حق الله على العباد

عنان عنان
1436/05/04 - 2015/02/23 15:08PM
" الخُطبة الأولى "

يا عبدَ اللهِ هل تعلمُ ما حقُّ اللهِ عليك؟ جاء في الصححين عن معاذ بنِ جبلٍ-رضي الله عنه-قالَ: كنتُ ردِيفَ النبيِّ-صلى الله عليه وسلم يوماً على حِمارٍ، فقالَ النبي-صلى الله عليه وسلم-لمعاذَ: يا معاذُ أتدري ما حقُّ اللهِ على العبادِ؟ وما حقُّ العبادِ على اللهِ، قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، فقالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " حقُّ اللهِ على العبادِ أن يَعبدوه ولا يُشركوا به شيئاً، وحقُّ العبادِ على اللهِ أن لا يُعذِّبَ من لا يُشركُ به شيئاً، فقالَ مُعاذُ: أفلا نبشرُ الناسَ؟ قالَ: لا تبشرهم فيتكلوا " فأخبرَ به معاذُ عند موتهِ خوفاً وإثماً من كتمانِ العلمِ.

حقُّ اللهِ على العبادِ أن يَعبدوه ولا يُشركوا به شيئاً، كلمةُ لا إله إلا الله تُخرجكَ من النارِ وإن دخلتَها، فإنَّ اللهَ حرَّمَ على نفسهِ أن يُخلِّدَ عبداً في النارِ قالَ لا إله إلا اللهُ مؤقناً بها، وإن كانَ من أهلِ الفجورِ والفسوقِ ودخل النَّارَ، فإنَّ اللهَ يُعذِّبه على قدرِ معاصيه ثم يُخرجُه منها فيُخرجُ اللهُ من النار من كان في قلبهِ ذرةٌ من إيمانِ، والذرةُ كحبةِ السمسمِ أو كبيضِ النملِ قالَ تعالى: " إنَّ اللهَ لا يَغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يشاءُ ".

حقُّ اللهِ على العبادِ، أنْ يَقيموا الصلاةَ ويصلوها في أوقاتها في جماعةٍ مع المسلمينَ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-:
" خمسُ صلواتٍ افترضهنَّ اللهُ تعالى فمن أحسنَ وضوءهنَّ وصلاهُنَّ لوقتهنَّ وأتمَّ ركوعهنَّ وخُشوعهنَّ كان له عند اللهِ عهدٌ أن يَغفرَ له ومن لم يفعلْ فليس له على اللهِ عهدٌ، إنَ شاءَ غفرَ له وإن شاء عذَّبه " [صححه الألباني-رحمه الله-]. وقالَ تعالى: " إنَّ الصلاةَ كانت على المؤمنينَ كِتاباً موْقوتاً ".

حقُّ اللهِ على العبادِ، أن يؤدوا الزكاةَ ولا يبخلونَ بها، وقد توعدَّ اللهُ لمن بخلَ على مالهِ وحرَصَ عليه عذاباً شديداً، قالَ تعالى: " وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ "
قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " ما من يومٍ يُصبحُ فيه على العبادِـ، إلا وملكانِ ينزلانِ يقولُ أحدهما: اللهمَّ أعطِ منفقاً خَلَفاً ويقولُ الأخرُ: اللهمَّ أعطِ مُمسكاً تَلَفاً " [رواه البخاري ومسلم]. وقالَ-صلى الله عليه وسلم: " ما نقصَ مالٌ من صدقةٍ " [رواه مسلم].

حقُّ اللهِ عليك، أن تبرَّ والديك وتحسنَ إليها من أجلِ وصيةِ اللهِ، قالَ تعالى: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ".

حقُّ اللهِ على العبادِ، أن يجاهدوا في سبيلهِ، قالَ تعالى: " إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ "
فالمشتري هو اللهُ، والسلعةُ هيَ الجنةُ.

حقُّ اللهِ على العبادِ، أن يذكروا الله في جميعِ أحوالِهم ويُكثروا من ذكره، ويتفكروا في خلقِ السمواتِ والأرضِ، قالَ تعالى: " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".
قالَ أحدُ السلفِ: " أما يستحي أحدكم أن تكونَ دابتُه الذي يركبُ أو ثوبُه الذي يلبسُ أكثرُ ذِكراً منه "
لأنَّ اللهَ قالَ: " وإن من شيءٍ إلا يُسبحُ بحمده ولكنْ لا تفقهون تسبيحهم " الكون كله يعبد خالقه وبارئه ويقدسه ويسبحه ويعظمه ولو أسمعنا الله أصوات ما حولنا من المخلوقات الجامدة والمتحركة والصامتة والناطقة وهي تسبحه وتمجده لطاشت عقولنا، كيف بك لو سمعت الجدار الذي تستند إليه يسبح والأرض التي تجلى عليها تسبح والطعام الذي تأكله يسبح والنملة تسبح والدواب والهوام والحشرات والأشجار والأنهار والبحار والشمس والقمر والجبال وسائر المخلوقات، لو سمعت الكون كله من حولك يسبح لله؟ فكيف يكون حالك؟.


