خطباؤنا.. بين الواقع والمأمول
احمد ابوبكر
1434/05/09 - 2013/03/21 04:19AM
تُعد خطبة الجمعة من أهم وسائل الدعوة إلى الله تعالى، وتعليم المسلمين شئون دينهم، وتوضيح موقف الإسلام من القضايا المعاصرة، فضلاً عن الوعظ وإيقاظ القلوب.
كما أن هذه الخطبة هي الملتقى الإسلامي الأسبوعي لعشرات أو مئات أو أحيانًا الآلاف من المسلمين القاطنين في حي واحد.
ومن هنا تبرز قيمة خطيب الجمعة كمعلم وموجه لآلاف المسلمين سواء منهم الحاضرون أو المستمعون في البيوت من غير القادرين على الحضور أو غير المكلفين شرعًا بصلاة الجمعة، بالإضافة لأسر من حضروا خطبة الجمعة الذين يعرفون ما قاله الخطيب من خلال أقاربهم المصلين..
وأود أن أركز في مقالي هذا على بعض ما يبرز لدى بعض الخطباء من سلبيات نريد تلافيها وإصلاحها، وتحويلها للنموذج الإيجابي المطلوب من أجل انتشار الدعوة الإسلامية، وتفعيل الخطبة في هذا المجال؛ لتقوم بدورها المفترض والمأمول في إصلاح المجتمع، وفي جذب قلوب المسلمين للمسجد.
هناك سلبيات متنوعة نستطيع رصدها لدى قطاعات من الخطباء، ومن هذه السلبيات:
1- عدم اهتمام الخطيب بالتحضير الجيد لخطبته، وبينما نعلم أن المستمع يأتي للصلاة واستماع خطبة الجمعة منتظرًا أن يسمع شيئًا مفيدًا ومرتبًا ومنسقًا يكون الخطيب قد انشغل بكسب العيش أو أية مشاغل أخرى على حساب الاهتمام بمهمته الأصلية التي يكافئه الله عليها؛ فترى الخطيب وقد أخذ يستدعي مخزونه من المعلومات الشرعية؛ فتراه يغرِّب ويشرِّق في ارتباك؛ ولا يعرف على أي شاطئ ستحط به كلماته؛ ومن ثم يقع في الخطأ تلو الآخر، ويأتي بالغرائب؛ حيث إنه يستدعي المعلومات من الذاكرة المرتبكة في هذه اللحظات؛ فيأتي بالحديث الضعيف والموضوع، أو يقرآ الآيات بطريقة خاطئة، أو يستشهد بالدليل في غير موضعه، أو يستعين بقصص لا سند لها، من أجل أن يسلي الناس ويشغلهم عن ضعف مستوى الخطبة؛ فتخرج خطبة الجمعة على يديه في النهاية باهتة بلا طعم ولا لون ولا فائدة.
2- قد يكون الخطيب ضعيف المستوى العلمي؛ فيلجأ في تحضيره لموضوع خطبته إلى قراءة إحدى خطب مشاهير العلماء والخطباء من الكتب التي اهتمت بجمعها كخطب الشيخ الغزالي رحمه الله، ويقوم بحفظها واستظهارها ليقوم بتسميعها على المنبر، وكأنه صاحبها، وبعضهم يستمع للخطب على أشرطة الكاسيت وأقراص الحاسوب كمن يستمعون لخطب الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله، ويحفظها ويعيدها على مسامع الناس من على المنبر بنفس طريقة وصوت بل ونبرة صوت الشيخ رحمه الله، وقد يصادفك واحد أو أكثر من هؤلاء، وقد حدث لي هذا الموقف منذ ما يزيد على خمسة عشر عامًا؛ حيث كنت في حي بعيد لقضاء أمر خاص، وقد بدأت الخطبة قبل أن أصل للمسجد، وإذا بي أسمع من بعيد ثلاثة خطباء كلهم الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله، وما هو منهم في الحقيقة، ولكنهم جميعًا يقلدونه؛ حيث يكررون خطبه بنفس طريقته في الإلقاء بل بنفس صوته، ونبراته دون أية مبالغة، وللأسف فإنهم ينقلون خطبه نقلاً ولم يبذلوا جهدًا ليعدوا خطبة خاصة بهم.
