حين نستقبل الموت // د / مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
احمد ابوبكر
1435/07/20 - 2014/05/19 02:31AM
كثيرون يكرهون ذكر الموت ثم يموتون في النهاية غير مستعدين لتبعاته . فجأة فإذا به على سرير الموت ، لم تكن ثمة مقدمات لهذه اللحظة ، وإنما دفع به القدر إلى تلك اللحظة مباشرة ، وبدأ شريط الذكريات يعيد تاريخه باللحظات وعاد يفتح في كل لحظة أبواباً للتمني ! مرة تعرض له صورة أبوين مسنين لم يمنحهما الوقت الكافي للصلة ، وثانية تعرض صورة أرحام وأصدقاء وزملاء لم يتمكن من الوفاء معهم والقيام بحقوقهم ! وثالثة يتذكّر فيها تفريطه في الصدقة ويستعرض تلك الأموال التي يراها بين عينيه وهي عاجزة عن الوقوف بينه وبين لحظة الوداع! وها هي في خطاها للورثة لا يملك منها شيء ! عاد للوراء يستعرض قصة تفريطه في صلاة الجماعة وضياعه لحقوق الله تعالى ويردد يا ليت وقد فات أوان التعويض ! وامتد به زمن التخيّل طويلاً واسترجع كل فرصة سنحت فوقف دونها طول الأمد ! . واستغرق في لحظته ولم يبق شيء من تاريخ تلك السنين إلا عاد يذكّر بلحظات التفريط . وبينما هو غارق في تلك اللحظات إذ بصوت يتردد في مسمعه : انهض لتدرك أمانيك فلم تحن ساعة الموت بعد ! قم قف على قدميك فما زلت في زمن الإمكان ! قم تجاوز ظروفك وعانق مبادئك ومارس قيمك في واقع الأرض من جديد ! قم .. فالقصة فما زلت في زمن الإمكان !
أيهما أمتع لحياتك أن تعمل كأنك لا تموت أبداً أو تعمل وأنت ترقب تلك اللحظة القادمة ! من الذي حوّل الموت في حياتنا إلى كابوس يطاردنا في كل حين ! كم مرة نقرأ هذه الحقيقة الكبرى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ثم ندفع بها جانباً عن واقعنا كأنها مجرّد وهم يحاصرنا ! تأمل لو أنك تمارس عملاً لا ينتهي أو لعبة لا تتوقّف أو قضية لا نهاية لها كم ستفقد من المتع الكبرى في حياتك ! كم ستكون الحياة طويلة ، باردة لا معنى لها ! أما إن الحياة لو كانت كذلك لما وجدنا فيها شيئاً ممتعاً .
تحمّل الأول سياط الضرب وظل يردد ( أحد .. أحد ) على أمل لحظة الوعد الكبرى (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وقام يتجلّد لواقعه ، ويجهد في بناء مستقبله حتى قال له نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: (يَا بِلَالُ! حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ مَنْفَعَةً فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ). فَقَالَ: مَا عَمِلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ أَرْجَى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا تَامًّا قَطُّ فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطَّهُورِ لِرَبِّي مَا كَتَبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. وحين جاءت لحظة الموت قام يردد مبتهجاً : ( غداً نلقى الأحبة .. محمداً وحزبه ) والثاني كان يستقبل تباشير الفرح وهو في الدنيا لم يخرج منها بعد: ( يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة ) ، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يردد في لحظة الوداع : ( في الرفيق الأعلى .. في الرفيق الأعلى ) ونبي الله موسى صلى الله عليه وسلم حين لطم ملك الموت حتى فقع عينه أرسل الله تعالى إليه الملك قائلاً له : ( فقلْ لهُ: يضعُ يدَهُ على مَتْنِ ثورٍ، فلَهُ بكلِّ ما غطَّتْ به يدُه بكلِّ شَعرةٍ سَنَةٌ، قالَ: أَيْ ربِّ! ثم ماذا؟ قالَ: ثم الموتُ، قالَ: (فالآنَ) ، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يؤسس لهذه الحقيقة في قلوبنا قائلاً : (أكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِم الَلَّذاتِ) ويدعونا إلى استلهام مواعظها في كل حين : (زُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ) .
