حوار ونقاشٌ قاد فتاةً من الإلحاد إلى الإيمان, مع ذكر حياتها قبل وبعد الإلحاد.

أحمد بن ناصر الطيار
1436/09/16 - 2015/07/03 14:10PM
بسم الله الرحمن الرحيم

جاءتني مساء الاثنين, الثاني عشر من شهر رمضان, من عام ألف وأربع مائةٍ وستةٍ وثلاثين للهجرة هذه الرسالة:
السلام عليكم, يا شيخ هل أنت تُناقش الأفكار المتشككه؟!
فأجبت: عليكم السلام،، لست متخصصا بذلك. ولكن إذا دعت الحاجة ناقشتها. حمانا الله وإياكم من الشك والريب, ورزقنا اليقين ففيه العيش والنعيم.
قالت: لأنني قرأت لك قصةً مع طالب بعنوان: قصتي مع المشكك في الدين؟ فهل القصة صحيحة؟
قلت: نعم.
قالت: انظر إلى هذه الآية: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمَا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ}, الله هداني للإسلام فلماذا أضلّني وسلب مني نعمة الإسلام, بالرغم إني أحب هذه النعمة, ولستُ متكبرة, يعني الله خذلني!!, لماذا؟
فقلت: تسمحين أنْ يكون النقاش بالهاتف؟
قالت: أليس عندكم أنتم أيها المشايخ أنه لا يجوز أن تكلموا النساء؟ وصوت المرأة عروة عندكم؟
حتى لما نمر عليهم في الصلاة يقولون نجسة؛ لأنها قطعت صلاتهم!
قلت: صوت المرأة ليس بعورة, ولا حرج في حديثها للرجل عند الحاجة, وجميعُ إشكالاتك سجليها في ورقة وناقشيني عليها..

هكذا بدأت هذه الفتاةُ المتحيرة رسالتها, وكان واضحًا عليها التوتر والهجوم والحدّة.

وعندما جاء الموعد, جرى الاتصال, قلت لها: لقد بدا واضحًا عليك التوتر والهجوم والحدّة, وهكذا لمست ورأيت الذين يعيشون في حيرةٍ وقلقٍ يتصرفون كذلك؛ لأنهم يرون المجتمع مُناقضًا لهم, ويحسبون أنه هم الأذكياء, حيث لا يُمررون كل شيءٍ دون تفكير وفهم, وأما بقية الناس فهم لا يُبالون بالعقل, ويأخذون عقيدتهم عن طريق التوارث.
قالت: صدقت, هكذا كان ولا زال شعوري, ولقد ناقشت قبلك ما يُقارب عشرةً من المشايخ, فلم أجد الإجابة المقنعة عما يدور في خَلَدي, ولا أراهم يفهمون ما أقصد.
قلت: أتمنى أن تجدي عندي ما يُزيل الشك والريب من قلبك.
ولْنبدأ النقاش من الآية التي أشكلت عليك.
معنى الآية ليس هو حسب ما فهمتيه, ولكن معناها: أن الله تعالى بعدله لا يُضل أحدًا ضلالاً يُؤدّيه إلى إدخاله نار جهنم, إلا بعد أنْ يُقيم الحجة عليه.
وأما قولك: “الله هداني للإسلام فلماذا أضلّني وسلب مني نعمة الإسلام"! فاعلمي أنّ من اهتدى هدايةً صحيحة, وامتلأ قلبُه بالإيمان بقناعةٍ ويقين, لا يُمكن أنْ يتركه وينتكس, بل من انتكس فهو لم يهتد الهداية الصحيحة, بل استقام ظاهره فقط, مع صلاحٍ يسير في باطنه.
قالت: كلامك مقنع, ولكن الذي أوجد الشك في قلبي هو الاختلاف في الأحاديث, فمرةً يُصححون حديثًا, ومرةً يُضعفونه! ولو كان محفوظًا لما اضطربوا في ذلك؟
قلت: لفهم هذه الْجُزئية لابدّ من فهم كيف وصلنا القرآن الكريم.
حينما أوحى الله تعالى إلى نبينا القرآن الكريم, حفظه هو والكثير من أصحابِه في صدورهم, فلما تُوفي قام خليفتُه من بعده أبو بكر رضي الله عنه فجمعه من صدور الصحابة, وحفظه في كتاب, وهو المحفوظ إلى يومنا هذا.
ثم جعل الصحابة يُدرسون ويُقرئونه لطلابهم, والطلاب أقرؤوه لطلابهم, وهكذا إلى وقتنا الحاضر, فالقرآن نتلقاه نحن بالتواتر والسند, فأيّ حفظ له أعظم من هذا؟ وصدق الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَه لَحَـافِظُونَ}.
بل “كانت هناك مدارس متعددة في تفسير القرآن وتعليمه ، لكل مدرسة خصائصها ، ومميزاتها وأساتذتها ، وطلابها ، فكانت هناك مدرسة الحجاز ، وهي تشمل مدرستين :
مدرسة مكة ، وأستاذها الأكبر ابن عباس ، ومدرسة المدينة ، ومن أساتذتها : علي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب.
ومدرسة العراق ، وأستاذها الأكبر : ابن مسعود.
ومدرسة الشام ، ومن أساتذها من الصحابة : أبو الدراء الأنصاري الخزرجي ، وتميم الداري راهب عصره ، وعابد أهل فلسطين.
ومدرسة مصر وأستاذها الأكبر : عبد الله بن عمرو بن العاص.
ومدرسة اليمن وأستاذاها الأكبران : معاذ بن جبل ، وأبو موسى الأشعري ، إلى غير ذلك من المدارس التي انتشرت في العالم الإسلامي".
فهذا القرآنُ الذي بين أيدينا, قد حَفِظَه الأجيال جيلاً بعد جيل, بل وكلُّ عالمٍ في القراءات له سندٌ متصلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم, أخذ القرآن مُشافهةً من شيخه, وشيخُه أخذه من شيخه, وهكذا إلى أنْ يَصِلَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وأما بالنسبة لكيفيّة كتابة الأحاديث وكيف وصلتنا, فبيان ذلك بما يلي:
لقد بعث الله تعالى نبينا محمدًّا صلى الله عليه وسلم ليُعلم الناس ويُبلغهم مُراد الله تعالى, فبلغ الرسالة وأدى الأمانة كما أمره ربُّه, فلمّا تُوفي قام أصحابُه من بعده بتعليم الناس الذي لم يُشاهدوه ويصحبوه, وهم الْمُسمّون بالتابعين, فأنشأ كلّ صحابيّ حلقةً في مسجد في كل بلد, في الكوفة والبصرة والمدينة ومكة وغيرها ليُدرسوا الناس ما سمعوه وشاهدوه من رسولهم وحبيبهم صلى الله عليه وسلم.
وكان يحضر آلاف الطلاب عندهم, وكانوا يمتلكون حافظةً عجيبة, وذكاءً وقّادًا, فلمّا تُوفي الصحابةُ أو أكثرهم قاموا بتبليغ سنة الرسول للناس, فأنشؤوا الحلق الكثيرة في شتى أصقاع الأرض, فانتشرت سنة الرسول وكلامُه وسيرتُه انتشارًا عظيمًا, وقام أحد التابعين بتدوين سيرته وسيرة أصحابِه, وهو مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَسَارِ وُلود سَنَةَ ثَمَانِيْنَ, وتُوفي عام 151
قال عنه الذهبي رحمه الله: وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ بِالمَدِيْنَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَالِكٍ وَذَوِيْهِ، وَكَانَ فِي العِلْمِ بَحْراً عَجَّاجاً. ا.ه
فسيرةُ نبينا محفوظة منذ عهد التابعين.
ولم يكتف جيل التابعين وتابعيهم بهذا, بل ألفوا كتبًا خاصَّةً في السنة القولية والفعليّة, ومن أوائل من انبرى لهذا الأمر: الإِمَامُ مَالِكُ بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ المَدَنِيُّ, قال عنه الذهبي رحمه الله تعالى: هُوَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، حُجَّةُ الأُمَّةِ، إِمَامُ دَارِ الهِجْرَةِ, مَوْلِدُ مَالِكٍ عَلَى الأَصَحِّ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَامَ مَوْتِ أَنَسٍ خَادِمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ا.ه
وقد تلقى الأحاديث عن كبار التابعين, فدون ما تلقاه في كتابع الْموطأ, وهو موجودٌ ومطبوع.
فبذلك ازداد حِفظ السنة النبويّة في عهد تابعي التابعين, وهو عهدٌ قريبٌ جدًّا من عهد النبوّة.
ثم بعد ذلك جاء الكثير من العلماءُ فدّونوا الأحاديث, ولكن لم يشترطوا فيها أن تكون صحيحةً, بل وضعوا في مُصنّفاتهم ما حدّثهم به شُيُوخهم.
فجاء الإمام البخاريّ ومسلم, وهما من أكبر علماء الحديث في زمنهم, فألف كلّ واحدٍ منهما كتابًا اشترط فيه الصحة, وأن كل حديث يرويه في كتابه فهو صحيح.
وقد اشترطوا للحديث الصحيح شروطًا قويّةً عجيبة, فقالوا في تعريف الحديث الصحيح: هو الحديث الذي يرويه العدل التام الضبط ، بسند متصل ، ولا يكون شاذاً ولا معلَّلاً .
ومن هذا التعريف يمكن إجمال شروط الحديث الصحيح بما يلي :
الأول: عدالة جميع رواته, وذلك بأن يكون مشهودًا لهم بالاستقامة في السيرة والدين, التي تمنع صاحبها من اقتراف الكبائر والإصرار على الصغائر.
الثاني: تمام ضبط رواته لما يروون, وذلك بأنْ يكونوا حفَّاظًا مُتقنين
الثالث: اتصال السند من أوله إلى منتهاه ، بحيث يكون كل راوٍ قد سمع الحديث ممن فوقه .
وهو سماع كل راو من الراوي الذي يليه بإحدى الصيغ الصريحة, كـ (سمعت) أو (حدثنا) أو (أخبرنا) أو (عن) من غير مدلِّس.
وأما إذا كان الراوي مُدلّسًا فلا يقبلونه.
والمدلِّس: هو الذي أخفي عيبًا في إسناده, لكي يصير ظاهره مقبولًا.
وهذا من دقة أهل الحديث وتشدّدهم في قبول أحاديث الشيوخ.
مثال التدليس: أنَّ سفيان بن عيينة وهو أحد الرواة, حدّث مرّةً فقال: عن الزهري قال:.. ثم أكمل الحديث.
فقال له أحد طلابه الحريصين على صحة السند: سمعته أنت من الزهري؟ فقال: لا، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
فانظر كيف أسقط راويين من إسناده, وهذان الراويان ثقتان, ولكنّ المصيبة حينما يكون الذين أسقطهم أحدَ الضعفاء, فلأجل هذا حرص المحدّثون على معرفة جميع تفاصيلِ رجال الإسناد.
الرابع: سلامة الحديث من الشذوذ في سنده ومتنه ، ومعنى الشذوذ : أن يخالف الراوي من هو أرجح منه .
الخامس: سلامة الحديث من العلة في سنده ومتنه ، والعلة : سبب خفي يقدح في صحة الحديث ، يطّلع عليه الأئمة المتقنون .

فهكذا وضع هذان الإمامان وغيرُهما هذه الشروط لقبول الأحاديث, وهو يتطلب منهم جُهدًا كبيرًا في ذلك, وقد أفنوا أعمارهم في ذلك.
وقد اتفق العلماء على قبول كتابيهما, وأنهما صحيحان, بل هما أصح الكتب بعد القرآن الكريم.

فبذلك حفظ الله تعالى لنا كتابه وسنة رسوله حفظًا دقيقًا.
وما ترينه من اختلاف العلماء في بعض الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا فهي أحاديث وردت في غير الصحيحين.
وبهذا يزول الإشكال الذي ذكرتيه وهو سبب الاختلاف في الأحاديث, فمرةً يُصححون حديثًا, ومرةً يُضعفونه! ولو كان محفوظًا لما اضطربوا في ذلك؟
قالت الفتاة: كلامك مُقنعٌ, وقد زال الإشكال الذي كان يُراودني لسنواتٍ عدّة.

قلت: إنّ هذا الدين عظيمٌ, ومن عظمته أنّ كثيرًا من أعدائه دخل فيه بعد أن حاربه! فيا سبحان الله! يُحاربه ويستميت في كراهيته وتنفير الناس منه, ثم ما يلبث أنْ يدخل فيه بعد أن قرأ عنه, ورآه مُوافقًا للعقل والفطرة.
وقد أقبل الكمُّ الهائلُ من عقلاء الغرب والشرق, الْمُتَخَصِّصُون في الأديان والعقائد المعادية للإسلام, الْمُحاربون له بكلِّ ما أُوتوا من قوَّة, ما كان منهم إلا أنْ انقادوا لهذا الدين لَمَّا عرفوا حقيقته, ووقفوا على جماله وعظمته, فشهدوا بصدقه وصحته, بل وأشهروا إسلامهم أمام الملأ, مع أنهم يعلمون أنهم سيتركون مناصبهمُ الكبيرة, التي تُدرّ عليهمُ الأموال والمكانة والسمعة.
ومن هؤلاء المليونيرُ والمحامي الأمريكي: مارك شيفر, الذي أشهر إسلامه في المملكة أثناء رحلةٍ سياحية, ومَّما قاله: أشعر أني ولدت من جديد, وأن حياتي قد بدأت!.
لم يجدِ الحياةَ السعيدةَ في ظلِّ ثروته الهائلة, لكنه وجدها في هذا الدين العظيم.

ومن أشهر هؤلاء: نائب رئيس الحزب الهولندي الحاكم السابق, وأكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً وتشدداً ضد الإسلام والمسلمين، أرناود فاندورن، وقد كان يروج لأكثر الأفلام إساءة لدين الله “فيلم الفتنة"، وقوبل بحفاوة بالغة من الأوساط اليمينية المتطرفة والصهيونية والكنسية، ووزع على أوسع نطاق ممكن، وقوبل باحتجاجات كبيرة في العواصم العربية والإسلامية، وبينما كان يفكر منتجو “الفتنة" في إصدار فيلم ثاني أكثر إساءة للإسلام، إذا بأرناود فاندورن" يعلن إسلامه، ويشهد الشهادتين، بعد أن درس الإسلام بغرض الإساءة إليه فصار من أبنائه.
فلك أن تتعجبي من هذا الرجل, الذي يسكن في بلد من أغنى بلدان العالم, وله مكانةٌ مرموقةٌ في قومه وحزبه, وهو من أعقل وأذكى الناس, ويكفي أنه نائب حزبه, وأهم الشخيات القائمة على إنتاج الفلم, فما الذي دعاه أنْ يترك دينه النصراني, ويتخلى عن مكانته المرموقة, التي يعلم أنه سيخسرها إذا أشهر إسلامه؟
إنها القناعة التي وجدها في دين الإسلام, حيث قرأ الكثير عنه لغرض الرد عليه, فانبهر من تعاليمه, وتعجّب من قِيَمه, وكيف هو مُوافق للعقل والفطرة.
إنّ الضعيفَ حين يتبعُ القويّ فليس بغريب, ولكنَّ الغريبَ حين يتبعُ القويُّ الضعيفَ, وهذا لا يُمكن إلا إذا كان مع الضعيفِ سرٌّ جذب القوي إليه, والسرّ هو في تعاليم إسْلامِنَا, ومُلاءمتِه للعقل والفطرة, فالحمد لله الذي هدانا للإسلام.

