خصائص يوم عرفة
سيف الرحمن التيمي
خطبة مختصرة عن خصائص يوم عرفة
إن الحمدلله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن من مظاهر ربوبية الله تعالى على مخلوقاته تفرده بتعظيم ما شاء منها، سواء ما كان منها من الأشخاص أو الأمكنة أو الأزمنة أو العبادات، لحكمة يعلمها الله سبحانه، قال تعالى ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة﴾، وفي هذه الخطبة نتكلم بإذن الله عن يوم عرفة، وما اختصه الله به من خصائص عشرة، وهي:
1. أولها: أن يوم عرفة يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، فعن طارق بن شهاب أن رجلاً من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب فقال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرءونها، لو علينا نَزَلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: وأي آية؟ قال ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾، فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعرفات، في يوم جمعة.[1]
2. ومن خصائص يوم عرفة أن الله أقسم به في موطنين من القرآن، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود الوارد في قوله تعالى: ﴿وشاهد ومشهود﴾، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، والموعود يوم القيامة)[2]، وهو الوَتر الذي أقسم به في قوله ﴿والشفع والوَتر﴾، فعن جابر رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: إن العشر عشر الأضحى، والوَتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر.[3]
3. ومن خصائص يوم عرفة أن صيامه يكفر سنتين، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: صيام يوم عرفة، أَحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.[4]
4. ومن خصائص يوم عرفة أنه في شهر حرام، وقبله شهر حرام، وبعده شهر حرام.
5. ومن خصائص يوم عرفة أنه يوم العتق من النار، وأن الله يدنو فيه، وأن الله يباهي بأهل الموقف ملائكته، وهذه ثلاث خصائص، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليَدنو ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟[5]
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً.[6]
قال ابن رجب رحمه الله: ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيُعتق الله فيه من النار من وَقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة. انتهى كلامه رحمه الله.[7]
6. ومن خصائص يوم عرفة أن الدعاء فيه قريب للإجابة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.[8]
7. ومن خصائص يوم عرفة أنه من أيام عشر ذي الحجة، التي هي أفضل أيام الدنيا، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما مِن أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء.[9]
8. ومن خصائص يوم عرفة ما يكون فيه من القيام بركن الحج الأعظم، وهو الوقوف بعرفة، كما قال (صلى الله عليه وسلم): الـحج عرفة.[10]
9. ومن خصائص يوم عرفة ما يحصل فيه من اجتماع المسلمين من أنحاء المعمورة في مكان واحد لأداء شعيرة عظيمة ما لا يحصل في غيره من الأيام ولا الأمكنة ولا العبادات، وهذا من ظهور شعائر الإسلام، وعلامات علوه، ومن أسباب اندحار الشيطان، لما يرى من تنزل الرحمات، والتجاوز عن السيئات.
- وبعد عباد الله، فهذه عشر خصائص اختص الله بها يوم عرفة، تشريفاً له وتعظيماً، فلنستعن بالله على اغتنام ما جاء فيه من فضائل بالأعمال الصالحة، ونتسابق في تحصيلها، ونحتسب في هذا الأجر والثواب، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، ﴿سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله﴾.
- بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
- الحمدلله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد، فاعلموا معاشر المؤمنين أن فضل الدعاء ليوم عرفة يعم جميع البقاع وليس خاصاً بمن كان في عرفة، لأن الفضل للزمان، ولا شك أن من كان في عرفة من الحجاج فقد جمع بين فضل المكان وفضل الزمان.
- عباد الله، إن مما يعين على الدعاء والذكر يوم عرفة البقاء في المساجد من بعد الظهر إلى المغرب، ويشرع في يوم عرفة التكبير المقيد أدبار الصلوات، ويمتد هذا التكبير لغير الحاج من فجر عرفة إلى نهاية عصر يوم الثالث عشر من أيام التشريق، أما الحاج فيبتدىء التكبير من بعد صلاة الظهر والعصر من يوم عرفة، فإذا انصرف المسلم من صلاته استغفر ربه ثلاثاً، ثم قال: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)، ثم يبدأ التكبير قائلاً: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله الا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد).
- أيها المؤمنون، هذه فرصة عظيمة، ونفحة من نفحات ربنا عز وجل، تتكرر مرة في السنة، فلنُرِ الله من أنفسنا خيراً، ونلزم العبادة والذكر والدعاء من بعد ظهر يوم عرفة إلى غروب الشمس بحسب المستطاع، فإن العبد إذا أقبل على الله شبراً تقرب إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلى الله ذراعاً تقرب إليه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، وهذا الحديث الصحيح يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود، فهو أسرع إليهم بالخير والكرم والجود منهم في مسارعتهم بالخير والعمل الصالح.
- اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، الأئمة الحنفاء، وارض عن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
- اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك، وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.
- اللهم بلغنا يوم عرفة، وأعنا فيه على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، في السادس من شهر ذي الحجة لعام 1442، في مدينة الجبيل، في المملكة العربية السعودية، واتس: 00966505906761 ، وهي منشورة في www.saaid.net/kutob
[1] رواه البخاري (45) ومسلم (3017)، واللفظ له، عن طارق بن شهاب. وللفائدة؛ فقد روى محمد بن جرير الطبري في «تفسيره» في تفسير هذه الآية عن كعب الأحبار أنه قال: لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أُنزِلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه، فقال عمر: أيُّ آية يا كعب؟ فقال (اليوم أكملت لكم دينكم)، فقال عمر: قد علمتُ اليوم الذي أُنزِلت فيه، والمكان الذي أُنزِلت فيه؛ يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد.
[2] رواه أحمد (7973)، وصححه محققو «المسند».
[3] رواه أحمد (14511)، وحسنه محققو «المسند».
[4] رواه مسلم (1162).
[5] رواه مسلم (1348).
[6] رواه أحمد (2/224)، وصححه الألباني في «تخريج الترغيب والترهيب» برقم (1153).
[7] «لطائف المعارف» - المجلس الثاني في يوم عرفة مع يوم النحر.
[8] رواه الترمذي (3585)، وحسنه الألباني في «الصحيحة» (1503).
[9] أخرجه البخاري (969) وأحمد (1/338-339)، واللفظ له.
[10] رواه النسائي (3016) وغيره ، عن عبد الرحمـٰن بن يعمر رضي الله عنه، وصححه الألباني.
المرفقات
1627442383_خطبة مختصرة عن خصائص يوم عرفة.pdf