خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.
أ.د عبدالله الطيار
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اصْطَفَانَا مِنْ خَلْقِهِ مُوَحِّدِينَ، وَاجْتَبَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ، وَخَصَّنَا بِأَكْمَلِ الشَّرَائِعِ، فَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، وَأَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَشَرَّفَنَا بِخَيْرِ الْبَشَرِ أَجْمَعِينَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أجمعين أمّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ مَن اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ حَفِظَ حُدُودَهُ حَفِظَهُ وَرَعَاهُ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق: [4].
أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ الصَّلاةَ أَجَلُّ الشَّرَائِعِ قَدْرًا، وَأَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ أَجْرًا وَأَسْمَى الْقُرُبَاتِ فَضْلًا قالَ تعالَى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) النساء: [103] وَهِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ المُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، قَالَ ﷺ: (إنَّ بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ) أخرجه مسلم (82).
عِبَادَ اللهِ: وَالصَّلاةُ عِمَادُ الدِّينِ، وَأَمَارَةُ المؤْمِنِينَ، وَقُرَّةُ عَيْنِ الموَحِّدِينَ، وَنَجَاةٌ وَعَوْنٌ لِلْعَابِدِينَ، قالَ تعالَى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) البقرة: [45] وهي مِعْيَارُ الصَّلاحِ، ومِيزَانُ الاسْتِقَامَةِ، ودَلِيلُ الْفَلاحِ، وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
عِبَادَ اللهِ: وَلِمَكَانَةِ الصَّلاةِ في الإِسْلامِ شُرِعَت لَهَا الطَّهَارَةُ وَالوُضُوءُ، وَخُصِّصَتْ لَهَا أَطْهَرُ الْبِقَاعِ في الأرضِ، أَمَاكِنٌ يَشِعُّ مِنْهَا نُورُ النُّبُوَّةِ، وَيَلْتَئِمُ فِيهَا صَفُّ الْوَحْدَةِ، مُنَزَّهَةً عَنْ كُلِّ لَغْوٍ وَدَنَسٍ، وَمَحْفُوظَةً عَنْ كُلِّ رِجْسٍ وَضَرَرٍ، يَعْمُرُهَا أَهْلُ الإِيمَانِ: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ) التوبة: [18].
أيُّهَا المؤْمِنُونَ: والمسْلِمُ مَأْمُورٌ أَنْ يَأْتِيَ إلَى الصَّلاةِ بِوَقَارٍ وَسَكِينَةٍ، وَهَيْبَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، وَنَظَافَةٍ وَزِينَةٍ، قَالَ تَعَالَى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف: [31] وَفِي هذهِ الآَيَة مَشْرُوعِيَّةُ التَّزَيُّنِ والتَّطَيُّبِ عنْدَ الْحُضُورِ إلى الصَّلاةِ، وَلا سِيَّمَا يَوْم الْجُمُعَةِ.
عِبَادَ اللهِ: والنَّاظِرُ إلى حَالِ مَسَاجِدِنَا الْيَوْم يَجِدُ الاسْتِهَانَةَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ في احْتِرَامِ شَعِيرَةِ الصَّلاةِ، والْجَهْلَ بِفَضْلِهَا، وَمَا يَجِبُ لَهَا مِنَ الزِّينَةِ واللِّبَاسِ، فَيَذْهَبُ إِلَيْهَا بِهَيْئَةٍ لا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا في المنَاسَبَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ واللِّقَاءَاتِ الأُسَرِيَّةِ والمَحَافِلِ الرَّسْمِيَّةِ الَّتِي يُعِدُّ لَهَا أَغْلَى الثِّيَابِ، وَأَزْكَى الْعُطُورِ، وَيَحْرِصُ فِيهَا عَلى كَمَالِ الْهَيْئَةِ، وَتَمَامِ الزِّينَةِ، فَكَيْفَ بِلِقَاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟! (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) النحل: [60] قال ﷺ: (إذا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثوْبَيْهِ، فإنَّ اللهَ أَحَقُّ مَن تُزُيِّنَ لَهُ) المعجم الأوسط للطبراني:(9/145) برقم (9368).
