حق المسلم على المسلم ست ( الجزء الثاني ) (( وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ))

مبارك العشوان
1438/06/17 - 2017/03/16 09:15AM
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ... أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ... مُسْلِمُون.
عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ حَدِيثِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ( أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ: عِيَادَةَ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ العَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلاَمِ، وَنَصْرَ المَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ المُقْسِمِ )
إجَابَةُ الدَّعْوَةِ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ حَقٌ مِنْ حُقُوقِ المُسْلِمِ عَلَى أخِيهِ، لِحَدِيثِ: ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ... )، وَحَدِيثِ: ( إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِم. وَحَدِيثِ: ( فُكُّوا العَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَعُودُوا المَرِيضَ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
ثُمَّ لْتَعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ لِلدَّعْوَةِ وَإِجَابَتِهَا أَحْكَاماً وَآدَباً يَنْبَغِي التَّذْكِيرُ بِهَا؛ فَمِنْ ذَلِكَ: أنَّ إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ؛ مَشْرُوعَةٌ، وَهِيَ عَمَلٌ صَالِحٌ يُؤْجَرٌ الْمُسْلمُ عَلَيهِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مُمْتَثِلٌ لِأَمْرِهِ، كَمَا أنَّ فِيهَا قِيامَاً بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ المُسْلِمِ، وَتَقْويَةً لِرَابِطَةِ الأُخُوَّةِ وَالمَوَدَّةِ، سَوَاءً كَانَتِ الدَّعْوَةُ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ أوْ عَقِيقَةٍ أو قُدُومِ غَائِبٍ، أوْ غَيْرِهَا مِنَ المُنَاسَبَاتِ.
كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِيبُ الدَّعْوَةَ، وَيَأمُرُ بِإجَابَتِهَا،: ( وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كَمَا فِي البُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ ) رواه البخاري.والكُرَاعُ: هُوَ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ مِنَ الرِّجْلِ، وَقِيلَ: هُوَ: مَا دُونَ الكَعْبِ مِنَ الدَّوَابِّ.
يَقُولُ الإمَامُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ خُلُقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاضُعِهِ وَجَبْرِهِ لِقُلُوبِ النَّاسِ وَعَلَى قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةِ مَنْ يَدْعُو الرَّجُلَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ.أ هـ
ألَا فَالزَمُوا هَذَا الخُلُقَ الكَرِيمَ وَفَّقَكُمُ اللهُ؛ مَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، غَنِيَّاً كَانَ أمْ فَقِيراً، وَجِيهاً كَانَ أمْ غَيرَ ذَلِكَ.
مَا قُدِّمَ لَكُمْ مِنَ الزَّادِ فَكُلُوا وَاشْكُرُوا؛ قَلِيلاً كَانَ أمْ كَثِيراً.
وَإيَّاكُمْ عِبَادَ اللهِ إيَّاكُمْ والكِبرَ؛ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى احْتِقَارِ النَّاسِ وَازْدِرَاءِ النَّعَمِ.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ آدَابِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ: مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ( إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا، فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا، فَلْيَطْعَمْ )
وَمَعْنَى فَلْيُصَلِّ: فَلْيَدْعُ لِأهْلِ الطَّعَامِ بِالمَغْفِرَةِ وَالبَرَكَةِ وَنَحْوِ ذَلَكَ.
وَفِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: ( وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ، وَغَيْرِ الْعُرْسِ، وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ )
عِبَادَ اللهِ: وَإِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ إِلَى طَعَامٍ فَصَحِبَهُ مَنْ لَمْ يُدْعَ اسْتَأذَنَ لَهُ؛ لِمَا جَاءَ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَعَرَفَ الجُوعَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبَ إِلَى غُلاَمِهِ اللَّحَّامِ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً، لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَصَنَعَ لَهُ طُعَيِّمًا، ثُمَّ أَتَاهُ فَدَعَاهُ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا أَبَا شُعَيْبٍ، إِنَّ رَجُلًا تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ ) قَالَ: لاَ، بَلْ أَذِنْتُ لَهُ ) أَدَبٌ مِنَ المَدْعُوِّ: يَسْتَأذِنُ لِمَنْ صَحِبَهُ، وَأَدَبٌ مِنَ الدَّاعِي يَأذْنُ لَهُ.
بَارَكَ اللهُ ... وَأقُولُ مَا تَسْمَعُونَ...
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ ... أمَّا بَعْدُ:
فإن مِنْ أحْكَامِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ: أنَّهَا إنْ كَانَتْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ إَلى وُجُوبِ الإجَابَةِ، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ، أوْ ضَرَرٌ يَلْحَقُهُ، أوْ كَانَ كَسْبُ الدَّاعِي وَمَالُهُ حَرَاماً، أوْ كَانَ هناكَ مُنْكَراً لَا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهُ؛ فَإنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ التَّغْيِيرَ؛ فَعَلَيهِ الحُضُورُ، فَفِي حُضُورِهِ مَصَالِحُ؛ مِنْهَا: إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَمِنْهَا تَغْيِيرُ المُنْكَرِ، وَالإِحْسَانُ إلَى الدَّاعِي وَإلَى الحَاضِرِينَ بِكَفِّهِمْ عَنِ المَعَاصِي؛ قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة 71
عِبَادَ اللهِ: وَفِيمَا يَخُصُّ الدَّاعِي: جَاءَ فِي البُخًارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ... )
وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيهِ: مَا يَحْصُلُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الوَلَائِمِ مِنَ التَّبَاهِي والإسْرَافِ، وَالاسْتِهَانَةِ بِالنِّعَمِ، وَرَمْيِهَا فِي النِّفَايَاتِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } الأعراف31
اتَّقُوا اللهَ أيُّهَا النَّاسُ وَاشْكُرُوا نِعَمَهُ، وَاحْذَرُوا أنْ تُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِكُم فَيُغَيِّرُ اللهُ مَا بِكُم: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7
ثُمَّ صَلُّوا عِبَاد الَهِِ وَسَلِّمُوا... اللَّهُمُّ صِلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ... اللَّهُمُّ أُعِزَّ الْإِسْلَامَ... اللَّهُمُّ أَصْلِحْ أئِمَّتَنَا...
عِبَادَ اللهِ: اذْكُرُوا اللهَ... مَا تَصْنَعُونَ.
المشاهدات 3886 | التعليقات 3

جزاك الله خيراً شيخنا ..

خطبة قيمة


ولعلك شيخنا الكريم تكمل حقوق المسلم الست مشكوراً مأجوراً ..


بورك في بنانك ونفع الله به
خطبة مختصرة وسلسلة مباركة نسأل الله أن ينفع بها


جزاكم الله خيرا ووفقكم

وبإذن الله تعالى أكمل هذه السلسلة ‘ إلا أنها في خطب غير متوالية