضيَ اللهُ عنها أنَّها قالتْ : لما رأيتُ مِنَ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ طِيبَ النَّفْسِ قلتُ: يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ لي قال : اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم من ذنبِها وما تأخَّرَ وما أسرَّتْ وما أعلنَتْ ، فضحكتْ عائشةُ حتى سقط رأسُها في حِجرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من الضَّحِكِ فقال: أَيَسُرُّكِ دُعائي فقالتْ : ومالي لا يَسُرُّني دُعاؤُكَ فقال : واللهِ إنها لَدَعْوتي لأُمَّتي في كلِّ صلاةٍ . " صححهُ الالبانيُّ "
أخبأ دعوتَهُ المستجابةَ مِنْ أجلِ أُمَّتهِ، قالَ- صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا. )) " رواه مُسلمٌ " فأينَ أمَّتُهُ مِنْ نصرتهِ وسيرتِهِ ودعوتهِ.
عبادَ اللهِ: في هذا الزمانِ، نسوا المسلمونَ نبيَّهم محمداً- صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- لا يتَّبعونَ سُنتهُ ولا يقتدونَ بأثرهِ إلَّا ما رَحِمَ اللهُ، بلْ حتى وصلَ بهمُ الامرُ أنْ يسمعوا قولَ رسولِ اللهِ ولمْ يُصَلُّوا عليهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- اعفاءُ اللحى التي هيَ مِنْ أخفِّ السُننِ على الانسانِ لا يعفونها، دخلَ أحدُ الصالحينَ إلى المسجدِ برجلِهِ اليُسرى فأُغميَ عليهِ، فقيلَ لهُ ما بكَ؟ قالَ: تذكرتُ قولَهُ تعالى: (( فليحذرِ الذينَ يُخالفونَ عَنْ أمرِهِ أنْ تُصيبَهُم فتنةٌ أوْ يُصيبَهم عذابٌ أليمٌ. )) كانَ ابنُ عمرَ-رضيَ اللهُ عنهما- يَتَّبعُ خُطأ النبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( كُلُّ أُمتي يدخلونَ الجنةَ، إلَّا مَنْ أبى، قيلَ ومَنْ يأبى يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: مَنْ أطاعني دخلَ الجنةَ، ومَنْ عصاني فقدْ أبى. )) " مُتفقٌ عليهِ ".
عِبادَ اللهِ: جاءَ أعرابيٌّ وقالَ لهُ: مَنْ يشهدُ أنَّكَ رسولَ اللهِ؟ فقالَ: (( هذهِ النخلةُ تشهدُ أنَّي رسولَ اللهِ))، فذهبَ الأعرابيُ وقالَ لها: أجيبي رسولَ الله، فمالتِ النخلةُ يميناً وشمالاً حتى انقلعتْ، ثُمَّ جاءتْ تشقُّ الأرضَ حتى قالتْ: السلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ، ثُّمَ عادتْ إلى موضعِها، فأسلمَ الإعرابيُّ وقالَ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ. حتى الحَجَرُ عرفَ قيمتَه، يقولُ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إنِّي لأعرفُ حجراً بمكةَ كانَ يُسلِّمُ عليّ قبلَ أن أبعثَ، إنِّي لأعرفهُ الآنَ
وأعجبُ مِنْ ذلكَ أنَّهُ كانَ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يخطُبُ على جذعِ نخلةٍ، فأهديَ لهُ منبرٌ جديدٌ، فلمَّا كانَ يومُ الجمعةِ قعدَ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- على المنبرِ الذي صُنعَ، فصاحتْ النخلةُ التي كانَ يخطُبُ عندها حتى كادتْ أنْ تنشقَّ، فنزلَ حتى أخذَها فضمّها إليه، فجعلتْ تئنُّ أنينَ الصبيِّ الذي يسكُتُ حتى هدأتْ واستقرتْ، وكان الحسنُ إذا حدّثَ بهذا الحديثِ بكى، ثُمَّ قالَ: يا عباد الله، الخشبةُ تحنُّ إلى رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- شوقاً إلى مكانهِ مِنَ اللهِ، فأنتم أحقُّ أنْ تشتاقوا إلى لقائهِ.
عِبادَ اللهِ: الواجبُ علينا أنْ نقدمَ أمرَ اللهِ وأمرَ رسولِهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- على هوانا، قالَ سبحانه: (( قال تعالى: يايها الذينَ آمنوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. ))
ولنْ نكونَ صادقينَ في إمانينا حتى نُحبَّهُ أكثرَ مِنْ أنفسِنا، قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:(( لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليهِ مِنْ نفسهِ ومالِهِ ووالدهِ والنَّاسِ أجمعينَ.)) وقالَ تعالى: (( النبيُّ أولى بالمؤمنينَ مِنَ أنفسِهم. ))
فواللهِ لأنتَ أحبُّ إلينا مِنْ أنفسِنا وأموالِنا ووالدينا وأزواجِنا وذرياتِنا والنَّاسِ أجمعينَ،
ومما زادني شرفاً وتيهاً**** وكدتُ بأخمصيَ أطأُ الثُريا
دخولي تحتَ قولِك يا عبادي**** وإنْ سيرتَ أحمدَ لي نبياً
لوْ كانَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بيننا الانَ، لأصلحَ الكونَ بنصفِ دقيقةٍ،
أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ، فاستغفروا وتوبوا إليهِ، إنَّهُ هُوَ التَّوابُ الرَّحيمُ.
" الخُطبةُ الثانيةُ "
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الخلقِ سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعينَ.
