خسوف القمر وأهداف الاتحاد / عبد الله المبرد

عبدالله البصري
1432/07/16 - 2011/06/18 10:20AM
لو جمعت أعداد الشباب والفتيات الذين تابعوا مباراة الهلال والاتحاد ليلة الخميس ١٤٣٢/٧/١٣ بما فيهم الذين على المدرجات والمقاهي وخلف الشاشات، ثم قارنتها بمن صلى منهم تلك الليلة نفسها صلاة الخسوف في المساجد والبيوت، فأغلب الظن أنك ستقف أمام ظاهرة إخفاق تربوي حقيقية مخجلة، يشهدها مجتمع يوصف بالمحافظ والمتديّن والمثقف شرعياً.. إلى آخر هذه الأوصاف التي يحلو لنا أن ننعت أنفسنا بها!!
فالخسوف ً-كما يريده الله- آية من آيات الله، ما يرسلها الله إلا تخويفاً لعباده! "وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً". وبذلك جاءت الشواهد والمرويات الصحيحة عن حالة الخوف والوجل والفزع التي كان يعيشها الرسول صلى الله
عليه وسلم وأصحابه في مثل هذه الحالات، حتى ينجلي الكسوف أو الخسوف، أو تسكن الريح، أو تمطر السماء المكفهرة المتلبدة بالغيوم!والأحاديث في ذلك كثيرة يقصر المقال والمقام عنها.
ولو تساءلنا: لماذا يخوّفنا الله أصلاً؟ ما ثمرة الوجل والفزع التي أرادها لنا؟! لو بحثنا عن إجابة سؤالنا هذا في القرآن لعلمنا أن الله تبارك وتعالى برحمته ولطفه بعباده وبره بهم يريد لهم الجنة والرضوان التي لا ينالها إلا الخائفون الوجلون المشفقون، وبذلك يستحقون الجنة والرضوان "ولمن خاف مقام ربه جنتان" ويقول سبحانه : "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" وذلك أن الخوف من الله منزلة من العبودية محبوبة لله مرضّية عنده؛ لأنه يشكّل حالة من الحذر الإيجابي الذي يباعد المسلم من مزالق الشهوات، ومخاطر الغفلة والاستهانة بالله وعذابه وسطوته.
فالخوف من الله ضدّه ونقيضه الأمن من عذاب الله وغضبه ومكره، وتلك هي عادات العصاة والكفار والمعرضين الذين يراكمون الذنوب بعد الذنوب وهم آمنون من غضب الله ومكره "أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم
الخاسرون".
ونحن حتى في حياتنا العاديه نحب الذين يخافون الله فنزوجهم ونبايعهم ونسافر معهم ونستأمنهم ونحن مطمئنون، وإذا أردنا التحذير من سيئ شرير قلنا: إنه لايخاف الله!
ويروى عن السلف روائع مقولات عن الخوف والخائفين من الله تدل على التوازن والأمن الذي يتنزل على حياة المجتمعات التي تخاف الله، مثل قولهم: "إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات وطرد الدنيا عنها" وقولهم: "الناس على الطريق ما لم يزُل عنهم الخوف، فإذا زال الخوف ضلوا الطريق".
وبهذا نعلم فضل الله علينا بتخويفنا بالآيات التي يرسلها ، وندرك حجم الخسارة التي يتكبّدها المسلم والمجتمع بأسره إذا ضمر الخوف واضمحل في القلوب ، وهي جناية الإعلام الذي يتناول هذه الآيات بأسلوب جاحد معرِض
جاف ، وكأنه لايعبر عن ثقافة القرآن ، وأمة الإسلام .
لقد انطبعت لغة الإعلام بالغرور العلمي المزدهي بمعرفته السطحية المسبقة بموعد الخسوف مثلا ، وكأنه يقول : أصبحنا نتنبأ بموعده قبل حدوثه فلاداعي للخوف !! وهو ظاهرة كونية فلا موجب للوجل !! وصدق الله " كلا إن الإنسان ليطغى ، أن رآه استغنى " فإذا عرف الفلكي موعد انحراف القمر وملأه الغرور بذلك ؟! فليخبرنا عن سبب هذا الانحراف ؟! وماهي القوة التي زحزحت هذا المخلوق الهائل عن مساره ؟! وأي قوة تلك التي تستطيع أن تردّه إلى مداره ؟! ومن ذالذي يضمن رجوعه إلى مساره أصلا ؟! والله لو خرج سبع كاسر من قفصه في حديقة الحيوان ، أو انحرف قطار عن مساره ؛ لأثار ذلك فزع مدينة بأكملها ، فكيف بخروج مخلوق بحجم القمر أو الشمس ؟!!
لأجل ذلك يخوفنا الله بتلك وأمثالها ، ويقول عليه الصلاة والسلام :" فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى الصلاة " أليست مشاهد الاستهتار بتلك الآيات العظيمة والغفلة عنها وعدم الاكتراث لها واسترسالنا وأبنائنا في لهونا وخطايانا أليست علامات محزنة على ما وصلنا له من ضعف التأثر بالنذر الإلهية ، والتخويفات الربانية ؟!!
أليست أحزان شبابنا الهلاليين على هزيمتهم وفرحة الاتحاديين بأهدافهم تلك الليلة قدحجبت آية الله العظيمة عن قلوبهم وظمائرهم !!
لقد ذكر لنا القرآن صورا من غلظة الأفئدة التي وصلت لها بعض الأمم المعرضة التي استحقت العذاب الناجز ؛ حيث كانو يرون نذر الله تلوح بسمائهم ولايزيدهم ذلك إلا غفلة وسخرية " وإن يرو كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم" ويحكي القرآن خبر أمة هلكى أخرى حين لاح في سمائها عارض العذاب فراحت تستبشر بغيث وهي على معاصيها مقيمة " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا ، بل هو ماستعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ، تدمر كل شيء بإذن ربها فأصبحوا لايرى إلا مساكنهم ، كذلك نجزي القوم المجرمين " ولا يخفى التهديد المرعب في خاتمة الآية لأي مجتمع مستهتر لايرجو لله وقارا ، تأتيه تخويفات ربه وتظلم سماؤه بنذر ربه وهو غافل يعاقر معاصيه !!
لما زلزلت مصر أيام الفاطيين وذعر الوالي قام له شاعر كذاب فقال :

ما زلزلت مصر من خطب ألم بها ٠٠٠ لكنها رقصت من عدلكم طربا
انظر إلى موت القلب وجحود النفس وجفاف الإيمان الذي بلغ بهذا العبث بآيات الله أن يفرغها من حكمتها ، وقارن ذلك بحال الفاروق حين زلزلت المدينة في وقته فقام وجلا فزعا وخطب الناس وقال فيما " .. لإن عادت لا أساكنكم فيها أبدا " وذلك لفقهه رضي الله عنه إنها عقوبة من الله وتخويف على بعض ذنوب أُحدثت، ولا يمنع أن تتنوع آيات الله ففي بلد زلازل، وفي بلد فيضانات ، وفي ثالث جدب ومحل، وفي رابع جراد وأوبئة، وكلها بما كسبت أيدي الناس والله هو التواب الرحيم ونسأله لطفه وعفوه ومغفرته !!



المصدر :
http://www.almokhtsar.com/news.php?action=show&id=150423
المشاهدات 1869 | التعليقات 0