حَقُّ المَسجِدِ الأَقصَى عَلينَا 29/2/1442هـ

خالد محمد القرعاوي
1442/02/27 - 2020/10/14 23:54PM

حَقُّ المَسجِدِ الأَقصَى عَلينَا 29/2/1442هـ
الحمدُ للهِ اصْطَفَى الحَرَمَينِ وَبيتَ المَقْدِسْ، أَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ لا شَريكَ لَهُ، جَعَلَ الأَيَّامَ عِبَراً ودُولاً, وأَشهدُ أنَّ محمَّداً عَبدُاللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ، وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابعينَ، وَمَن تَبِعَهم بِإحسَانٍ إلى يوم الدين. أَمَّا بَعدُ. فَاتَّقُوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ وَراقِبوهُ، فَمَا اسْتُجْلِبَتِ الخَيرَاتُ إلَّا بِالطَاعَاتِ، ولا مُحِقَتِ البَرَكَاتُ إلَّا بِالمَعَاصِي.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، قَبلَ أَن يَكُونَ في الأَرضِ كَنِيسَةٌ أَو مَعبَدٌ، كَانَت قَوَاعِدُ البَيتِ الحَرَامِ قَد أُرسِيَت على يَدِ إبْرَاهِيمَ عليهِ السَّلامُ، وَبَعدَ أَربَعِينَ سَنَةً بُنِيَ بَيتٌ مُقَدَّسٌ بِأَمرٍ مِنَ اللهِ تَعَالى، فَعَن أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسجِدٍ وُضِعَ في الأَرضِ أَوَّلُ؟ قَالَ:(المَسجِدُ الحَرَامُ) قُلتُ: ثم أَيٌّ؟ قَالَ:(المَسجِدُ الأَقصَى) قُلتُ: كَم كَانَ بَينَهُمَا؟ قَالَ:(أَربَعُونَ سَنَةً, وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ) رَواهُ مُسْلِمٌ.
عبَادَ اللهِ: دَعُونَا نُشَنِّفُ آذَانَنَا بِمَكَانٍ قَدَّسَّهُ اللهُ وَشَرَّفَهُ, مَسْجِدٌ يَسْكُنُ قَلْبَ كُلِّ مُسْلِمٍ، مَهْمَا بَعُدَتْ بَينَنَا وَبَينَهُ الشُّقَّةُ, وَتَسَلَّطَ الأعْدَاءُ عَليهِ, وَمَهْمَا تَخَاذَلَ عَنْهُ مُسْلِمُونَ وَأسْلَمُوهُ! إلَّا أنَّ اللهَ تَعَالى ذَكَرَهُ فِي القُرَآنِ بِلَفْظِ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ, وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَقَدْ بَارَكَهُ وَمَا حَوْلَهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى:(سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ). وَقَالَ تَعَالى عَلَى لِسَانِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ:(يَا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدَّسَةَ). بَلْ أَقْسَمَ اللهُ بِثَمَرَتِهِ فَقَالَ:(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ). قَالَ كَعْبٌ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيهِمْ: هُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد ظَلَّ المَسجِدُ الأَقصَى قِبلَةَ المُسلِمِينَ الأُولَى أَربَعَةَ عَشَرَ عَامًا، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ فِي مَكَّةَ نَحوَ بَيتِ المَقدِسِ وَالكَعبَةُ بَينَ يَدَيهِ وَبَعدَ مَا هَاجَرَ إِلى المَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهرًا، ثُمَّ صُرِفَ إِلى الكَعبَةِ. وَفي المَسجِدِ الأَقصَى صَلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَيلَةَ الإِسرَاءِ رَكعَتَينِ، ثم عُرِجَ بِهِ إِلى السَّمَاءِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ في صَحِيحِ مُسلِمٍ. وَكَمَا كَانَ الأَقصَى مَبدَأَ مِعرَاجِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَيَكُونُ أَرْضَ المَنشَرِ وَالمَحشَرِ! فاللهُمَّ طَهِّرَ الأقْصَى مِن رِجْسِ اليَهُودِ وَأَذْنَابِهِمْ. وَرُدَّهُ لِلمُسْلِمِينَ رَدَّاً جَمِيلاً, بَارَكَ اللهُ لَناَ فِي القُرَآنِ العَظِيمِ, وَسُنَّةِ الهَادِي الأمِينِ, وَسَلامٌ على المُرْسَلِينَ, والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

الخطبة الثانية / الحَمدُ للهِ هَدَانَا لِلإسْلامِ, وَمَنَّ عَلَينَا بِخَيرِ الأَنَامِ, وَأَشهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المَلِكُ العَلاَّمُ, وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الرِّسَالَةَ, وَأَدَّى الأَمَانَةَ, وَنَصَحَ لِلأُمَّةَ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وَعلى آلِه وَأصْحَابِهِ وَالتَّابِعينَ, وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ, أمَّا بَعْدُ. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِن فَضَائِلِ المَسجِدِ الأَقصَى أَنَّهُ ثَالِثُ المَسَاجِدِ الَّتي لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَيهَا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسجِدِ الحَرَامِ، وَمَسجِدِ الرَّسُولِ وَمَسجِدِ الأَقصَى).وَعَن أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: تَذَاكَرنَا وَنَحنُ عِندَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَيُّهُمَا أَفضَلُ: مَسجِدُ رَسُولِ اللهِ أَو بَيتُ المَقدِسِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ:(صَلاةٌ في مَسجِدِي هَذَا أَفضَلُ مِن أَربَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعمَ المُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَن يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرضِ حَيثُ يَرَى مِنهُ بَيتَ المَقدِسِ خَيرٌ لَهُ مِنَ الدُّنيَا جَمِيعًا). أيُّها المُؤمِنُونَ: وَمِثْلُ مَا تَذَاكَر الصَّحَابَةُ الكِرَامُ مَعَ رَسُولِ اللهِ, نَحْنُ اليومَ نَتَذَاكَرُ شَأنَ المَسجِدِ الأَقصَى بِأَنَّهً حَقٌّ لِلمُسلِمِينَ؛ وَأَنَّهً التَصَقَ نَسَبُ المَسْجِدِ الأَقْصَى بِهَذِهِ الأُمَّةِ الوَارِثَةِ. كَيَف لا يَكُونُ أهْلُ الأقْصَى كَذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ:(إذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلا خَيرَ فِيكُمْ (. إنَّهُمْ أهْلُ الطَّائِفَةِ المَنْصُورَةِ, وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتي ظَاهِرِينَ عَلى الحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، قِيلَ: فَأَينَ هُمُ يَا رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: بِبَيْتِ المَقدِسِ أَوْ بِأَكْنَافِ بَيتِ المَقْدِسِ).عِبادَ اللهِ: إنَّ فِلَسْطِينَ تَارِيخَاً وَأَرْضَاً وَمُقَدَّسَاتٍ, إرْثٌ وَاجِبُ الرِّعَايَةِ لازِمُ الصَّوْنِ، فَلا وَاللهِ لا يَسُودُ سَلامٌ وَلا يَتَحَقَّقُ أَمنٌ وَهُم يُحَاوِلُونَ يَغْتَصِبُونَ الأَقصَى مِن أَهلِهِ، وَلا يَأسَ وَلا قُنُوطَ مِن ذَلِكَ فَقَدِ احتَلَّهُ النَّصَارَى وَأَوقَفُوا الصَّلاةَ فِيهِ تَسعِينَ عَامًا، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ بِقُوَّتِهِ عَودَتَهُ لإهْلِهِ، قَيَّضَ لَهُ صَلاحَ الدِّينِ فَطَهَّرَهُ مِن رِجسِهِم، وَلَئِن تَوَلَّى مِنَ المُسلِمِينَ مَن تَوَلَّى وضَعُفَ؛ فَلَيَجعَلَنَّ اللهُ الفَتح يَومًا مَا عَلَى أَيدِي قَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ، يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ، فَأبْشِرُوا فَإنَّ رَسُولَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ:(لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ فَيَقتُلُهُمُ المُسلِمُونَ، حَتَّى يَختَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسلِمُ، يَا عَبدَاللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلفِي فَتَعَالَ فَاقتُلْهُ). فَالوَاجِبُ عَلينَا اليَقَظَةُ وَالاجْتِمَاعُ، وإعْدَادُ القُوَّةِ, وَتَرْكُ الخِلافِ.فَلا يَلِيقُ بِأُمَّةِ الإسْلامِ أنْ تَغْرَقَ فِي خِلافَاتٍ جَانِبِيَّةٍ، وَنَظَرَاتٍ إقْلِيمِيَّةٍ، فَواجِبٌ أنْ نُقَدِّمَ مَصَالِحَ الأُمَّةِ الكُبْرَى على كُلِّ مَصْلَحَةِ فَرْعِيَّةٍ، وَأَنْ نَسْمَعَ نِدَاءَاتِ الحَقَّ وَالعَدْلِ، وَمُبَادَرَاتِ الحَزْمِ وَالعَقْلِ؛ فَالطَّرِيقُ إلى فِلَسْطِينَ عَبْرَ قَولِ اللهِ تَعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللِّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) وَقَولِهِ تَعَالى:(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ).وَقَولِهِ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ).فَاللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.اللهمَّ أَصْلِحْ أَحوَالَ المُسلمينَ, واجْمَعْهُم على الهُدَى والدِّينِ.اللهمَّ انْصُرْهُمْ فِي فِلَسْطِينَ، اللهم ادفع عنَّا وَعَنْ المُسْلِمِينَ الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم انصُرْ جُنُودَنا واحفظ حدودنا،.ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).


المشاهدات 699 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا