خصائص الأمة المحمدية ..الشيخ سلمان بن يحي المالكي

الفريق العلمي
1440/09/11 - 2019/05/16 12:03PM

لقد فضل الله -تعالى- هذه الأمةَ وميزها واختصها على غيرها من سائر الأمم بكرامات كثيرة في الدنيا ليست لغيرها، لم تكن لها أن تتميز وتنبؤا هذه المكانةَ وتلك الفضيلةَ إلا بتعظيمِ الله لرسولها وتكريمِ نبيها واتباع هذه الأمةِ نبيها -صلى الله عليه وسلم-، فبهذه الأمة أتم الله الشرائع السماوية، وجعل دينها الأكملَ والأجمل والأصلح للبشرية، وينبغي لأتْباعِ هذه الأمةِ المحافظةُ على خصوصياتِ أمتهم في زمنِ الدعوة إلى إزالةِ الفوارق بين الأمم، في زمن الانجراف وراء تيارات الإلحاد وتمييعِ الإسلام، وهي الدعوة التي بدأها أعداء الله وروجَ لها منافقو هذه الأمة المندسين في صفوفها، وكذا السائرون على نهجهم والمنزلقون معهم من المستسلمين والضعفاء والمنهزمين.

 

لذلك فإنه لا بد من تكريسِ الفوارق في النفوس ليعتزّ أفراد الأمة بأمتهم، لأنهم إذا لم يرو لأمتهم فضلا على غيرها ولم يشعروا بخصوصياتها، فإن هذه العزة ستضمحل في النفوس، وتتلاشى وتندثر وتزول، هذه الخصوصيات في هذه الأمة عباد الله تستوعب العام والخاص، والظاهر والباطن، والجوهر والمخبر؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام: 162- 163]؛ إنها تستوعب الحياةَ كلها بأنشطتها المختلفة، هذه الخصوصيات هي مصدر عزتنا وكرامتنا؛ (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الأنبياء: 10]؛ أي شرفكم وفضلكم، وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[المنافقون: 8].

 

نعم.. المنافقون الذين ينادون بإزالة هذه الفوارقِ كي لا يكون هناك فرق بين المسلم والكافر، والبرِ والفاجر، وينادون بالأخوة الإنسانية التي تحْطِم قواعدَ الدين وفواصله وحواجزه لا يعلمون، وصدق عمر -رضي الله عنه- يوم قال: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما نبتغي العزة في غيره أذلنا الله".

 

إن الفيصل بيننا وبين أولئك القوم موجود في كتاب الله، قد حكم الله به حين نزول القرآن (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، فلا يمكن أن نستوي نحن وإياهم، لا يمكن أن يستوي الموحد والمشرك، ولا المؤمن والكافر، لقد جعل الله للجنة خلقا كما جعل للنار خلقا؛ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[التغابن: 2].

 

 عباد الله: إن من الخصائص العظيمة التي منحها الله وجعلها لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، أن جعلها أكرمَ الأمم وأخيرِها وأحسنها وأفضلها عند الله -تعالى-، وحسبنا شهادةُ القرآن؛ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110]، وعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي قَوْلِهِ -تعالى- " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" قَالَ: أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلى اللَّهِ"(رواه الترمذي: وقال حديث حسن).

 

وعن عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ -رضي الله عنه-، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:" أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ" فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هُوَ؟ قَالَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ"(رواه أحمد).

 

ومن خصائص هذه الأمة: أنها الأكملُ في التشريع والأحسنُ في التنزيل، فدينها كامل شامل صالح " اليوم أكملت لكم دينكم وأتمم عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " ما من سلوك بشري أو قول يصدر عن الإنسان إلا وله تشريع عندنا، إلا وله حكم في كتاب الله أو في سنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-؛ (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)[البقرة: 138].

 

ومن خصائص هذه الأمة: أن الله أكرمها فجعلها أمة وسطاً؛ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)[البقرة: 143]؛ فهي أمة وسط، والجيل الأولُ منها عُدول خيار، هم بين غلاةِ النصارى وجفاة اليهود، فلا تشديدات وتعقيدات وتنطع ولا تهاون وتمييع للأحكام وانهزامية.

 

كذلك فإن من الخصائص: ما ميّز الله به هذه الأمة بأن جعلها أمةَ يسر، رفع الحرج عنها، وضع الأغلال والأثقال والآصار التي كانت على الأمم قبلها؛ (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)[النساء: 28]، أحلّ لها كثيراً مما حُرم على غيرها، ولم يجعل عليها في أحكامها عنتاً وشدة؛ (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ)[الحج: 78]؛ فكانت شريعةُ المعصوم -صلى الله عليه وسلم- أكملُ الشرائع وأيسرُها وأسهلُها، قال عن نفسه -صلى الله عليه وسلم-: "إني أرسلت بحنيفية سمحة"(رواه أحمد).

 

وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-"وأحل لنا كثيراً مما شُدِّد على مَن قبلنا، ولم يجعل علينا من حرج"(رواه أحمد).

 

وحسبك -يا عبد الله- حتى تدرك رحمة الله بهذه الأمة وتيسيره عليها أن تعلم أن الرجل من بني إسرائيل إذا أصاب أحدهم البول قرضه بالمقراض، فلا يطهره إلا ذلك، ونحن نكتفي بغسله، وكانت المرأة إذا حاضت عندهم لم يؤاكلوها ولم يجالسوها في البيت، ونحن أُحل لنا الاستمتاع بالحائض فيما دون الفرج، وكان القصاص في بني إسرائيل في القتلى ولم تكن فيهم الدية، فخفف الله عنا بتشريع الدية فذلك قوله -تعالى-: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[البقرة: 178].

وقال بن مسعود -رضي الله عنه-: "وكانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنباً أصبح مكتوباً على بابه ذلك الذنب وكفارته".

 

وكان صومُ مَن قبلَنا من الأمم إمساكٌ عن الكلام مع الطعام والشراب، فكانوا في حرج، ورخص الله لنا بحذف الإمساك عن الكلام "إنكم أمة أيريد بكم اليسر"،  كما قال -صلى الله عليه وسلم-، لقد رضي الله لنا اليسر وكره لنا العسر"، (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: 185].

 

ومن خصائص هذه الأمة: أن جُعلت لها الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل أدركته الصلاة فلم يجد ماء ولا مسجدا فطهوره ومسجده عنده، فيتيمم ويصلي، بخلاف الأمم قبلنا، فإن صلاتهم مقصورة عليهم في كنائسهم وبيعهم وصوامعهم، وقد بشر بهذا المعصوم -صلى الله عليه وسلم-، يقول عبد الله بن عمر: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام غزوة تبوك يصلي فاجتمع وراءه رجال يحرسونه حتى إذا صلى انصرف إليهم فقال: "أعطيت الليلة خمساً ما أعطيهن أحد قبلي"، وذكر من هذه الخمس، "وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت، وكان من قبلي يعظِّمون ذلك، إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم"(رواه أحمد).

 

 ومن خصائصها: أن الله هداها ليوم الجمعة، سيدُ الأيام وخيرُ يوم طلعت فيه الشمس، قال -صلى الله عليه وسلم-: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب مِن قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد"(رواه البخاري).

 

ومن خصائص هذه الأمة: أن الله تجاوز لها عن الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه، وفي الدعاء القرآني" ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " وقال -صلى الله عليه وسلم- " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفُسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به"(رواه مسلم).

 

ومن الخصائص أيضا: أنها محفوظة من الهلاك والاستئصال، فلا تهلك بالسنين ولا بالجوع ولا بالغرق ولا يسلط الله عليها عدوا من غيرها فيستبيح بيضتها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وإني سألت ربي ألا يهلكها بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم"(رواه مسلم)، وقال عليه الصلاة والسلام " سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا"؛ فأعطاه الله هذا الوعد فلا يُمكن استئصالُ هذه الأمةِ الكريمة من الأرض مهما حاول الأعداء، ومهما سعوا واجتهدوا في ذلك، فإنها باقيةٌ ما بقي الزمان إلى نهاية الساعة.

 

ومن خصائصها: أنها أمة مرحومة، قال عليه الصلاة والسلام: "أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْلُ"(رواه أبو داود وهو حديث صحيح).

 

 كما أن من خصائصها: أنها لا تجتمع على ضلالة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "سألت ربي أن لا يجمع أمتي على ضلالة، فأعطانيها"، وعن كعب بن عاصم الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة"(قال الألباني: الحديث بمجموع طرقه حسن)؛ فلا يمكن أن يتجمع علماء الأمة كلهم على إثم أو خطأ أو معصية أو ضلالة أو بدعة أو انحراف أبدا، ولا بد أن يوجد فيهم من يعرف الحق إلى قيام الساعة.

 

ومن خصائصها: أن فيهم القرونَ الثلاثة المفضلة الأولى؛ (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)[الواقعة: 10 - 12]، قال -صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس قرني، ثم اللذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم"(رواه البخاري) وقال عليه الصلاة والسلام: "بُعِثْتُ فِي خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ"(رواه أحمد).

 

ومن الخصائص أيضا: أن صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة، ولم يكن هذا لأمة قبلها، فعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ"(رواه مسلم).

 

وكذلك فإن من خصائصها: التأمين والسلام، وقد حسدنا عليه اليهود كما قال عليه الصلاة والسلام: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين"(رواه بن ماجة).

 

وكذلك أيضا فإن من خصائصها: أن الطاعون شهادة لمن أصيب به من أمته -صلى الله عليه وسلم-، فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الطَّاعُونِ؟ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يشَاءُ، فَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ رَجُلٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَيْتِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ"(رواه أحمد).

 

وكذلك فإن من خصائصها: أن الله يبعث على رأس كل سنة من يجدد لها دينها في العلم والعمل والعبادة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يُشترط أن يكون المجدد واحدا، فقد يكون المجددون كل منهم يجدد في جانب من الجوانب. وكذلك : فإن فيها الطائفة المتمسكة بالحق، ظاهرين به منافحين عنه مبينين له إلى قيام الساعة، فلا يمكن أن يُكبت الحق الذي عندهم، بل هم ظاهرون، فإذا لم يظهروا بالسيف والسنان فهم ظاهرون بالحجة والبيان.

وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"(رواه البخاري) وكذلك: فإن لها نصرا وتمكينا في الأرض فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ"(رواه أحمد).

 

ولا شك أنه يوجد في حياتها فترات من الضعف والذلة، لكن لها انتصار كبير وشأن عظيم وحُكْم بليغ شامل في الأرض كما حصل في عهد الراشدين وبني أمية والعباس والمماليك وصلاح الدين الأيوبي مما كان له رفع لها في أرجاء المعمورة.

 

ومن خصائصها: أنها أقل الأمم عملا وأكثرها ثوابا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذي يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجرُ مرتين. فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاء، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا. قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت"(رواه البخاري).

 

قال ابن حجر -رحمه الله-: فهذه الأمة إنما شرُفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته.

 

وكذلك فإن من خصائصها: أن أعمار هذه الأمة بالنسبة لمن سبقها فيها قِصَر، فالقليل من يتجاوز المائة؛ "وعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين"؛ إلا أن الله عوضها بليال وأزمنة وأمكنة ومناسبات تتضاعف فيها الأجور، كليلة القدر وعشر ذي الحجة، وصيام عرفة، وغير ذلك.

 

ومن خصائصها: أنهم يأتون يوم القيامة غراء محجلين من آثار الوضوء، وبهذه الصفة يعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من غيرهم عندما يكون منتظرُهم على الحوض، قال ابن حجر -رحمه الله-: ثبت أن الغرة والتحجيل خاص بالأمة المحمدية، وحين قال عليه الصلاة والسلام: "وددت أنا قد رأينا إخواننا" قال له أصحابه أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد" فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: "إنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء"(رواه مسلم).

 

وكذلك: فإنهم يشهدون لكل نبي على أمته، فإذا جحدت أمة نوح نبيها، شهدت هذه الأمة لنوح أنه أرسل إليهم وهكذا مع سائر الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وكذلك: فإن هذه الأمة أكثر أهل الجنة؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: "أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ" قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: "أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ" قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: "أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ" قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ"(رواه البخاري)

وروى الترمذي وحسنه الألباني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أهل الجنة عشرون ومائةُ صف، ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم".

 

ومن خصائص هذه الأمة: أنه يدخل الجنة منها سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب بما عملوا بصلاح بدينهم وتقواهم.

 

وكذلك: فإن لها عيدين في السنة لا ثالث لهما، عيدُ الفطر وعيد الأضحى.

 

ومن خصائصها: اختصاصها باللغة العربية، الذي شرفت بنزول القرآن به، فهي أفضل لغات الأرض وأعظمها وأقومها وأشملها وأكملها وأفصحها وأبينها، وهي أكبر لغات الأرض مفرداتٍ واشتقاقات وبيان وقدرة على التعبير.

 

وكذلك: فإن تقويمَ هذه الأمة تقويمٌ قمري؛ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ )[التوبة: 36]، وقال: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ )[البقرة: 189]؛ فهذه الأهلة مواقيت للناس في حلهم وإحرامهم وصومهم وفطرهم ونكاحهم وطلاقهم ومعاملاتهم وديونهم.

 

ومن خصائصها: أنها أول من يجتاز الصراط، وأول من يدخل الجنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فأكون أنا وأمتي أول من يجيز" يعني الصـراط"(رواه البخاري)، وفي الحديث الآخر عند البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: "نحن أول من يدخل الجنة".

 

ومن خصائصها: حل الغنائم، فقد كانت الأمم قبلنا على ضربين: منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم غنائم، ومنهم من أذن له في الجهاد فكانوا يغزون ويجاهدون ويأخذون أموال أعدائهم ولكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها، وعلامة قبول غزوهم أن تنزل نار من السماء فتأكلها، وعلامة عدم القبول ألا تنزل، وقد من الله على هذه الأمة ورحمها لشرف نبيها عنده فأحل لهم الغنائم؛ "فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيّباً".

 

وفي الحديث عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي" وذكر منها "وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي"(رواه البخاري).

 

وهكذا تتألق هذه الأمة المباركة، ويترادف عليها فضل الله وكرمُه، وتتقلب في إنعامه وإحسانه، فيا فوزنا ويا سعدنا أن كنا من أمة هذا النبي الكريم العظيم، ولكن مهلاً ... هل شكرنا الله حق شكره أن جعلنا من هذه الأمة؟ وهل كنا على مستوى هذا التكريم؟ هل أعطينا العالم صورةً حسنة عن هذه الأمة المحمدية؟ أليس من المأساة أن يقولَ بعضُ من أسلم من الغربيين: أحمد الله أنني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين وإلا لما أسلمت، قرأ عن الإسلام فسرّه ما فيه فاعتنقه، فلما رأى المسلمين هاله البونُ الشاسع بين المقروء والمشاهَد، وظن أنه لو رأى المسلمين وحالَهم قبل أن يقرأ عن الإسلام لما فكر في اعتناقه، لا بد عباد الله أن نحقق في أرض الواقع هذه الخيرية ونحملَ هذا الإسلام فنبشرَ به العالمين ونحيي به موات الدنيا، فإن الأرض عطشى إلى مطر المسلمين، مشتاقة إلى وقع أقدامهم وهتاف تكبيرهم.

المشاهدات 502 | التعليقات 0