ختام رمضان

هلال الهاجري
1444/09/21 - 2023/04/12 05:59AM

الحمدُ للهِ الذي وفَّقَ لبلوغِ شَهرِ رمضانَ، وهيَّأ أسبابَ المغفرةِ والرِّضوانِ، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه على نِعمةِ الهدايةِ والإيمانِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةً نَدَّخِرُها ليومِ الجزاءِ والإحسانِ، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه، بيَّنَ طريقَ الهُدى والرَّشادِ، وحذَّرَ من الضَّلالِ والعصيانِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه البَررةِ الكرامِ، وسلمَ تسليماً كثيراً، أما بعد:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

عبادَ اللهِ .. إن اللهَ شرعَ لكم في ختامِ شهرِكم هذا أنْ تؤَدُّوا زكاةَ الفطرِ، وهيَ فريضةٌ على الكبيرِ والصغيرِ والذَّكرِ والأُنثى والحرِّ والعَبْدِ من المسلمينَ، قالَ عبدُالله بنُ عَمرَ رضيَ اللهُ عنهما: فرضَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ زكاةَ الفطرِ من رمضانَ صاعاً من تَمْرٍ أو صاعاً من شعيرٍ على العبدِ والحرِّ، والذَّكرِ والأنثى، والصغيرِ والكبيرِ من المسلمينَ، ولا تجبُ عن الحملِ الذي في البطنِ إلاَّ أنْ يتطوعَ بها فلا بأسَ، فقدْ كانَ أميرُ المؤمنينَ عثمانُ رضيَ اللهُ عنه يخرجُها عن الحَملِ.

ويجبُ إخراجُها عن نفسِه وعمن تَلْزَمُه مَؤُونَتُه من زوجةٍ أو قريبٍ إذا لم يَستطعْ إخراجَها عن نفسِهِ، ولا تَجِبُ إلاَّ على مَنْ وَجَدَها زائدةً عما يحتاجُه من نفقةِ يومِ العيدِ وليلتِه، فإنْ لم يجد إلاَّ أقلَّ من صاعٍ أخْرَجَه لقولِه تعالى: (فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وللحَديثِ: (إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتم).

وأما حِكمتُها فقد جاءَ عن ابن عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما قالَ: (فرضَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّمَ زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصائمِ من اللَّغوِ والرَّفثِ وطعمةً للمساكينِ، فمن أدَّاها قبل الصلاةِ فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعدَ الصلاةِ فهي صدقةٌ من الصدقاتِ).

وجنسُ الواجبِ في الفِطرةِ هو طعامُ الآدميينَ من تمرٍ أوْ بُرِّ أوْ رُزٍّ أو زبيبٍ أوْ أَقِطٍ أو غَيرِها، كما قالَ أبو سعيدٍ الخدريُّ رضيَ اللهُ عنه: (كنا نُخْرِجُ يومَ الفطرِ في عهدِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلّمَ صَاعاً من طعامٍ، وكان طعامُنَا الشعيرَ والزَّبيبَ والأقِطَ والتَّمرَ)، وأما مقدارُ الفطرةِ فهو صاعٌ بصاعِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلّمَ، وهو ما يُساوي ثلاثةُ كِيلوَاتٍ من الأرزِ أو غيرِه من قُوتِ البلدِ.

ولا يُجزِئُ إخراجُ قيمةِ الطَّعامِ؛ لأنَّ ذلك خلافُ ما أَمَرَ به رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّمَ، وقد ثبتَ عنه أنه قالَ: (مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ)، ومعنى رَدٌّ أيْ مردودٌ، ولأنَّ إخراجَ القيمةِ مخالفٌ لعملِ الصَّحابةِ رضيَ اللهُ عنهم؛ حيثُ كانوا يخرجونَها صاعاً من طعامٍ.

وأمَّا زمنُ دَفعِها فله وقتانِ: وقتُ فضيلةٍ ووقتُ جوازٍ، فأمَّا وقتُ الفضيلةِ: فهو صباحُ العيدِ قبلَ الصلاةِ؛ لما في حديثِ ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَ بزكاةِ الفِطرِ أن تؤدَّى قَبلَ خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ، وأمَّا وقتُ الجوازِ فهو قبْلَ العيدِ بيومٍ أو يومينِ، فعن نافعٍ قالَ: كانَ ابنُ عمرَ يعْطِي عن الصَّغيرِ والكبيرِ، وكان يُعْطِيها الَّذِين يَقْبلونَها، وكانُوا يُعْطَون قبْلَ الفطرِ بيومٍ أو يومينِ.

