حق المسلم على المسلم ست (إذا لقيته فسلم عليه )

مبارك العشوان
1438/06/10 - 2017/03/09 18:32PM
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ... أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ... مُسْلِمُون.
عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَِ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ).
وَالتَّشْمِيتُ بِالشِّينِ والسِّينِ، لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ـ شَمِّتْهُ وَسَمِّتْهُ ـ
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ عُنِيَ الإِسْلَامُ بِمَكَارِمِ الأخْلَاقِ عِنَايةً لَا مَثِيلَ لَهَا، فَجَعَلَ أكْمَلَ المُؤمِنِينَ إِيْمَاناً أحْسَنَهُمْ أخْلَاقَا، وَجَعَلَ أكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ تَقْوَى اللهِ وَحُسْنَ الخُلُقِ، وَضَمِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَيْتاً فِي أَعْلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ...) أخرجهُ الترمذي وصححه الألباني.
أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِحُسْنِ الخُلُقِ مَعَ النَّاسِ، وَحُسْنِ مُعَامَلَتِهِم، وَشَرَعَ لَهُمْ مِنَ الأعْمَالِ مَا يَغْرِسُ فِيهِمُ المَحَبَّةَ، وَيُشِيعُ بَيْنَهُمُ الألْفَةَ والمَوَدَةَ، ويُزِيلُ الحِقْدَ والشَّحْنَاءَ؛ وَمِمَّا شَرَعَ اللهُ تَعَالى فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي هَذَا الحَدِيثِ العَظِيمِ مِنْ حُقُوقِ المُسْلِمِ عَلَى أخِيهِ المُسلِمِ، وَحَدِيثُ هَذِهِ الجُمُعَةِ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَنِ أوَّلِ هَذِهِ الحُقُوقِ:
( إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ).
السَّلَامُ هُوَ تَحِيَّةُ المُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ تَحِيَّتُهُمْ فِي الآخِرَةِ.
{ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ } الأحزاب 44 وَحِينَ يُسَاقُونَ إلَى الجَنَّةِ تُفْتَحُ لَهُمْ أبْوابُهَا، وَيَقُولُ لَهُمْ المَلَائِكَةُ خَزَنَتُهَا: { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } الزمر73 { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا } الفرقان 75 { وَالْمَلَائِكَـةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } الرعد 23، 24 { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } يونس: 10 يُسَلِّمُ اللهُ تَعَالَى عَلَيهِمْ، وَتُسَلِّمُ عَلَيهِمُ مَلَائِكَتُهُ، وَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَسْلَمُونَ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ.
السَّلامُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ : جَالِبٌ لِلمَحَبِّةِ بَينَ النَّاسِ، وَعَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الإيمَانِ، وَسَبَبٌ لِدُخُولِ الجِنَانِ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: ( لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا؛ أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ) رواه مسلم. وَ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنّـَةَ بِسَلَامٍ ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
السَّلَامُ حَقٌ مِنْ حُقُوقِ الطَّرِيقِ؛ كَمَا قَال عَلَيهِ الصَّلَاةُ والسَّــلَامُ: ( فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ ... ) الخ الحديث رواه مسلم.
عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ اعلَمُوا وَفَّقَكُمُ اللهُ: أنَّ للسَّلَامِ أحْكَاماً وَآدَاباً يَنْبَغِي للمُسْلِمِ أنْ يُرَاعِيَهَا، فَمِنْ ذَلِكَ: أنَّهُ حَقٌ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أخِيهِ المُسْلِمِ سَوَاءً عَرَفَهُ أمْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ) رواه البخاري.
وَمِنْ أحْكَاِم السَّلَامِ: أنْ لَا يُبْدَأ الكَافِرُ بِهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ... ) رواه مسلم.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْنَا فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: ( قُولُوا وَعَلَيْكُمْ ) رواه مسلم.
وَمِنْ آدَابِ السَّلَامِ مَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ: ( يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ ) رواه البخاري.
وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي ) رواه البخاري.
وَمِنْ آدَابِ السَّلَامِ: أنْ تَرُدَّ بِأَحْسَنَ مِمَّا حُيِّيتَ بِهِ، مُمْتَثِلاً أمْرَ اللهِ تَعَالَى: { وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }النساء86.
أمَّا صِيغَةُ السَّلامِ: فَأَكْمَلُهَا: السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَيُخْطِئُ مَنْ يَسْتَبْدِلُهَا بِغَيْرِهَا؛ يُلَقَى عَلَيهِ [ السَّلامُ عَلَيكُمْ ] فَيَرُدُّ ( أهْلاً، أوْ مَرْحَباً ) وَيَتْرُكُ مَا جَاءَتْ بِفَضْلِهِ الأحَادِيثُ، وَرُتِّبَتْ عَلَيهِ الأُجُورُ؛ فَقَدْ مَرَّ رَجُل عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ، فقَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فقَالَ: (عَشْرُ حَسَنَاتٍ ) ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرَ، فقَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله، فقَالَ: (عِشْرُونَ حَسَنَةً ) فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرَ، فقَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فقَالَ: ( ثَلَاثُونَ حَسَنَةً ) فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يُسَلِّمْ، فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا أَوْشَكَ مَا نَسِيَ صَاحِبُكُمْ،‍ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ قَامَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ ) رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ أَدَبٌ آخَرُ؛ وَهُوَ: أنَّ السَّلَامَ كَمَا يُشْرَعُ عِنْدَ القُدُومِ ، فَهُوَ كَذَلِكَ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الانْصِرَافَ مِنَ المَجْلِسِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم .... وأقولُ مَا تسمَعُونَ... وأستَغفِرُ اللهَ...



الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ... أمَّا بعدُ: فَلَقَدْ كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنْ يُسَلِّمَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ، وَفِي الحَدِيثِ: ( ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ...) وَمِنْهُم: ( رَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
وَكَانَ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إذا مَرَّ بِصِبْيَانٍ سَلَّمَ عَلَيْهِم ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ أنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ .
وَكَانَ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ القُبُورِ وَيَدْعُو لَهُمْ، تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ، غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ) رواه مسلم. فَصَلَواتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الكَرِيمِ، يُسَلِّمُ عَلَى الكِبَارِ والصَّغَارِ وَالأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ. { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة 128
فَاتقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاقتَدُوا بِنبِيِّكُمْ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
اسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ، واهتَدُوا بِهَدْيِهِ، امْتَثِلُوا أمْرَهُ، واجْتَنِبُوا نَهْيَهُ.
وَأكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَليهِ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا؛ وَسَائِرِ الأيَّام.
اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعلَى آلِ محمدٍ...
اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ...
عباد الله: اذكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُركُم ... مَا تَصْنَعون.
المشاهدات 2940 | التعليقات 0