حياتنا الزوجية ( 2 )

خالد الكناني
1446/03/23 - 2024/09/26 21:34PM

حياتنا الزوجية ( 2 )

إن الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ،  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.أما بعدُ : عبادَ الله : اتقوا الله تعالى حق التقوى أطيعوه وعظموا أمره ولا تعصوه ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }

أيها المسلمون: إن من نعم الله تعالى علينا أن جعل لنا من أنفسنا أزواجا  ، وجَعَلَ مِنَ الْأَزْوَاجِ الْبَنِينَ وَالْحَفَدَةَ ، قال تعالى : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } النحل 72 فيتحقق للزوجين  بذلك السكن والمودة والرحمة والألفة .

وجعل الله تعالى عقد النكاح ميثاقا غليظا قال تعالى : {  وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } 21 النساء ، ورتب على ذلك حقوقا وواجبات على الزوجين ، فأمر تعالى بحسن المعاشرة ، والمعاملة بالمعرف ، لتحقق السعادة للزوجين معا وللأسرة التي تعيش معا في بيت واحد ، قال تعالى : {  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } 21 الروم

 ويتحقق ذلك بحسن العشرة وتحمل المسؤولية الأسرية ، وحث الله تعالى الزوجين  على حسن العشرة وبذل المعروف ، قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة .

وقال تعالى : {  وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ  } أَيْ وَلَهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ مَا لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ، فَلْيُؤَدِّ كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ، مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ ، فالعشرة بالمعرف في حالة البقاء وحتى عند المفارقة ، قال تعالى : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } على وجه المعاشرة الحسنة، والصحبة الجميلة ،{أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}

أي: فراقًا لا محذور فيه، من غير تشاتم ولا تخاصم، ولا قهر لها على أخذ شيء من مالها ، وحذر جل وعلا من الظلم والأذى والجور والاضرار ، قال تعالى : {  وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}

أيها الأزواج اجعلوا بيوتكم سكنا آمنا، وقوموا بما أمر الله تعالى كل منكم تجاه الآخر فقد أمر الله تعالى بحقوق للزوجة على زوجها ، فليقم بها ويحرص عليها بقدر استطاعته ، قال تعالى : {   وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا } وقال تعالى : {  لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } ، وقال تعالى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ } ، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهن ، فقال : اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا .

وأمر الله تعالى الزوجة بحقوق واجبة عليها ، فعليها أن تقوم بدورها داخل بيتها بما يحقق السعادة لزوجها فإن عليها طاعة زوجها في كل ما تقدر عليه بالمعروف ، قال تعالى : {  وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ، وقال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ }

إن طاعتها لزوجها طريق موصل إلى الجنة .

فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ )

ومن حقوق الزوج إظهار البشر والفرح والسرور له والسعي لعمل كل ما يدخل على زوجها من الأنس وسعة الصدر وانشراح القلب ،ولما سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّذِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ»

أيها الأزواج أن هناك حقوق مشتركة ينبغي على كل واحد من الزوجين الحرص عليها والعناية بها فعلى كل واحد منهما أن ينصح الآخر ويعينه على ما يحقق طاعة الله تعالى ويدل صاحبه على الخير ويرغبه في الحسنات ، وأن يحذره من المعاصي ، فكل واحد منهما كالمرآة للآخر ، إن وجد خيرا نشره وإن وجد شرا ستره وأصلحه ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ ) ، وأن يكون كل منهما أمينا مع صاحبه في ماله وفي عرضه وفي ولده ، أيها الأزواج تمثلوا الأخلاق النبوية الزوجية قولا وعملا وكونوا لأهلكم خير معين وخير صاحب وجليس ، قال صلى الله عليه وسلم : «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» فكونوا كذلك .

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظي

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آلة وأصحابه وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا ، أما بعد ، أيها المسلمون : اعلموا أن الحياة الزوجية يراد منها أن تستمر وتدوم الألفة والمودة والرحمة بين الزوجين إلى أن ينتقلا من هذه الدنيا ويلتقيا في جنات النعيم بإذن الله تعالى ،  قال تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)  } سورة فاطر

والقرآن الكريم يوجهنا إلى حسن المعاشرة حتى وإن حدث ما يوجب الكراهية لعل في ذلك خيرا ، لأنه بحسن العشرة وطيب المودة تبدد الهموم ويحصل الاطمئنان ،  قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }

والتوجيهات النبوية الكريمة تشير إلى مكارم الاخلاق الزوجية وتدعو إل غض الطرف عن الأمور التي تودي إلى النزاعات والخلافات ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ» لا يفرك أي لا يبغض ، فإن على الزوج أن يحكم لغة العقل عند حدوث المشاجرات والخلافات الزوجية ويبحث عن العلاج والحلول قبل أن يصدر منه الطلاق

أيها المسلمون : إن من المشاهدات في زمننا المعاصر ارتفعت معدلات الطلاق والخلع بصورة كبيرة ، وتساهل الزوجان فيه ، فعند أي خلاف بين الزوجين يطلق الزوج أو تطلب الزوجة هي الطلاق ، دون تريث أو نظر للعواقب المترتبة على ذلك ، ولنعلم أن الطلاق فيه ضرر كبير وتشتيت للأسرة، وأنه لا ينبغي الاسراع والتعجل فيه لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا

وأن الأصل في الطلاق المنع إذا كان دون سبب وحاجة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ» سنن أبي داود (2/ 254) ، خبب أي : أفسدها على زوجها وجعلها تطلب الطلاق ،

 وقال ابن تيمية رحمه الله : (( فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ )) مجموع الفتاوى (32/ 293)

وحرمت الشريعة على المرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بلا حاجة ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» سنن ابن ماجه (1/ 662)

ومن أعظم ما يفرح الشيطان وقوع الطلاق بين الزوجين ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ " صحيح مسلم (4/ 2167)

أيها المسلمون : لقد جعلت الشريعة الاسلامية الطلاق هو آخر الحلول بين الزوجين ، فإذا اضطر الزوجان بعد استيفاء جميع الحلول ، إلى اللجوء إلى الطلاق ، فعليهم أن يكون الطلاق ، وفق ماجات به الشريعة الاسلامية ، سواء في وقته أو عدده ، قال تعالى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ } أي أن على الزوجين أن يتعرفا ويتقيدا بأحكام الاسلام في مسائل الطلاق والخلع ،  وأنه ينبغي إلا يكون فيه إساءة أو اضرارا بالأزواج أو الاولاد ، قال تعالى : {  وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

أيها المسلمون : إن على الزوجين في علاقاتهم الزوجية والاحكام المتعلقة بذلك ، تقوى الله تعالى ومراقبة الله في تلك الأحكام ، قال تعالى : { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } ،وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }

هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

 

المرفقات

1727375635_حياتنا الزوجية ( 2 ).pdf

المشاهدات 741 | التعليقات 0