وأما مكانُ دفِعها فتُدفعُ إلى فقراءِ المكانِ الَّذِي هو فيه وقت الإِخراجِ، سواءٌ كانَ محلَ إقامتِهِ أو غَيرِهِ من بلادِ المسلمينَ، فإن كان في بلدٍ ليس فيه فُقراءٌ أو كانَ لا يعرفُ المستحِقينَ فيه، فَإنَّه يُوكَّلُ من يَدفعَها عنه في مكانٍ فيه مستَحِقٌ، ويجوزُ توزيعُ الفطرةِ على أكثرَ من فقيرٍ، ويجوزُ دفعُ عددٍ من الْفِطَر إلى مسكينٍ واحدٍ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قَدَّر الواجبَ ولم يقدِّر مَنْ يدفعُ إليهِ.

أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كُلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

 الحمدُ للهِ العليمِ الحكيمِ، العليِّ العظيمِ، خلقَ كلَّ شَيْءٍ فقَدَّره تقديراً، وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاّ الله وحده لا شريكَ له، لَهُ الملكُ وله الحمدُ وهوَ على كلِّ شَيْء قَديرٌ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه البشيرُ النَّذيرُ، صلَّى الله عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِه والتابعينَ لهم إلى يومِ المصِير وسلَّم تسليماً، أما بعد:

وَمما شُرعَ في خِتامِ رَمضانَ، التَّكبيرُ عند إكْمالِ الْعِدَّةِ من غروبِ الشمسِ ليلةَ العيدِ إلى صَلاةِ العيدِ، قالَ تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وصِفتُهُ: أنْ يقولَ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إِله إِلاَّ اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ، ويُسَنُّ جهرُ الرِّجالِ به في المساجدِ والأسواقِ والبُيوتِ إعلاناً بتعظيمِ اللهِ وإظهاراً لعبادتِه وشكرِه، ويُسِرُّ به النساءُ لأنهن مأموراتٌ بالتَستُّرِ والإِسرارِ بالصَّوتِ.

ثُمَّ الخُروجُ في صَبيحةِ يَومِ العيدِ، مُغتَسلينَ مُتَطيبينَ، لابِسينَ أَجملَ الثِّيابِ وأَحسنَه، لأَداءِ صَلاةِ العِيدِ مَعَ المسلمينَ، ومن السُّنَّةِ أنْ يأكُلَ قبلَ الخروجِ إلى الصَّلاةِ تَمَرَاتٍ وتراً، وأن يخرُجُ مَاشياً إذا استطاعَ، ويُخالفُ بينَ الطَريقِ، ويُستحبُّ أن يَخرجَ النِّساءُ والأطفالُ إلى صَلاِة العيدِ؛ ليشَهدوا الخَيرَ ودَعوةَ المسلمينَ.

أيُّها الأحبَّةُ .. ومما يُؤكَدُ عَليهِ: أنَّهُ قَد بَقيَ في رَمضانَ بَقيةٌ قَليلةٌ، قَد تَكونُ فِيها اللَّيلةُ الجَليلةُ، يَقولُ ﺍﺑﻦُ ﺍﻟﺠَﻮﺯﻱُّ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺨَﻴﻞَ ﺇﺫﺍ ﺷَﺎﺭﻓﺖْ ﻧِﻬﺎﻳﺔَ ﺍﻟﻤِﻀﻤﺎﺭِ ﺑَﺬَﻟﺖْ ﻗُﺼَﺎﺭﻯ ﺟُﻬﺪِﻫﺎ ﻟِﺘَﻔﻮﺯَ ﺑﺎﻟﺴِّﺒﺎﻕِ، ﻓَﻼ ﺗَﻜﻦْ ﺍﻟﺨَﻴﻞُ ﺃَﻓﻄﻦَ ﻣِﻨﻚَ، ﻓﺈﻧﻤﺎ اﻷﻋﻤﺎﻝُ ﺑﺎﻟﺨَﻮﺍﺗﻴﻢِ، ﻓﺈﻧَّﻚَ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗُﺤﺴﻦْ ﺍﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻝَ، فَلعَلَّكَ ﺗُﺤﺴﻦُ ﺍﻟﻮَﺩﺍعَ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى إِتْمَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى الوَجْهِ الذِيْ يُرْضِيكَ عَنَّا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً يَا رَبَ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا، وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الْغَلا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلازِلَ وَالْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

1681268406_ختام رمضان.docx

1681268412_ختام رمضان.pdf

المشاهدات 1341 | التعليقات 0