حياة الخطيب
ابراهيم الهلالي
فلقد اخترت هذا العنوان دالاً على ما أردت ، فليس كل خطيب حي ، نعم هناك خطباء يؤدون الخطبة ويصلون بالناس الجمع ، ولكنهم في الحقيقة أموات حقيقة عند جمهورهم ، بل إن جمهورهم بين مضطر لم يجد غيرهم ، وبين مضطر لم يتمكن من غيرهم لضيق وقت أو بعد وإلا لشدَ لغيرهم الرحال وتركهم.
إن الخطبة الحية من الخطيب الحي تختلف تماماً عما يفعله كثير من الخطباء ، إن الخطبة التي لا تلامس شغاف قلوب المستمعين ، وتتحسس حاجاتهم النفسية والاجتماعية ، وتواكب ظروفهم المحيطة ، تجعل المتلقي يعيش مكبلاً بقيود الشرع لخطيب لا يهمه ، وما أصعبها من لحظات يمضيها الشخص في مكان لا يحبه أو يسمع كلاماً لا يهمه ، متى يعي أحبابنا الخطباء أن الخطابة ليست مهنة يتقاضى عليها مكافأة يقتات منها ؟! متى يعي أحبابنا الخطباء أنها أمانة سنسأل عنها يوم الوقوف بين يدي الجبار سبحانه في يوم قد غضب فيه غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، في يوم عصيب اللحظات فكيف بالسنوات ، يسأل فيه الله عن كل شئ ، ويعرض عليه مثاقيل الذرات من عمل الخير والشر ، فماذا سنقول عندما يسألنا : قد مكنت لكم منابر تسمعون الناس منها شرعي ، وتنصحون بها خلقي فماذا فعلتم ؟؟
ياله من سؤال تقشعر منه الجلود في الدنيا فكيف به من الجبار سبحانه في العرصات ؟!!
أحبابي الخطباء :
الأمانة عظيمة ، والحمل ثقيل ، والتبعة كبيرة ولا نجاة إلا لمن استعان بالله وسأله التسديد وبذل وسعه ولن يسأله الله إلا وسعه .
إن الخطيب الناجح الذي الذي يسعى للتميز في الآخرة قبل الدنيا هو من يدرس واقعه ، ويتواصل مع جمهوره ، ويتلمس حاجاتهم الدينية والاجتماعية فيلبس لكل زمان لَبوسه ، ولكل وقت وحدث سلاحه ، وليس معنى هذا أن يميل مع أهوائهم ورغباتهم لكن يسعى في تهذيب رغباتهم وأهوائهم.
إن الخطيب الناجح هو الذي يقدر عقول ومكانة من يخاطبهم ، ولم يستخف بهم ولا بقدراتهم ، إن الزمان اختلف ، والأوضاع تبدلت فأصبحت الثقافة ومواكبة الأحداث سمة العصر ، فأصبح البدو القاطنين سفوح الجبال ،وأسافل الوهاد يتابعون عبر وسائل التقنية الحديثة ما يحدث في كبار المدن وساحات الحضارة ولا يعدم كل منبر من عدد يحتاج إجابة على سؤال ، أو حكماً لحدث.
راسلني أحد الشباب في قرية نائية ليس فيها حتى الكهرباء ولا شبكة هاتفية قائلاً : (( خطيبنا يستخف بنا ، نحن نحبه ونحب خطبه ونسعد به إذا اعتلى المنبر ، لكنه يخطئ عندما يسلم المنبر لرجال لا يحسنون القراءة فضلاً عن أن يعطوننا ما نريد ونحتاج، وذلك تحت إلحاح الحياء من هؤلاء الجهلة ، ثم ختم رسالته قائلاً أريدك أن تناصح هذا الخطيب وتقول له : إننا لسنا حقل تجارب لمن يريد الخطابة وهو ليس لها بأهل )).
هذه مطالب جمهور بادية قد يحتقره الملقي وهذا أسلوبه ، فكيف بميادين المدن الكبيرة التي يضم جمهورها نخب العلم والثقافة ومسؤولي الدولة ،بل وموجهي الأمة.
أخي الخطيب خلاصة القول : اتق الله في الأمانة الملقاة على عاتقك ،واعلم أن لله حكمة في نصب ههذه المنابر لعباده فاحرص على أخذها بحقها ،وبذل الوسع فيها ، هذا كلام خرج من القلب نصيحة لله ولرسوله ولدينه وأمة الإسلام وهو موجه لي بالدرجة الأولى فأنا أحدكم والناصح حقٌ عليه البدء بنفسه والله من وراء القصد وهو حسبي ونعم الوكيل.
أخوكم / إبراهيم بن محمد الهلالي
خطيب جامع الفاروق بالبرك _ عسير
المشاهدات 3045 | التعليقات 3
بارك الله فيك و في قلمك ,,,
و أعذرني أن أتداخل في موضوعك لأهمس في أذن كل عالم أو داعية تخلى عن هذه المنابر بحجج واهية لإنشغال بطلب علم أو تورعا أو غيرها من الأعذار فإذا تخلى أولئك عن هذه المنابر فمن سيرتقي صهوة المنبر و من لها إذا ؟؟؟؟
و لكن لا يخفاكم أن أكثر الخطباء قد مر بتجارب و مواقف في بداية الخطابة و قد يخطئ و يصيب و لكن لابد من أن ينمي قدراته أو أن يترك ذلك المكان لغيره
و أما عن خطباء الوقت الحرج خطباء الأزمات فحدث و لا حرج و أنا قد كنت يوما من الأيام خطيبا اضطراريا ولكن أخذت على نفسي ألا أقبل الإنابة إلا قبل الجمعة بيومين أو أكثر إحتراما لعقول الناس الذين يجلسون أمامك و لا يحركون ساكنا ,,,,
وفقنا الله إلى كل خير ,,,
نعم :)إنه الداعية الذي لا تعوقه عوائق الكون عن القيام بواجب الدعوة أينما كان، إذا حيل بينه وبين الدعوة فكأنما أخرجت سمكاً من ماء، أو أسكنت بشراً في الصحراء، حركي كالنمل والنحل لا يعرف القرار.
الطائر الأزرق
جزاك ربي الفردوس الأعلى
بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد سكبت على أفواهنا العسلا
أجدت وأبدعت في النصح والبيان، بل هي خطبة عصماء من رجل متمرس في مجال الخطابة
وكلنا والله ذاك المقصر، نسأل الله أن يتجاوز عنا ويغفر زلاتنا
ونحن نجتهد والله المسدد
تعديل التعليق