والحقيقة أن هذا الأسلوب يفقد الخطيب القدرة على التواصل مع المستمعين؛ حيث إنه يلتزم بالخطبة التي حفظها، والتي ستكون بالتأكيد منفصلة عن الواقع الذي يعيشه الناس، كما أن قد يكون هناك من الخطباء من سمعها من الخطيب الأصلي؛ مما سيُفقد الخطيب ثقة مستمعيه، بل واحترامهم.
3- الضعف اللغوي مشكلة جسيمة من مشاكل بعض الخطباء، وهذا الضعف قد يتمثل في أخطاء الإعراب التي يدركها المثقفون من المستمعين، وقد يكون أكثر فداحة حين يتمثل في ضعف قدرة الخطيب على تركيب الجمل بشكل صحيح، أو تنويعها بين الاسمية والفعلية، مما يستطيع العامي إدراكه بدون جهد. وكل هذا مما يُشعِر المستمع بضعف هذا الخطيب، ويفقده الثقة فيه.
4- قد يكون الخطيب ذا علم وافر، ولكنه لا يتقن الأسلوب الخطابي الناجح من طرق الإلقاء، وتدرج الصوت ارتفاعًا وانخفاضًا، وتنويع النبرات؛ فقد تجد خطيبًا هادئا طول الخطبة مما يُشعر المستمعين بالملل، وقد تجد آخر يصم صوته المرتفع الآذان، حتى يزعج الناس ويتمونا لو أنهى الخطبة بسرعة.
وقد يحاول الخطيب الفاقد للملكة الخطابية التغلب على تلك المشكلة من خلال كتابة الخطبة وقراءتها على المنبر، وأثر هذا التصرف على المستمعين أسوأ؛ إذ تفقد الخطبة روحها، ويضيع التنوع في الصوت، وتصير الخطبة كأنها بيان رسمي يُلقى في الإذاعة، وكل هذا يفقد الخطبة رونقها بل وأثرها في النفوس؛ حيث يصيب المستمعين بالملل، ويُزهدهم في الخطبة والخطيب.
5- الثبات على موضوعات محددة دون تنويع، ودون مراعاة لأحوال الناس والظروف المحيطة بالبلاد والأمة الإسلامية؛ فبعض الخطباء لا يتحدث إلا في المواعظ والترغيب والترهيب، والجنة والنار والتزكية، وكلها أمور جميلة ومطلوبة جاء بها الإسلام، ويجب الحديث فيها، ولكن لا بدّ من التنويع، والبعض الآخر يحول الخطبة لدرس فقهي يتناول فيه الآراء الفقهية المختلفة حول موضوع ما، والبعض الثالث لا يتحدث إلا في أمور السياسة ويغفل تزكية النفوس والقلوب، وهذا أيضًا خطأ.
إن الخطيب الذكي يجب أن ينوع في موضوعاته بين التزكية وأحوال الأمة، وأحوال البيئة المحيطة بالمسجد، وعندما يتناول تلك الأحوال يبين حكم الإسلام فيها، ووسائل العلاج الإسلامية لمشكلات الأمة.
كما تبدو في هذا السياق ظاهرة أخرى، وهي ميل بعض الخطباء لإشاعة اليأس في النفوس عن طريق إظهار المساوئ في الأمة فقط؛ مما يجعل الناس تظن في نفسها السوء، وأنها غير مستحقة لرحمة الله، وأنه لا سبيل للتغيير والإصلاح أبدًا، وهذا عكس المنهج الإسلامي؛ فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ؛ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ" . بل على العكس من ذلك يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبشير؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: "بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا" .
وعلى العكس من ذلك نجد بعض الخطباء يمنِّي الناس ويرجيهم حتى يفقدهم الخوف من الله تعالى؛ فيستهينوا بالحرمات، ويظنوا بأنفسهم الخير وضمان الجنة، وكلا الأمرين خطأ؛ فالمؤمن يطير بجناحي: الخوف والرجاء كما قال الصالحون، والقرآن قد جاء بآيات الرحمة والجنة كما جاء بآيات العقاب والنار، ولا بد من أن يراعي الخطيب هذا التوازن دون إفراط أو تفريط كما كان الرسول صلى الله عليه وسلك ينبهنا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ" .
