خادم الحرمين أمام «الشورى»:الوطن قامت أسسه على دعائم الدين والذود عن حياضه

أبو عبد الرحمن
1431/03/26 - 2010/03/12 07:50AM
خادم الحرمين أمام «الشورى»: ملتزمون بـ«الوحدة الوطنية» واعتدال «السياسة النفطية» واستمرار دعم «القضيةالفلسطينية»


الملك عبدالله بن عبد العزيز مخاطبا المجلس: الكلمة أشبه بحد السيف.. فلا لاستخدامها في «تصفية الحسابات» و«إطلاق الاتهامات»





الرياض: تركي الصهيل


موضوعا «الوحدة الوطنية» و«أمانة الكلمة»، جاءا من ضمن مجموعة من الملفات الهامة التي تضمنها الخطاب الملكي السنوي الذي افتتح به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمس أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، الذي يدخل هذه السنة عامه الـ85.

وحمل خطاب خادم الحرمين الشريفين أمام الشورى، دعوة للالتزام بـ«الوحدة الوطنية»، وضمانات باستمرار اعتدال السياسة النفطية، ودعم القضية الفلسطينية.



وأكد الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن مواقف بلاده التي تتسم بالوسطية والعقلانية والحكمة، «جنّبتها الوقوع في كثير من الصراعات الإقليمية والدولية، فهي دائما تقف مع قضايا الحق والعدل دون التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة».



وشدد خادم الحرمين على سعي السعودية الدائم إلى «المصالحة العربية، وإلى مراعاة حسن الجوار، وإلى تنقية الأجواء، وإصلاح ذات البين بين جميع الدول العربية والإسلامية الشقيقة، ودعم قضاياها العادلة وعلى الأخص قضية العرب والمسلمين الأولى قضية فلسطين».



ورسم الخطاب الملكي أمام الشورى، ما يكمن أن يوصف بكونه «خارطة طريق» توضح السياسة السعودية في الداخل والخارج.



وكان لافتا، تركيز الملك عبد الله بن عبد العزيز، هذه المرة، على موضوعَي «الوحدة الوطنية» و«أمانة الكلمة».



ففي الموضوع الأول، أكد أن «وحدة هذا الوطن وقوته تفرض علينا مسؤولية جماعية في الذود عنه، في زمن كثرت فيه أطماع الأعداء والحاقدين والعابثين، وهذا يستدعي منا جميعا يقظة لا غفلة معها». وأضاف: «لذلك فدورنا يضاعف علينا المسؤولية المشتركة بين الجميع كل في موقعه، فالوطن للجميع، ومعيار كل منا على قدر عطائه وإخلاصه لوطن قامت أسسه على دعائم الدين والذود عن حياضه بالنفس والنفيس، ولا نخشى في ذلك لومة لائم، فهذا هو المحكّ لمعادن أبناء الوطن وكلهم معدن نفيس - بإذن الله - وهو عهدنا بهم».



وفي موضوع أمانة الكلمة، أهاب الملك عبد الله بالجميع، إدراك أن الكلمة أشبه بحد السيف وأشد وقعا منه، داعيا إلى النأي بالكلمة وعدم استخدامها في «تصفية الحسابات» و«إطلاق الاتهامات».



وأكد خادم الحرمين الشريفين على استمرار بلاده في اعتدال سياستها النفطية، مؤكدا أن تجاوز الرياض للأزمة المالية العالمية جاء نتيجة «متانة الأنظمة المالية والاقتصادية».



وأعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز، مواصلة العمل الأمني الرامي إلى إفشال كل المخططات الإرهابية، وصولا إلى استئصال شأفة الفئة المنحرفة، وتجفيف منابع الإرهاب.



ونوه الملك عبد الله بن عبد العزيز، بالمشاركة الفاعلة للمرأة السعودية في مجالات التنمية والتطوير.



واعتبر الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن أبرز النجاحات التي تم تحقيقها على الصعيد الخارجي، هو إعادة انتخاب السعودية لمجلس حقوق الإنسان العالمي.



وكان لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كلمتان في حفل افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، جاءت أولاهما بالنص التالي:



«بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.



أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بعون الله وتوفيقه نفتتح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى. سائلين الحق - جل جلاله - أن يوفقنا جميعا إلى ما فيه خدمة ديننا ثم وطننا وأهلنا شعب المملكة العربية السعودية.



أيها الإخوة الكرام، إن الآمال والطموحات لا تحقق المنجزات إلا بالتوكل على الله - جل جلاله - ثم بعزائم أبناء هذا الوطن، وبذلك تتحول الأحلام إلى واقع مؤثر في مسيرة الشعوب. أقول ذلك مشيرا إلى أن ما تحقق من إنجازات لا يلبّي طموحاتنا جميعا التي نسعى إليها لتكون بلادنا في مصافّ الدول المتقدمة. فدولة قامت على إعلاء كلمة التوحيد التي رفع لواءها الملك عبد العزيز - طيّب الله ثراه - قادرة بإذن الله على تحقيق ما تسعى إليه بصبر لا ملل معه، وعمل عماده العزيمة المؤمنة التي لا مكان للوهن معها.



إخواني الكرام، إن وحدة هذا الوطن وقوته تفرض علينا مسؤولية جماعية في الذود عنه، في زمن كثرت فيه أطماع الأعداء والحاقدين والعابثين، وهذا يستدعي منا جميعا يقظة لا غفلة معها، لذلك فدورنا يضاعف علينا المسؤولية المشتركة بين الجميع كل في موقعه، فالوطن للجميع، ومعيار كل منا على قدر عطائه وإخلاصه لوطن قامت أسسه على دعائم الدين والذود عن حياضه بالنفس والنفيس، ولا نخشى في ذلك لومة لائم، فهذا هو المحك لمعادن أبناء الوطن وكلهم معدن نفيس - بإذن الله - وهو عهدنا بهم.



أيها الإخوة الكرام، إنكم تعلمون جميعا بأن الكلمة أشبه بحد السيف، بل أشد وقعا منه، لذلك فإنني أهيب بالجميع أن يدركوا ذلك، فالكلمة إذا أصبحت أداة لتصفية الحسابات، والغمز واللمز، وإطلاق الاتهامات جزافا كانت معول هدم لا يستفيد منه غير الشامتين بأمتنا، وهذا لا يعني مصادرة النقد الهادف البناء، لذلك أطلب من الجميع أن يتقوا الله في أقوالهم وأعمالهم، وأن يتصدوا لمسؤولياتهم بوعي وإدراك، وأن لا يكونوا عبئا على دينهم ووطنهم وأهلهم.



أيها الإخوة الكرام، إننا جزء من أمتنا العربية والإسلامية بل والدولية، فدورنا من أمتنا العربية والإسلامية قائم على الدفاع عن حقوقها وبذل الغالي والنفيس لما فيه وحدتهم ورفعتهم، ولا ينكر منصف دورنا تجاه ذلك، وسنحرص دوما على تبني قضاياهم العادلة، ولا يكون ذلك إلا بوحدة الصف والهدف للخروج من ليل الفرقة إلى صبح الوفاق. أما على الصعيد الدولي فموقفنا واضح وقائم على الصداقة، وتعزيز مفاهيم السلام بين الشعوب والأمم.



أيها الإخوة الكرام، إن منجزات الوطن وشؤونه الداخلية والخارجية لا يمكن استعراضها في هذا الخطاب، لذلك فالكلمة الموزعة عليكم فيها المزيد من الإيضاح.



وما توفيقنا إلا بالله العلي العظيم عليه توكلنا وإليه ننيب.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».



وجاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الثانية التي تم توزيعها على الحضور على النحو الآتي:



«بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعل الإسلام لنا دينا وعقيدة وشريعة، وجعل لنا القرآن نورا ودستورا ومنهج حياة، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله الذي أوضح لنا بسنته المطهرة أمور ديننا ودنيانا..



