حقيقة شركات التأمين

محمد المطري
1446/02/04 - 2024/08/08 12:06PM

حقيقة شركات التأمين

الحمد للهِ الذي خلق كل شيء فقدَّره تقديرًا، قدَّر وقضى، ويسمع ويرى، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، من يعتصم بكتابه فقد نجا، ومن أعرض عن ذكره فإن له معيشة ضنكًا.

وأشهد أن لا إله إلا اللهُ العليُّ الأعلى، له الأسماء الحسنى، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، مَنْ يتَّبِعْ سُنَّته فقد اهتدى، ومَنْ يرغَبْ عن سُنَّته فقد ضل وغوى، صلى الله وسلم عليه وعلى عباده الذين اصطفى، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [الحشر: 18 - 20]، أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة.

يقول الله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23] التوكل هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية مع الأخذ بالأسباب الشرعية، والتوكل عبادة لله وحده، فلا يجوز التوكل على غيره، ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التغابن: 13]، ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [الأحزاب: 3]، ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر: 38].

عباد الله! صار كثير من المسلمين اليوم يتوكلون على غير الله وهم لا يشعرون، ومن ذلكم التوكل على شركات التأمين، فقد استطاعت شركات التأمين التجاري أن تخفي حقيقتها، وتكتم أسرارها وخباياها، وتغر بدعاياتها المنتشرة كثيرًا من الناس، دعاياتٌ في الجرائد والمجلات والقنوات والطرقات، ومن أسوأ ما رأيت من دعاياتها في شارعٍ رئيسي في صنعاء لوحةً إعلانيةً كبيرة مكتوب فيها (التأمين حياة)!

الله يقول: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: 179]، وهم يقولون: التأمين حياة مضاهاة لكتاب الله! وكذبوا والله، بل التأمين هلكة للدين أولًا؛ لأنه توكل على غير الله وتعليق للقلب بغير الله، وهذا شركٌ ينافي التوحيد، وهلكة للمال ثانيًا بما يدفعه المشترك في التأمين دون أن يستفيد منه شيئًا، بل بعض المشتركين في التأمين يتعمد إتلاف ماله المؤمَّن عليه ليحصل على مبلغ التأمين، خاصة إذا كان قد دفع مبالغ كبيرة لشركة التأمين دون أن يستفيد منها شيئًا، فيهلك ماله بيده بدافع التشفي فكيف يقال: التأمين حياة؟!

ما أقل الناس الذين يعرفون حقيقة شركات التأمين، ويطَّلعون على خباياها وأسرارها!

اعلموا أيها المسلمون أن الرابح الحقيقي من التأمين التجاري هم قادة التأمين في العالم، والجميع خاسرون لأموالهم دون فائدة ظاهرة ملموسة، ولا يستثنى من هؤلاء سوى قلة نادرة من الذين يقع عليهم الحادث المؤمَّن ضده، وتدفع لهم شركات التأمين التعويضات، ولا فائدة لهم في ذلك إلا إذا جاوزت تكاليف الحادث ما دفعوه من أقساط مع اعتبار زمن استثمار هذه الأقساط لو استثمروها بأنفسهم، فخسارة الأمة بالتأمين باهظة، وهي عامة شاملة، وتُعتبر من أنكى الخسائر الاقتصادية، وأشدها غَبْنًا.

اعلموا أيها الإخوة أن شركات التأمين لها شروط متنوعة: منها ما يخص القسط، ومنها ما يخص مبلغ التأمين، ومنها ما يخص الخطر المؤمَّن ضده، ومنها ما يخص التعويض عن الحادث، ومنها العام الذي تشترك فيه جميع شركات التأمين، ومنها الخاص بشركة معينة، ومنها الظاهر الذي يعلمه أكثر الناس، ومنها الخفي الذي لا تعلمه إلا الخاصة من أصحاب الخبرة والممارسة، ومن شروطها سقوط حق المطالبة بمبلغ التأمين في الظروف غير العادية كالحروب، والزلازل، والاضطرابات العامة.

وشروط شركات التأمين كلها شروط إذعان، على المؤمَّن له قبولها دون مناقشة، وهذه الشروط تحمي شركات التأمين وتُحكِم القبضة على المؤمَّن لهم في الانتظام في دفع القسط، وتضع العراقيل دون حصولهم على مبلغ التأمين.

يقول مؤلف كتاب (فخ التأمين): شركات التأمين ليس لها هدف في التعاون وخدمة الناس، وإنما هدفها الوحيد هو الربح والثراء السريع على حساب المؤمَّن لهم.

ويعتقد كثير من الناس أن من وقَّع عقدًا مع إحدى شركات التأمين ضد حادث معين فقد أمِنَ شر هذا الحادث، ونسي همه إلى الأبد، وهذا خطأ فاحش، وفهم قاصر لحقيقة عقود التأمين؛ فقد وضعت شركات التأمين شروطًا للتعويض لا يأتي بها كاملة إلا قلة من الناس، فيندر أن يسلَم أحدٌ من المؤمَّن لهم من شر هذه الشروط التي تجد شركات التأمين فيها أعظم مجال لتصيُّد الثغرات والتحلل من الالتزامات.

يقول صاحب كتاب (الأمن الخادع): شركات التأمين تعقد الكثير، ولا تفي إلا بالقليل.

ويقول أحد خبراء التأمين الألمان: وقع في عام 1984م مليون حادث كلها مؤمَّنة، ومع ذلك لم تعوِّض شركات التأمين منها إلا 3 %!

شركات التأمين لها أعوان من المستشارين، والمحامين، والخبراء، وغيرهم من المختصين في حماية شركات التأمين، وإبطال أي دعوى تقام ضدها، ويتولون التحقيق في الحوادث، وتقويمها، وبيان وجهة القانون فيها، وما يترتب عليها من مسؤوليات وتعويضات.

أيها المسلمون إن كان للتأمين بعض المحاسن، فمساوئه تطغى على كل أثر حسن، فللتأمين سلبيات ومساوئ كبيرة وكثيرة جدًا، ومن أخطرِها وأضرِّها بالناس الأمور الآتية:

أولًا: الوقوع فيما حرمه الله تعالى:

فالتأمين يعلق قلبك بغير الله، ثم هو قائم على الربا والقمار كما بين ذلك علماء الشريعة؛ وقد أفتت المجامع الفقهية المعاصرة بحرمة التأمين التجاري، ولا خير لك في معصية الله ورسوله.

ثانيًا: التأمين خسارة اقتصادية:

الكثرة الكاثرة في التأمين هي الجماعة الخاسرة، والقلة النادرة هي الفئة الرابحة؛ فإنَّ قدْرًا لا يستهان به من أموال الأفراد والجماعات والجهات والدول يُرمى به في صناديق التأمين في العالم دون سبب حقيقي لهذا التصرف!

ثالثاً: الإغراء بإتلاف الأموال عدوانًا:

يتعمد بعض المؤمَّن لهم إتلاف ماله المؤمَّن عليه بحريق أو غيره ليحصل على مبلغ التأمين، وخاصة إذا كانت البضاعة المؤمَّن عليها كاسدة في الأسواق، أو فات وقتها، أو اكتشف فيها عيبًا، وهذه الحوادث مشهورة ومنتشرة، وهي أشد ما تخشاه شركات التأمين، وتشدد في التحقق منه عند وقوع الحادث، ومثل هذا التصرف خسارةٌ على اقتصاد الأمة، وعدوان بغير حق.

رابعًا: التسبب في كثير من الجرائم:

بسبب إغراء المال والطمع في الحصول على مبالغ التأمين يُقْدِمُ عددٌ من المؤمَّن لهم بهذه المبالغ، أو المستحقين لها بعد أصحابها على ارتكاب جرائم شنيعة من القتل وإفساد الأموال بما لا يخطر على بال، وإنه لمنتهى العجب أن يكون التأمين الذي يُقصد به اتقاءَ الأخطارِ أعظمُ سببٍ لأشنع الأخطار!

خامسًا: إبطال حقوق الآخرين:

تستخدم شركاتُ التأمين أعدادًا كبيرة من أشهر المحامين في العالم ليتولوا الدفاع بالحق أو الباطل لإبطال حُجَج خصومِها من المؤمَّن لهم، وهي لا تقف عند هذا الحد، بل إنها تستميل بالمال من تستطيع من الأطباء المقررين، وقضاةِ المحاكم القانونيين، وكل من له أثر في تقرير الحوادث.

سادسًا: ضياع المحافظة الفردية على الممتلكات:

يتسبب التأمين في وقوع كثير من الإهمال لدى المؤمَّن لهم الذين لا يعتنون ولا يحافظون على أموالهم وممتلكاتهم كمحافظتهم على أموالهم غير المؤمَّن عليها، بل قد يصل الأمر بهم إلى حد الرغبة في تلف بعض الأعيان المؤمَّن عليها طمعًا في مبلغ تأمينها الذي قد يفوق قيمتها، فعدم المبالاة وترك الحراسة الفردية المشددة على الأموال والممتلكات بسبب التأمين إهدارٌ لأعظم أسباب الأمن والسلامة، وإغراءٌ بارتكاب الجرائم والنهب والاختلاس، وتعطيلٌ لغريزة الوقاية التي خلقها الله في الإنسان.