6- قد يتبنى الخطيب موقفًا سياسيًّا معينًا –وهذا حقه-، ولكن المشكلة أن يحاول استغلال المنبر لنشر رأيه السياسي على أنه دين، وهنا مكمن الخطورة؛ فقد يجوز للخطيب أن يتحدث مثلاً عن أهمية المشاركة الشعبية في الانتخابات بالترشح والتصويت، وكونها شكل من أشكال الشهادة –إذا كانت انتخابات حقيقية وليست مزورة- ولكن لا يصلح ولا يصح أن يستخدم المنبر والمسجد في الدعاية لمرشح ما؛ فهذا استخدام للمنبر والمسجد فيما لا يصح..
7- التباين الشديد في زمن الخطبة والصلاة؛ فبعض الخطباء ينجرفون وراء شهوة الكلام، والميكروفون؛ فيطيلون الخطبة؛ حتى يملوا الناس؛ في حين يصلون بقصار السور أو بآيات قصيرة قليلة، وهم في ذلك مخالفون لمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ، فَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا" .
وبعض الخطباء يقصر من الخطبة تقصيرًا شديدًا مع ضعف في خطبته؛ فيصير التقصير مخلاًّ غير مفيد على عكس المقصود من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أُوتي جوامع الكلم..
مقترحات ونصائح:
ومن أجل معالجة تلك السلبيات أتقدم بتلك المقترحات للجهات المسئولة عن الخطباء، وبنصائح لإخواننا الخطباء:
1- إنشاء لجان لرعاية الخطباء داخل الجهات المسئولة عن المساجد كوزارات الأوقاف، وتقوم هذه اللجان برعاية وإعداد وتأهيل الخطباء قبل اعتلائهم المنابر، وأثناء ذلك من خلال برامج دورية وشاملة لإعداد الخطيب شرعيًّا وثقافيًّا من خلال معايشة مستمرة، وملتقيات وتقارير واقعية.
2- عدم إجازة الخطيب لصعود المنبر إلا بعد إتمام تلك الدورات، وإجازة لجنة من كبار الخطباء له.
3- توفير مكتبة شاملة ومتنوعة لكل خطيب.
4- على الخطيب إدراك مسؤوليته أمام الله تعالى، والعمل على مرضاته من خلال الخطابة؛ فيسعى للعلم الشرعي والثقافة المتنوعة المفيدة، كما عليه تبني الخطاب القرآني والنبوي الجامع بين التبشير والإنذار.
5- مراعاة التوازن في زمن الخطبة والصلاة حتى لا يمل المصلون، وينسوا ما قاله الخطيب؛ فكثرة الكلام يُنسي بعضه بعضًا.
6- مراعاة حال المصلين وبيئتهم؛ فالبلاغة كما ذكر البلغاء، هي: مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، وهذا يقتضي من الخطيب أن يُلم بطبيعة البيئة التي يعيش فيها، ومشاكلها، ويعمل على تشخيصها وطرح حلولها في الخطبة.
7- التدرب على تحضير الخطبة تحضيرًا علميًّا؛ بتحديد الهدف المطلوب توصيله من الخطبة، ثم تقسيم الخطبة لمقدمة وعناصر وخاتمة، ثم تحضير محتوى العناصر من مصادرها الشرعية والكتب المعاصرة ووسائل الإعلام، مع توثيق تلك المصادر وتخريج الأحاديث، ثم استخراج واجبات عملية من الخطبة في النهاية..
أسأل الله تعالى أن ينفع بكلامي هذا، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
منقول للفائدة ,,
كما أن هذه الخطبة هي الملتقى الإسلامي الأسبوعي لعشرات أو مئات أو أحيانًا الآلاف من المسلمين القاطنين في حي واحد.
ومن هنا تبرز قيمة خطيب الجمعة كمعلم وموجه لآلاف المسلمين سواء منهم الحاضرون أو المستمعون في البيوت من غير القادرين على الحضور أو غير المكلفين شرعًا بصلاة الجمعة، بالإضافة لأسر من حضروا خطبة الجمعة الذين يعرفون ما قاله الخطيب من خلال أقاربهم المصلين..
