خَزَائِنُ الْخَيْرِ

يوسف العوض
1446/02/23 - 2024/08/27 13:37PM

الخطبة الأولى

عِبَادَ اللهِ : خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ، وَإِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ، وَأَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوْعًا، وَلَأَنْ أَمْـشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ لَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْـتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَلَوْ شَاءَ اللهُ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللهُ قَلْبَهُ رِضًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْـلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَينِ صَدَقَةٌ، تُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْـشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ، هَكَذَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَكَذَا عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِهَا، لِيَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللهِ فِيهِمْ: " أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" .

عِبَادَ اللهِ : يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " ، فَاللهُ تَعَالَى عِنْدَهُ خَزَائِنُ الْخَيْرِ، يُثِيبُ عَلَى الْخَيْرِ الْقَلِيلِ الأَجْرَ الْعَظِيمَ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللهَ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَفِي الأَثَرِ أَنَّ "صَنَائِعَ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ"، لِذَلِكَ فَفَاعِلُ الْخَيْرِ وَصَانِعُ الْمَعْرُوفِ لا يُخْزِيهِ اللهُ أَبَدًا، فَالرَسُولُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي غَارِ حِرَاءٍ رَجَعَ إِلَى أَهْـلِهِ فَزِعًا، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : "وَاللهِ لا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّـيْفَ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ"؛ بَلْ إِنَّ فَاعِلَ الْخَيْرِ لَيُدْرِكُ بِعَمَلِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، فَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي السَّـفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المُفْطِرُ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَسَقَطَ الصَّائِمُونَ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبْـنِيَةَ وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَهَبَ المُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ" إِنَّ مَدَّ يَدَ الْعَوْنِ وَتَقْدِيمَ الْخَيْرِ لِلْغَيْرِ يَتَأَكَّدُ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ زَمَنٍ مَضَى؛ حَيْثُ مَصَالِحُ الْخَلْقِ مُتَشَابِكَةٌ، وَقَضَاءُ حَوَائِجِهِمْ مَوْقُوفٌ عَلَى جِهَاتٍ مِنْ شَأْنِهَا الْقِيَامُ عَلَى خِدْمَةِ النَّاسِ، فَمَا أَجَمَلَ أَنْ يَتَذَكَّرَ أُولَئِكَ الْعَامِلُونَ فِي جِهَاتٍ خِدْمِيَّةٍ يَرْتَادُهَا النَّاسُ أَنَّ خِدْمَةَ الْعِبَادِ فِي تَخْلِيصِ مُعَامَلاتِهِمْ، وَتَيْسِيرِ أُمُورِهِمْ، وَتَسْهِيلِ إِجْرَاءَاتِهِمْ مِنْ أَجَلِّ الطَّاعَاتِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ الَّتِي يَنَالُ بِهَا الْعَبْدُ أَعْـلَى الدَّرَجَاتِ.

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللهِ : يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْـتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ"، فَطُوبَى لِعَبْدٍ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَكَفَلَ بِهِ يَتِيمًا، أَوْ زَوَّجَ بِهِ شَابًّا أَعْـزَبَ، أَوْ قَضَى بِهِ دَيْنَ غَرِيمٍ، أَوْ أَعَانَ مُحْـتَاجًا، أَوْ بَنَى بِهِ مَدْرَسَةً أَوْ مَرْكزًا عِلْمِـيًّا أَوْ مَكْتَبَةً عَامِرَةً وَطُوبَى لِمَنْ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَأَنْشَأَ بِهِ مَشْرُوعًا ضَخْمًا، ضَمَّ فِيهِ عَدَدًا مِنْ أَبْـنَاءِ الْمُجْـتَمَعِ الْبَاحِثِينَ عَنْ عَمَلٍ، فَسَتَرَهُمْ وَأَعَفَّهُمْ عَنِ السُّؤَالِ، أَوْ أَنْشَأَ مَعْهَدًا تَدْرِيبِيًّا يَدْرُسُ فِيهِ أَبْـنَاءُ الْمُجْـتَمَعِ الْعِلْمَ ، فِيَا أَصْحَابَ الأَمْوَالِ هَذَا هُوَ حَظُّكُمْ مِنَ الْمَالِ، "يَقُولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْـلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ"، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَذَاهِبٌ عَنْهُ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ. وَيَا مَنْ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أَوِ الدُّنيَا، هَلْ تَعْـلَمُ أَنَّ مِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَتَعَدَّى نَفْعُهَا إِلَى الآخَرِينَ تَعْـلِيمَ النَّاسِ الْخَيْرَ؟! فَاللهُ وَمَلاَئِكَتُهُ وَأَهْـلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ

المرفقات

1724755043_النفع.docx

المشاهدات 752 | التعليقات 0