أيُّهَا المؤْمِنُونَ: وعَدَمُ التَّزَيُّنِ والتَّطَيُّبِ عندَ الذَّهَابِ إلى المسَاجِدِ، صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ التَّهَاوُنِ في شَأْنِ الصَّلاةِ، وَعَلامَةٌ عَلَى قِلَّةِ الْفِقْهِ، وَضَعْفِ الإِيمَانِ، وَإِلْفِ الصَّلاةِ، فَتَتَحَوَّلُ مِنْ عِبَادَةٍ وَقُرْبَةٍ، إلَى عَادَةٍ وَخِصْلَةٍ، تَجِدُ مَنْ يُصَلِّي بِلِبَاسِ نَوْمِهِ، وَتَجِدُ مَنْ يُصَلِّي بِثِيَابِ حِرْفَتِهِ، وَتَجِدُ مِنَ الشَّبَابِ مَنْ يَلْبَسُ مَا لا يَسْتُرُ مِنَ الثِّيَابِ الضَّيِّقَةِ وَالْقَصِيرَةِ، وَنَسِيَ هَؤُلاءِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ لأَحَدِ أَصْحَابِهِ يومًا: (غَطِّ فَخْذَكَ فَإِنَّ الْفَخْذَ عَوْرَةٌ) أخرجه البخاري معلقا بصيغة التضعيف عقب (370) وصححه الألباني في الجامع (4158)
عباد الله: وَمِنْ صُوَرِ التَّهَاوُنِ في شَأْنِ الصَّلاةِ، عَدَمُ التَّنَزُّهِ عنِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، فَتَجِدُ مَنْ ابْتُلِيَ بِالدُّخانِ، أو الرَّوَائِحِ الَّتِي يُسَبِّبُهَا شِدَّةُ الْحَرِّ، وَمَشَقَّةُ الْعَمَلِ، فَيَدْخُلُ المَسْجِدَ، وَيَشْرَعُ في الصَّلاةِ دُونَ إِعْدَادٍ أو اسْتِعْدَادٍ، فَيَتَأَذَّى مِنْهُ المصَلُّونَ، بَلْ تَتَأَذَّى مِنْهُ الملائِكَةُ وَغَفَلَ هذا عَنْ قَوْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف: [31]
أيُّهَا المؤْمِنُونَ: وكانَ النَّبِيُّ ﷺ يَنْهَى أَمْثَالَ هَؤُلاءِ عَنِ الْحُضُورِ إِلَى المسَاجِدِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ الْجُرْمِ، وَشِدَّةِ الإِثْمِ، قالَ ﷺ: (مَن أكَلَ ثُومًا أوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا - أوْ قالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا - ولْيَقْعُدْ في بَيْتِهِ) أخرجه البخاري (5452) ومسلم (564). (وقد رأى النبيُّ ﷺ رجلًا رأسَه أشعثَ فقال: أما وجد هذا ما يُسَكِّنُ به شعرَه، ورأى آخرَ عليه ثيابٌ وسخةٌ فقال أما كَانَ هذا يجدُ ما يغسلُ به ثوبَه) أخرجه أبو داود (4062) وصححه الألباني في غاية المرام (74).
أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)) الأعراف: [31]. بَارَكَ اللهُ لَي ولكم فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآَيَاتِ وَالْحِكْمَةِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ ربِّ الْعَالمِينَ، هَدَانَا بِفَضْلِهِ إلى دِينِهِ الْقَوِيمِ، فَبَيَّنَ لنَا السُّبُلَ، وشَرَّفَنَا بِخَيْرِ الرُّسُلِ، ورَفَعَنَا بِالقُرْآنِ إلى أَعْلَى المُثُل، وَأَشْهَدُ أَلّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ إلى يومِ الدِّينِ، أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ واعْلَمُوا أَنَّ هَدْي نَبِيِّكُمْ ﷺ أَكْمَلُ هَدْيٍ وَأَتَمُّهُ، تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: صنَعتُ لرسولِ اللَّهِ ﷺ بُردةً سَوداءَ، فلَبسَها ، فلمَّا عَرِقَ فيها وجدَ ريحَ الصُّوفِ، فقذفَها قالَ: وأحسبُهُ قالَ: وَكانَ تُعجبُهُ الرِّيحُ الطَّيِّبةُ) أخرجه أبو داود (4074) وصححه الألباني.
أيُّهَا المؤْمِنُونَ: وكانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَهَيَّأُ لِلصَّلاةِ بِلُبْسِ أَجْمَلِ الثِّيَابِ، وَمَسِّ الطِّيبِ، وَالسِّوَاكِ قالَ ﷺ :(غُسْلُ يومِ الجُمُعَةِ على كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وسِوَاكٌ، ويَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ ما قَدَرَ عليهِ) رواه مسلم [846] والمسكُ أفضلُ مَا كَانَ يَتَطَيَّبُ بِهِ، قَالَ ﷺ (الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ) رواه مسلم (2252) والتطيُّبُ يكون في الرأسِ واللحيةِ غالبًا، فعنْ عائشةَ رضي الله عنها قالت: (كأنِّي أنظُرُ إلى وَبِيصِ الطِّيبِ - أي: لَمعانه- في مَفْرِقِ رأسِ النبيِّ ﷺ وهُوَ مُحْرِمٌ) أخرجه البخاري (271) ومسلم (1190) وحث النبيُّ ﷺ أُمَّتَهُ عَلَى السِّوَاكِ بِقَوْلِهِ: (لَوْلا أنْ أشُقَّ على أُمَّتي أوْ على النّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بالسِّواكِ مع كُلِّ صَلاةٍ) أخرجه البخاري (7240) ومسلم (252) وَقَالَ أَيْضًا: (السِّواكُ مَطهرةٌ للفمِ، مَرضاةٌ للرَّبِّ) أخرجه النسائي (5) وصححه الألباني.
أَسْأَلُ اللهَ عزّ وجلّ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ.
اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى بِلادِ الْحَرَمَيْنِ أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا، وَعِزَّهَا وَرَخَاءَهَا يَا رَبَّ الْعَالمِينَ. اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللهم وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَينِ الشَّرِيفَيْنِ سلمانَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَلْبِسْهُ لِبَاسَ الْعَافِيَةِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَاحْفَظْهُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَشَرٍّ، واجْعَلْهُ مُبَارَكًا أَيْنَمَا حَلَّ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ رِجَالَ الأَمْنِ، والمُرَابِطِينَ عَلَى الثُّغُورِ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ مِنْ بينِ أيديهِم ومِنْ خَلْفِهِمْ وعنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَمِنْ فَوْقِهِمْ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ يُغْتَالُوا مِنْ تَحْتِهِمْ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ، وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ في الجناتِ، واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا وجِيرَانَنَا ومشايخَنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
الجمعة 1445/10/24