حقُّ اللهِ على العبادِ، أن يُحسنوا الظنَّ بهِ سبحانه: " قيلَ لإعرابيٍ اشتدَّ فرحُه، إنك ستموتُ، فقالَ: وأينَ يُذهبُ بي بعدَ الموتِ؟ قالوا: إلى اللهِ، قالَ: ويحَكم وكيف أخافُ الذهابَ إلى من لا أرى الخيرَ الا من عندهِ ".
وقالَ يحيى بن معاذ: " لا يخافُ من الموتِ إلا مريبٌ، فهو الذي يُقربُ الحبيبَ من الحبيبِ ".

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كُلِّ ذنبٍ، فأستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التوابُ الرحيمُ.

" الخُطبةُ الثانية "

حقُّ اللهِ على العبادِ، أن يبتعدوا عن الفواحشِ والمنكراتِ التي حرمها عليهم، وأن يحبسوا أنفسَهم عن الشهواتِ، وأن يصبروا على البلاءِ وعلى أقدارِ المؤلمةِ، فاصبرْ على الفقرِ، واصبرْ على الجوعِ، واصبرْ على الظمأ، واصبرْ على الشهواتِ، لتسمعَ يومَ القيامةِ نداءً يُقالُ لك: " سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدارِ "


حقُ اللهِ عليك، أن تستحيَ من اللهِ حقَّ الحياءِ، وتغضَ بصرَك وتحفظَ فرجَك، وتطبَ مطعَمكْ، وتراقبَ اللهَ في جميع أحوالك في خلوتِك وعلانيتك، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استحيوا من الله حق الحياء " ، قال: قلنا يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، قال:" ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى، ولْتَذكُر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء " [رواه الحاكم وصححه].
أيها الإنسان:
إذا هممت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني


حقُ اللهِ عليك، أن تحبهَ محبةً شديدةً، وهذهِ من علاماتِ الإيمانِ، قالَ تعالى: " والذينَ آمنوا أشدُ حباً للهِ "
وإذا أحببنا الله تعالى أحبنا سبحانه، وإذا أحبنا الله حصلت لنا كرامة الدنيا والآخرة، ونلنا معية الله تعالى التي تعني النصرة والرعاية والعناية والحفظ.
وإذا أحب الله عبداً وضع له القبول في الأرض وأحبه الناس ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض».
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}
وإذا أحب الله عبداً من عباده قبله ولياً، فيحظى بشرف القرب والمعية فيكون من أهل قوله تعالى: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ...}
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب...».
إنها منزلة عظيمة وكبيرة يصل إليها المؤمن بصدق إخلاصه وحبه لربه والمسارعة إلى مرضاته.

حقُ اللهِ عليك، أن تعلِّقَ قلبَكَ بهِ سبحانه، قالَ ابنُ القيمِ-رحمه الله-: " إذا استغنى الناسُ بالناسِ، فاستغنِ أنتَ باللهِ، إذا فرحوا بالدنيا ففرحْ أنتَ باللهِ، إذا أنِسوا بأحبابِهم، فجعلْ أُنسَكَ باللهِ، إذا تقربوا إلى ملوكِهم وكبرائهم لينالوا بهم العزةَ والرفعةَ، تعرفْ أنتَ إلى اللهِ، تنلْ بذلكَ غايةَ العزةِ والرفعةِ، كما قالَ اللهُ: " من كانَ يُريدُ العزةَ فللهِ العزةُ جميعاً " وقالَ: " وللهِ العزةُ ولرسولهِ وللمؤمنينَ ولكنَّ المنافقينَ لا يعلمونَ ".

يا عبدَ اللهِ، هلْ تعلمُ ما هو حقُّك على اللهِ إنَّ فعلتَ هذا؟ حقك على اللهِ أن يُدخلك جنةً عرضُها السمواتُ والأرضُ
أهلُها ينعمونَ فلا ييأئسونَ، ويصحونَ ولا يسقمون، ويحيون ولا يموتون، لم تر عينٌ ولمْ تسمعْ أُذنٌ ولم يخطرْ على قلبِ بشرٍ، لا تبلى ثيابُهم، ولا يفنى شابُهم، هم وأزواجُهم على الأرائكِ مُتكئونَ، لهم فيها ما يدعونَ، سلامٌ قولاً من ربٍ رحيمٍ،

وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المشاهدات 3187 | التعليقات 0