حقيقة الشرك المنافي للتوحيد

أبو عبد الله الأنصاري
1433/09/16 - 2012/08/04 05:25AM
تحدثنا في آخر لقاء لنا عن الكلمة الطيبة كلمة التوحيد والإخلاص وبينَّا فضلها وشرفها واستعرضنا الأدلة من القرآن والسنة في عوائدها وثمراتها وعرجنا – بعد ذلك - على ضرورة العلم بمعناها وأنه إنما ينتفع بهذه الكلمة فيسعد بها في الدنيا وينجو بها عند الله تعالى في الآخرة من قالها وهو يفقه معناها ويدرك مضمونها ، ثم تحدثنا عن المعنى العظيم الذي دلت عليه هذه الكلمة وهو أنه لا معبود بحق إلا الله بمعنى أنه ليس هناك من يستحق أن يعبد ويعظم ويدعى ويرجى ويُلجأ إليه في السراء والضراء ويستغاث ويستعان به إلا الله تعالى فهو الإله المعبود الحق الذي له من الخلق والأمر والجلال والكمال ما أوجب أنه يكون وحده المستحق للعبادة .
واليوم - أيها الكرام المباركون – نصل الحديث عن هذه الكلمة بما مضى لنتحدث عن ضد كلمة التوحيد ونقيضها ، ومفسدها ومبطلها ، وعن الأمر الذي لا قيمة لهذه الكلمة عند من أتى به أو وقع فيه ألا وهو الشرك بالله تعالى في العبادة بأن يقصد العبد بعباداته أو بشيء منها غير ربه وخالقه ، فيكون قد نقض هذه الكلمة حين قالها بلسانه وخالفها بفعله ، وما ذاك إلا أن هذه الكلمة توجب على قائلها ألا يعبد إلا الله ولا يقصد ولا يدعو إلا الله كما قال تعالى : (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم ) أي : ومعبودكم معبود واحد لا معبود لكم غيره . وقال تعالى : ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ، قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) .
فإذا صرف العبد شيئاً من العبادات لغير الله فقد أبطل معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله التي قامت على النهي عن ذلك .
والله تعالى إنما أنزل كتبه على الناس وأرسل رسله إليهم لدعوتهم إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله المتحقق في عبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن عبادة غيره والشرك به المناقض لها كما قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون) ، وقال عز وجل : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) .
معاشر الناس : والشرك بالله وعبادة غيره معه هو دين المشركين الذي كانوا عليه والذي بعث الله تعالى رسله بالنهي عنه وإبطاله كما قال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ) ، ويقول تبارك وتعالى : ( هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِين ) ، ولذلك قال الله تعالى عن أولئك المشركين : (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ – أي لا معبود بحق إلا الله - يَسْتَكْبِرُونَ ، وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا – أي معبوداتنا - لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ قال الله: (بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ).
والشرك بالله تعالى هو أعظم الفساد في الأرض الداخل في قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إصْلَاحِهَا } فَإِنَّ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ وَالدَّعْوَةَ إلَى غَيْرِهِ وَالشِّرْكَ بِهِ هُوَ أَعْظَمُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بَلْ فَسَادُ الْأَرْضِ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ومن أشد ما في الشرك بالله من الفساد أنه يفسد فطر الخلق التي فطرهم الله عليها فإن الله خلق الخلق على الفطرة التي قال عنها : ( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) فأخبر سبحانه أنه فطر عباده على إقامة الوجه له حنيفا وهو عبادة الله وحده لا شريك له فإن فطرة الله التي فطر الناس عليها وما جعله الله في قلوب الناس من المعارف العقلية يهدي العبد إلى أن الله وحده هو المستحق للتعظيم والإجلال والعبادة كما أن الفطرة تستنكر الإشراك بالله والخضوع لغيره والذل والقصد واللجوء لسواه ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول - في دعاء الاستفتاح في صلاته - : « وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين » . وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلمقال : ( يقول الله تبارك وتعالى : إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ) .
والشرك بالله هو أظلم الظلم بل هو الظلم العظيم كما سماه الله تعالى بذلك في قوله : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .وإذا كان الله تعالى إنما أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ كما قَالَ تَعَالَى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) والقسط هو الْعَدْلُ ، فإن مِنْ أَعْظَمِ الْقِسْطِ التَّوْحِيدُ وقصد الله بالعبادة لأنه المستحق لها دون ما سواه ، فيكون توحيد الله بالعبادة هُوَ رَأْسُ الْعَدْلِ وَقِوَامُهُ ، ويكون الشِّرْكُ أَظْلَمُ الظُّلْمِ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فإن رأسَ العدلِ عبادةُ الله وحدَه لا شريكَ له، كما أن رأسَ الظلم هو الشرك، إذ كان الظلمُ وضعَ الشيء في غيرِ موضعه، ولا أظلم ممن وضعَ العبادةَ في غيرِ موضعِها فعَبَدَ غيرَ الله، فعبادةُ الله أصلُ العدل والاستقامة. قال تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) .
ولأجل ذلك كله كَانَ الإشراك بالله وقصد غيره بالعبادات هو أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ ، وَأَبَاحَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَهْلَهُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ ، وَأَنْ يَتَّخِذُوهُمْ عَبِيدًا لَهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْقِيَامَ بِعُبُودِيَّتِهِ ، وَأَبَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُشْرِكٍ عَمَلًا أَوْ يَقْبَلَ فِيهِ شَفَاعَةً أَوْ يَسْتَجِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ دَعْوَةً ، أَوْ يُقِيلَ لَهُ عَثْرَةً ، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ بِاللَّهِ ، حَيْثُ جَعَلَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نِدًّا ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ بِهِ ، كَمَا أَنَّهُ غَايَةُ الظُّلْمِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُ لَمْ يَظْلِمْ رَبَّهُ وَإِنَّمَا ظَلَمَ نَفْسَهُ .