وأود أن أركز في مقالي هذا على بعض ما يبرز لدى بعض الخطباء من سلبيات نريد تلافيها وإصلاحها، وتحويلها للنموذج الإيجابي المطلوب من أجل انتشار الدعوة الإسلامية، وتفعيل الخطبة في هذا المجال؛ لتقوم بدورها المفترض والمأمول في إصلاح المجتمع، وفي جذب قلوب المسلمين للمسجد.
هناك سلبيات متنوعة نستطيع رصدها لدى قطاعات من الخطباء، ومن هذه السلبيات:
1- عدم اهتمام الخطيب بالتحضير الجيد لخطبته، وبينما نعلم أن المستمع يأتي للصلاة واستماع خطبة الجمعة منتظرًا أن يسمع شيئًا مفيدًا ومرتبًا ومنسقًا يكون الخطيب قد انشغل بكسب العيش أو أية مشاغل أخرى على حساب الاهتمام بمهمته الأصلية التي يكافئه الله عليها؛ فترى الخطيب وقد أخذ يستدعي مخزونه من المعلومات الشرعية؛ فتراه يغرِّب ويشرِّق في ارتباك؛ ولا يعرف على أي شاطئ ستحط به كلماته؛ ومن ثم يقع في الخطأ تلو الآخر، ويأتي بالغرائب؛ حيث إنه يستدعي المعلومات من الذاكرة المرتبكة في هذه اللحظات؛ فيأتي بالحديث الضعيف والموضوع، أو يقرآ الآيات بطريقة خاطئة، أو يستشهد بالدليل في غير موضعه، أو يستعين بقصص لا سند لها، من أجل أن يسلي الناس ويشغلهم عن ضعف مستوى الخطبة؛ فتخرج خطبة الجمعة على يديه في النهاية باهتة بلا طعم ولا لون ولا فائدة.
2- قد يكون الخطيب ضعيف المستوى العلمي؛ فيلجأ في تحضيره لموضوع خطبته إلى قراءة إحدى خطب مشاهير العلماء والخطباء من الكتب التي اهتمت بجمعها كخطب الشيخ الغزالي رحمه الله، ويقوم بحفظها واستظهارها ليقوم بتسميعها على المنبر، وكأنه صاحبها، وبعضهم يستمع للخطب على أشرطة الكاسيت وأقراص الحاسوب كمن يستمعون لخطب الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله، ويحفظها ويعيدها على مسامع الناس من على المنبر بنفس طريقة وصوت بل ونبرة صوت الشيخ رحمه الله، وقد يصادفك واحد أو أكثر من هؤلاء، وقد حدث لي هذا الموقف منذ ما يزيد على خمسة عشر عامًا؛ حيث كنت في حي بعيد لقضاء أمر خاص، وقد بدأت الخطبة قبل أن أصل للمسجد، وإذا بي أسمع من بعيد ثلاثة خطباء كلهم الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله، وما هو منهم في الحقيقة، ولكنهم جميعًا يقلدونه؛ حيث يكررون خطبه بنفس طريقته في الإلقاء بل بنفس صوته، ونبراته دون أية مبالغة، وللأسف فإنهم ينقلون خطبه نقلاً ولم يبذلوا جهدًا ليعدوا خطبة خاصة بهم.
والحقيقة أن هذا الأسلوب يفقد الخطيب القدرة على التواصل مع المستمعين؛ حيث إنه يلتزم بالخطبة التي حفظها، والتي ستكون بالتأكيد منفصلة عن الواقع الذي يعيشه الناس، كما أن قد يكون هناك من الخطباء من سمعها من الخطيب الأصلي؛ مما سيُفقد الخطيب ثقة مستمعيه، بل واحترامهم.
3- الضعف اللغوي مشكلة جسيمة من مشاكل بعض الخطباء، وهذا الضعف قد يتمثل في أخطاء الإعراب التي يدركها المثقفون من المستمعين، وقد يكون أكثر فداحة حين يتمثل في ضعف قدرة الخطيب على تركيب الجمل بشكل صحيح، أو تنويعها بين الاسمية والفعلية، مما يستطيع العامي إدراكه بدون جهد. وكل هذا مما يُشعِر المستمع بضعف هذا الخطيب، ويفقده الثقة فيه.