قالت: هذا الكلام مُؤثرٌ جدًّا, وإسلام أمثال هؤلاء يدل على أنهم وجدوا في الإسلام الشيء الكثير.
وإني مقتنعةٌ تمامًا مِمَّا ذكرت, ولكنّ الذي لا أجد له جوابًا: أني كلّما اقتربت من الله تعالى ودعوتُه لا أجده يستجيب لي, ولا أجد سعادةً ولا رارحة بعد القرب منه, فلذا أجد ناقمةً!
قلت: السبب في ذلك أنك تدعينه تعالى تجربةً أو لمصلحة, وهذا لا يليق بك فعله مع البشر, فكيف برب البشر.
لو أنّ أحد زميلاتك لا تعرفك إلا عند الحاجة, وإذا قضيت حاجتها نسيتك, ألا تزدرينها, وترينها صديقةً للمصلحة لا للمودة والمحبة؟
قالت: بلى.
قلت: فلله المثل الأعلى, فالله يعلم منك أنك ما تقربت منه إلا لحاجةٍ ومصلحة, وإذا لم يُلب لك ما أردت حنقت وغضبت, فهو لا يرضى بهذا, بل هو غنيٌّ عنك وعنا جميعًا, قال تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}.
فالله إذا علم أنك ما دعوتيه إلا حبًّا له, سواءٌ أجاب دعوتك أم لا, رضي بذلك, وملأ قلبك سعادةً وراحةً, ورضى وطمأنينة, وما أقرب إجابته لك إذا كان هذا حالك.
وما أجمل أنْ ترجعي باللوم إلى نفسك عندما لا يُستجاب دعاؤُك, وأنها هي السبب في ذلك, قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: " إنَّ المؤمن إذا استبطأ الفرج ، وأيس منه بعدَ كثرة دعائه وتضرُّعه ، ولم يظهر عليه أثرُ الإجابة يرجع إلى نفسه باللائمة ، وقال لها : إنَّما أُتيتُ من قِبَلِكَ ، ولو كان فيك خيرٌ لأُجِبْتُ ، وهذا اللومُ أحبُّ إلى الله من كثيرٍ من الطَّاعاتِ ، فإنَّه يُوجبُ انكسار العبد لمولاه واعترافه له بأنَّه أهلٌ لما نزل به من البلاء ، وأنَّه ليس بأهلٍ لإجابة الدعاء ، فلذلك تُسرِعُ إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاء وتفريجُ الكرب ، فإنَّه تعالى عندَ المنكسرةِ قلوبهم من أجله". ا.ه
وفي الختام: اعلمي أنَّ الحياة لا تُطاق بدون الراحةِ النفسية, والراحةُ النفسيّة لا تُوجد إلا في الدين, فهو مصدر السعادة والراحة, وبقدر ما تبتعدين عنه تنقص الراحة, وتتقلّص السعادة والطمأنينة.
وصدق الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.

وفي نهاية الحوار مع الفتاة اقتنعت والحمد لله تعالى..
ونصحتُها بأنْ تقرأ القرآن بتأمل وتدبّر في هذا الشهر العظيم وأنْ تُصلي بخشوع وطُمأنينة, وأنْ تُلحّ على الله بالدعاء الصادق بأنْ يُثبتها.

ثم جاءتني هذه الرسالة بعد يومين تقول: (يا شخ, الحمد لله آمنت, واتخذت القرار: يا كفر يا إيمان, اخترت الراحة النفسيه لي ولِصِحَّتِيْ, الذي هو الإيمان والإسلام.
من الآن بإذن لله سأُخرج أفكار السموم من دماغي؛ لأن فيَّ كالوسواس من سنتين عن العقيدة, ولابدّ أنْ أُبَيِّن لله تعالى أني جالسةٌ أُجاهد في إخراجه من دماغي, وأنا قادرةٌ بإذن لله؛ لأن لا أُريد إلا الله, لا أُريد أنْ أموت عالى الكفر, أُريد أنْ أُقابل الناس الذين أحببتهم في الجنه, أُريد رُؤيَةَ الله تعالى, لا أُريد أنْ أحرم نفسي رؤيته لأجل أفكار إبليسية.
الله لا يحرمنا من لذة وجه الكريم).
بهذه الكلمات أعلنت ترك الشك والريب والانتكاسة والحمد لله.
فأجبتُها: هنيئا لك اختيار الطريق الصحيح, وأبشري بالسعادة واللذة.

ثم جاءتني هذه الرسالة منها تقول: يا شخ, كيف أثبت على الإيمان؟ لا أُريد الرجوع إلى الكفر والضلال.
فأجبتها بهذا الجواب:

إن مما يؤسف له ويندى له الجبين, انتكاس بعض المستقيمين، الذين ذاقوا حلاوة الإيمان, والسعادة والاطمئنان.
فلا إله إلا الله, ما أعظمها من مصيبة ، وما أشدها من طامة، أحدهم كان يحفظ القرآن ويحافظ على الصلوات، قلبه ليِّن, ودمعته سريعة، وفجأة ينتكس على عقبيه, باع دينه بدنياه.
ما أعظم ندامة المنتكسين يوم القيامة, وخاصة يوم الصّدود عن الحوض! وما هو هذا اليوم؟ اسمع الإجابة من نبيّك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث يقول: أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ, أي متقدمكم وسابقكم إليه, وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا, لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي, وفي رواية: فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ – أي إلى النار- فَأَقُولُ أَصْحَابِي, فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ, فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي. رواه البخاري ومسلم.

فما أشهدها من لحظة ، وما أعظمها من خسارة, يوم أن ترد على رسول الله الحوض، حوض طوله شهر, وعرضه شهر, ماؤه أبيض من اللبن, وأحلى من العسل, وعدد كيزانه كنجوم السماء، وأعظم من ذلك, هو انتظار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك, وفرحه بك, يا لها من لحظة عظيمة, وسعادة لا توازيها سعادة، يوم أن ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماله وبهائه ونوره, فتقدم عليه, وكلُّك أنسٌ وسعادة وشوق إلى لقائه, ثم تفاجأ بملائكة غلاط شداد, يمنعونك من الوصل إلى رسولك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم, فينادي عليك ويصرخ فيك حُبًّا فيك, وشوقًا إلى لقائك, ولكن يأتي الجواب: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فقد انقادوا لوساوس الشيطان, وأعرضوا عن طاعة الرحمن!

وأما أسباب الثبات على الهداية والاستقامة, فأُلخّصها بخمسة أسباب كفيلةٍ بثباتك: فأول سببٍ وأعظمُه: الدعاء الصادق بالثبات على الدين, فإذا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ! فغيرُه أحوج بالإكثار من هذا الدعاء.

والله عز وجل أخبر عن عباده المؤمنين أنهم يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}.
يدعون الله عز وجل أن يثبتهم, وألا يزيغ قلوبهم بعد أن هداها الله.
وإذا كان إبراهيم التوحيد، إبراهيمُ رسولُ الله, ونبيه وخليله يدعو الله بهذا الدعاء {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام} خاف على نفسه وأبنائه من الشرك والردّة عليه السلام , فنحن أحوجُ أن ندعوَ الله أن يجنبنا الشرك والردة والانتكاسة.
فاللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
فما أحوجني وإياك أنْ ندعو الله صباح مساء ألا يزيغ قلوبنا, وأن يثبتنا على دينه، فهاهو إبليس اللعين والشيطان الرجيم, قد أخذ العهد وعقد العزم على إغوائنا وإضلالنا {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين} يقسم بعزة الله أن يغوينا ويضلنا كلنا, ثم استثنى فقال: {إلا عبادك منهم المخلصين}, فهؤلاء لا يستطيع إغواءَهم ولا إضلالهم؛ لأن الله تعالى حاميهم وحافظهم, ثم رد الله عليه بجواب عظيم فقال: { قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}.
فياله من تهديد أكيد, ووعيد شديد, لمن سار في ركب الشيطان, وأعرض عن سبيل الرحمن.
السبب الثاني: البعدُ عن مواقع الفتن والشهوات, قال بعض السلف : مَن أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولاً : لم ينج أخيراً وإن كان جاهلاً.
نعم, مَن قلَّب مواقع الشبكةِ العنكبوتية, ومقاطع الفيديو وغيرها, ليتسلى ويبحث عن الغرائب والعجائب, فلا بد أن تظهر له صورةٌ فاتنة, ومقطعُ فاضحة, وشبهاتٌ مُضلّلةٌ, ومع الأيام يعتادُ على ذلك, ويستمرئُ هذا الشيء, ويُصاب بالفتنة وهو لا يشعر , فيصعب عليه التخلص من هذه الفتن, والشهواتِ والشبهات.
قال ابن القيم رحمه الله : فما اسْتُعين على التخلص من الشر, بمثل البعد عن أسبابه ومظانه. ا.ه كلامه
السبب الثالث: صدق النيّة في طلب الهداية والاستقامة, فالذي انتكس إنما انتكس لِأَنَّ نية الالتزام لم تكن صادقة وخالصة لله.
فعندما نصرخ فيمن لا يصلي لماذا لا تصلي؟ نحتاج أيضًا أن نوجه صرخة أخرى لمن يصلي وأنت لماذا تصلي؟
نعم لماذا تصلي؟! وأنت يا من أعفيت لحيتك لماذا أعفيتها؟
وأنت يا من قصرت ثوبك: لماذا قصرت ثوبك؟! لماذا تركت أشرطة الأغاني وأقبلت على سماع القرآن؟! لماذا خلا بيتك من الدش؟
لماذا أيتها الأخت الكريمة لبست الحجاب والغطاء ؟
فالجواب عند الكثير من الناس: هو أني فعلتُ ذلك عادةً لا عبادة.
فهو يصلي لكن لأنه نشأ في بيته يُحافظ أهلها على الصلاة فصلى معهم ، فهو لم يستحضر عظمة الصلاة ، ولا عظمة الوقوف بين يدي الله ، فلم يجد لذةَ وحلاوةَ الصلاة ، فهو يذهب للصلاة باليوم خمس مرات, لكن لا أثر لها في حياته أبداً .
فلانٌ من الناس أعفى لحيته ؛ لأن من حوله يُعفون لحاهم, فهو يستحي أن يخالفهم ، ولهذا لو قُدّر لهذا, أن يكون عمله في منطقة بعيدة, وبيئة لا يُلقي أهلها للحية بالاً, لربما وافقهم واتَّبعهم على ذلك.
فلا بد يا عباد الله, أن نستحضر الإخلاص والطاعة والعبادة, في كل عملٍ نقوم به.
فإن لم يكن كل هذا لله فإنه مردود على صاحبه ، فيضمحل ويتلاشى ويعود كأن لم يكن.
ولم تؤت هذه الأعمالُ العظيمةُ ثمارَها, من ثبات وانشراحِ صدرٍ, وبركةٍ في الوقت والمال والولد.
السبب الرابع: تلاوةُ وتدبّر القرآن, والحذرُ من هجره، ومن أنواع هجر القرآن: هجرُ تلاوته وتدبّره ، وفهم معانيه .
فالقرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى ، وهو حبلُ الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم .
نصَّ الله تعالى, على أن الغاية التي من أجلها أنزل كتابه, هي التثبيت ، فقال تعالى في معرض الرد على شُبه الكفار : {وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة ، كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً}.
فما هي أحوالك مع كتاب الله عز وجل ، كم يمر عليك من أيام ، ولم تفتح صفحة واحدة من كتاب الله ، كيف يطيب لك العيش وأنت لم تتلذذ وتستمتع بتلاوة القرآن ، يقول تعالى عن القرآن {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله} هل خشع قلبك ولو مرة واحدة في عمرك من أثر القرآن ، أيتصدع ويخشع جبلٌ ، وأنت لا يتحرك قلبك ، ولا تهتز مشاعرك من أثر هذا القرآن, فكيف لمن هذا حاله, أن يثبت عند الأزمات ، ولا تطغيه الملهيات , وقد فقد أعظم سبب للثبات حتى الممات.
السبب الخامس: اختيار الصحبة الصالحة, وقضاء الوقت معهم, والبعدُ عن الفراغ أو الصحبة السيّئة, فرفقاء السوء الذين لا يزيدونك من الله إلا بُعداً هم من أعظم أسباب الانتكاسة والردّة، فكيف يرجو الثبات والاستمرار على الاستقامة من يجالس قوماً بُغضاء عند الله ، يجترئون على محارم الله ، يُغْرونه بالشهوات ، ويحثّونه على السفر للملْهيات ، ويُثيرون الشّبه عليه لكما قابلهم أو تواصل معهم.
قال ابن القيم رحمه الله: وكم جلبت خلطة الناس من نقمة, ودفعت من نعمة, وأنزلت من محنة, وعطلت من منحة, وأحلت من رزية, وأوقعت في بلية, وهل آفة الناس إلا الناس, وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضر من قرناء السوء, لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة توجب له سعادة الأبد. ا.ه [مدارج السالكين 1/ 455]؟
وكلك ابتعدي عن الفراغ, فهو قاتلٌ, ولا يسلم الفارغ من أفكارٍ شيطانيّة, ووساوس إلحاديّةٍ أو شهوانيّة.