الإخوة أعضاء مجلس الشورى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:



بسم الله وعلى بركة الله، نفتتح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، سائلين الله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يجعل هذه السنة سنة خير وبركة على الجميع.



أيها الإخوة الكرام، إن دين الإسلام دين الحوار والوسطية والتعايش، ومن الحوار انبثق مبدأ الشورى.. هذا المبدأ الرباني الذي أكد عليه القرآن الكريم في أكثر من آية، وجعله أساسا مهما من أسس الحكم في الإسلام. ومن هذا المنطلق حرصت حكومة المملكة العربية السعودية منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبد العزيز - يرحمه الله - على إنشاء مجلس الشورى. حيث يجري تحت قبته الحوار والنقاش بشأن القضايا التي تُعنى بالوطن والمواطن.



أيها الإخوة الكرام، نلتقي سنويا تحت قبة مجلس الشورى، للنظر بعين متأنية، وعقل منفتح إلى أهم الأعمال التي قامت بها حكومتكم على الصعيدين الداخلي والخارجي من أجل استلهام العبر، واستشراف المستقبل. ومن أجل حماية الوطن ومكتسبات المواطن من تداعيات خطيرة ألمت بالمنطقة. وقد كان لحكومتكم جهود استطاعت من خلالها التعامل مع تلك التداعيات الإقليمية والدولية بحكمة وبصيرة نافذتين، جنبت البلاد الوقوع في المخاطر وحافظة على المكتسبات وواصلت مسيرة التنمية.



أيها الإخوة الكرام، منذ التقيتكم عند افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الخامسة لمجلس الشورى في شهر ربيع الأول من السنة الماضية، وحكومة المملكة العربية السعودية تسعى لتنفيذ سياسية شاملة تغطي ميادين عدة، داخلية وخارجية. ونشكر الله - سبحانه وتعالى - أن وفقنا إلى الوصول إلى نتائج إيجابية، تلمسونها وتشاهدونها على أرض الواقع، وهذا لا يعني الرضا المطلق، بل هي محفز لعطاء أفضل لا نرجو منه غير رضا الله - سبحانه وتعالى - ثم خدمة هذا الوطن وأهله.



في الشأن الداخلي.. واصلت الحكومة جهودها لترسيخ الأمن، ومن أبرز الجهود في ترسيخ قواعد الأمن، ما تقوم به الأجهزة الأمنية من نشاط ملحوظ في التصدي لذوي الفكر الضال والفئة المنحرفة من المتشددين والإرهابيين، وتشهد الساحة الأمنية - ولله الحمد - نجاحات متتالية وتحركات استباقية، وسوف يتواصل العمل الأمني - بإذن الله - لإفشال كل المخططات الإرهابية واستئصال شأفة الفئة المنحرفة، وتجفيف منابع الإرهاب.



أيها الإخوة الكرام، لقد آلمنا ما تعرضت له المملكة من اعتداء على حدودها الجنوبية من بعض المتسللين المعتدين، حيث وقفت المملكة - بتوفيق الله - بصلابة في وجه هذا العدوان الشائن، وتمكنت - بحمد الله - من صد المعتدين ودحرهم وتأمين الحدود وتطهيرها.



وفي إطار الاطمئنان على ما حققته قواتنا العسكرية من انتصارات، قمنا بجولة تفقدية للمواقع العسكرية الواقعة على خط المواجهة، تم خلالها اللقاء بأبنائنا المرابطين على جبهة القتال، وتهنئتهم بما حققوه من انتصارات.



وفي هذا الصدد.. تجدر الإشادة ببسالة أبنائنا أفراد القوات المسلحة وجميع أبنائنا أفراد القطاعات العسكرية الأخرى المشاركة في دحر هذا العدوان، وندعو الله بالرحمة والمغفرة للشهداء، وبالصحة والعافية للمصابين والجرحى.



ونظرا إلى ما سببته هذه الاعتداءات من نزوح لكثير من المواطنين عن قراهم الواقعة على الشريط الحدودي، فقد أمرنا بإنشاء عشرة آلاف وحدة سكنية يتم تسليمها في أقرب وقت ممكن لإخواننا وأبنائنا النازحين إلى مراكز الإيواء في منطقة جازان.



والمملكة العربية السعودية حكومة وشعبا تقدر وبكثير من الامتنان مواقف أشقائها في الدول العربية والإسلامية ومواقف الدول الصديقة بصفة عامة، وموقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بصفة خاصة تجاه هذا الاعتداء، ذلك الموقف الذي عبّر عنه البيان الختامي للمجلس الأعلى في دورته الثلاثين المنعقدة في دولة الكويت الشقيقة.



ولا يفوتنا أن نشيد بما أسفرت عنه هذه الدورة من تقدم إيجابي في عدد من الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال مثل الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي والربط الكهربائي ودراسة الاقتصادية لسكة الحديد بين دول المجلس.



أيها الإخوة الكرام، انطلاقا من مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف ومن الموقع الذي تمثله المملكة في العالمين الإسلامي والعربي واصلنا السعي في تبني مشروع خطاب إسلامي يقوم على الحوار والتسامح وتقريب وجهات النظر وإزالة سوء الفهم ونبذ مظاهر الخلاف والعداء والكراهية بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة عن طريق برنامج الحوار بين أتباع المذاهب والأديان الذي اكتسب بعدا دوليا ونحن عاقدون العزم على الاستمرار في هذه الجهود.



أيها الإخوة، لقد شرّف الله هذه البلاد بخدمة الحرمين الشريفين وفي هذا المجال تم إنجاز التوسعة الكبيرة في المسعى وجسر الجمرات مما ضاعف المساحة الاستيعابية والعمل جارٍ على استكمال التوسعة الكبيرة للمسجد الحرام من الجهة الشمالية إضافة إلى مشروع قطار الحرمين السريع ومشروع قطار المشاعر المقدسة وسوف نبذل كل ما في وسعنا لمواصلة الجهود بإذن الله من أجل استمرار توفير سبل الأمن والراحة للحجاج والمعتمرين والزائرين.



أيها الإخوة، لقد أكدنا مرارا على أهمية دعم البرامج الحكومية المتعلقة برفاهية المواطنين وتطويرها وتيسير سبل العيش الكريم لهم ولعل من المهم الإشارة هنا إلى موافقتنا على الاستراتيجية الشاملة للتوظيف على مدى عشرين سنة قادمة كما وجهنا باستحداث ما يزيد على مائتي ألف وظيفة تعليمية لتسوية أوضاع المعلمين والمعلمات وهذا يصب في مسعانا نحو توفير فرص عمل كافية لأبنائنا المواطنين.



أما على الصعيد الاجتماعي فقد أمرنا بتقديم مساعدات عاجلة تبلغ مليارا ومائة وستة وستين مليون ريال لصرفها على المستحقين المشمولين بنظام الضمان الاجتماعي وأمرنا بشمول الأيتام من ذوي الظروف الخاصة ممن تجاوزوا سن الثامنة عشرة بهذا النظام.



أيها الإخوة الكرام، إن التعليم من أهم الواجبات التي اضطلعت بها هذه البلاد منذ عهد التأسيس إلى يومنا هذا ودعما لمجال التعليم العالي افتتحت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في ثول بحضور عالمي رفيع المستوى وأنشئت أيضا جامعات جديدة في مناطق مختلفة ليرتفع عدد الجامعات في المملكة إلى خمس وعشرين جامعة سهلت لها جميع الموارد والإمكانات المتاحة وبدعم غير محدود مما أهل بعض جامعاتنا لأن تتبوأ مراتب متقدمة على مستوى الجامعات العربية والإسلامية والعالمية وفق أفضل المعايير العالمية للتقييم كما واصلنا برامج الابتعاث لتوفير أفضل الفرص إلى أرقى الجامعات العالمية ووفق أهم التخصصات حيث بلغ عدد المبتعثين في الوقت الراهن سبعين ألف مبتعث.



أيها الإخوة، تم بحمد الله تطوير مرفق القضاء من خلال إصدار نظامَي القضاء وديوان المظالم الجديدين واستكمال تكوين المجالس القضائية ودعم هذا المرفق بإقرار مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء وتخصيص ميزانية لهذا المشروع بمبلغ سبعة مليارات ريال، أما في ميدان البناء الإداري والتنظيمي فقد تم تطبيق برامج التطوير الإداري الشامل لأجهزة الدولة لكي تواكب المستجدات العالمية في ميدان الإدارة بمستوياتها المختلفة وخصوصا في ما يتعلق ببرامج تقنية المعلومات وميكنة الأعمال كافة.



ولقد شاركت المرأة السعودية مشاركة فاعلة في جميع برامج التنمية والتطوير إلى جانب شقيقها الرجل سواء بصفتها طالبة أو موظفة أو معلمة أو سيدة أعمال وما جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بطاقمها الإداري وطاقمها الأكاديمي إلا شاهد على ما حققته المرأة السعودية من تقدم ورقي في سلم العلم والثقافة.



أيها الإخوة، رغم الهزات الاقتصادية التي شهدها العالم فقد تمكنت المملكة ولله الحمد من مواصلة تنميتها الاقتصادية بخطى ثابتة ومن أبرز ما تجدر الإشارة إليه تدشين عدد من المشروعات التنموية الصناعية في مدينتي الجبيل وينبع بلغ الحجم الإجمالي لاستثماراتها نحو مائة مليار ريال وتواصلت عملية الإصلاحات في الأنظمة والقوانين لتمكين الاقتصاد الوطني من النمو والتنوع مما جعل المملكة تتصدر دول العالم في سرعة تسجيل الممتلكات العقارية حسب التقرير السنوي الذي أصدره البنك الدولي الخاص ببيئة الأعمال لعام 2009م والمركز الثالث عشر حسب بيئة الاستثمار وفق مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي.



أيها الإخوة، جميعنا يعلم أن الأزمة المالية التي ألمت بالاقتصاد العالمي قد ألقت بظلالها على جميع اقتصاديات العالم وقد شاركنا في الجهود الدولية لمواجهة آثار تلك الأزمة ومن ذلك مشاركتنا في قمة العشرين الاقتصادية التي عُقدت في لندن لمواجهة تداعياتها ونحمد الله أننا لم نتأثر كثيرا برياح تلك الأزمة بتوفيق من الله أولا ثم لمتانة أنظمتنا المالية والاقتصادية مما جعلنا نتخطى تلك الأزمة وتداعياتها بسلام بأقل خسائر ممكنة ولم ولن نتوقف عن تهيئة البيئة الملائمة لإسهام مؤسسات القطاع الخاص ونموها بتوفيق الله وجعلها شريكا استراتيجيا في مسيرة التنمية الشاملة.



أيها الإخوة، لقد استمرت المملكة في نهجها المعتدل تجاه الوضع البترولي العالمي وسعت في أعقاب الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية للحد من تداعيات تلك الأزمة على استقرار أسواق البترول ومصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء وقد أثمرت تلك السياسة في الحد من التقلبات الضارة في الأسعار كما أسهمت في زيادة دخل الدولة من البترول عن تقديرات الميزانية وسنواصل نهج الاعتدال والمحافظة على تلك الثروة التي حبانا الله بها واستغلالها أفضل ما يمكن لمصلحة الأجيال الحالية والمستقبلية.



أيها الإخوة، لقد تم بحمد الله إعلان ميزانية الخير للعام المالي الجديد 1431 / 1432هـ والتي بلغ إجمالي الإنفاق فيها 540 مليار ريال بزيادة 14% عن العام الماضي، وإن هذه الميزانية تمثل استمرارا لنهج دولتكم في إعطاء الأولوية للتنمية البشرية والرفع من كفاءتها، وتبعا لذلك فقد تم تخصيص ما يزيد على 137 مليار ريال لقطاع التعليم العام والعالي وتدريب القوى العاملة بزيادة 13% عن ما تم تخصيصه في العالم الماضي وتخصيص 61 مليار ريال لدعم قطاع الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية بزيادة 17%، وتخصيص 46 مليار ريال لقطاعات المياه والصناعة والزراعة بزيادة 30%، وتخصيص 23 مليار ريال لقطاع النقل والاتصالات بزيادة 24% بالإضافة إلى تخصيص 21 مليار ريال لقطاع الخدمة البلدية.



أيها الإخوة، إننا جمعا حريصون كل الحرص على تثمين الروابط التي تربطنا بمحيطنا العربي والإسلامي وهي روابط الدين واللغة والعرق والجوار والتاريخ والمصير والقضايا والمصالح والأهداف المشتركة وهي بلا شك روابط تسعى دولتكم دائما وأبدا إلى تعزيزها بكل الوسائل المتاحة ومن ذلك سعيها الدائم إلى المصالحة العربية وإلى مراعاة حسن الجوار وإلى تنقية الأجواء وإصلاح ذات البين بين جميع الدول العربية والإسلامية الشقيقة ودعم قضاياها العادلة وعلى الأخص قضية العرب والمسلمين الأولى قضية فلسطين.



وقد سعينا لدعم هذه القضية في مسارين متوازيين: المسار الأول الدفع بالمصالحة الفلسطينية ودعم هذه القضية العادلة في المحافل الدولية بهدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، أما المسار الأخر فتمثل في استمرار مساعدات المملكة المادية والعينية للشعب الفلسطيني، وعلى سبيل المثال قدمت المملكة مبلغ مليار دولار لإعادة إعمار قطاع غزة جراء الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على القطاع، كما وجهنا بإطلاق حملة تبرعات شعبية عاجلة في عموم مناطق المملكة لمساعدة أهلنا وأشقائنا في فلسطين وإغاثتهم، وهذا واجبنا تجاه إخواننا العرب والمسلمين في كل زمان ومكان.



أيها الإخوة، إننا جزء من هذا العالم وعضو في الأسرة الدولية تربطنا مع جميع الدول المعتدلة مصالح اقتصادية مشتركة وعلاقات تعاون في جميع الميادين وتجمعنا بهم أهداف واحدة تتعلق بإحلال الأمن والسلام ومحاربة الإرهاب والفساد بكل صوره وأشكاله وترسيخ مبادئ التنمية والتقدم والرخاء والتطور الحضاري في كل المجالات ولذا فإن حكومة المملكة العربية السعودية حريصة دائما على استمرار علاقاتها مع الدول المعتدلة كافة وترسيخها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المشتركة وتعزيز قيم التعاون في الميادين كافة.



وإننا لَنحمد الله تعالى أن جعل مواقف المملكة العربية السعودية تتسم بالوسطية والعقلانية والحكمة مما جنبها الوقوع في كثير من الصراعات الإقليمية والدولية فهي دائما تقف مع قضايا الحق والعدل دون التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة كما أنها تشارك دول العالم في المساعي الرامية لإحلال السلام والأمن العالميين وهي تشارك بفاعلية في مجال الإغاثة الدولية وفي مجال معالجة تداعيات الأزمة المالية وتفاديها.



لكل هذا حظيت المملكة بمكانة رفيعة وكانت عضوا فاعلا في جميع المحافل الدولية وما كان لهذا أن يحدث لولا توفيق الله أولا ثم تضافر الجهود لما فيه خير الوطن والمواطن والإنسانية جمعاء.



والمملكة ماضية بمشيئة الله في نهجها المتسم بتقديم المساعدات الإنسانية ونصرة القضايا العادلة وتوسعة دائرة المساعدات لتشمل بلدانا كثيرة ومنظمات إنسانية وصناديق دولية متعددة، ولعل من أبرز ملامح النجاح للمملكة على الصعيد الخارجي إعادة انتخاب المملكة العربية السعودية لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن القارة الآسيوية مدة ثلاث سنوات جديدة قادمة.