 سابعًا: تخويف الناس والتغرير بهم:

إذا كان السبب والأصل الذي دفع الناس إلى الأخذ بالتأمين هو الخوف من المستقبل المجهول، وعدم توكلهم على الله، وعدم ثقتهم بأنفسهم في مواجهة الأحداث؛ فإن شركات التأمين قد استغلت هذا الدافع أسوأ استغلال، فجسَّمت أمامَهم المخاطر، وعظَّمت في أعينهم الأحداث، وربَّتِ الناس على عدم قدرة الفرد أو الجماعة على مواجهة المستقبل، بل أخافت الدول نفسها، وزينت لها وللناس اللجوء إلى شركات التأمين التي جعلتها أمامهم هي وحدها القادرة على مواجهة هذه الأمور العِظام، وعلى التصدي لتجنيب الناس أضرار الكوارث ومساوئ الأحداث؛ فهي في الحقيقة شركاتُ تخويفٍ لا تأمين؛ فإنها تُبعِد الناس عن التوكل على الله، وتخيفهم وترعبهم، وتدمر ثقتهم بأنفسهم، ثم تدعوهم إلى تأمين أنفسهم ضد ما أخافتهم؛ وهذا هو المرتكز والمبدأ الأول في سياستها الدعائية، وهو مبدأُ تغريرٍ وخداعٍ لا يُقره دين، ولا عقلٌ ولا خُلُق.

أيها المسلمون، التأمينُ قائمٌ على أربع دعائم كلُّ واحدةٍ منها كفيلةٌ بتحريمه والنهي عنه، ألا وهي:

الربا، والقمار، والغرر، وأكل أموال الناس بالباطل.

أولًا الربا: فالتأمين قائم على الربا بنوعيه ربا الفضل والنسيئة، فإذا دفعت شركة التأمين للمستأمن أو لورثته أكثر مما دفعه من النقود فهو ربا فضل، وهي تدفع ذلك للمستأمن بعد مدة من العقد بلا مقابضة، وهذا ربا النسيئة.

ثانيًا القمار والميسر: فلا يتصور قيام تأمينٍ إلا بوجود احتمال الغُنم أو الغُرم، وهذا هو الميسر المحرِّم بنص القرآن، فحقيقة عقد التأمين أن شركة التأمين تقول للمغرَّر به: ادفع شيئًا معلومًا، فإن أصابك حادثٌ دفعنا لك شيئًا مجهولًا، وإن لم يصبك خَسِرْت ما دفعت.

ثالثًا حصول الغَرر بأنواعه الثلاثة: غرر الحصول، وغرر الأجل، وغرر المقدار: وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، وهو كل ما فيه خطر، ويكون مجهولَ العاقبة لا يُدرى أيكون أم لا، فالمشارك في التأمين لا يدري أيحصل عليه حادثٌ أو لا، ولا يدري متى يحصل، ولا يدري مقدار ما يعوَّض!

رابعًا أكل أموال الناس بالباطل: والله سبحانه يقول الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: 29].

ولهذه الأسباب أجمعت المجامعُ الفقهيةُ على حرمة التأمين التجاري بجميع أنواعِه سواء كان على النفس أو الصحة أو السيارة أو المحلات أو البضائع أو غير ذلك، وأجاز العلماءُ التأمين التعاوني الذي لا يُقصد به الربح، وإنما يُقصد به التعاونُ على تفتيت الأخطار، والتعاونُ على تحمل الضرر، والاشتراكُ في تحمل المسئولية عند نزول الكوارث، وذلك عن طريق إسهام أشخاصٍ بمبالغ نقديةٍ تُخصص لتعويض من يصيبه الضررُ منهم، من غير قصدِ التجارة، ولا قصدِ الربح من أموالِ غيرهم، ولكنَّ هذا التأمينَ التعاونيَّ قلَّ أن يوجد، وقد ادعت بعض شركات التأمين أنها تعاونية والحقيقة أنها شركاتُ تأمينٍ تجاريةٍ مخادعِة! فليس كلُّ بيضاء شحمة، وما أكثرَ الكذبِ والتدليسِ في المعاملات المالية، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: 27، 28]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال)).

أيها المسلمون، أهل العلم يحذِّرون المسلم من التعامل مع شركات التأمين التجاري في حال الاختيار، أما في حال الاضطرار فالإثم على من ألزمك بالتأمين، فإن حصل عليك حادثٌ فلك أن تأخذ منهم قدر ما دفعت لهم بلا زيادة، ﴿لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 279].

أيها المسلمون لنتوكل على الله في جلب ما ينفعُنا، ودفع ما يضرنا، مع الأخذ بالأسباب الشرعية، وترك الأسباب الموهومة المخالفة للشريعة، ولنتواصى بالحق، ولنتواصى بالصبر، قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51]، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم: 12]، ويقول الله سبحانه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155 - 157].

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾ [التغابن: 16]، وأقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الجنة ثوابًا للمؤمنين المتقين، وجعل النار مثوى الكافرين والفجار والمنافقين والمرابين والمخادعين، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أما بعد:

أيها المسلمون، ليس هناك على وجه الأرض نظامٌ يؤمِّن الإنسان تأمينًا حقيقيًا في دينِه وعيشِه ومالِه ونفسه وعرضه إلا نظام الإسلام، فنحن قوم أعزنا اللهُ بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، فنظام الإسلام شاملٌ كاملٌ وافٍ بكل احتياجات الإنسان، وقد أوجد الإسلام حلولًا عمليةً حقيقةً لما يتعرض له الإنسان من مخاطر وحوادث، فمن تلك الحلول:

أولًا: بيتُ مال المسلمين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من مات وعليه دينٌ ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤه))، فيجب على الدولة شرعًا أن تعين من وقع عليه حادثٌ أو أصابته جائحة، وهذا من مسئوليات الدولة في الإسلام.

ثانيًا: الزكاة، وهي ركنٌ من أركان الإسلام، ولو أُخرِجتِ الزكاةُ على الوجه المشروع، وصُرِفَت في مصارفها الشرعية؛ لما وُجِد في بلاد المسلمين فقيرٌ ولا محتاج، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة)).

ثالثًا: الصدقات العامة، وهذا بابٌ واسع، وهو ساحةُ سباقٍ لفُرسان البذلِ والإحسان من أغنياء المسلمين، لمدِّ يدِ العونِ لكل منكوبٍ أو متضررٍ أو محتاج.

رابعًا: رفعُ الحرج وأضرار الحوادث عن طريق تعاون العائلةِ أو أهلِ المسجد أو الحيِ أو أهلِ القرية، قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].

خامسًا: أن يدخر الإنسان سواء كان فردًا أو مؤسسة مبلغًا ماليًّا يحتفظ فيه، ويستقطعه من أرباحه، فبدلًا من أن يُسلم هذا المبلغ شهريًّا لشركات التأمين، يقوم هو بادخاره والمتاجرة به لوقت الأزمات، وينتفع منه في وقت الكوارث والملمات.

سادسًا: إذا وُجِدت شركةُ تأمينٍ إسلاميةٍ حقيقة لا ادعاء، قصدها التعاون مع المشتركين لا التجارة، وكان فيها هيئةُ مراقبةٍ شرعيةٍ من العلماء الراسخين، فلا حرج في التعامل معها بعد التحري والتأكد والتبين والتثبت من عدم مخالفتها للشريعة، وإلا فدعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك، وللأسف بعض شركات التأمين تدَّعي أنها شركاتُ تأمينٍ تعاونيةٍ وإسلامية، وهي في الحقيقة شركاتُ تأمينٍ ربحيةٍ ابتزازية، يقولون ما لا يفعلون، ويَغُرون الناس بالدعاوى الكاذبة، ويحتالون على الحرام بالدعايات الخادعة.

أيها المسلمون، يجب أن نتقي اللهَ فنُحِل ما أحل الله، ونُحرِّم ما حرم الله، ونؤمنَ بأن شريعة الله حكيمةٌ تجلب لنا المصالح في ديننا ودنيانا، وتدفع عنا المفاسد كلها، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8]، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50]، والحكم في التحليل والتحريم والتشريع هو لله وحده كما قال الله تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 26] وقال: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [يوسف: 40]، وعلى المؤمن أن يذعن لشرع الله، ويسأل عن حكم الله في المعاملات المالية ليعمل به، ولا يرضى بحكم غير الله، ولا يُقدِّم على حكم الله هوى أو عادة أو استحسانًا، ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36].

وعلينا أن نسأل علماء الشريعة عن الحلال والحرام كما أمرنا الله بقوله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: 7]، ووظيفة العلماء أن يبينوا للناس الحلال والحرام من كتاب الله وسنة رسول الله، ولا يحل لأحدٍ أن يُحلل ويحرم بلا دليل من شرع الله، قال الله سبحانه: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ [النحل: 116].

وعلى المسؤولين أن يتقوا الله تعالى في أمتهم، وألا يُجبِروا الناس على التأمين وقد أفتى العلماء بحرمته وضرره، فهم في غِنية عن تحملِ أوزارِ الناسِ إلى أوزارهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الحلال بيِّنٌ، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعِرضِه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)).

﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [الممتحنة: 4]، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونعوذ بك من أكل الحرام، ومن الربا والقمار، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال جميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، اللهم وصل وسلم على نبينا محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته.

المرفقات

1723107970_حقيقة شركات التأمين.docx

1723107971_حقيقة شركات التأمين.pdf

المشاهدات 254 | التعليقات 0