***

((وهذه قصة كُفْرها وسبب هدايتها بِقَلَمِها))

كنت في السابق أُحب الله تعالى كثيرًا, وأستمتع إذا سمعت أحدًا يذكر لي الله تعالى, وأُحسّ بسعادةٍ وأنس عند ذكره, وبعد دخولي للجامعة انغمست في ملذات الدنيا, ونسيت الله كثيرًا, لكنّني مستمرةٌ في صلاتي, لكن أُأَخِّرها عن وقتها, وفي آخر سنةٍ لي في الجامعة تبت إلى الله عز وجلّ من كل الذنوب, ومن أيّ أمرٍ يُغضبه, وجاهدتّ نفسي كي أُرضيه.
ثم تخرَّجْتُ من الجامعة, ودخلت تحفيظ قرآن.
ثم جائت الطامّة والمصيبة, حينما حمَّلت برنامجًا في جوالي- ويا ليتني ما حملته- كان في بالي أنْ أُحَمِّلَهُ كي أَستفيد منه في الدين, وهذا البرنامج عبارةٌ عن غرفٍ, ودخلت أحد الغرف الملحدة, وكنت لا أتصور ولا أتخيل أنهم سَيُؤَثِّرون علي وعلى عقيدتي بربّي.
وكانت الطامةُ أنّي انْهَزَمْتُ أمامهم, وبَدَأتْ تُراودني الشكوك- كيف وكيف وهل صحيح.. وإلى ما لا نهاية من الأسئلة الْمُشككة الْمُضلّلة والْمُحيّرة.
لقد ضعف إيماني جدًّا, كنت لا أنام الليل تمامًا بسبب هذه الأفكار, تغيَّرتْ علاقتي مع الناس وأهلي وأمي وأبي, أصبحت أُنفس غضبي عليهم, وهو أمرٌ لا أستطيع التحكم فيه, كانت نفسيّتي مُنحطّة, قلت في نفسي: لماذا يحدث هذا لي؟؟ فأَجهشُ بالبكاء.
صرختُ وقلت: يا رب لا تتركني, أنا أُحبك, وأُريد أن أسجد لك يوم تَكشف عن الساق.
ابْتعدتّ عن الناس في حالة اختلاء مع النفس, وكل ما ابْتعدت عنهم ازدادت الوساوس, فعلمتُ بأنّ الفراغ لا يُناسبني.
ومضت أيامٌ تعذبت فيها, ثم قلت: سأذهب إلى دار تحفيظ القرآن, لعلي أجد رفقةً صالحةً تنتشلني من هذه الشكوك القاتلة, ولعلي أقرأ القرآن والتفسير لترجع لي عقيدتي الصافية التي ضاعت! وفعلاً الْتحقت بالدار, ولكن بدون جدوى.
مضت الأيام الطويلةُ وأنا على هذا الحال, فتعبت وتعبت حتى أصبحت أذهب لطبيبٍ نفسيٍّ, حيث جال في خاطري أنّ حلّ بي قد يكون بسبب نقص فيتاميناتٍ سَبَّبَتْ لي هذه الوساوس, فذهبت إليه, وأخذت الحبوب والنصائح, ولكن دون جدوى, لم أستفدْ من هذه العلاجات.
وبعد هذه التجربة الفاشلة قرّرت الذهاب إلى قارئ, فقد أكون أُصيتُ بعينٍ أو مسٍّ أو سحرٍ, سَبَّبَ لي هذه الوساوس؛ لأنّي كنت أدخل من سؤال مُشكك إلى سؤالٍ مُشكك آخر! وأنا لم أقرأ ولم وأطّلع على مواقع الملحدين, فتأيني أفكار جديدةٌ علي, فكدّت أُجنّ: ما هذا اللي يحصل لي, كنت على وشك الجنون, حتَّىَ شاب شعر رأسي وأنا لازلتُ صغيرةً في العمر- في العشرينات-.
فوالله لقد هزلت أكثر, وأصبحتُ أحسد أيَّ شخصٍ مُؤْمنٍ, حتى إني كنت أحسد الخادمة بسبب إيمانها.
فتهورت حالتي حتى تركت دار التحفيظ, فازْدادت علي الوساوس, فقلت: لابدّ أنْ أملأ فراغي, فقد أيْقنت أنَّ الفراغ سببٌ رئيسيٌّ لكثرة وساوس, فسعيت في الوظيفة حتى توظفت معلمةً في مدرسةٍ خاصةٍ, ولكن ما لبثتُ فصلاً واحدًا حتى تركت وظيفتي!!
وبعد تركي للوظيفة بِمُدّةٍ قرّرت أنْ أبحث عن شخصٍ يجيب عن أسئلتي, فذهبت إلى موقع التواصل (تويتر) فوجدّت الكثير من المشايخ الذين يردُّون على الشبهات, فأسْتَمِعُ إلى رُدودِهم ونقاشهم, فسُررت لأني سأُصيح مؤمنة, لكن كان كلامهم لي مجرد جرعةٍ وتزول بعد الانتهاء في النقاش, فكنت أبكي من الألم, وشوقًا لأن أكون مسلمةً فحياتي في ضيق واكتئاب, كرهتُ نفسي! وكرهتُ الناس!
كنتُ أتساءلُ وأقول: لو مِتُّ وظهر أنَّ القرآن حقٌّ, والرسول حقٌّ, وتبيّن أنه يوجد قيامةٌ, من سيعصمني من عذاب الله تعالى؟
أمضيتُ سنتين كاملتين وأنا متعذبةٌ بالأفكار الإلحاديّة, ولكن لم أيأس! فقد رجعت إلى مشايخ آخرين لِمُناقشتهم, كي يُقنعوني ويُرجعون لي إيماني ويُخرجون من قلبي تلك الشبهات التي كادت تُقطع نِياط قلبي, فناقشت أحدهم, ولكن نفس الأول: جرعة وتنتهي!
أحسست- والعياذ بالله- أنّ الله يكرهني, وأنه ليس براضٍ أن أكون مسلمة! حتى -وأعوذ بالله- شعرت بكرهٍ له تعالى, لِمَاذا تفعل بي كلّ هذا؟ أنت سببُ كفري! لقد جاهدتّ سنتين ولم أر الهداية! حتى تلفظت بألفاظ وعبارات كفرية أشد وأفظع!
لكن بعدها بساعات أذهب إلى غرفتي لوحدي فأبكي وأقول: يا رب أنا أحبك, وأنت تعلم أنّ هذا الكلام ليس من قلبي.
وبالرغم من هذه الأفكار الإلحاديّة كنت أُجاهد نفسي وأُصلي وأصوم وأحج, ولكن بدون لذة.
فدخلت موقع التواصل (تويتر) كثيرًا, وأقرأ عن الرد على الشبهات, حتى عثرتُ على مقالٍ للشيخ أحمد الطيار مع طالبٍ في المرحلةِ الثانوية, كأني اقرأ أسئلةَ الطالب اللتي يسألها للشيخ, وأقرأ رد الشيخ, ففرحتُ كثيرًا وشعرتُ بارتياح, فبحثتُ عن رقم الشيخ من نفس المقال؛ لأنّ عندي أسئلةً أُخرى, فاتّصلتُ عليه ورَدّ بصدر رحب, وذكرت له كل ما أشكل علي وأجاب عليه, فأراحني كثيرًا والحمد لله, وكأني قد وُلدّت من جديد.
وسألني بعد الأخذ والردّ أنْ أُسلم, فقلت له: أمهلني أُسبوعين, حتى أتأكد من قلبي, فقررت خلال يومين أن أُسلم, وقلت: لقد قامت علي الحجة, فلابد أن أُقرّر الآن: يا إيمان أو إلحاد! فما هو إلا أنْ أعلنت إسلامي للشيخ:

[أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله]

شعرت بعدها أني وُلدتّ من جديد, وسجلت تاريخ إسلامي منذ نطقي بالشهادة.
الإلحاد والله ضياعٌ, فالْمُلْحِدُ كأنه بهيمة, يسير بدون هدف, ودون خوف من الموت.
فكرّت كثيرًا: الله تعالى خلقنا لهدف, ليس عبثًا, ومردُّنا إلى الله.
كانت تَمُرُّ علي ليالي أبكي من الهموم, لم يكن أحدٌ يعلم بإلحادي إلا والدي, ناداني مرّةً, فلما جئت إليه قال لي بحرقةٍ وألم: يا ابنتي, لا أُريد أن ندخل الجنة جميعًا وتدخلي أنت في النار!!
يا الله!! أبكتني هذه الكلمة دمًا بدل الدمع, فأنا مُتَعلقةٌ بأهلي, ولا أُطيق فِرَاقهم, وأريد أن أراهم في الدنيا والآخره.
وأقول أخيرًا: الإيمان راحة بال, وتعرف به هدفك في الحياة, ولك قيمتك كمسلم, أنا الآن أحس بدنيا جديدة, الحمد لله, أنا مع الله, ادعوا لي بالثبات.

***

وفي نهاية هذه القصة الطويلة مع هذه الفتاة التي عاشت مرارة الحيرة والشك والإلحاد, ثم ذاقت حلاوة الإيمان, والطُمأنينة والسعادةَ والراحة في ظل العقيدة الصحيحة, والفطرة السوية, هي رسالةٌ لكلّ عاقلٍ ألا ينجرف وراء المواقع المشبوهة, والأفكار الْمُضلِّلة.
إنّ الإيمان هو أول وأهم أسباب استقرار النفس البشرية, وبدونه لا تُطبق النفس المكث في البدن, فإذا لم يقم صاحبها بإشغالها باللذات الدنيويّة, من خمر وسفر وضحك, وإلا فسوف تدعوه إلى الانتحار, كما فعل آلاف الحيارى أمثالُه.
وهذه القصة ذكرتُها دون زيادة أو نقصان, سوى بعض الشواهد التي ذكرتها لها, فأثبتها من مصادرها, وقمتُ بنقل كلامها من العاميّة إلى العربية.



أحمد بن ناصر الطيار
إمام وخطيب جامع/
عبد الله بن نوفل بالزلفي
البريد الإلكتروني:
[email protected]
رقم الجوال: 0503421866
المشاهدات 1217 | التعليقات 0