حق الجار
طلال شنيف الصبحي
1437/06/29 - 2016/04/07 23:24PM
حق الجار
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.أما بعد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
أيها المسلمون، شيد رجل من المسلمين دارًا حسناء، جمَّلها وأحسنها وأبهاها، ثم تعكرت حياته فباعها بأرخص الأثمان وأبخس الأسعار، نسي جِدَّتها وعافَ حُسنها وكرِه سكناها وتمنى كل خلاص منها! ما السبب؟! هل افتقر فألجأته الحاجة، أم اغتنى فأطمعته النفس الراغبة؟ كلا، بل أبغض الدار لفعائل جاره وأذيته؛ إذ ضاق وسعها وتكدر حلوها وتنغص صفاؤها وتغيرت أشكالها. زهد الجار الصالح في الدار والمال؛ لأنه لم يهدأ له بال، ولم يقرَّ له قرار، فباع داره بأرخص الأثمان فلامه الناس والعذال في ذلك فقال:
يلوموننِي أن بعتُ بالرخص منزلِي ومـا علموا جارًا هناك ينغِّـصُ
فقلت لَهم: كفـوا الْملامَ فإنهـا بجيـرانها تغلو الديار وترخـصُ
تعالت اللعنات على جار سوء في عهد النبي آذى جاره وكدَّر حياته وعكَّر أحواله، أخرج أبو داود في سننه والبخاري في الأدب المفرد بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي فشكا إليه جارًا له، فقال النبي ثلاث مرات: ((اصبر))، ثم قال له في الرابعة أو الثالثة: ((اطرح متاعك في الطريق)) ففعل، قال: فجعل يمرون به ويقولون: ما لك؟! فيقول: آذاه جاره، فجعلوا يقولون: لعنه الله، فجاءه جاره فقال: رُدّ متاعك، لا والله لا أوذيك أبدًا.
أيها المسلمون، إن حقوق الجار انسحَقت في هذه الأزمان عند كثير من الناس، فعمّ أذى الجيران، وفشت الخصومات، وقامت المكائد والشتائم والسخائم بشتى الألوان والأشكال.
جار سوء تسلط على جاره، آذاه بفعاله وكلامه، أذاه في أهله وأبنائه، لا يعرف الوداد والإحسان ولا حق الجار والإخوان، قال : ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه))أخرجه البخاري ومسلم. وبوائقه: شروره وأذاه.
قضى النبي بنار تلظى لمن ارتدى العار والشنار وآذى الغريب والجار، أخرج الإمام أحمد وابن حبان بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار)).
أيها الناس، إننا نشاهد زمنًا كثرت خطوبه واشتدت نكباته، غابت الأخلاق، وانعدمت المروءة، وقلّ الوفاء والشهامة والمعروف، يود المسلم بذل نفائس الأشياء ليظفر بجار مسلم صالح، يُدرك معروفه، ويرى خيره، ويأمنه على محارمه، ويعينه على طاعة الله. إن من رغد العيش وطيب الحياة وتمام السعادة حصول الجار الصالح المبارك في هذه الأيام، أخرج ابن حبان والخطيب بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي قال: ((أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء)).
معاشر المسلمين، إن الجوار يقتضي حقًا ما تقتضيه أخوة الإسلام، فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم وزيادة بالمجاورة، وليس حق الجوار كفُّ الأذى فقط، بل احتمال الأذى والرفق وابتداء الخير، وأن يبدأ جاره بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ويعوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويهنئه في الفرح، ويصفح عن زلاته، ولا يطلع إلى داره، ولا يضايقه في وضع الخشب على جداره، ولا في صب الماء في ميزابه، ولا في طرح التراب في فنائه، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف من عورته، ولا يتسمّع عليه كلامه، ويغضّ طرفه عن حرَمه، ويلاحظ حوائج أهله إذا غاب.
قال : ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) أخرجاه، وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره))، وفي صحيح مسلم قال : ((يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك))، وفي لفظ ابن حبان: ((فإنه أوسع للأهل والجيران)).
إنه لأدب رفيع أن تُحسن إلى جارك وتتصدق عليه، فتطعمه مما تطعم، وتفرحه إذا فرحت، وتهدي إليه إذا أهديت لأبنائك. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، كان رسولكم مثالاً فريدًا في الإحسان إلى الجار وحفظ حقوقه ورعاية مصالحه والسؤال عنه، بل كان يعود جيرانه من اليهود والمشركين، ويجيب دعوتهم ويحسن عشرتهم، ويتصدق عليهم ويهدي إليهم، ويهشّ لهم إذا لاقاهم ويخصهم بالخير. آذاه جيرانه في مكة فخرج إلى الطائف، فسلطوا عليه سفهاءهم يرمونه بالحجارة، فيجد من الأذى والشدة ما لا يجده في غيره، ويأتيه جبريل يستأمره بإطباق الأخشبين عليهم، فيمتنع من ذلك عليه الصلاة والسلام.
ولقد حقق السلف الصالح الكرام حق الجوار أتم تحقيق وأحسنه، إذ كانوا أكثر مراعاة لحقوق المسلمين وحرماتهم ومصالحهم، قال تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9].
ذُكر أن محمد بن الجهم عرض داره للبيع بخمسين ألف درهم، فلما حضر الشارون لشرائه قال لهم: قد اتفقنا على ثمن الدار، فبكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ فقيل له: والجوار يباع؟! قال: وكيف لا يباع جوار من إذا سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتدأك، وإن أسأت إليه أحسن إليك؟! فبلغ سعيد بن العاص فوجه بمائة ألف درهم وقال له: أمسك دارك عليك، فقد قال رسول الله : ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)).
اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك...
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.أما بعد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
أيها المسلمون، شيد رجل من المسلمين دارًا حسناء، جمَّلها وأحسنها وأبهاها، ثم تعكرت حياته فباعها بأرخص الأثمان وأبخس الأسعار، نسي جِدَّتها وعافَ حُسنها وكرِه سكناها وتمنى كل خلاص منها! ما السبب؟! هل افتقر فألجأته الحاجة، أم اغتنى فأطمعته النفس الراغبة؟ كلا، بل أبغض الدار لفعائل جاره وأذيته؛ إذ ضاق وسعها وتكدر حلوها وتنغص صفاؤها وتغيرت أشكالها. زهد الجار الصالح في الدار والمال؛ لأنه لم يهدأ له بال، ولم يقرَّ له قرار، فباع داره بأرخص الأثمان فلامه الناس والعذال في ذلك فقال:
يلوموننِي أن بعتُ بالرخص منزلِي ومـا علموا جارًا هناك ينغِّـصُ
فقلت لَهم: كفـوا الْملامَ فإنهـا بجيـرانها تغلو الديار وترخـصُ
تعالت اللعنات على جار سوء في عهد النبي آذى جاره وكدَّر حياته وعكَّر أحواله، أخرج أبو داود في سننه والبخاري في الأدب المفرد بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي فشكا إليه جارًا له، فقال النبي ثلاث مرات: ((اصبر))، ثم قال له في الرابعة أو الثالثة: ((اطرح متاعك في الطريق)) ففعل، قال: فجعل يمرون به ويقولون: ما لك؟! فيقول: آذاه جاره، فجعلوا يقولون: لعنه الله، فجاءه جاره فقال: رُدّ متاعك، لا والله لا أوذيك أبدًا.
أيها المسلمون، إن حقوق الجار انسحَقت في هذه الأزمان عند كثير من الناس، فعمّ أذى الجيران، وفشت الخصومات، وقامت المكائد والشتائم والسخائم بشتى الألوان والأشكال.
جار سوء تسلط على جاره، آذاه بفعاله وكلامه، أذاه في أهله وأبنائه، لا يعرف الوداد والإحسان ولا حق الجار والإخوان، قال : ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه))أخرجه البخاري ومسلم. وبوائقه: شروره وأذاه.
قضى النبي بنار تلظى لمن ارتدى العار والشنار وآذى الغريب والجار، أخرج الإمام أحمد وابن حبان بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار)).
أيها الناس، إننا نشاهد زمنًا كثرت خطوبه واشتدت نكباته، غابت الأخلاق، وانعدمت المروءة، وقلّ الوفاء والشهامة والمعروف، يود المسلم بذل نفائس الأشياء ليظفر بجار مسلم صالح، يُدرك معروفه، ويرى خيره، ويأمنه على محارمه، ويعينه على طاعة الله. إن من رغد العيش وطيب الحياة وتمام السعادة حصول الجار الصالح المبارك في هذه الأيام، أخرج ابن حبان والخطيب بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي قال: ((أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء)).
معاشر المسلمين، إن الجوار يقتضي حقًا ما تقتضيه أخوة الإسلام، فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم وزيادة بالمجاورة، وليس حق الجوار كفُّ الأذى فقط، بل احتمال الأذى والرفق وابتداء الخير، وأن يبدأ جاره بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ويعوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويهنئه في الفرح، ويصفح عن زلاته، ولا يطلع إلى داره، ولا يضايقه في وضع الخشب على جداره، ولا في صب الماء في ميزابه، ولا في طرح التراب في فنائه، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف من عورته، ولا يتسمّع عليه كلامه، ويغضّ طرفه عن حرَمه، ويلاحظ حوائج أهله إذا غاب.
قال : ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) أخرجاه، وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره))، وفي صحيح مسلم قال : ((يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك))، وفي لفظ ابن حبان: ((فإنه أوسع للأهل والجيران)).
إنه لأدب رفيع أن تُحسن إلى جارك وتتصدق عليه، فتطعمه مما تطعم، وتفرحه إذا فرحت، وتهدي إليه إذا أهديت لأبنائك. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، كان رسولكم مثالاً فريدًا في الإحسان إلى الجار وحفظ حقوقه ورعاية مصالحه والسؤال عنه، بل كان يعود جيرانه من اليهود والمشركين، ويجيب دعوتهم ويحسن عشرتهم، ويتصدق عليهم ويهدي إليهم، ويهشّ لهم إذا لاقاهم ويخصهم بالخير. آذاه جيرانه في مكة فخرج إلى الطائف، فسلطوا عليه سفهاءهم يرمونه بالحجارة، فيجد من الأذى والشدة ما لا يجده في غيره، ويأتيه جبريل يستأمره بإطباق الأخشبين عليهم، فيمتنع من ذلك عليه الصلاة والسلام.
ولقد حقق السلف الصالح الكرام حق الجوار أتم تحقيق وأحسنه، إذ كانوا أكثر مراعاة لحقوق المسلمين وحرماتهم ومصالحهم، قال تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9].
ذُكر أن محمد بن الجهم عرض داره للبيع بخمسين ألف درهم، فلما حضر الشارون لشرائه قال لهم: قد اتفقنا على ثمن الدار، فبكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ فقيل له: والجوار يباع؟! قال: وكيف لا يباع جوار من إذا سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتدأك، وإن أسأت إليه أحسن إليك؟! فبلغ سعيد بن العاص فوجه بمائة ألف درهم وقال له: أمسك دارك عليك، فقد قال رسول الله : ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)).
اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك...
المرفقات
الجار1.docx
الجار1.docx