4- قد يكون الخطيب ذا علم وافر، ولكنه لا يتقن الأسلوب الخطابي الناجح من طرق الإلقاء، وتدرج الصوت ارتفاعًا وانخفاضًا، وتنويع النبرات؛ فقد تجد خطيبًا هادئا طول الخطبة مما يُشعر المستمعين بالملل، وقد تجد آخر يصم صوته المرتفع الآذان، حتى يزعج الناس ويتمونا لو أنهى الخطبة بسرعة.
وقد يحاول الخطيب الفاقد للملكة الخطابية التغلب على تلك المشكلة من خلال كتابة الخطبة وقراءتها على المنبر، وأثر هذا التصرف على المستمعين أسوأ؛ إذ تفقد الخطبة روحها، ويضيع التنوع في الصوت، وتصير الخطبة كأنها بيان رسمي يُلقى في الإذاعة، وكل هذا يفقد الخطبة رونقها بل وأثرها في النفوس؛ حيث يصيب المستمعين بالملل، ويُزهدهم في الخطبة والخطيب.
5- الثبات على موضوعات محددة دون تنويع، ودون مراعاة لأحوال الناس والظروف المحيطة بالبلاد والأمة الإسلامية؛ فبعض الخطباء لا يتحدث إلا في المواعظ والترغيب والترهيب، والجنة والنار والتزكية، وكلها أمور جميلة ومطلوبة جاء بها الإسلام، ويجب الحديث فيها، ولكن لا بدّ من التنويع، والبعض الآخر يحول الخطبة لدرس فقهي يتناول فيه الآراء الفقهية المختلفة حول موضوع ما، والبعض الثالث لا يتحدث إلا في أمور السياسة ويغفل تزكية النفوس والقلوب، وهذا أيضًا خطأ.
إن الخطيب الذكي يجب أن ينوع في موضوعاته بين التزكية وأحوال الأمة، وأحوال البيئة المحيطة بالمسجد، وعندما يتناول تلك الأحوال يبين حكم الإسلام فيها، ووسائل العلاج الإسلامية لمشكلات الأمة.
كما تبدو في هذا السياق ظاهرة أخرى، وهي ميل بعض الخطباء لإشاعة اليأس في النفوس عن طريق إظهار المساوئ في الأمة فقط؛ مما يجعل الناس تظن في نفسها السوء، وأنها غير مستحقة لرحمة الله، وأنه لا سبيل للتغيير والإصلاح أبدًا، وهذا عكس المنهج الإسلامي؛ فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ؛ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ" . بل على العكس من ذلك يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبشير؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: "بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا" .
وعلى العكس من ذلك نجد بعض الخطباء يمنِّي الناس ويرجيهم حتى يفقدهم الخوف من الله تعالى؛ فيستهينوا بالحرمات، ويظنوا بأنفسهم الخير وضمان الجنة، وكلا الأمرين خطأ؛ فالمؤمن يطير بجناحي: الخوف والرجاء كما قال الصالحون، والقرآن قد جاء بآيات الرحمة والجنة كما جاء بآيات العقاب والنار، ولا بد من أن يراعي الخطيب هذا التوازن دون إفراط أو تفريط كما كان الرسول صلى الله عليه وسلك ينبهنا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ" .
6- قد يتبنى الخطيب موقفًا سياسيًّا معينًا –وهذا حقه-، ولكن المشكلة أن يحاول استغلال المنبر لنشر رأيه السياسي على أنه دين، وهنا مكمن الخطورة؛ فقد يجوز للخطيب أن يتحدث مثلاً عن أهمية المشاركة الشعبية في الانتخابات بالترشح والتصويت، وكونها شكل من أشكال الشهادة –إذا كانت انتخابات حقيقية وليست مزورة- ولكن لا يصلح ولا يصح أن يستخدم المنبر والمسجد في الدعاية لمرشح ما؛ فهذا استخدام للمنبر والمسجد فيما لا يصح..
