حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ( 2 ) وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ

مبارك العشوان 1
1443/02/15 - 2021/09/22 11:53AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ - رَحِمَهُما اللهُ - مِنْ حَدِيثِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ( أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ: عِيَادَةَ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ العَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلَامِ، وَنَصْرَ المَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ المُقْسِمِ )

إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ حَقٌ لِلمُسْلِمِ عَلَى أخِيهِ؛ وَفِي الحَدِيثِ: ( إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِم.

وَفي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( فُكُّوا العَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَعُودُوا المَرِيضَ )  رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَلِلدَّعْوَةِ وَإِجَابَتِهَا أَحْكَامًا وَآدَبًا؛ يَنْبَغِي التَّذْكِيرُ بِهَا.

 فَمِنْ ذَلِكَ: أنَّ إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ؛ مَشْرُوعَةٌ، وَعَمَلٌ صَالِحٌ يُؤْجَرٌ عَلَيهِ؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ؛ كَمَا أنَّهَا قِيَامٌ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ المُسْلِمِ، وَتَقْويَةٌ لِرَابِطَةِ الأُخُوَّةِ وَالمَوَدَّةِ، سَوَاءً كَانَتِ الدَّعْوَةُ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ أوْ عَقِيقَةٍ أو قُدُومِ غَائِبٍ، أوْ غَيْرِهَا مِنَ المُنَاسَبَاتِ.

كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِيبُ الدَّعْوَةَ، وَيَأمُرُ بِإجَابَتِهَا،: ( وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )  كَمَا جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ ) رواه البخاري.

والكُرَاعُ: هُوَ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ مِنَ الرِّجْلِ، وَقِيلَ: هُوَ: مَا دُونَ الكَعْبِ مِنَ الدَّوَابِّ.

يَقُولُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ خُلُقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَوَاضُعِهِ، وَجَبْرِهِ لِقُلُوبِ النَّاسِ، وَعَلَى قَبُولِ الْهَدِيَّةِ، وَإِجَابَةِ مَنْ يَدْعُو الرَّجُلَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ. ا هـ

فَلْنَلْزَمْ هَذَا الخُلُقَ الكَرِيمَ؛ نُجِيبُ مَنْ دَعَانَا، وَنَأْكُلُ مِمَّا يُقُدِّمَ لَنَا؛ وَنَحْذَرُ الكِبرَ؛ وَاحْتِقَارَ النَّاسِ، وَازْدِرَاءَ النَّعَمِ.  

عِبَادَ اللهِ: وَمِنَ الآدَابِ: مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ( إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا، فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا، فَلْيَطْعَمْ ) وَمَعْنَى فَلْيُصَلِّ: فَلْيَدْعُ لِأهْلِ الطَّعَامِ بِالمَغْفِرَةِ وَالبَرَكَةِ وَنَحْوِ ذَلَكَ.

( وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ، وَغَيْرِ الْعُرْسِ، وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ ) رَوَاهُ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.

عِبَادَ اللهِ: وَإِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ إِلَى طَعَامٍ فَصَحِبَهُ مَنْ لَمْ يُدْعَ اسْتَأذَنَ لَهُ؛ لِمَا جَاءَ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلَامٌ لَحَّامٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَعَرَفَ الجُوعَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبَ إِلَى غُلَامِهِ اللَّحَّامِ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً، لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَصَنَعَ لَهُ طُعَيِّمًا، ثُمَّ أَتَاهُ فَدَعَاهُ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا أَبَا شُعَيْبٍ، إِنَّ رَجُلًا تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ ) قَالَ: لَا، بَلْ أَذِنْتُ لَهُ؛ فَفِي الحَدِيثِ أَدَبٌ مِنَ المَدْعُوِّ؛ يَسْتَأذِنُ لِمَنْ صَحِبَهُ، وَأَدَبٌ مِنَ الدَّاعِي يَأذْنُ لَهُ.

وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ. 

 

 

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ مِنْ أحْكَامِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ: أنَّهَا إنْ كَانَتْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ إَلى وُجُوبِ الإجَابَةِ، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ، أوْ ضَرَرٌ يَلْحَقُهُ، أوْ كَانَ كَسْبُ الدَّاعِي وَمَالُهُ حَرَامًا، أوْ كَانَ هناكَ مُنْكَرٌ لَا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهُ.

يَقُولُ أَحَدُ السَّلَفِ: مَنْ فَارَقَ السُّنَّةَ فِي وَلِيمَةٍ؛ فَلَا دَعْوَة لَهُ وَلَا مَعْصِيَةَ فِي تَرْكِ إِجَابَتِهِ، وَيَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنَّمَا تَفْسِيرُ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِذَا دَعَاكَ مَنْ لَا يُفْسِدُ عَلَيْكَ دِيْنَكَ وَلَا قَلْبَكَ. اهـ

أَمَّا إِذَا كَانَ المَدْعُو يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَ المُنْكَرِ؛ فَعَلَيهِ الحُضُورُ، فَفِي حُضُورِهِ مَصَالِحُ؛ مِنْهَا: إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَمِنْهَا تَغْيِيرُ المُنْكَرِ، وَالإِحْسَانُ إلَى الدَّاعِي وَإلَى الحَاضِرِينَ بِكَفِّهِمْ عَنِ المَعَاصِي؛ قَالَ تَعَالَى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة 71

عِبَادَ اللهِ: وَفِيمَا يَخُصُّ الدَّاعِي: فَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:  ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ... ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيهِ: مَا يَحْصُلُ فِي كَثِيرٍ مِنَ وَلَائِمِ العُرْسِ وَغَيْرِهَا مِنَ الإسْرَافِ، وَالاسْتِهَانَةِ بِالنِّعَمِ، وَرَمْيِهَا فِي النِّفَايَاتِ؛ وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ فقَالَ: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } الأعراف31

يُصَوِّرُ بَعْضُهُمْ وَلِيْمَتَهُ، وَيَتَبَاهَى بِإِسْرَافِهِ، وَيُصَوِّرُ ضُيُوفَهُ وَيَعْتَذِرُ بِتَقْصِيْرِهِ فِي حَقِّهِمْ؛ ثُمَّ يَنْشُرُ تِلْكَ الصُّورَ وَالمَقَاطِعَ.

أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ - أيُّهَا النَّاسُ - وَاشْكُرُوا نِعَمَهُ، وَاحْذَرُوا أنْ تُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِكُم فَيُغَيِّرُ اللهُ مَا بِكُم: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُــوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمـًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَائِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ. اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.  

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

المرفقات

1632311560_حق المسلم على المسلم ست ( الجزء الثاني ).pdf

1632311582_حق المسلم على المسلم ست ( الجزء الثاني ).docx

المشاهدات 1157 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا