ختام رمضان وزكاة الفطر
سالم بن محمد الغيلي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم ماتعاقب الليل والنهار.
- }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[
- }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[
- }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[
أما بعد:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يُدني من الأجلِ
قبل أيام استقبلنا ضيفنا وها نحن بعد أيام قلائل نودعه عزم على الرحيل وآذن بالفراق وطوى الصحائف وأغلق السجلات , وبيننا وبين رمضان الآخر دهرًا طويلًا , رحل بما عُمل فيه من أعمال, نسأل الله أن يكون شاهدًا لنا لا علينا وأن يجعلنا فيه من المقبولين ولا يردنا خائبين , نسأله تعالى أن يعيده علينا أعوامًا عديدة وأزمانًا مديده ونحن في صحة وعافية وسلامة واسلام وأمن وأمان, إن اعمارنا كأيام رمضان استقبلناه قبل أيام ونودعه هذه الأيام وأنت كذلك وأنا كذلك بدأت أعمارنا وسنودع في يوم من الايام إن في ذلك لعبرة عبرة لأهل العقول لأهل الأفهام لمن يعرف الدنيا , سيذهب الجميع كما ذهبت أيام رمضان, التاجر سيذهب, الفقير سيذهب.
كلُّ حىُّ سيموتُ لَيْسَ في الدُّنيا ثُبُوتُ
حَرَكَاتٌ سَوْفَ تَفْنَى ثُمَّ يَتْلُوها خُفُوتُ
وكَلامٌ لَيْسَ يَحْلُو بَعْدَهُ إِلاَّ السُّكُوتُ
أيُّها السادِرُ قُلْ لى أَيْنَ ذاكَ الجَبَرُوتُ؟
كُنتَ مطبوعاً على النُطْقِ، فَمَا هَذَا الصُّمُوتُ؟
ليت شِعرى،أَهُمودٌ ما أراهُ ، أَم قنوتُ ؟
أَيْنَ أَمْلاكٌ لَهُمْ في كُلِّ أُفْقٍ مَلَكُوتُ
زالَت التيجانُ عنهم وخَلَتْ تلْكَ التُّخُوتُ
أَصْبَحَتْ أَوْطَانُهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهْيَ خُبُوتُ
لا سَمِيعٌ يَفْقَهُ الْقَوْلَ ، ولا حَيٌّ يَصُوتُ
عمرَت منهُم قبورٌ وخلَت منهم بيوتٌ
لم تَذُدْ عَنْهُمْ نُحُوسَ الدّهْرِ إِذْ حانَتْ بُخُوتُ
خَمَدَتْ تِلْكَ الْمَسَاعِي وانْقَضَتْ تلكَ النُّعُوتُ
إِنَّما الدُّنْيا خَيَالٌ باطِلٌ سَوْفَ يَفُوتُ
ليسَ للإنسانِ فيها غيرَ تقوى اللهِ قوتُ
إن الله قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عندما اكمل له الدين وأتم النعمة عندما قرب اجله ونهاية حياته امره بالاستغفار }إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ,وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا, فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا{ ]سورة النصر:1,3[, وهو مغفور له ليس عليه ذنب ليس عليه خطيئة ومع ذلك يستغفر ويكثر من الاستغفار ,وامر الله الحجاج بعد انقضاء مناسكهم واعمالهم بالاستغفار }ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ ]سورة البقرة: 199[ , وفي نهاية كل صلاة من السنة الاستغفار ثلاثًا فنقول: استغفر الله استغفر الله استغفر الله, فنستغفر الله في نهاية هذا الشهر نستغفر الله نستغفر الله من كل تقصير من كل ذنب ومن كل خطيئة ومن كل قطيعة , }..لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ ]سورة النمل:46[ , }وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{ ]سورة الأنفال:33[ , فلنستغفر الله نكثر من الاستغفار فإن التقصير كثير , نرفع الاكف إليه ونلح في التضرع إليه فإنه يحب الملحين ويغفر للمستغفرين ويتوب على التائبين.
لقد امرنا الله تعالى في ختام هذا الشهر بأداء زكاة الفطر , لتكون آية على الشكر وسببًا في تكفير الوزر ومواساة لفقراء البلد إنها زكاة بدن تلزم كل مسلم فرضها الله سبحانه وتعالى على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين وتُخرج من الأصناف المنصوص عليها ففي صحيح البخاري عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كُنَّا نُعْطِيهَا في زَمَانِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَاعًا مِن طَعَامٍ، أوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وجَاءَتِ السَّمْرَاءُ، قالَ: أُرَى مُدًّا مِن هذا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ.) وإذا لم توجد هذه الأصناف فيخرج من بقية اقوات البلد.
وأفضل وقت لإخراجها هو قبل صلاة العيد, ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : (فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ.) صحيح البخاري.
ولا يجوز إخراجها نقودًا , لأن ذلك مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم , ولا يجوز اخراجها خارج البلد إلا إذا لم يكن في البلد من يستحقها, ويجوز للفقير إخراجها مما أعطي من الصدقات, ويجوز دفع صدقة الجماعة إلى فقير واحد, ويجوز دفع صدقة الشخص الواحد إلى جماعة من الفقراء , والمسلم يخرجها عن نفسه وعمن يقوم بالنفقه عليه.
"ومن فاته إخراجها قبل صلاة العيد متساهلًا فعليه أثم وعليه أن يخرجها في بقية يوم العيد صدقة من الصدقات ومن فاته إخراجها في يوم العيد فإنه يخرجها بعده قضاءً" ]الشيخ صالح الفوزان الخطب المنبرية صـ406[ , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زكاةُ الفطرِ طُهْرَةٌ للصائِمِ مِنَ اللغوِ والرفَثِ ، و طُعْمَةٌ للمساكينِ ، مَنْ أدَّاها قَبْلَ الصلاةِ فَهِيَ زكاةٌ مقبولَةٌ ، وَمَنْ أدَّاها بَعْدَ الصلاةِ فهِيَ صدَقَةٌ مِنَ الصدَقَاتِ) صحيح الجامع للالباني .
وزكاة الخادم أو الخادمة على نفسه إلا أن يتبرع بها الكفيل أو تشترط عليه, "ولا يجوز دفعها إلى العمال والشغالين أو الشغالات من غير المسلمين" ابن عثيمين رحمه الله, "ومن كان مغتربًا عن بلده فإنه يخرجها في البلد الذي ينتهي شهر رمضان وهو فيه وإن وكل من يخرجها عنه في بلده أجزأه لكنه خلاف الأولى" الفوزان , "والولد الغائب تلزمه أينما كان ولا يدفعها والده عنه إلا إذا كان الولد فقيرًا ووالده غني" الشيخ السعدي , ويجوز إخراجها عن الجنين يخرجها عنه والده أو والدته.
هكذا المسلم هكذا المؤمن من طاعة إلى طاعة , ومن إحسان إلى إحسان ومن قربة إلى قربة بهذه الطاعات والتقرب بها إلى رب البريات تحلوا الحياة وتنشرح الصدور وتعظم الأجور , اللهم سددنا في القول والعمل اللهم اجعلنا من المخلصين واجعلنا من المقبولين وضاعف اجورنا وحسناتنا يا أرحم الراحمين .
اقول ماتسمعون....
الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين وصلاةً وسلامًا على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: صيام رمضان يعدل عند الله صيام عشرة أشهر والله يضاعف لمن يشاء ومن صام ستًا من شوال فكأنه صام السنة كلها لأن صيامها يعدل صيام شهرين وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ.) صحيح مسلم, والأولى لمن عليه قضاء أيام من رمضان أن يبدأ بها أولاً , وصيامها يكون في أي يوم من شوال سوى يوم العيد فإنه يحرم صيامه, ولا يلزم المسلم متابعة صيام تلك الأيام , ووقتها على امتداد الشهر يصوم كيف يشاء .
ومما سنه النبي صلى الله عليه وسلم في ختام هذا الشهر الكريم ... التكبير من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد , قال الله تعالى: }... وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ ]سورة البقرة:185[ , يسن أن يجهر بها الرجال في المساجد والأسواق والبيوت إعلانًا بتعظيم الله وإظهارًا لعبادته وشكره , قال ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يُكبِّرُ يومَ الفطرِ من حين يخرجُ من بيتِه حتى يأتيَ المصَلَّى) صحيح الجامع للالباني.
ومما شرعه الله في يوم العيد : الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب بدون إسراف ولا مخيلة ولا حلق لحية.
ومما يشرع كذلك: اكل تمرات وترًا واحدة أو ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا وهكذا قبل الذهاب إلى المسجد أو المصلى وذلك فعله النبي صلى الله عليه وسلم قال أنس رضي الله عنه: ( كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَغْدُو يَومَ الفِطْرِ حتَّى يَأْكُلَ تَمَراتٍ وقالَ مُرَجَّأُ بنُ رَجاءٍ، حدَّثَني عُبَيْدُ اللَّهِ، قالَ: حدَّثَني أنَسٌ، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا) صحيح البخاري, ومما يؤكد عليه ويحث عليه الحرص على حضور صلاة العيد وخطبة العيد مع جماعة المسلمين , قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إن صلاة العيد واجبة ولا تسقط إلا بعذر.."
ولنحذر أيها الأحبة من التكبير الجماعي, أو تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر والتسليم على الأموات , ولنحذر أن تكون فرحتنا بالعيد لأن شهر رمضان انتهى وتخلصنا من العبادة فيه فإن ذلك من أعظم المصائب , وإنما الفرحة تكون لأن الله تعالى منّ علينا بإتمام الصيام وقبول الطاعات بإذن الله تعالى .
اللهم تقبل صيامنا وصلاتنا ودعائنا اللهم اجعلنا من المقبولين ولا تردنا خائبين اللهم أعد علينا رمضان اللهم اعده علينا أعومًا واعواما ونحن في صحة وعافيه وسلامة واسلام وأمن وإيمان اللهم اجعله شاهدًا لنا لا علينا برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين .
وصلوا وسلموا....
والله اعلم
جامع القو 1439/9/23هـ