خِتَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ وَ اسْتقْبَالِ عِيدِ الفِطْرِ

محمد البدر
1445/09/25 - 2024/04/04 04:59AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾.عشنا انتظارك في الشهور بلوعة فنزلت فينا زائراً يتعجل، فما بين دمعة توديع ودمعة سرور لختامه يا خير من نزل النفوس أراحلُ بالأمس جئت فكيف كيف سترحلُ ،وما إن يوشك رحيل رمضان حتى تتحسر النفس على مضي أيامه المباركة وتبكي العيونُ على وداعك حرقةً،وتلهج القلوب قبل الألسنة بأصدق كلمات الوداع،فها هو رمضان اليوم يجهز نفسه للرحيل،سيرحل هذا الشهر الفضيل بعد أن عشنا فيه أجمل الأيام المليئة بالمشاعر الفياضة والإيمانية الرائعة، فمن الصور المشرقة في شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ ، أن تارك الصلاة والمتهاون،يحافظ على الصلاة حتى يقبل منه الصيام،وشارب الدخان والخمر والمسكر وغيره، يتوقف عن شُربه بل قد اقلع عنه حتى تُقبل صلاتُه و صيامُه في شَهْرُ رَمَضَانَ،ومرتكب الزنا ومقترف المعاصي قد توقف استحياء أن يأتي الكبائر في شهر رمضان، كذلك النمّام و المغتاب والسباب، كلّما أراد التحدث في عرض أحدهم تذكّر" اللهم إني صائم"ثم صمت وقد قلّت الألفاظ البديئة و الصراعات احتراما لرمضان،والنساءُ قد ارتدين اللّباس المحتشم،احتراما لهذا الشهر،والمدمن على مشاهدة الرذائل على التلفاز أو النت قد توقف خشية أن يفسد صيامه في هذا الشهر، في شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ التزاما بمواعيد الصلاة والحرص على الاستيقاظ لصلاة الفجر،والمحافظة على النوافل ،والتضرّع بالدعاء للّه في السّجُود و إكثار من الاستغفار ،وقد حمل الجميع قرآنهم المهجور، و تسابقوا لختم القرآن قراءة ،وسارع الناس في الخيرات وبذل الصدقات،وصلت الأرحام التي قطعت طويلا فكل ذلك لأنك استشعرت عظمة شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ،فاستحييت من الاصرار على المعصية و أنت في عبادة"و أنت صائم"و خفت أن لا يقبل منك صيامك فلتشكر الله سبحانه و تعالى على نعمة هذا الشهر الفضيل، وجاهد نفسك قدر المستطاع على الاستمرار فشَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ حقاً مدرسة ،فيها تدريب على الصبر ليس فقط على الجوع و العطش.

عِبَادَ اللَّهِ:وَمِمَّا يُشْرَعَ في خِتَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ زَكَاةُ الْفِطْرِ يخرجها المسلم طعاما يؤكل يخرج من غالب قوة أهل البلد شكرا لله على نعمة التوفيق لصيام رمضان وقيامه ولا يجوز إخراجها نقداً فإخراجها نقدا فيه مخالفة لأمر النَّبِيِّﷺفَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِﷺ«فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِﷺزَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.أما مقدارها فَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:«كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللهِ:قَالَ تَعَالَى﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾يُشْرَعُ التَّكْبِيرِ ليلةَ العيد في خلوات الناس ومجامعهم، يجهر به الرجال، وتسِرّ به النساء ومن صفات التَّكْبِيرِ:اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمدُ.كذلك(اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَللهِ الحَمدُ ،اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا)ومن السُّنَّةُ  الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ خارج البنيان فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ«كَانَ رَسُول اللهِﷺيَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ،وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ،فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ،فَإِنْ كَانَ يُريدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا، قَطَعَهُ؛أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ،أَمَرَ بِهِ؛ثُمَّ يَنْصَرِف»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.قال ابن قدامةرحمه الله:(وَلَنَا:أَنَّ النَّبِيَّﷺكَانَ يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى وَيَدَعُ مَسْجِدَهُ,وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ , وَلا يَتْرُكُ النَّبِيُّﷺالأَفْضَلَ مَعَ قُرْبِهِ , وَيَتَكَلَّفُ فِعْلَ النَّاقِصِ مَعَ بُعْدِهِ,وَلا يَشْرَعُ لأُمَّتِهِ تَرْكَ الْفَضَائِلِ,وَلأَنَّنَا قَدْ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ النَّبِيِّﷺوَالاقْتِدَاءِ بِهِ,وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ النَّاقِصَ , وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الْكَامِلَ,وَلَمْ يُنْقَلُ عَنْ النَّبِيِّﷺأَنَّهُ صَلَّى الْعِيدَ بِمَسْجِدِهِ إلا مِنْ عُذْرٍ..إلخ.واحذروا من التكبير الجماعي الذي أحدثه بعض الناس ومن السُّنَّةُ أن يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا ويُسن مخالفةالطَّرِيقِ ويُسن أن يفطر على تمرات،قبل خروجه إلى المصلى فَعَنْ جَابِرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ«كَانَ النَّبِيُّﷺإِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ«كَانَ رَسُولُ اللَّهِﷺيَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا»رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.وَعَنِ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ«كَانَ رَسُولُ اللَّهِﷺلاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.ومن السُّنَّةُ  إظهار الفرحة بالعيد لا تخلصا من العبادة،ولبس الجديد من الثياب أن أمكن ومس الطيب،وإدخال الفرح والسرور على الوالدين والأهل والأبناء والأطفال والأرحام والأصدقاء،واليتامى  والفقراء والمساكين.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.اعلموا أنه لئن انقضى شهر رمضان فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت،والصيام لا يزال مشروعًا في غير رمضان قَالَﷺ:«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَﷺ:«تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«صَوْمُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه،فقال في محكم التنزيل:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،اللّهمّ أعِزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدّين،واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة الناصحة الصادِقة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم،واشكروه على نعمه يزدكم.﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1712195934_خِتَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ وَ اسْتقْبَالِ عِيدِ الفِطْرِ.pdf

المشاهدات 1404 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا