حنان الأم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده، سبحانه وبحمده نشر في الخلق فضله، وبسط فيهم في الجود يده، وكتب على نفسه لعباده الرحمة، نشهد أن لا إله إلا الله العظيم الكريم الجواد البر الرحيم، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله سيد البشر أجمعين، ورسوله إلى الخلق صلوات ربي وسلامه عليك يا سول الله، صلوات ربي وسلامه عليك وعلى آلك وأصحابك وأتباعك ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) نستغفر الله ونتوب إليه، ونسأله في هذه الساعة العظيمة من يوم الجمعة أن يجعلنا مما قال فيهم في كتابه العظيم ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) اللهم أجعلنا من عبادك المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
إخوة الإيمان والعقيدة ... خرج أحد الشباب ذات ليلة مع زوجته لتناول وجبة العشاء في أحد المطاعم، ولم ينس أمه، فخرجت الأم معهما وكانت الفرحة تكاد تملؤها . وفي لحظة من الفرح المرونق بالحنان، قالت الأم : ترى الأسبوع الجاي عشاكم علي في هذا المطعم. ثم سألت ابنها عن تكلفة العشاء !! فقال ابنها : 150 ريال. وبعد أربعة أيام تعبت الأم، ولم يمهلها القدر فتوفيت في اليوم الخامس. يقول الشاب : بعد مدّة من وفاتها وجدنا تحت مخدّة سريرها ( 150 ) ريال ملفوفة بقرطاس مكتوب عليه ( فلوس عشاء محمد وأهله ).
يا عباد الله ... ادخلوا السرور على قلوبهم، قبل أن يدخلوا في جوف قبورهم.
إنها الأم الجوهرة الغالية. نعم إنها الأم نذكر بحقها سواء كانت حية أو ميتة ،إنها الأم .. وما أدراك ما الأم، إنها إحساس ظريف، وهمس لطيف .. وشعور نازف بدمع جارف.. الأم, كنز مفقود لأصحاب العقوق، وكنز موجود لأهل البر والودود، الأم .. تبقي كما هي في حياتها وبعد موتها. وفي صغرها وكبرها. فهي عطر يفوح شذاه، وعبير يسمو في علاه، وزهر يشم رائحته الأبناء، وأريج يتلألأ في وجوه الآباء.
الأم دفء وحنان، وجمال وأمان، ومحبه ومودة، ورحمه وألفه، وأعجوبة ومدرسة.
الأم شخصية ذات قيم ومبادئ، وعلو وهمم. هي المربية الحقيقية لتلك الأجيال الناشئة.
الأم مدرسه إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم .. هي قسيمه الحياة، وموطن الشكوى، وعماد الأمر، وعتاد البيت، ومهبط النجاة.
الأم .. آية الله ومنته ورحمته لقوم يتفكرون.
الأم .. صفاء القلب ونقاء السريرة .. ووفاء وولاء .. وحنان وإحسان، وتسليه وتأسيه، وغياث المكروب ونجده المنكوب
الأم .. كوكب مضي ء بذاته، يسمو في صورته وسماته .. وأجمل بلسما في صفاته ولها منظرا أحلى من نبراته. ونفس زكيه طاهرة بصلاته، وجسما غريباً يبهر في حجابه. وعيوناً تذرف الحب بزكاته، جدها عبرة ومزحها نزهة. نخلة عذبة، وشجرة طيبة، ومخزن الودائع، ومنبع الصنائع.
الأم .. نعم الجليس وخير الأنيس، ونعم القرين في دار الغربة، ونعم الحنين في ساعة القربة ، قال عيسى عليه السلام ( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ) جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال ثم من؟ قال: (أمك)، قال ثم من؟ قال: (أمك)، قال ثم من؟ قال ( أبوك).
جعل الرسول عليه الصلاة والسلام للأم ثلاثة حقوق،لأنها صبرت على المشقة والتعب، ولاقت من الصعوبات في الحمل والوضع والفصال والرضاع والحضانة والتربية الخاصة، ما لم يفعله الأب وجعل للأب حقاً واحداً مقابل نفقته وتربيته وتعليمه وما يتصل بذلك.
العَيْـشُ مَاضٍ فَأَكْـرِمْ وَالِدَيْـكَ بِـهِ والأُمُّ أَوْلَـى بِـإِكْـرَامٍ وَإِحْـسَـانِ
وَحَسْبُهَا الحَمْـلُ وَالإِرْضَـاعُ تُدْمِنُـهُ أَمْـرَانِ بِالفَضْـلِ نَـالاَ كُلَّ إِنْسَـانِ
يا عبد الله ... الزم أمك فإن الجنة تحت رجليها. واخضع لأمك وأرضها فعقوقها إحدى الكبر. ليس في العالم وِسَادَةٌ أنعم من حضن الأم
ماذا أهديك يا زهرة البستان يا حبًا ًتغلغل في عمق وجداني
يا من اختارك الله لي أمًا تمضي الليالي الساهرة ترعاني
رجاءً يا أمي أخبريني عن هدية تليق بما بادرت به من تفان
محبوبة أنت بين النساء جميعًا فكلماتك نور يسري في كياني
لو كنت أملك الدنيا وما فيها لكانت تلك هديتي بكل امتنان
لكني لا أملك سوى قلب بسيط يحمل لك كثيرًا من العرفان
أهديه إليك في يومك الحالي نابضًا بالصدق مع أحلى الأماني
أسأل الله أن يغفر لوالدينا ويرحمهما كما ربيانا صغارا
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
معاشر المؤمنين ... هل أتاك نبأ أويس بن عامر القرني؟ ذاك رجل أنبأ النبي بظهوره، وكشف عن سناء منزلته عند الله ورسوله، وأمر البررة الأخيار من آله وصحابته بالتماس دعوته وابتغاء القربى إلى الله بها، وما كانت آيته إلا بره بأمه، كان عمر إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم، أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس بن عامر فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد؟ قال: نعم، قال: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله يقول ( يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن، كان به أثر برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدةٌ هو بارٌ بها، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ) فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد ؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي.
وعن أصبغ بن زيد، قال: إنما منع أويساً أن يَقدم على النبي برّه بأمه.
ولما علم سلفنا الصالح بعظم حق الأم، قاموا بها حق قيام. فهذا محمد بن سيرين إذا كلم أمه كأنه يتضرع. وقال ابن عوف: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئاً؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.
وهذا أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهم كان من سادات التابعين، وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.
وهذا حيوة بن شريح، وهو أحد أئمة المسلمين والعلماء المشهورين، يقعد في حلقته يعلم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم يا حيوة فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
هذه بعض نماذج بر السلف لأمهاتهم، فما بال شبابنا اليوم يقصرون في بر الوالدين، وربما عق أحدهم والديه من أجل إرضاء صديق له، أو أبكى والديه وأغضبهما (وهذا من أشد العقوق) من أجل سفر هنا أو هناك أو متعة هنا أو هناك.
أوصيكم يا معشر الأبناء جميعاً ونفسي ببر الوالدين، وأن نسعى لإرضائهما وإسعادهما في هذه الدنيا، أسألك بالله يا أخي ماذا تريد منك الأم إلا كلمة حانية، وعبارة صافية، تحمل في طياتها الحب والإجلال.
اللهم إنا نسألك أن تعيننا جميعاً على بر والدينا، اللهم قد قصرنا في ذلك وأخطأنا في حقهما، اللهم فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسرفنا وما أعلنا، واملأ قلبيهما بمحبتنا، وألسنتهما بالدعاء لنا، يا ذا الجلال والإكرام
المشاهدات 939 | التعليقات 0