وأخيراً : لم تصل أيها القارئ الكريم بعد إلى سرير الموت ـ وأرجو أن تكون ممن طال عمره وحسن عمله ـ وما زالت الفرص مادة ذراعيها في استقبال كل مبادرة وعمل وتاريخ تجدد بها واقعك . حرر نفسك من طول الأمد الذي يطاردك ، وحوّل قضية الموت في مشاعرك إلى استثمار ، واصنع منها مستقبلك الكبير ، وابني لها مجداً يذكّر بك في العالمين . تخلّص من أخطائك ، وسد نوافذ القلق التي تحاصرك ، وابدأ رحلة جديدة في عالم الأرض تلقى الموت لحظتها كما لقيه الأول وهو يردد في استقباله : مرحباً بحبيب جاء على فاقة . وإذا أردت أن تعرف ضخامة هذا المعنى في قلوب الكبار فانظر للمجاهدين في ساحة المعركة وهم يطلبونه لا يردهم عنه شيء ! .
د / مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
[email protected]
ظهر الجمعة ( 25/6/1435هـ )
المصدر: لجينات
أيهما أمتع لحياتك أن تعمل كأنك لا تموت أبداً أو تعمل وأنت ترقب تلك اللحظة القادمة ! من الذي حوّل الموت في حياتنا إلى كابوس يطاردنا في كل حين ! كم مرة نقرأ هذه الحقيقة الكبرى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ثم ندفع بها جانباً عن واقعنا كأنها مجرّد وهم يحاصرنا ! تأمل لو أنك تمارس عملاً لا ينتهي أو لعبة لا تتوقّف أو قضية لا نهاية لها كم ستفقد من المتع الكبرى في حياتك ! كم ستكون الحياة طويلة ، باردة لا معنى لها ! أما إن الحياة لو كانت كذلك لما وجدنا فيها شيئاً ممتعاً .
تحمّل الأول سياط الضرب وظل يردد ( أحد .. أحد ) على أمل لحظة الوعد الكبرى (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وقام يتجلّد لواقعه ، ويجهد في بناء مستقبله حتى قال له نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: (يَا بِلَالُ! حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ مَنْفَعَةً فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ). فَقَالَ: مَا عَمِلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ أَرْجَى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا تَامًّا قَطُّ فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطَّهُورِ لِرَبِّي مَا كَتَبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. وحين جاءت لحظة الموت قام يردد مبتهجاً : ( غداً نلقى الأحبة .. محمداً وحزبه ) والثاني كان يستقبل تباشير الفرح وهو في الدنيا لم يخرج منها بعد: ( يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة ) ، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يردد في لحظة الوداع : ( في الرفيق الأعلى .. في الرفيق الأعلى ) ونبي الله موسى صلى الله عليه وسلم حين لطم ملك الموت حتى فقع عينه أرسل الله تعالى إليه الملك قائلاً له : ( فقلْ لهُ: يضعُ يدَهُ على مَتْنِ ثورٍ، فلَهُ بكلِّ ما غطَّتْ به يدُه بكلِّ شَعرةٍ سَنَةٌ، قالَ: أَيْ ربِّ! ثم ماذا؟ قالَ: ثم الموتُ، قالَ: (فالآنَ) ، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يؤسس لهذه الحقيقة في قلوبنا قائلاً : (أكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِم الَلَّذاتِ) ويدعونا إلى استلهام مواعظها في كل حين : (زُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ) .
وأخيراً : لم تصل أيها القارئ الكريم بعد إلى سرير الموت ـ وأرجو أن تكون ممن طال عمره وحسن عمله ـ وما زالت الفرص مادة ذراعيها في استقبال كل مبادرة وعمل وتاريخ تجدد بها واقعك . حرر نفسك من طول الأمد الذي يطاردك ، وحوّل قضية الموت في مشاعرك إلى استثمار ، واصنع منها مستقبلك الكبير ، وابني لها مجداً يذكّر بك في العالمين . تخلّص من أخطائك ، وسد نوافذ القلق التي تحاصرك ، وابدأ رحلة جديدة في عالم الأرض تلقى الموت لحظتها كما لقيه الأول وهو يردد في استقباله : مرحباً بحبيب جاء على فاقة . وإذا أردت أن تعرف ضخامة هذا المعنى في قلوب الكبار فانظر للمجاهدين في ساحة المعركة وهم يطلبونه لا يردهم عنه شيء ! .
د / مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
[email protected]
ظهر الجمعة ( 25/6/1435هـ )
المصدر: لجينات