حكاية البذور التي نبتت //هناء الحمراني
احمد ابوبكر
1435/08/13 - 2014/06/11 02:18AM
بعد انتهائي من إلقاء كلمة على طالبات مدرستي حول الاستعداد لرمضان وضرورة البدء من الآن وليس غدا...تركتهن في فناء المدرسة ودخلت لإكمال أعمالي..أتتني المديرة بعد ما يقارب نصف ساعة وهي غاضبة من لعب الطالبات بالماء وقالت:"انظري كيف ذهبت كلماتك أدراج الرياح..وكأنك لم تقولي شيئا"
لم تكن المرة الأولى التي أسمع فيها مثل هذه الجملة..ولن تكون بالتأكيد المرة الأخيرة..ولئن قالتها بلهجة اليائس المحبط..فقد سمعتها مرارا بلهجة الساخر المتهكم الذي يرى أنني أضيع وقتي وأوقات الآخرين فيما لا فائدة فيه..
عقدان ونصف عقد من الزمان عبر أمامي وهي تلقي بعبارتها تلك..وعادت بي إلى الصف الأول الابتدائي..يوم طلبت منا معلمة الصف أن نحضر حوضا ونزرع فيه بعض البذور..كم عانيت حتى استطعت الحصول على الحوض..وكم تألمت وأنا أرى بذور زميلاتي تتفتق عن حياة..بينما بذوري التصقت بالحوض لتحكي تفاصيل دورة حياة العفن بدلا من دورة حياة نبتة!
مضت سنوات عديدة والذكرى تتكرر أمام كل درس عن النباتات..أو في كل نشاط حول الزراعة أوعند رؤية طالبات الصف الأول الابتدائي وهن يحملن الأحواض الصغيرة التي تتهادى فيها نباتاتهن الخجولة..
وفي الوقت ذاته..كنت أشعر بأن حقولا من المعرفة والتجارب والخبرات ينمو في داخلي..أشجار من اليقين والتفاؤل والإصرار تمد جذورها إلى كل شريان يرتبط بقلبي..حقول صنعتها أمي..وأخرى صنعها أبي..وحدائق زرعها إخوتي وأخواتي..وأخرى تركتها في نفسي صديقات عزيزات ما استطاع الزمان أن يمحو ذكراهن من أعمالي.. ومعلمات..وداعيات..كتاب وكاتبات.. أشخاص مجهولون عبروا بتغريدة..أو كلمة صادقة..ولربما أعداء أرادوا قتل قلبي فأحيوه بالمواعظ والعبر..تلميذات علموني قبل أن أعلمهن..زميلات غمرنني بكريم أخلاقهن..ومع كل تعامل جميل..تنمو زهرة جديدة..
لقد أصبحت أرى روحي عالما أخضر.ولم تعد تلك البذور المتعفنة ذكرى سيئة في حياتي..بل إنني لأتساءل..يا ترى..هل استطاعت أن تقاوم صعوبات الحياة وتحيا مثلما استطعت أنا..أم أنها باتت ذات ليلة طعاما للنمل..أو أنها ربما تحللت لتعود مجددا إلى التراب..
أصبح كل عمل أقوم به ذا قيمة..لأنني أدركت أن كل عمل قام به الآخرون تجاهي كان ولا يزال ذا قيمة..فلماذا لا يصبح كذلك بالنسبة لغيري..
في تلك الجموع التي ألقيت عليها كلمتي بقلب محب..حتما هناك من أنصتت..وفتحت قلبها لتحتضن بذرة ألقيتها..ولعل أخرى احتضنت بذرة أخرى ولكن لم يئن الأوان لكي تنمو وتصنع أثرها في نفس صاحبتها...ولعل ثالثة أنصتت وهي تهيئ في قلبها مكانا صالحا ولكن..لعلي لم أقم إلا بإصلاح التربة لكي تستقبل بذرة جديدة في يوم ما..
نحن لا ننصح على شرط القبول..ولا نيأس بمجرد رؤية عكس ما نقول..لأننا لو كنا كذلك..لأنكرنا كل جهد بذله الآخرون لكي نتغير نحن إلى الأفضل..
ولأنكرنا قصص الأنبياء..ومعاناة الدعاة..وحكايا الأبطال..الذين غيروا مجتمعاتهم بالفكر والعلم والكلمة الطيبة..والأخلاق الحسنة..
يسألونني عن سر تفاؤلي..وعن سر إصراري..وعن سر ابتسامتي رغم كل الظروف..فأقول لكم..هذا هو الجواب..
ولعلكم تسألونني عن ردي على المديرة العزيزة التي قالت ما قالته في غمرة إحساسها بالإحباط..فأقول لكم:ابتسمت..وكتبت هذه المقالة بعد شهور من الانقطاع..
لم تكن المرة الأولى التي أسمع فيها مثل هذه الجملة..ولن تكون بالتأكيد المرة الأخيرة..ولئن قالتها بلهجة اليائس المحبط..فقد سمعتها مرارا بلهجة الساخر المتهكم الذي يرى أنني أضيع وقتي وأوقات الآخرين فيما لا فائدة فيه..
عقدان ونصف عقد من الزمان عبر أمامي وهي تلقي بعبارتها تلك..وعادت بي إلى الصف الأول الابتدائي..يوم طلبت منا معلمة الصف أن نحضر حوضا ونزرع فيه بعض البذور..كم عانيت حتى استطعت الحصول على الحوض..وكم تألمت وأنا أرى بذور زميلاتي تتفتق عن حياة..بينما بذوري التصقت بالحوض لتحكي تفاصيل دورة حياة العفن بدلا من دورة حياة نبتة!
مضت سنوات عديدة والذكرى تتكرر أمام كل درس عن النباتات..أو في كل نشاط حول الزراعة أوعند رؤية طالبات الصف الأول الابتدائي وهن يحملن الأحواض الصغيرة التي تتهادى فيها نباتاتهن الخجولة..
وفي الوقت ذاته..كنت أشعر بأن حقولا من المعرفة والتجارب والخبرات ينمو في داخلي..أشجار من اليقين والتفاؤل والإصرار تمد جذورها إلى كل شريان يرتبط بقلبي..حقول صنعتها أمي..وأخرى صنعها أبي..وحدائق زرعها إخوتي وأخواتي..وأخرى تركتها في نفسي صديقات عزيزات ما استطاع الزمان أن يمحو ذكراهن من أعمالي.. ومعلمات..وداعيات..كتاب وكاتبات.. أشخاص مجهولون عبروا بتغريدة..أو كلمة صادقة..ولربما أعداء أرادوا قتل قلبي فأحيوه بالمواعظ والعبر..تلميذات علموني قبل أن أعلمهن..زميلات غمرنني بكريم أخلاقهن..ومع كل تعامل جميل..تنمو زهرة جديدة..
لقد أصبحت أرى روحي عالما أخضر.ولم تعد تلك البذور المتعفنة ذكرى سيئة في حياتي..بل إنني لأتساءل..يا ترى..هل استطاعت أن تقاوم صعوبات الحياة وتحيا مثلما استطعت أنا..أم أنها باتت ذات ليلة طعاما للنمل..أو أنها ربما تحللت لتعود مجددا إلى التراب..
أصبح كل عمل أقوم به ذا قيمة..لأنني أدركت أن كل عمل قام به الآخرون تجاهي كان ولا يزال ذا قيمة..فلماذا لا يصبح كذلك بالنسبة لغيري..
في تلك الجموع التي ألقيت عليها كلمتي بقلب محب..حتما هناك من أنصتت..وفتحت قلبها لتحتضن بذرة ألقيتها..ولعل أخرى احتضنت بذرة أخرى ولكن لم يئن الأوان لكي تنمو وتصنع أثرها في نفس صاحبتها...ولعل ثالثة أنصتت وهي تهيئ في قلبها مكانا صالحا ولكن..لعلي لم أقم إلا بإصلاح التربة لكي تستقبل بذرة جديدة في يوم ما..
نحن لا ننصح على شرط القبول..ولا نيأس بمجرد رؤية عكس ما نقول..لأننا لو كنا كذلك..لأنكرنا كل جهد بذله الآخرون لكي نتغير نحن إلى الأفضل..
ولأنكرنا قصص الأنبياء..ومعاناة الدعاة..وحكايا الأبطال..الذين غيروا مجتمعاتهم بالفكر والعلم والكلمة الطيبة..والأخلاق الحسنة..
يسألونني عن سر تفاؤلي..وعن سر إصراري..وعن سر ابتسامتي رغم كل الظروف..فأقول لكم..هذا هو الجواب..
ولعلكم تسألونني عن ردي على المديرة العزيزة التي قالت ما قالته في غمرة إحساسها بالإحباط..فأقول لكم:ابتسمت..وكتبت هذه المقالة بعد شهور من الانقطاع..