أمَّا بعدُ: لقدْ رأينا في وسائلِ الاعلامِ، كيفَ يتهافتُ المسلمونَ، على أنْ يتصوَّرا بجانبِ شجرةِ الكرسماسِ، بلْ ويقولُ لهم النَّاسُ دعوا مجالاً للنَّصارى حتى يتصوَّرا ويحتفلوا بعيدِهم، وصدقَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذْ قالَ: (( لتَتَّبِعُنَّ سُننَ مَنْ كانَ قبلَكم، شِبراً بشبرٍ، وذِراعاً بِذراعٍ، ولوْ سلكوا جُحرَ ضبٍ لَسلكتموهُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ اليهودُ والنَّصارى؟ قالَ: فَمَنْ. )) قالَ تعالى: (( والذين لا يشهدونَ الزورَ وإذا مَرُّوا باللغوِ مرُّوا كِراماً. )) قالَ المفسرون: (( أعيادُ الكافرينَ. )) وقالَ عُمرُ بنُ الخطابِ-رضيَ اللهُ عنهُ- (( لا تدخلوا على النَّصارى يومَ عيدِهم، فإنَّ السَّخطَ والغضبَ ينزلُ عليهم. )) وهؤلاء المسلمون الذينَ شاركوا بعيدِ النَّصارى وتشبَّهوا فيهم، إنْ لمْ يتوبوا حُشِروا معَهم،
قال-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( مَنْ تشبَّهَ بقومٍ حُشِرَ معَهُم. ))
إنَّهم النصارى يا مسلمونَ الذينَ كفروا بنبيِّكم وآذوه وأشركوا بالله واتخذوا له ولداً سبحانَهُ
قالَ سبحانَه: (( إنَّ الذينَ يؤذونَ اللهَ ورسولَهُ لعنهمُ اللهُ في الدنيا والاخرةِ وأعدَّ لهم عذاباً مهيناً. ))
حضرَ جماعةٌ مِنْ كبارِ النصارى، حفلَ مغوليٍّ كبيرٍ لتنصيرَ أحدَ امراءِ المغولِ، بدأَ احدُ النصارى كلمتَهُ بشتُمُ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم -وكانَ هناكَ كلبُ صيدٍ مربوطٍ، فلمَّا بدأَ الصليبيُّ الحاقدُ السبابَ على النبيِّ- صلى الله عليه وسلم- زمجرَ الكلبُ وهاجَ فوثبَ على الصليبيِّ وخمشَهُ بشدةٍ فخلصوهُ منهُ بعدَ جُهدِ جهيدٍ، فقالَ بعضُ الحاضرينَ : الكلبُ عملَ هذا لكلامكَ في حقِّ محمدٍ- عليه الصلاة والسلام- فقالَ الصليبيُّ : كلا بلْ هذا الكلبُ عزيزُ النفسِ، لما رآني أشيرَ بيدي، ظنَّ انَّي اريدُ ضربَهُ، ثُّمَ عادَ الصليبيُّ في سبِّ النبي بأقذحِ مِنَ السبِّ الاولِ، عندها قطعَ الكلبُ رباطَهَ، ووثبَ على عُنقِ الصليبيِّ وقلعَ زورَهُ في الحالِ، فماتَ الصليبيُّ مِنْ فورِهِ.
غارتْ غضيبةُ الكلابِ، فأينَ غضبتُكم؟ إنَّ حالَ المسلمينَ اليومَ، يُبكي العينَ ويُدمي القلبَ.
اعلموا أيُّها المسلمونَ، أنَّهُ مَنْ يُشركْ باللهِ فقدْ حَرَّمَ اللهُ عليهِ الجنةَّ، وقالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:(( والذي نفسي بيدهِ، لا يسمعُ بي أحدٌ مِنْ هذهِ الامةِ، يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثُّم يَموتُ ولمْ يؤمنْ بالذي أُرسلِتُ بهِ، إلَّا كانَ مِنْ أصحابِ النَّار. )) " رواهُ مُسلِمٌ " فالحمدُ للهِ الذي هدنا لهذا وما كُنَّا لنهتديَ لولا أنْ هدانا اللهُ، الحمدُ للهِ على نعمةِ الاسلامِ، عَنْ أنسِِ بنِ مالكٍ -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: (( طُوبَى لِمَن آمَنَ بِي وَرَآنِي مَرَّةً ، وُطُوبَى لِمَن آمَنَ بِي وَلَم يَرَنِي سَبعَ مِرَارٍ )) " رواه أحمدٌ وصححه الالبانيُّ "
وأتعجبُ مِنْ كُلِّ ملةٍ تُشرِكُ باللهِ، أو تُنكرُ وجودَ اللهِ، سُئلَ اعرابيٌ كيفَ عَرَفتْ ربَّك؟ قالَ: (( البعرةُ تدُلُ على البعيرِ، والسيلُ يدُلُ على المسيرِ، سماءٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فِجاجٍ، وبحرٌ ذاتُ أمواجٍ، الا يدلُ على اللطيفِ الخبيرِ. ))
إنَّ حالَ المسلمينَ اليومَ يبكي العينَ، ويُدمي القلبَ، ويقطعُ العروقَ، قال أبو الدرداء-رضي الله عنه-:لو خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إليكم اليوم،
ما عرفَ شيئاً مما كانَ عليهِ هوَ وأصحابُه إلا الصلاةُ !
قالَ الأوزاعيُّ: فكيفَ لوْ كانَ اليومُ..؟!
قالَ عيسى: فكيفَ لو أدركَ الأوزاعيُّ هذا الزمانَ..؟!
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنِا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابِهِ أجمعينَ.