7- التباين الشديد في زمن الخطبة والصلاة؛ فبعض الخطباء ينجرفون وراء شهوة الكلام، والميكروفون؛ فيطيلون الخطبة؛ حتى يملوا الناس؛ في حين يصلون بقصار السور أو بآيات قصيرة قليلة، وهم في ذلك مخالفون لمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ، فَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا" .
وبعض الخطباء يقصر من الخطبة تقصيرًا شديدًا مع ضعف في خطبته؛ فيصير التقصير مخلاًّ غير مفيد على عكس المقصود من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أُوتي جوامع الكلم..
مقترحات ونصائح:
ومن أجل معالجة تلك السلبيات أتقدم بتلك المقترحات للجهات المسئولة عن الخطباء، وبنصائح لإخواننا الخطباء:
1- إنشاء لجان لرعاية الخطباء داخل الجهات المسئولة عن المساجد كوزارات الأوقاف، وتقوم هذه اللجان برعاية وإعداد وتأهيل الخطباء قبل اعتلائهم المنابر، وأثناء ذلك من خلال برامج دورية وشاملة لإعداد الخطيب شرعيًّا وثقافيًّا من خلال معايشة مستمرة، وملتقيات وتقارير واقعية.
2- عدم إجازة الخطيب لصعود المنبر إلا بعد إتمام تلك الدورات، وإجازة لجنة من كبار الخطباء له.
3- توفير مكتبة شاملة ومتنوعة لكل خطيب.
4- على الخطيب إدراك مسؤوليته أمام الله تعالى، والعمل على مرضاته من خلال الخطابة؛ فيسعى للعلم الشرعي والثقافة المتنوعة المفيدة، كما عليه تبني الخطاب القرآني والنبوي الجامع بين التبشير والإنذار.
5- مراعاة التوازن في زمن الخطبة والصلاة حتى لا يمل المصلون، وينسوا ما قاله الخطيب؛ فكثرة الكلام يُنسي بعضه بعضًا.
6- مراعاة حال المصلين وبيئتهم؛ فالبلاغة كما ذكر البلغاء، هي: مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، وهذا يقتضي من الخطيب أن يُلم بطبيعة البيئة التي يعيش فيها، ومشاكلها، ويعمل على تشخيصها وطرح حلولها في الخطبة.
7- التدرب على تحضير الخطبة تحضيرًا علميًّا؛ بتحديد الهدف المطلوب توصيله من الخطبة، ثم تقسيم الخطبة لمقدمة وعناصر وخاتمة، ثم تحضير محتوى العناصر من مصادرها الشرعية والكتب المعاصرة ووسائل الإعلام، مع توثيق تلك المصادر وتخريج الأحاديث، ثم استخراج واجبات عملية من الخطبة في النهاية..
أسأل الله تعالى أن ينفع بكلامي هذا، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
منقول للفائدة ,,
رشيد بن ابراهيم بوعافية
[font="]صدقَ من قال : مَقامُكَ حيثُ أقامَكَ ! ، فانتبِه لمقامِك ![/font][font="] : [/font]
[font="] لو علِمَ الخطيبُ أنَّهُ الشخصُ الوحيدُ الذي فرضَ اللهُ على الناس الإنصاتَ إليه لانتبَهَ لمقامِه ! ، ولكان في مستوى المسؤوليّةِ التي أقامَهُ الشرعُ فيها : قال رسول الله [/font][font="][font="]صلى الله عليه وسلم[/font][/font][font="] :" من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغا " ( صحيح : سنن النسائي 1401 ) . [/font]
[font="] كل الناسِ يُنصتون إليك : العلماءُ و الأمراءُ والحكماءُ و القُضاةُ والخاصّةُ والعامّة ، وكلُّهم تحتَ المنبرِ الذي تقفُ عليه ، بل الملائكة تطوي الصحفَ لتستمع إليك ! ؛ فكيف لا تنصتُ أخي الخطيب لمثلِ هذا المقال إيمانًا واحتسابَا ، وكيف يكونُ كلامُكَ الذي حُرّمُ لأجلِهِ اللغوُ لغوًا ؟! نسأل اللهَ لنا ولكم الإعانة والتثبيت . [/font][font="][/font]
تعديل التعليق