ومن صرف عبادة من العبادات لغير الله فقد سوى بين الله تعالى وبين من صرف له العبادة كما يقولَ أَصْحَابُ هَذَا الشِّرْكِ لِمن كانوا يعبدونهم في الدنيا من الطواغيت وَقَدْ جَمَعَتهُمُ الْجَحِيمُ : ( تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ مَا سَوَّوْهُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْخَلْقِ ، وَالرِّزْقِ ، وَالْإِمَاتَةِ ، وَالْإِحْيَاءِ ، وَالْمُلْكِ ، وَالْقُدْرَةِ ، فإنهم يعلمون أن الذين كانوا يعبدونهم من دون الله لا يخلقون ولا يرزقون ولا يحيون ولا يميتون ، وَإِنَّمَا سَوَّوْهُمْ بِهِ فِي عبادتهم ودعائهم والاستغاثة بهم والذبح والنذر لهم وَالْخُضُوعِ لَهُمْ ، وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ ، إذ كَيْفَ يُسَوَى التُّرَابُ بِرَبِّ الْأَرْبَابِ ، وَكَيْفَ يُسَوَى الْعَبِيدُ بِمَالِكِ الرِّقَابِ ، وَكَيْفَ يُسَوَى الْفَقِيرُ الضَّعِيفُ الْعَاجِزُ الْمُحْتَاجُ ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ إِلَّا الْعَدَمُ ، بِالْغَنِيِّ ، الْقَادِرِ ، الَّذِي غِنَاهُ ، وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَجُودُهُ ، وَإِحْسَانُهُ ، وَعِلْمُهُ ، وَرَحْمَتُهُ ، وَكَمَالُهُ الْمُطْلَقُ التَّامُّ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ ؟
فَأَيُّ ظُلْمٍ أَقْبَحُ مِنْ هَذَا ؟ وَأَيُّ حُكْمٍ أَشَدُّ جَوْرًا مِنْهُ ؟ حَيْثُ عَدَلَ مَنْ لَا عِدْلَ لَهُ بِخَلْقِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) ومعنى يعدلون : أي يجعلون له عدلاً ونداً يدعونه كما يدعون الله ويقصدونه كما يقصدون الله . وأصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده فإنه لم يعدل أحد بالله شيئا من المخلوقات في جميع الأمور فمن عبد غيره أو توكل عليه فهو مشرك به .
فَعَدَلَ الْمُشْرِكُ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ، بِمَنْ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ، فَيَا لَه مِنْ عَدْلٍ تَضَمَّنَ أَكْبَرَ الظُّلْمِ وَأَقْبَحَهُ . قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( وليس في العقل دليل أوضح من قبح ما نهى الله عنه من الشرك بالله بأن يُجعل له عديل من خلقه فيعبد كما يعبد ويحب كما يحب ويعظم كما يعظم ) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ( والمقصود : أن الشرك لما كان أظلم الظلم وأقبح القبائح وأنكر المنكرات كان أبغض الأشياء إلى الله تعالى وأكرهها له وأشدها مقتا لديه ورتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه وأخبر أنه لا يغفره وأن أهله نجس ومنعهم من قربان حرمه وحرم ذبائحهم ومناكحتهم وقطع الموالاة بينهم وبين المؤمنين وجعلهم أعداء له سبحانه ولملائكته ورسله وللمؤمنين وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم وأن يتخذوهم عبيدا ، وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية ، وتنقيص لعظمة الإلهية وسوء ظن برب العالمين كما قال تعالى : ( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ) فلم يجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جمع على أهل الشرك فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به ولو أحسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده ولهذا أخبر سبحانه عن المشركين أنهم ما قدروه حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابه وكيف يقدره حق قدره من جعل له عدلا وندا يحبه ويخافه ويرجوه ويذل له ويخضع له ويهرب من سخطه ويؤثر مرضاته ) .
الخطبة الثانية
والشرك بالله تعالى في العبادة ضد ما أمر الله تعالى به من إخلاص الدين له وإسلام الوجه له كما قال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ، أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) وقال سبحانه : ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ، وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ، قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ، فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ) ، وأمر به في قوله : ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين ) ، وقوله جل وعلا : ( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون ) ، ، وحصر الله الدين في تحقيق الإخلاص وأخبر أنه دين القيمة فقال : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة ) .
قال ابن القيم رحمه الله : ( وَالْإِخْلَاصُ : أَنْ يُخْلِصَ لِلَّهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَإِرَادَتِهِ وَنِيَّتِهِ ، وَهَذِهِ هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ كُلَّهُمْ ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهَا ، وَهِيَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) . وَهِيَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي مَنْ رَغِبَ عَنْهَا فَهُوَ مِنْ أَسَفَهِ السُّفَهَاءِ ) .
والمقصود أن حقيقة الإخلاص الذي أمر الله تعالى به هو أن تكون عبادات المرء كلها من صلاة ودعاء وخوف ورجاء ونذر وذبح واستعانة واستغاثة كلها خالصة لوجه الله لا يقصد بشيء منها غير الله ولا يتوجه بأي منها لسوى الله ، وكما قال سبحانه : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ، قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شيء ) .
المشاهدات 2518 | التعليقات 0