خُزَعْبلاتُ الجَاهِليةِ " موافقة لتعميم الوزارة " 1443/1/26هـ

يوسف العوض
1443/01/24 - 2021/09/01 11:08AM

 الخطبة الأولى 

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : قالَ اللهُ تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}هَذِهِ الْآيَةُ يَذْكُرُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهَا أَنَّ الَّذِي يَنْفَعُ وَيَضُرُّ هُوَ اللَّهُ ، وَلَا شَيْءَ يَنْفَعُ وَيَضُرُّ مَعَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَهَذِه الْآلِهَةُ وَالْأَصْنَامُ الَّتِي عبدوها مِنْ دُونِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إذَا سُئِلُوا عَنْهَا قَالَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ :" ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ "  أي :  إنَّ أَصْلَ عبادتِنا لِلَّه ، وَلَكِنْ هَذِهِ وَسَائِطُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ ، وَهُم بِهَذَا اتَّخَذُوا وَسَائِطَ لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِهَا ، فَهُم يَعْتَقِدُون أَنَّهَا ستقربُهم مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَكَأَنَّهُم اتَّخَذُوهَا شريكاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ نَفْسَهَا أَوْ تَضُرُّهَا فضلاً عَنْ غَيْرِهَا .

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْبَعْضُ وَفِيهَا مُخَالَفَةٌ شَرْعِيَّة التَّمَائِمُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا فقد جاءَ في حديثٍ عن زينبَ امرأةِ عبدِ الله عن عبد الله قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلم- يقولُ: "إنَّ الرُّقَى والتَمائِمَ والتِّوَلَةَ شِرْكٌ" قالت: قلتُ: لِمَ تقولُ هذا؟ واللهِ لقد كانت عَيني تَقْذِفُ وكنتُ أختلِفُ إلى فُلانٍ اليهوديِّ يَرْقِيني، فإذا رقَانِي سَكَنَتْ، فقال عبدُ الله: إنما ذاكَ عملُ الشَّيطانِ كان يَنْخَسُها بيدِه، فإذا رقَاها كَفَّ عنها، إنما كانَ يَكْفيكِ أن تقولي كما كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - يقولُ: "أذْهِبِ البأس ربَّ النَّاسِ، اشْفِ أنت الشَّافي، لا شِفَاءَ إلا شِفاؤُك، شفاءً لا يُغَادِرُ سَقَماً" خرَّجه أبوداود وصَحّحه الألبانِي. 
 
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حريصًا على بِناءِ العَقيدةِ الصَّافيةِ في قُلوبِ المؤمِنينَ، وتَخليصِها من آثارِ الجاهِليَّةِ السَّيِّئةِ، ومن ذلك بِناءُ عَقيدةِ التَّوكُّلِ على اللهِ، وعَدمُ اعْتِقادِ أنَّ النَّفعَ والضُّرَّ يُمكِن أن يَأتي من غيره؛ فَكلُّ شَيءٍ في الكونِ مِن قَدرِ اللهِ،  وفيه تَحكِي زَينبُ امْرأةَ عبدِ اللهِ بْنِ مَسعود رَضي الله عنهما: «أنَّ عَبدَ اللهِ رأى في عُنُقي خَيطًا، فقال: ما هذا؟ فقُلتُ: خَيطٌ رُقِي لي فيه، قالتْ: فَأخَذَه فَقَطَعَه، ثُمَّ قال: أنْتُم آلُ عبدِ اللهِ لأغْنِياءٌ عن الشِّركِ ، ثُمَّ قالَ ابنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: «سَمعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: إنَّ الرُّقى»، أي: الرُّقية التي فيها اسْمُ صَنمٍ أو شَيطانٍ، أو كَلمةُ كُفرٍ أو غيرُها ممَّا لا يجوزُ شرعًا، ومنها ما لم يُعرَف مَعناها، «والتَّمائِمُ» جمْع تَميمةٍ، وَهِي التَّعويذةُ التي تُعلَّق، وقيل: هي خَرزاتٌ كانَتْ تُعلَّقُ على الصَّبيِّ لدَفعِ العينِ بِزعْمِهم، وهو بَاطِلٌ، ثمَّ اتسعوا فيها حتى سَمَّوا بها كُلَّ عِوَذة، «والتَّوْلةُ»؛ وهي نَوعٌ من السِّحرِ، وقيل: هي ما يُحبِّبُ المرأةَ إلى زَوجِها، أَو خيطٌ يُقْرَأُ فيه من السِّحرِ للمَحبَّةِ أَو غيرها، «شِرْكٌ»، أي: كلُّ هذِه الأمورِ شِركٌ؛ لأنَّ اتِّخاذَها يَدُلُّ على اعْتِقاد تأثيرِها، وهو يُفْضي إلى الشِّرك ، قالت زَينبُ رضِيَ اللهُ عنها: «قُلتُ: لِمَ تقولُ هذا؟»، أي: لماذا تقولُ لي هذا الكَلامَ وتَأمُرني بالتَّوكُّل وعَدمِ الاسْترْقاءِ، وكانتْ تَظنُّ أنَّ لمِثلِ تِلكَ الرُّقى أثَرًا، ودلَّلتْ على ذلك بما كانتْ تَفعلُه فقالت: «واللهِ لقدْ كانت عَيْني تَقذِفُ»، أي: تُرْمَى بما يُهيِّج الوَجَعَ، «وكُنتُ أخْتَلِفُ»،، أي: أتَردَّدُ بالرَّواحِ والمَجيءِ، «إلى فُلانٍ اليَهوديِّ يَرقيني، فإذا رَقاني سَكَنَتْ»، أي: هَدأتِ العَينُ من وَجعِها، فقال عبدُ الله رضِيَ الله عنه: «إنَّما ذاك عَملُ الشَّيطانِ»، أي: من فِعلِه وتَسويلِه، والمعنى: أنَّ الوَجعَ الذي كان في عَينَيكِ لم يكُنْ وجعًا في الحَقيقةِ، بل ضَرْبٌ من ضَرباتِ الشَّيطانِ ونَزغاتِه، «كان يَنخَسُها بِيدِه»، أي: يَطعُنُها ويَضرِبُها بِيدِه، «فإذا رَقاها كَفَّ عنها»، أي: تَوقَّف الشَّيطانُ عن نَخسِها وتَركَ طَعنَها، «إنَّما كان يَكفيكِ أنْ تَقولي كما كان رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «أَذْهِبِ الباسَ»، وهو دُعاءٌ للهِ بأنْ يُزيلَ الوَجعَ والألمَ والشِّدَّةَ، «رَبَّ النَّاسِ»، أي: يا خَالِقهم ومُربِّيَهم، «اشْفِ أنت الشَّافي، لا شِفاءَ إلَّا شِفاؤُكَ، شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا»، أي: يكون شِفاءً تامًّا لا يَبقَى معه أثَرٌ لمرَضٍ أو ألمٍ ،، هكذا فَمَنْ لَمْ يتَّبِع سنَّته ، فَقَد عرَّض نفسَه لِمَا يُسخِط اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

