حماية البيئة في الإسلام

محمد ابراهيم السبر
1445/06/19 - 2024/01/01 22:47PM

خطبة: حماية البيئة في الإسلام

الحمد لله، وهو بالحمد جدير، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه وأشكره أعطى الجزيل ومنح الوفير، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن الشبيه والنظير، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَنْ تبعهم بإحسان، ومَنْ على نهج الحق يسير، وسلم التسليم الكثير.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا -رحمكم الله- أن الله خلق الخلق وأسكنهم الأرض ليعمروها بعبادته وطاعته، وجعل ما على الأرض زينة لها ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فالدنيا بكل ما فيها هي ميدان عمل ومدرجة للدار للآخرة.

عباد الله: الإسلام دين الإيمان والقيم الإنسانية الرفيعة، وفي مقدمتها المحافظة على البيئة، وعدم تلويث محيطها الحسي والمعنوي بأي آثار ضارة، والمحافظة على البيئة جزءٌ من إيمان الفرد المسلم، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»، متفق عليه، بل جعل ذلك من أبواب الصدقات، قال -صلى الله عليه وسلم-: «وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» رواه مسلم، والقاعدة الشرعية تقول:" لا ضرر ولا ضرار".

وفي جانب العبادات حث الإسلام على النظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية، فمفتاحُ الصلاة الطُّهور، والطهارة من شروط الصلاة، ولا تتم إلا بوجود ماء طهور لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته، فإن يجد فالصعيد الطيب طهوره، والغسل والاستحمام لا يتم إلا عند توفر ماء طهور نقي من التلوث وكدر الأوساخ.

والبقعة التي يصلي عليها المسلم لابد أن تكون نظيفة، فإذا تلوثت الأرض فإن الصلاة لا تصح عليها، قال -صلى الله عليه وسلم-: «وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ» متفق عليه.

والمساجد بيوت الله، ودور العبادة والعلم، واجبٌ صيانتها وتطهيرها معنى وحساً، قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾] الحج:26.[ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أَمَر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بِبناء المساجد في الدُّورِ، وأن تُنظَّف، وتُطيَّب». رواه أبو داود.

وزجرَ -عليه الصلاة والسلام- عن ارتياد المساجد بما فيه رائحةٌ تُؤذِي؛ فقال: «من أكلَ ثومًا أو بصلاً فليعتزِلنا، أو ليعتزِل مسجِدنا وليقعُد في بيته». متفق عليه، وقال: «البصاق في المسجد خَطيئة، وكفَّارتها دفنها». متفق عليه.

ولمكافحة التلوث البيئي، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَبُولَنَّ أحَدُكم في الماء الدَّائِم الذي لا يجْرِي، ثمَّ يَغتَسِل مِنه»، وفي رواية: «لا يغتسل أحدكُم في الماء الدَّائم وهو جُنُب». متفق عليه.

وهذا يدل على كمال الشريعة الإسلاميَّة وسمُّوها، من حيث النظافة والنَّزاهة، وبُعْدُهَا عن القَذارة والوسَاخة، وتحذيرُها عمَّا يَضُرُّ النَّاس في أبْدَانِهم وأديانهم وأخلاقهم.

ومن محاسن الشريعة النهي عن البول في طرق الناس أو ظلهم قال -صلى الله عليه وسلم-: «اتقوا اللَّعَّانَيْن»، قالوا: وما اللَّعَّانَانِ يا رسول الله؟ قال: «الذي يَتَخَلَّى في طريق الناس، أو في ظِلِّهم». رواه مسلم. ويقاس عليه كلُّ ما يحتاج إليه النَّاس من النَّوادي والأفْنِيةِ، والحدائقِ والمَيادينِ العامَّة، ممَّا يرتاده الناس، ويجتمعون فيه، ويَرْتَفِقُون به.

ومما ينبغي على المسلم حين التنزه والخروج للبراري الحرص غاية الحرص على نظافة المكان، وتركه كما كان أو أحسنَ مما كان قدر الإمكان، وهذا مما جاء به الشرع وحث عليه.

ومن المحافظة على البيئة، المحافظة على الأشجار والنباتات، وتجنب تلويث الحدائق والمنتزهات، ببقايا الأطعمة والنفايات، والمخلفات البلاستيكية والزجاجية، التي تضر بالإنسان والنبات والحيوان، وكذلك البعد عن الاحتطاب والرعي الجائر، كما يلاحظ عدم إشعال النار إلا في الأماكن المسموح بها، وإطفاؤها ليلاً عند النوم، وعند مغادرة المكان.

ومما ينبغي التنبه له أثناء الذهاب للمتنزهات البرية أن يكون قائد المركبة على يقظة وتؤدة وسكينة، مع الابتعاد عن مجاري السيول، وبطون الأودية والشعاب، فإن بعض قائدي المركبات -هداهم الله- قد يجازف فيخوض بمركبته الأودية أثناء جريانها، وهذا تعريض للنفوس والأموال إلى التهلكة والتلف، فكم فقدت بهذا الصنيع من نفوس، وفقد من عزيز.

فاحذروا - حفظكم الله - مواقع الخطر، والتزموا بما يصدر من الجهات المختصة من التعليمات المنظمة للصيد والرعي والاحتطاب وعدم الاعتداء على المحميات الطبيعية، والتقيد بما يحقق الغاية الشرعية في المحافظة على الغطاء النباتي والحياة الفطرية.

أيها المسلمون: إن الله جعل الإنسان خليفة في الأرض، وهذا يعني أن الإنسان مسؤول ووصي على الأرض، وليس مالكاً لها يتصرف فيها بأنانية ويدمرها من أجل مصالحه الذاتية، وهذا يفرض عليه أن يتصرف فيها تصرف الأمين والمسؤول عنها، باستثمار خيراتها، وأن يتعامل معها برفق وأسلوب رشيد من أجل مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة.

المحافظة على البيئة مسؤولية مشتركة تقلل من الآثار السلبيَّة للتنمية الصناعيَّة، وتحقِّق التنمية المستدامة، ولترسيخ ذلك ينبغي تشجيع المبادرات الاجتماعية فيما يتعلق بالعناية بالمساجد، والمرافق العامة، وتثقيف النشء والمجتمع بذلك، فحماية البيئة تدلُّ على حضارة الأمَّة ورقيِّها.

حافظوا على بيئتكم ومرافقها العامة؛ ففي نظافتها ونقائها طيبة النفوس، وسلامة الأجساد من العلل، والغرس والزرع يزيد البيئة نضارة وجمالاً ويخفف من غلواء التلوث؛ كما أرشد نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة». متفق عليه.

فاستكثروا – رحمكم الله - من الصدقات الجارية بعد الممات.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا بلا إله إلا الله فإنها العروة الوثقى، واعلموا أن أحسن الحديث كتابُ الله، وخير الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة.

اللهم صل وسلم على سيد الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن بقية العشرة، وأصحاب الشجرة، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحب وترضى.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 972 | التعليقات 0