إخواني أعضاء مجلس الشورى، لقد أسهم مجلسكم في البناء والتنمية من خلال مبادرات بنّاءة وآراء سديدة وتوصيات موفقة جعلت منه شريكا مهما في عملية التنمية التي تعيشها هذه البلاد المباركة وهو يمارس دورا فاعلا في إطار مسؤولياته ومهامه، وإننا نقدر ما تحقق من جهود أسهمت مع جهود حكومية أخرى في تحقيق برامج التنمية المختلفة لأهدافها المرسومة.



وهو يحظى بقبول واحترام في الخارج من خلال مشاركاته الفاعلة مع نظرائه من المجالس والبرلمانات العربية والدولية ولقد أصبح مجلسكم اليوم من المجالس الشورية الفاعلة.



وبهذه المناسبة، لا يفوتني أن أُشِيد بجهود أعضاء المجلس وجميع منسوبيه وأن أذكّرهم بأهمية دورهم في صناعة القرار الحكيم المبنيّ على الدراسة المستفيضة التي يعضّدها التخصص العلمي والخبرة العملية وسيظل مجلسكم إن شاء الله محل ثقة القيادة وتقدير الحكومة والمواطن.



وفي الختام أسأل الله لكم العون والتوفيق والسداد وأدعوه سبحانه أن يحفظ بلادنا من كل مكروه وأن يديم عليها نعمة الأمن والاستقرار والرخاء وأن يوفقنا للعمل لما فيه خير الدين والوطن والمواطن.



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».



وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود قد افتتح أمس أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى وذلك في مقر المجلس بالرياض.



وعند وصول الملك إلى مقر المجلس، كان في استقباله الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، والأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، وعدد من الأمراء، ورئيس مجلس الشورى الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ.



وفي نهاية الاحتفاء السنوي، صافح خادم الحرمين الشريفين مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، والعلماء والمشايخ.



حضر حفل الافتتاح الأمير فهد بن محمد بن عبد العزيز، والأمير عبد الله بن محمد آل سعود، والأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، والأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز وزير الخارجية، والأمير عبد الإله بن عبد العزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير خالد بن فيصل بن سعد، والأمير محمد بن سعد بن عبد العزيز مستشار وزير الداخلية، والأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة، وعدد من الأمراء ومفتي عام المملكة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، وعلماء ومشايخ ووزراء وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدون لدى السعودية.





المشاهدات 2788 | التعليقات 1

( بسم الله الرحمن الرحيم )

( خطابي الملك أمام الشورى .. وأكاذيب "تركي السديري" )
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا "محمد" وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .. أما بعد :


( خطابي الملك أمام الشورى .. وأكاذيب "تركي السديري" )

إنه يكذب !! لكن ما الجديد ؟! هذه أبرز علامات صحافتنا السعودية مؤخرًا .. أكذب ثم أكذب ثم أكذب .. حتى يصدقك الناس !
هذا ما دار في خاطري وأنا أقرأ مقال زاوية ( لقاء ) للأستاذ "تركي السديري"، والمُعنّون بـ( منجزاتنا وطموحات الملك عبد الله )، في عدد يوم الاثنين 22/3/1431 هجرية، الموافق 8/3/2010 ميلادية .
وقد كان موضوع المقال خطابُ خادم الحرمين الشريفين الملك "عبد الله بن عبد العزيز" وفقه الله للخير، في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى السعودي ــ الغائب عن واقع المجتمع ومِحن المواطن ــ يوم الأحد الماضي ..
لم أشاهد كلمة خادم الحرمين الشريفين مباشرةً ولم أقراها حينها، لكن ما قرأته من مقال الأستاذ "تركي السديري" دفعني للمسارعة بعدها لذلك .. فقد انتقد الأستاذ "تركي السديري" رئيس تحرير جريدة ( الرياض ) ورئيس مجلس إدارة ( هيئة الصحفيين السعوديين ) ــ وعزائي الحار لكل مواطن سعودي يرأس ( السلطة الرابعة ) في بلده رجلٌ كـ"تركي السديري" ! ــ الأكاذيب التي تُصدرها بعض الأنظمة العربية في وصف ما تسمية إنجازاتها، وقد صدق في ذلك، غير أنه كذب على نفسه وعلى القارئ حينما قال أننا نعيش تتابعًا مذهلًا للعديد من منجزات الأداء الوطني لكل مواطن، وأن ما قاله المليك المفدى في خطابه أمام مجلس ( الشورى )، من أن منجزاتنا أقل من طموحاتنا، كان من قبيل ( التواضع الفريد ) !
والسؤال لكل أبواق الكذب والنفاق والتدليس في صحافتنا السعودية : ما هي الانجازات التي يقول "السديري" أننا نعيش تتابعًا مذهلًا لها ؟ وهل يتحدث أصلًا عن عموم المواطنين أم عن أولئك الصحفيين ( اللا دينيين ) أم عن الشركات الأجنبية ؟
ثم ما هي الانجازات ؟! هل تزايد أعداد العاطلين عن العمل إنجازًا ؟ هل هي ارتفاع نسبة الفقر ؟ أم أزمة المساكن ؟ أم تزايد معدلات الجريمة ؟
هل هي الفساد والاختلاسات الضخمة ؟ أم سوء إدارة وزاراتنا للأموال ؟ أم تأخر المشاريع الوطنية الحيوية ؟
وهل هي تزايد نسب التخضم وارتفاع أسعار كل شيء، من البيضة وصولًا لحديد البناء ؟!
هل يعتقد الأستاذ "تركي السديري" أن ضعف الأجور نجاحًا يستحق الاحتفال ؟ أم أن تزايد نسب الوافدين سنويًا ــ والذي بات يُمثل خطرًا استراتيجيًا على البلاد ــ يُمثل انطلاقةً عظمى نحو المستقبل ؟
هل عمليات ( التغريب والعَلمنة ) وسرقة أموال المواطن والدولة لابتعاث آلاف الشباب والشابات، بدلَ بناء الجامعات داخل البلاد لتفيد الأجيال القادمة، هل هو أمرٌ يُحسب لنا ؟!
هل مُصادرة حق العديد من الناس، في كتابة عن همومهم ومشاكلهم عبر المنتديات في الشبكة العنكبوتية، دون مخالفة الشرع أو القانون أو الأخلاق، هل يراه "السديري" من الانجازات الوطنية في العام الماضي ؟!
أم أنه يرى ــ وهذه هي الحقيقة التي يكشفها فكره ( اللا ديني ) ــ الانحراف الفكري وبروز الإلحاد والكفر في الصحافة المحلية، ومواصلة الخونةِ الحمقى الحديثَ في زمن صمتِ الأوفياءِ الحكماءِ، إنجازًا يُكتب للمليك والوطن ؟!
بل هل تواجد أمثال "تركي السديري" ــ من الرافضين للأممية والمشككين في القومية والداعين في نفس الوقت بتناقضٍ عجيبٍ لا يُفسره إلا عدم ( امتلاكه لقلمه ) أو ( عدم فهمه لِما يكتب )، للضم القسري للدول الأخرى؛ والتحكم الجبري بمصائر الشعوب المختلفة ! ــ في الصحافة السعودية أمرًا يُحمد لوطننا ؟!
تابعتُ قراءة المقال ليلفت انتباهي ختام الأستاذ "السديري" لمقاله بالحديث عن الوصول ( الآمن ) لاستعمال الكلمة و( نزاهتها ) !! لأسرع بعدها بقراءة ما تفضل بإلقائه خادم الحرمين الشريفين أمام ( مجلس الشورى ) .. لأقف بعدها مُتعجبًا !
فقد أثار استغرابي أن تفضل المليك بتقديم كلمتين أمام ( المجلس )، الأولى هي الكلمة التي ( ألقاها ) بنفسه حفظه الله، والثانية هي الكلمة ( المكتوبة ) التي أشار إليها في ختام الكلمة التي ألقاها .. وهذه هي المرة الأولى كما أذكر، التي أرى فيها الملك يقدم كلمتين في نفس المناسبة، وهنا نحن نتحدث عن كلمةٍ طويلة ألقاها الملك، لا عن مجرد تحيةٍ يعقبها إلقاء كلمته المكتوبة، أو تفاصيل ميزانيةٍ سنوية مثلًا !
وقد كان الفرق واضحًا بين لغة وأسلوب كلمته التي ألقاها بنفسه، وبعض النقاط في الكلمة ( المكتوبة ) التي لم تُقرأ علنًا أمامه ــ ولاحظ هذه النقطة أخي القارئ باهتمام .. لم تُقرأ أمام الملك !! ــ ، بل أُكتفي بتوزيعها على أعضاء ( المجلس ) والصحافة .. فلماذا ؟!
وقد كان من الواضح لي بعد القراءة، أننا مع ( خطابين فيهما اختلاف )، فقد قَـدم ( المُلقى ) ما يُريده خادم الحرمين الشريفين، وقُدمَ ( المكتوب ) في ( بعض ) نقاطه، ما تريده ( القوى اللا دينية النافذة ) حول الملك ! بل إن الأمر أشد من ذلك .. فالمسألة باتت استخدامًا للملك في تمرير المشاريع ( اللا دينية ) في بلادنا، بشكلٍ أصبح مكشوفًا لدرجةٍ تجعلني أسأل : لماذا الصمت بعدها من الجميع ؟!
في هذا المقال سأتحدث عن ملاحظاتي في الخطابين ( المُلقى ) و( المكتوب )، كما سأتحدث عن قراءة الأستاذ "تركي السديري" لخطاب الملك، وعناوين جريدته للخبر، ومحاولته التضليل والكذب على المتلقي وعلى الملك نفسه ..

*****

كما قلتُ في البدء، كان حديث الأستاذ "تركي السديري" من أننا نعيش منجزاتٍ مذهلةٍ متتابعةٍ لكل مواطن، واعتراضه على تأكيد الملك الحازم بأننا لم نحقق طموحاتنا، كان ذلك دافعًا لأن أراجع كلمته حفظه الله، والتي أعجبني ما جاء فيها .. فقد قال خادم الحرمين الشريفين في ( الكلمة التي ألقاها ) ــ والتي أرى أنها تُمثل الملك وفكره ــ، كما نقلتها من موقع ( جريدة الرياض ) :
(( أن ما تحقق من إنجازات لا يُلبي طموحاتنا جميعاًً والتي نسعى إليها لتكون بلادنا في مصاف الدول المتقدمة. فدولة قامت على إعلاء كلمة التوحيد التي رفع لواءها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه قادرة بإذن الله على تحقيق ما تسعى إليه بصبر لا ملل معه ، وعمل عماده العزيمة المؤمنة التي لا مكان للوهن معها )) .
إن حديث خادم الحرمين الشريفين واضحٌ صادقٌ منطقيٌ .. فقد قال أن ما تحقق من إنجازات لا يلبي الطموحات، وأن دولةً قامت على إعلاء كلمة التوحيد قادرةٌ على تحقيق ما تصبو إليه ..
بل إنه أقل من أن يُوصف بتحقيق الطموح، فما تحقق ما زال دون تغطية الاحتياجات الأساسية لمعيشة الإنسان السعودي، ناهيك عن ازدهار حضارة الوطن .. فما زال المواطن لا يجد حقوقه في دولةٍ غنيةٍ تُنهب ثرواتها من قِبل السارقين والمتملقين الكاذبين والمنفذين الأغبياء ..
ولاحظ أخي القارئ، كيف تجاهل "تركي السديري" ما قاله ملك البلاد استشعارًا لمسؤوليته وواجباته، بل وتأكيده حفظه الله على أن المنطلق ( الديني ) هو أصل تحقيق كل طموح، فقد قال المليك :
(( فدولة قامت على إعلاء كلمة التوحيد التي رفع لواءها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه قادرة بإذن الله على تحقيق ما تسعى إليه بصبر لا ملل معه ، وعمل عماده العزيمة المؤمنة التي لا مكان للوهن معها )) .
"تركي السديري" تجاهل كل هذا .. لأن الطموحات لديه ليست بناء الوطن، ولا رفاهية المواطن، بل ولا حتى ارتفاعه عن خط الفقر، الذي بات أشبه بخطٍ حدودي مع دولةٍ معادية لا يمكن لغالبية المواطنين السعوديين اجتيازه وتخطيه !! بل إن الطموح لدى كل ( اللا دينيين )، هو تهميش الدين وأهله، والسماح لـ( اللا دينية ) بالظهور والسيطرة، ونشر الفساد والانحلال من خلال المطالبات بحقوقٍ ــ لا حق فيها ــ مُدعاةٍ ليتمكنوا من ازدراء الإسلام ونشر الكفر والإلحاد، وحقوقٍ كاذبةٍ للمرأةِ يستطيعون من خلالها نشر الإباحيةِ وممارسة شهواتهم ببساطة وفي كل مكان، بدل الحديث عن حقوقها المنهوبةِ فعلًا من قِبل السارقين والمفرطين والمتذاكين، والذين خفضوا ( أجور ورواتب ) الأخوات، ومنعوا عنهنَّ العمل بما يُناسبهنَّ ويتوافق مع طبيعتهنَّ !
خادم الحرمين الشريفين يقول لم نحقق طموحات الشعب، والتي تستطيع دولة التوحيد وأبنائها الوصول إليها انطلاقًا من عقيدتهم الراسخة، و"تركي السديري" كأنما يُكذب الملك حينما يدعي أننا بلغنا كل ما نرغب، فلا تبحث ــ أيها المواطن ــ عن أكثر من ذلك !
بل ويتجاهل "السديري" عمدًا ما بدأ الملك حديثه به حينما قال حفظه الله :
(( أيها الإخوة الكرام: إن الآمال والطموحات لا تحقق المنجزات إلا بالتوكل على الله جل جلاله ثم بعزائم أبناء هذا الوطن )) .
إن الطموحات لا تتحقق إلا بالتوكل على الله وحده جلَّ وعلا وإتباع دينه، والانطلاق من إعلاء كلمة التوحيد ورفع رايتها .. أيها ( اللا دينيون ) .. أصغوا لتوجيه الملك إن كنتم تدَّعون ( وطنيةً ) .. لستم لها أهلًا !

*****

ولنتابع أخي القارئ ما قاله خادم الحرمين الشريفين .. في كلمته التي أراها تُمثلنا جميعًا :
(( إخواني الكرام: إن وحدة هذا الوطن وقوته تفرض علينا مسؤولية جماعية في الذود عنه ، في زمن كثرت فيه أطماع الأعداء والحاقدين والعابثين ، وهذا يستدعي منا جميعا يقظة لا غفلة معها ، لذلك فدورنا يضاعف علينا المسؤولية المشتركة بين الجميع كل في موقعه ، فالوطن للجميع ، ومعيار كل منا على قدر عطائه وإخلاصه لوطن قامت أسسه على دعائم الدين والذود عن حياضه بالنفس والنفيس ، ولا نخشى في ذلك لومة لائم ، فهذا هو المحك لمعادن أبناء الوطن وكلهم معدن نفيس بإذن الله وهو عهدنا بهم )) .
لقد حذَّر خادم الحرمين الشريفين من كثرة أطماع الأعداء والحاقدين والعابثين، وبيَّن أن المسؤولية مشتركةٌ بين الجميع في الدفاع عن الوطن كلٌّ في موقعه، فـ( الوطن للجميع )، لكل مواطنٍ سعوديٍ مسلمٍ في شمال البلاد وجنوبها، وشرقها وغربها ووسطها، لا فرق بين أحدٍ في حجم المسؤولية وواجباتها، لا ( قبليةَ ) في ذلك ولا ( مناطقية ) ؛ غير أن معيار قياس الانتماء والوطنية الفعلي، هو مقدارُ العطاء والإخلاص لوطنٍ قامت أسسه على دعائم ( الدين )، والدفاع عن حياضه بالنفس والنفيس، وهذا هو المحك لمعادن جميع أبناء الوطن ..
حديث المليك لا يحتاج تفسيرًا أو شروحاتٍ .. لكن التعليقات والعناوين التي ألصقت به من قِبل الصحافة، والتأويلات الكاذبة والمُحرِّفة لمقاصد الملك، تحتاجُ إلى توضيحٍ وإلى كشف أهلها من ( اللا دينيين )، ففي جريدة ( الرياض )، وضعوا عنوانًا يقول :
(( خادم الحرمين : الوطن للجميع ومعيار كل منا على قدر عطائه وإخلاصه )) ..
يريدون بهذا العنوان الإيحاء للقارئ بأن المليك يتحدث من قاعدةٍ ( لا دينيةٍ ) معروفة، وهي ( الدين لله والوطن للجميع )، بما يعني السماح للتيارات ( اللا دينية ) والأديان الأخرى بالانتشار داخل بلادنا، وما يتطلبه ذلك من إنهاء دور ديننا ( الإسلام ) على عتبةِ أبواب المساجد، وهذا ما أنزه المليك عن قوله، وهو ما وضحته كلماته حفظه الله، والتي أراد ( اللا دينيون ) وضع تأويلاتٍ تُحرِّفُ مقاصدها وتستخدمها في تحقيق أهدافهم، رغم أن الملك قد قال :
(( فالوطن للجميع ، ومعيار كل منا على قدر عطائه وإخلاصه لوطن قامت أسسه على دعائم الدين والذود عن حياضه بالنفس والنفيس )) .
جريدة ( الرياض ) وعلى رأسها "تركي السديري"، ومعه الجوقة ( اللا دينية ) في الإعلام السعودي، لا تجد حرجًا في حذف جزءٍ من حديث الملك في عناوينها، بِما يُخل بمعناه، ما دام ذلك يخدم أهدافهم التي لا تنتمي إلا إلى فكرٍ مريضٍ لا يعرفُ الانتماء لأي أرض، فما بالكم بأرض التوحيد ومهبط الوحي ؟!
إن الوطن للجميع، ما داموا مخلصين للأسس التي نهض عليها، ما داموا مخلصين للدين، مدافعين عنه بالنفس والنفيس، أما من فارق ( الجماعة والجميع )، فترك الإخلاص لدين الله ( الإسلام )، وما دافع عن الدين بنفسه ونفيسه، فإن الوطن في غنىً عنه، متبرئٌ من أمثاله .. هذه هي "المملكة العربية السعودية" وطنُ الإسلام والمسلمين، وطنُ المليار ونصف المليار مسلمٍ وقبلتهم، ومهوى أفئدتهم، إنه الوطن القائد لأمة الإسلام .. فهلًّا منحتموه أيها ( اللا دينيون ) ــ المدَّعون لحبهِ والانتسابِ إليه ــ حقه من الإخلاص، بالرجوع لله عزَّ وجلَّ والانتساب لدينه المحفوظ من عبث العابثين ؟!
لقد أثار المليك النخوة في نفس كل ( سعوديٍ مُخلص )، حينما قال بأن لكل أبناءه ( المخلصين ) معدنٌ نفيس، وأن المحك الحقيقي لمعادن أبناء الوطن، كما يُعلن حفظه الله دون أن يخشى لومة لائم، هو إخلاصهم لأساس الوطن المتمثل بـ( الدين )، وبذلهم النفس والنفيس في سبيل الدفاع عنه :
(( فالوطن للجميع ، ومعيار كل منا على قدر عطائه وإخلاصه لوطن قامت أسسه على دعائم الدين والذود عن حياضه بالنفس والنفيس ، ولا نخشى في ذلك لومة لائم ، فهذا هو المحك لمعادن أبناء الوطن وكلهم معدن نفيس بإذن الله وهو عهدنا بهم )) .
وهنا أسأل كل كاتبٍ من ( اللا دينيين ) :
كيف تُقيِّـمُ ( وطنيتك ) بعد عرضها على ( ميزان الملك "عبد الله بن عبد العزيز" للوطنية السعودية الحقَّة ) ؟!

*****

ثم يُواصل خادم الحرمين الشريفين حديثه في ( كلمته المُلقاة )، فيُحذر من استخدام ( الكلمة ) لتصفية الحسابات وتوجيه الاتهامات جزافًا، في خطابٍ شديد الوضوح إلى ( الصحافيين اللا دينيين ) ــ وقد رأينا انحرافاتهم وانطلاقهم لتصفية حساباتٍ ثـقُلت بها صدورهم لحقدهم على الدين وأهله، ومُسارعتهم لتوجيه التهم جزافًا واختلاقهم لـ( قضايا مكذوبةٍ ) علمائنا "اللحيدان" و"المنجد" و"الشثري" و"العريفي" و"البراك" حفظهم الله جميعًا، وغيرهم من أهل الصلاح والإصلاح، في حربٍ ( لا دينيةٍ ) مُسبقة التخطيط، يخوضونها بالاشتراك مع ( الروافض )، لضرب أساس ( مملكة التوحيد ) ووحدتها ــ، فيقول :
(( أيها الإخوة الكرام: إنكم تعلمون جميعاً بأن الكلمة أشبه بحد السيف ، بل أشد وقعاً منه ، لذلك فإنني أهيب بالجميع أن يدركوا ذلك ، فالكلمة إذا أصبحت أداة لتصفية الحسابات ، والغمز واللمز ، وإطلاق الإتهامات جزافاً كانت معول هدم لا يستفيد منه غير الشامتين بأمتنا ، وهذا لا يعني مصادرة النقد الهادف البناء ، لذلك أطلب من الجميع أن يتقوا الله في أقوالهم وأعمالهم ، وأن يتصدوا لمسؤولياتهم بوعي وإدراك ، وأن لا يكونوا عبئاً على دينهم ووطنهم وأهلهم )) .
لقد كان حديث الملك المفدى عن ( الكلمة ) في غاية الوضوح، وفي غاية المسؤولية والإدراك، وقد كان موجهًا لـ( الصحافيين اللا دينيين ) تحديدًا، وهم الذين لم يتقوا الله لا في دينهم ولا وطنهم ولا أهليهم، فقد حذَّر من خطورة الكلمة، خاصةً إذا أصبحت أداةً لتصفيةِ الحسابات مع حماةِ العقيدة، وطريقًا للغمز واللمز بالعلماء وأهل الخير والصلاح، وسبيلًا لإطلاق الاتهامات جزافًا على من عُلم نقاء صفحاتهم من كل معيب، وعُرفت خدمتهم الطويلة للدين والوطن .. حذَّر حفظه الله، لأن هذه الكلمة وأهلها معول هدمٍ لا يستفيد منه غير الشامتين بأمتنا، أمتنا التي ننتمي إليها برابط ( الإسلام ) الأصيل الجامع الثابت، والذي حملنا راية الدفاع عن عقيدته، وهمِّ وحدةِ أهله، والذي كان وسيظل قادة هذه البلاد بحول الله، هم من خير من يحرصون عليه، وإن تكاثر الضباب وحصلتِ الأخطاءُ وتزايد الأعداء المنافقين من حولهم ..
والسؤال لماذا لم يُشر "تركي السديري" إلى حقيقة كون خطاب الملك المُلقى كان ( خطابًا إسلاميًا ) بامتياز ؟! ولماذا لم يتورع عن إخفاء أهداف خطاب الملك وبيان ما يريده حفظه الله ــ رغم وضوحه ــ ؟! لماذا لم يوضح مُطالبة الملك للجميع أن يتقوا الله في أقوالهم وأعمالهم ــ ولم يُطالبهم حفظه الله باتخاذ عصرية وعقلانية ( اللا دينية ) أصلًا لأقوالهم وأعمالهم !! ــ ، وألا يكونوا عبئًا على ( دينهم ) ــ أولًا وقبل كل شيء ــ ووطنهم وأهلهم ؟!
لقد كان المليك واضحًا حينما أكَّد على عدم مصادرته للنقد الهادف البناء، النقد لكل مسؤولٍ وعالمٍ وكاتبٍ في دولة التوحيد، بدءً منه حفظه الله، خاصةً وقد علمنا أن لا عصمةَ لأحدٍ من بعده صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا تقوم الصحافة ( اللا دينية الليبرالية ) مُدعيةُ الحرياتِ؛ بتفعيل ( النقد البناء ) لكل العاملين في الوطن، بدءً من خادم الحرمين الشريفين، مرورًا بكل الوزراء والأمراء، وكافة الأطياف والتوجهات الدينية والفكرية ــ لا كما هو حاصلٌ الآن من حربٍ موجهةٍ ضد المنهج السلفي الذي قامت على أساسه دولتنا منذ أول تحالفٍ بين الإمامين "محمد بن سعود" و"محمد بن عبد الوهاب" رحمهما الله تعالى ــ، أم أن التملُّق والكذب والنفاق الذي يملئ صفحات جرائدنا، وحقيقة أن الأهداف الفعلية لهذه الصحافة ( اللا دينية ) ليست طلب الآخرة بالعمل بأوامر الشارع الحكيم، بل ولا حتى عملٌ ( لا دينيٌ دنيويٌ مخلصٌ ) لتحقيق مجتمعٍ ناجحٍ يحظى بحقوقه الفعلية المُتفق عليها بين جميع التيارات، دينيةً كانت أم ( لا دينية ) ــ ولا أقول ذلك موافقةً للكفر أو الضلال وحاشا لله أن أفعل، إنما أسأل عن عدم قيامهم بأمورٍ يتفق الجميع عليها، مثل محاربةِ الفقر، والذي رأينا ( نكسة ) إستراتيجية معالجته التي كلفت دراستها مبلغ ( 100 مليون ريال ) لتنتهي بأن الفقر ضرورةٌ اجتماعيةٌ على مرِّ التاريخ ! كما لم أر من صحافتنا ( اللا دينية ) مقالاتٍ أو نقاشاتٍ منطقيةٍ، بل ولا حتى سؤالًا خجولًا لإثارةِ قضية مبلغ ( 100 مليار ريال ) والتي قيل أنها ذهبت لتغطية نفقات ( إعانة الشعير والأعلاف وحليب الأطفال والأرز ) في ميزانيةٍ سابقة !! ــ ، بقدرِ ما هي حرصٌ على مصالح دنيوية خاصة، تُمثل حقيقة فكرهم النفعي ( البراجماتي )، بما لا يصبُّ في صالح تطور الوطن ولا حفظ اسم قادته من كل مكدَّرٍ، بل إن أهدافها الفعلية تتمثل في نشر كُفريات الفكر ( اللا ديني ) وخبيثِ مبادئه ..
أليس الأمر أيها الأحبة .. أوضح من الشرح ؟! إن الأمر كذبٌ صريحٌ على الملك، وتضليلٌ للشعب عن حقيقة أهداف الملك ومبادئه !

*****

نصل لآخر نقطةٍ في الكلمة التي ألقاها حفظه الله، وهي قوله الختامي :
(( أيها الإخوة الكرام: إن منجزات الوطن وشؤونه الداخلية والخارجية لا يمكن استعراضها في هذا الخطاب ، لذلك فالكلمة الموزعة عليكم فيها المزيد من الإيضاح )) .
والسؤال الذي يتوارد إلى ذهني هنا، ألم يقل الملك بنفسه عن أن ما تحقق من انجازاتٍ لا يُلبي طموحاتنا، فلماذا يسرد هذه ( المنجزات ) في كلمةٍ ( إضافيةٍ ) ؟!
قد أقبلُ ــ كمواطنٍ مهتم ــ استعراض شؤون الوطن الداخلية والخارجية في ( كلمةٍ أو ورقةٍ مستقلة ) ، بشرط ألا تكون من الملك إلى ( المجلس )، بل العكس ــ وهو ما تم جزئيًا في كلمة رئيس المجلس ــ ، لأن الملك فعليًا لا يُلزمُ نظامًا بالأخذ بآراء أو قرارات ( مجلس الشورى ) لكي يعرض عليهم ما تحقق من وجهة نظره .. إضافةً إلى أنه حفظه الله قد تحدث في كلمته ( الملقاة ) عن بعض تلك الشؤون، وقد كان من المفترض أن يستمع خادم الحرمين الشريفين لتوجيهات أعضاء ( المجلس ) وآرائهم، بما أنه جاء لافتتاح أعمال العام الجديد !!
والمهم هنا .. هل كان وضع هذه ( الكلمة المكتوبة ) ــ والتي أظن أنها لم تُعرض على خادم الحرمين الشريفين ــ تغطيةً لبعض ما قُدم فيها من إشاراتٍ غير مقبولةٍ ولا معتادةٍ في الخطابات الملكية ؟!

*****

نأتي لنتأمل في كلمته المكتوبة حفظه الله، والتي وزعت على أعضاء ( المجلس ) ونُشرت عبر وسائل الإعلام، لنجد أنها حوت على عددٍ من ( النقاط ) التي ما كان من الممكن أن نسمعها مباشرةً من أيٍ من ولاة أمر هذه البلاد، فقد كانت تُمثل وجهة نظر ( اللا دينيين ) النافذين حاليًا حول الملك، وإن لم يكن بشكلٍ مكشوف، فهم أقل من أن يُبينوا أهدافهم للملك، والذي يرفض بلا شك أي مشاريع ( لا دينية ) صريحة .. لكنهم يستغلون تواجدهم في مراكز القرار لتنفيذ مشاريعهم الخبيثة بعدة طرق ..
من النقاط ( المُستغربة ) في خطاب الملك ( المكتوب ) :
(( في الشأن الداخلي .. واصلت الحكومة جهودها لترسيخ الأمن ، ومن أبرز الجهود في ترسيخ قواعد الأمن ، ما تقوم به الأجهزة الأمنية من نشاط ملحوظ في التصدي لذوي الفكر الضال والفئة المنحرفة من المتشددين والإرهابيين )) .
نلاحظ أن من ( وضع ) هذه الكلمة قد ضم لـ( ذوي الفكر الضال ) ــ و( الفئة الضالة ) هو الوصف والمصطلح المُستخدم رسميًا للحديث عن أعضاء التنظيمات المسلحة المُستندة إلى فكرٍ دينيٍ مُخالفٍ للشريعةِ داخل "السعودية"، كتنظيم ( القاعدة ) ــ ما وصفه بـ( الفئة المنحرفة من المتشددين والإرهابيين ) !!
والسؤال منذ متى كان الحديث عن ( التشدد ) في خطابنا السياسي ( الرسمي ) في "المملكة العربية السعودية" ؟
منذ متى كُنا نسمع في خطابنا الرسمي حديثًا عن ( انحراف المتشددين ) ؟!
هل قرأ أحدكم سابقًا صفة ( المتشددين ) من ضمن أي فئةٍ مرفوضةٍ ( رسميًا ) لدينا ؟
ألا تبرز ( الأقلام اللا دينية ) في هذه الجملة ؟!
من الممكن أيها القارئ الكريم أن تكون ( متشددًا ) ــ والتشدد في إطاره المعتاد عامةً ليس ذنبًا أو منكرًا، فما بالك بأن يكون انحرافًا ؟! ــ في أي مسألةٍ من المسائل، ما دمتُ لا تُخالف بذلك الشريعة .. وقد تتعامل مع أحد المباحات بقاعدة ( سد الذرائع ) فلا تقربه، وقد يُنظرُ لفعلك ذاك بأنه تشددٌ، فكيف يُمكن أن يوصف ( كل متشددٍ ) بأنه كالإرهابيين من ( الفئة المنحرفة ) ؟!
من الواضح أن إضافة كلمة ( المتشددين ) كانت مقصودةً، لتوجيه رسالة إلى المجتمع بأن خادم الحرمين الشريفين يدعم ( التوجه اللا ديني ) في رفض التديُّنِ ــ وتفسيرهم المغلوط المكذوب لـ( التدين والتشدد معًا ) كما رأيناه في إعلامنا مؤخرًا ــ ، ومطالبته بالانحلال بشكلٍ عام !
إذن .. ما كان من الممكن أن يضم الملك حفظه الله في كلمته التي ألقاها ( المتشددين ) إلى ( الفئة الضالة )، ولذلك رأينا أن هذه ( الإضافات ) كانت في كلمته ( المكتوبة )، والتي ( لم تُقرأ على مسامعه حفظه الله ) !!

*****

كما كان من الواضح في نظري أن هذه الجملة : (( التصدي لذوي الفكر الضال والفئة المنحرفة من المتشددين والإرهابيين )) مُضافة بقلمِ ( لا دينيٍ ) قليل الخبرةِ سياسيًا .. فمتى حمل الخطاب الرسمي السعودي جملة ( الفئة المنحرفة ) ؟ الخطاب الرسمي يقول : ( الفئة الضالة )، لكن لأن ( اللا ديني ) الذي كتب هذه الجملة يريد الإساءة للعلماء و( الملتزمين )، فقد قسَّم ( الفئة المرفوضة ) أمنيًا وحكوميًا وشعبيًا إلى قسمين في خطاب الملك ( المكتوب ) :
القسم الأول : ( ذوي الفكر الضال ) ــ أو ما اعتدنا على وصفهم رسميًا بـ( الفئة الضالة ) ــ، والذين لم نعتد في الخطاب الرسمي وصفهم بـ( المنحرفين )، وذلك كما أظن رغبةً باختيار وصفٍ مقبولٍ ( شرعيًا ) لحالهم، كما أنه جاء تأدبًا ــ من القيادة والجهات الأمنية كوزارة ( الداخلية ) ــ مع المنتسبين لهذه الفئة، حرصًا على عودتهم إلى الحق، لذا فلا أذكر أنها وصفتهم في خطابها الرسمي أبدًا بـ( الفئة المنحرفة ) !
القسم الثاني : ( الفئة المنحرفة من المتشددين والإرهابيين )، ولاحظ أنه جعل من ( المتشددين ) شركاء لمن وصفهم بـ( الإرهابيين ) في تكوين ( الفئة المنحرفة ) !
والصحيح أن من يوصفون بـ( الإرهابيين ) هم نفسهم من يُسميهم الخطاب الرسمي بـ( الفئة الضالة )، فلماذا تم تكرارهم هنا ؟
لقد تم تكرار هذه الكلمة، لمجرد الإساءة لـ( المتشددين )، وهو اللقب الذي أسبغه الإعلام على علمائنا الذين رفضوا الانصياع لبرامج ( العَلمنة ) التي يحاول بعض المحيطين بالملك فرضها على مجتمعنا المسلم ..

*****


وختامًا :

أخي الكريم ..
خادم الحرمين الشريفين يُلقي خطابًا واضحًا يُبرز استمرار القيادة في الحفاظ على ( إسلامية ) الدولة، ليتم إضافة بعض النقاط على الخطاب ( المكتوب )، في محاولةٍ لـ( إثارة ) الشعب ضد الخطاب الملكي ورفض توجهاته، إضافةً لِما كتبته بعض الأقلام الموتورة التي تحاول وبصفاقةٍ عجيبة، دفع المواطن لفقد الثقة بقيادته، من خلال عكسها لمعاني خطاب الملك، الذي بيَّن عدم رضاه عما تحقق من منجزاتٍ لا تواكب متطلبات الشعب، الذي يُعاني الكثير من أفراده من مشاكل الفقر والبطالة وضعف الأجور وغيرها ..
ومن المهم الآن، أن تعي قيادة دولة التوحيد، أن الحفاظ على النهج الديني، وتلاحم القيادتين السياسية والدينية، هو أكبر أسوار حماية هذا الوطن، وهذا الحُكم، الذي منذ انطلاق دولته الأولى، وهو يعلم أن اعتماده الأول بعد الله في مجتمعٍ يُعاني من العصبيتين القبلية والمناطقية، لا يمكن أن يكون إلا على دمج هذه العصبيات داخل إطارٍ جامعٍ يكون له الولاء الأكبر، ألا وهو الإطار ( الديني ) .. وهو الإطار الوحيد القادر على جمع أبناء هذا الوطن بعد توفيق الله عزَّ وجلَّ ..
كما يجبُ تنبيه قيادتنا الرشيدة، أن أكثر الناس ولاءً لهم، هم الأكثر ولاءً لدينهم وعقيدتهم التي تأمرهم بذلك، أما من تعددت مرجعياته وولاءاته الدينية والسياسية وانطلقت إلى خارج حدود هذا الوطن غربًا وشرقًا، فهم أقرب الناس للتضحية بولائهم لهذا الوطن، متى ما تعارض مع ولاءاتهم الخارجية ..
وأُذكِّر الجميع، وعلى رأسهم القيادة السياسية في بلادنا، أننا ما نزال في تعاملنا مع المشروع ( اللا ديني ) في بلادنا وأياديه المُعلنة والخفية، ما نزال في طور تقديم ( الكفر اللا ديني ) بقناعٍ إسلامي، تحت عناوين ( التيسير والتسامح )، ولم نصل بعدُ ــ ولا بد أن نصل إن استمر التهاون السياسي من قيادتنا ــ إلى مرحلةِ التصريح بالكفر ( اللا ديني ) ونشره جهارًا نهارًا على رؤوس الأشهاد !
وسواءً اقتربت مرحلة التصريح أم لم تقترب، فلا شك أننا سنسمعُ عن قضايا تفرضها ثقافة ( الفكر اللا ديني )، في ساحاتنا الدينية والسياسية والاجتماعية، وبالتأكيد أن المطالبة بتغييراتٍ في نظام الحكم الملكي السعودي ستكون على رأسها ..
وختامًا .. أرى أننا نُعاني من أزمةٍ فعليةٍ في بلادنا الآن، سببها وسائل الإعلام ( اللا دينية ) وعلى رأسها وزارة ( الثقافة والإعلام )، والتي سيكون من نتائجها انحرافات دينيةٌ وأخلاقية خطيرة، إضافةً إلى ما ستخلقه من مزيد تشددٍ وتنشيطٍ لتوجهات ( الفئة الضالة ) التي ستلوحُ بسماح الدولة بتوسع الإعلام ( اللا ديني ) .. وهنا أطالب خادم الحرمين الشريفين بإعادة تكوين ( المجلس الأعلى للإعلام ) برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير "نايف بن عبد العزيز"، حرصًا على بقاء الإعلام السعودي ضمن برنامجٍ واضح المعالم، ينطلقُ من خطةٍ تكفل الضبط الشرعي والأمني والثقافي والأخلاقي لإعلامنا، فلسنا هنا نتحدث عن إعلام دولةٍ مجهولةٍ أو عديمة التأثير، بل نتحدث عن "المملكة العربية السعودية" بكل حجمها الديني والسياسي والاقتصادي ..

إلى هنا .. وأترككم بحفظ الله .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


"إبراهيم النشمي" .. "الرياض" ..

يوم الجمعة 26/3/1431 هجرية، الموافق 12/3/2010 ميلادية .