 

الخطبة الثانية

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ ، أَمَّا بَعْدُ :

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : جاء عن ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ -وهو مَوْقُوفٌ عَلَى حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه- : أَنَّهُ رَأَى رجلاً فِي يَدِهِ خَيْطٌ مِنْ الْحُمَّى فَقَطَعَه ، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ : دَخَل حُذَيْفَةُ عَلَى مَرِيضٍٍ فَرَأَى فِي عَضُدِهِ سيراً فَقَطَعَهُ أَوْ انْتَزَعَه ، ثُمَّ قَالَ : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) فَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ دَخَلَ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي أَصَابَتْهُ الحُمَّى وَقَد رَبَط عَلَى ذِرَاعِهِ ربطتين فَفَهِم حُذَيْفَةُ أَنَّ هَذَا الرِّبَاطَ وَضَعَه الرَّجُلُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ يَمْنَعَ الْحُمَّى ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ أَنَّ الْحُمَّى تَذْهَب بِمِثْلِ ذَلِكَ ، إنَّمَا الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنَّ يُوضَعَ الْمَرِيضُ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ ، وَهَذَا مَا أَرْشَدَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ أَنْ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ، وَأَنَّ هَذَا الْمَاءَ يُطْفِئ نَارَ الْحُمَّى ، إمَّا أَنْ يُعَلِّقَ خيطاً عَلَى يَدِهِ فَكَأَنَّه اعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا الْخَيْطَ يَنْفَعُه مِنْ هَذِهِ الْحُمَّى مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فـ حُذَيْفَةُ أَخْبَرَهُ أَنَّ هَذَا مِنْ الشِّرْكِ ، قَال : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) .

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ :  يقول الشيخُ عبدُالعزيز بنُ بازٍ رحمَه اللهُ تعالى " تعلِيقُ التَّمَائِمِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الشركيةِ ، وَالتَّمَائِمُ : هِيَ مَا يُكْتَبُ فِي الرِّقَاعِ مِنْ خِرَقِ ، أَو قَرَاطِيسَ ، أَو رِقَاعٍ مِنْ الْجِلْدِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، يُكْتَبَ فِيها طلاسمُ لَا تُعْرَفُ مَعْنَاهَا ، وَرُبَّمَا يُكْتَبَ فِيهَا أَسْمَاءٌ لِبَعْضِ الشَّيَاطِين وبَعْضِ الْجِنِّ ، وَرُبَّمَا كُتَبَ فِيهَا دَعَوَاتٌ أَوْ آيَاتٌ ، ثُمَّ تُعَلَّقَ عَلَى الْمَرِيضِ أَوْ عَلَى الطِّفْلِ ، يَزْعُمُون أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ الْجِنَّ ، وَبَعْضُهُم يعلقها لِدَفْع الْعَيْن ، وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُ ذَلِكَ تُعَلَّقُ التَّمَائِمَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْأَوْتَارَ عَلَى الْإِبِلِ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ الْبَلَاءَ ، وَهَذَا مِنْ الْجَهْلِ بِاَللَّه وَقِلَّةِ الْبَصِيرةِ ، وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ بِقَطْعِ التَّمَائِمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَالَ : ( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ ، وَمَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَة فَقَدْ أَشْرَكَ ) رواه أحمد والحاكم " ، رَبَّنَا عَلَّق قُلُوبَنَا بِك لَا بِغَيْرِك ، رَبَّنَا أَصْلِحْ مَا فَسَدَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ ، واهدنا صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، إِنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى سَبِيلِك الْقَوِيم .

.


المرفقات

1630991000_التمائم.pdf

المشاهدات 1998 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا