حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ 4 ( وَإِذَا عَطَسَ ... )
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ) وَذَكَـرَ مِنْهَا: ( وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ ).
العُطَاسُ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَمَّا كَانَ الْعَاطِسُ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ بِالْعُطَاسِ نِعْمَةٌ وَمَنْفَعَةٌ بِخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي دِمَاغِهِ الَّتِي لَوْ بَقِيَتْ فِيهِ أَحْدَثَتْ لَهُ أَدْوَاءً عَسِرَةً، شُرِعَ لَهُ حَمْدُ اللهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ مَعَ بَقَاءِ أَعْضَائِهِ عَلَى الْتِئَامِهَا وَهَيْئَتِهَا بَعْدَ هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ الَّتِي هِيَ لِلْبَدَنِ كَزَلْزَلَةِ الْأَرْضِ لَهَا... الخ.
وَيَقُولُ بنُ أَبِي جَمْرَةَ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى الْعَاطِسِ؛ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِمَّا رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ فَضْلِ اللهِ عَلَى عَبْدِهِ فَإِنَّهُ أَذْهَبَ عَنهُ الضَّرَر بِنِعْمَةِ الْعُطَاسِ، ثُمَّ شَرَعَ لَهُ الْحَمْدَ الَّذِي يُثَابُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الدُّعَاءَ بِالْخَيْرِ بَعْدَ الدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ، وَشَرَعَ هَذِهِ النِّعَمَ الْمُتَوَالِيَاتِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَضْلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا... الخ
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَينَا بِالعُطَاسِ: مَا يَحْصُلُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ مِنَ المَوَدَّةِ وَالتَّآلُفِ وَالتَّرَابُطِ، وَتَبَادُلِهِمْ الدَّعَوَاتِ الطَّيِّبَة؛ هَذَا يَحْمَدُ اللهَ، وَصَاحِبُهُ يَدْعُو لَهُ بِالرَّحْمَةِ، ثُمَّ يَرُدُّ هُوَ بِدُعَاءٍ آخَرَ لِصَاحِبِهِ أنْ يَهْدِيَهُ اللهُ وَيُصْلِحَ حَالَهُ وَشَأنَهُ.
وَفِي حَمْدِ اللهِ عِنْدَ العُطَاسِ: بَيَانٌ لِحَاجَةِ المُسْلِمِ فِي كُلِّ أحْوَالِهِ إلَى اللهِ تَعَالَى، وَإلَى لُزُومِ ذِكْرِهِ جَلَّ وَعَلَا.
يَذْكُرُ رَبَّهُ فِي صَبَاحِهِ وَمَسَائِهِ، عِنْدَ نَوْمِهِ وَاسْتِيقَاظِهِ، فِي إقَامَتِهِ وَفِي سَفَرِهِ، عِنْدَ أكْلِهِ وَشُرْبِهِ، إذَا بَدَأ أكْلَهُ ذَكَرَ اللهَ، وَإِذَا انْتَهَى ذَكَرَ اللهَ، وَهَكَذَا إِذَا عَطَسَ ذَكَرَ اللهَ، بَلْ حَتَّى عِنْدَ دُخُولِهِ الخَلَاءَ وَخُرُوجِهِ شُرِعَ لَهُ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى.
وَلْيُبْشِرْ مَنْ كَانَ مُكْثِراً مِنْ ذِكْرِ اللهِ: { وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } الأحزاب 35
عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ إِنَّ لِلْعُطَاسِ آدَاباً وَسُنَناً؛ تَنْبَغِي العِنَايَةُ بِهَا؛ فَمِنَها: حَمْدُ اللهِ تَعَالَى؛ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ عُطَاسِهِ: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) وَلَوْ قَالَ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) لَكَانَ أَحْسَنَ؛ فَلَوْ قَالَ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) كَانَ أَفْضَلَ. اهـ
فَإِذَا حَمِدَ اللهَ شُرِعَ لِمَنْ سَمِعَهُ تَشْمِيتُهُ؛ والتَّشْمِيتُ بِالشِّينِ والسِّينِ، لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ـ شَمِّتْهُ وَسَمِّتْهُ ـ وَهُوَ الدُّعَاءُ لِلْعَاطِسِ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ.
وَمَعْنَاهُ بِالشِّينِ: أَبْعَدَكَ اللهُ عَنِ الشَّمَاتَةِ بِكَ، وَجَنَّبَكَ مَا يُشْمَتُ بِهِ عَلَيْكَ. وَبِالسِّينِ: هَدَاكَ اللهُ إلَى السَّمْتِ الحَسَنِ.
يُشَمَّتُ العَاطِسُ إِذَا حَمِدَ اللهَ، فَيَقُالُ لَهُ ( يَرْحَمُكَ الله ).
فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ فَلَا يُشَمَّتْ؛ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللهَ، فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ، فَلَا تُشَمِّتُوهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاَنِ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقَالَ الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلاَنٌ فَشَمَّتَّهُ، وَعَطَسْتُ أَنَا فَلَمْ تُشَمِّتْنِي، قَالَ: ( إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ) رواه مسلم.
وَيَرُدُّ العَاطِسُ بِقَولِهِ: ( يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ).
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَمِنْ أَحْكَامِ العُطَاسِ: أَنَّ مَنْ عَطَسَ فِي الصَّلَاةِ حَمِدَ اللهَ، وَلَكِنْ لَا يُشَمَّتُ؛ يَقُولُ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ؛ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَ اللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: ( إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ...) رَواهُ مُسلِمٌ.
يَقُولُ الشَّيخُ ابنُ عُثَيمِينَ رَحِمَهُ اللهُ: وَالحَمْدُ عِنْدَ العُطَاسِ مَشْرُوعٌ لِلإِنْسَانِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ وَفِي حَالِ عَدَمِ الصَّلَاة؛ إِلَّا أنَّهُ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاة وَخَافَ أنْ يُشَوِّشَ عَلَى مَنْ مَعَهُ مِنَ المُصَلِّينَ فَلْيُسِرَّ بِالحَمْدِ وَلَا يَجْهَرْ بِهِ لِأنَّهُ يُخْشَى إذَا جَهَرَ بِهِ أنْ يُشَوِّشَ عَلَى المُصَلِّينَ، أوْ أنْ يَسْتَعْجِلَ أحَدٌ مِنَ النَّاسِ فَيَقُولُ يَرْحَمُكَ اللهُ، وَإذَا قَالَ أحَدٌ لِمَنْ عَطَسَ فَحَمِدَ الله: يَرْحَمُكَ اللهُ؛ وَالقَائِلُ يُصَلِّي فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ... الخ
وَسُئِلَ الشَّيخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ؛ عَنْ تَشْمِيتِ العَاطِسِ وَالإِمَاُم يَخْطُبُ يَومَ الجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: لَا يُشْرَعُ تَشْمِيتُهُ؛ لِوُجُوبِ الإِنْصَاتِ، فَكَمَا لَا يُشَمَّتُ العَاطِسُ فِي الصَّلاَةِ؛ كَذَلِكَ لَا يُشّمَّتُ العَاطِسُ فِي حَالِ الخُطْبَةِ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُــوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمـًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَائِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ. اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1633479576_حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ الجُزْءُ الرَّابِعُ ( وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ ).pdf
1633479611_حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ الجُزْءُ الرَّابِعُ ( وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ ).docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق